تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

فاز بذهبية مهرجان دبي السينمائي الدولي الخامس

«ذاكرة الصبّار»: هنا كانت فلسطين.. وهنا ستبقى!

بشار إبراهيم

هذه فلسطين.. انظرْ إليها.. وكلما رأيتَ نبتةَ صبار، حُكَّ جلد التراب، ينكشف لك عن قرية فلسطينية، كانت هنا، وأدماها الدمار..

كأنما حال فيلم «ذاكرة الصبار» للمخرج حنا مصلح يقول ذلك، أو بالأدق يعود لقول ذلك، إذ مرّت على هذه المقولة عشرات الأفلام الفلسطينية، مما ينتسب إلى «تيار الذاكرة»؛ ذاكرة المكان، وذاكرة الإنسان، فانكشفت (وما تزال)، عن عشرات القصص والحكايات لناس فلسطينيين عاديين، ينطوون على قصصهم وحكاياتهم، التي لم تتمكّن سنوات النكبة والنكسة والحصار والاجتياح، من محوها..

والمخرج حنا مصلح، المولود في بيت جالا عام 1945، والذي درس في جامعة لينينغراد، وعمل في التدريس للتاريخ والدراسات الثقافية في جامعة بيت لحم منذ عام 1980، ونال شهادة ماجستير في علم الأجناس الرؤيوي (الأنثروبولوجيا البصرية) في جامعة مانشستر، بريطانيا 1991، وحقق العديد من الأفلام، منها: «عرس سحر» 1991، «نحن جنود الله» 1993، «التاريخ يصنع الرجال» 1995، «كرامة العيش» 2002، «أنا ملاك صغير» 2002.. يأتي للمرة الأولى في حياته مشاركاً في مهرجان سينمائي عربي، فينال الجائزة الأولى (المهر الذهبي للإبداع العربي في مجال الأفلام الوثائقية)، وسط دهشة الجميع.

«شاركتُ في المهرجان حتى أرى صديقي عبد السلام شحادة».. يقول المخرج حنا مصلح.. ولن أفاجأ بكلامه، فما بين بيت لحم وقطاع غزة اليوم مسافة لا تجتازها إلا طلقات جند الاحتلال، وبساطيره، وجنازير مدرعاته.. المفاجئ في الكلام أنها المرة الأولى التي يحضر فيها هذا المخرج، ذو الباع الطويلة، والتجربة المديدة في صناعة الأفلام الوثائقية التسجيلية، مهرجاناً سينمائياً عربياً!..

يأتي حنا مصلح إلى مهرجان دبي السينمائي الدولي، مصداقاً عملياً لما أعلنه مسعود أمر الله، المدير الفني للمهرجان بأن «فلسطين حاضرة دوماً، في المهرجان وفي القلب». والسينما الفلسطينية التي شبَّت عن الطوق، ما عادت كما كانت من قبل.. لم تعد ذاك الضيف الذي يغمره التعاطف، أو العطف، ولا المنافس الذي يأخذ جائزة على هيئة «بقشيش».. السينما الفلسطينية باتت تدخل منافساً قوياً، ونداً صلباً. يحمل قضيته، ولا يتكئ عليها. يقدم مقترحه الفني والمضموني، ومشروعه البصري والرؤيوي، ويطلب (بل ويرجو) أن تخضع أدواته الفنية، ونصوصه الإبداعية، لمقاييس الحكم والتحكيم، بما فيها، وليس بما هي فيه!..

لن يستطيع أحد، مهما كان، القول إن لجنة التحكيم المتخصصة، مالأت الفيلم الفلسطيني، أو تعاطفت معه، بل من نافل القول إنه فيلم يستحق الجائزة، دون أدنى شك، بل إن فيلم صديقه المخرج الفلسطيني عبد السلام شحادة، والمُعنون «إلى أبي» (والذي كتبنا عنه هنا، قبل وقت: انظر: نوافذ المستقبل 21/9/2008)، لا يقل جدارة بالفوز بالجائزة، من ناحيته أيضاً!..

و»ذاكرة الصبار»، فيلم وثائقي تسجيلي، متوسط الطول (مدته 42 دقيقة)، أنتجته هذا العام 2008، مؤسسة الحق، إحدى منظمات حقوق الإنسان العاملة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وهو فيلم يرصد زمنه لتناول حكاية ثلاث قرى فلسطينية احتلت عام 1967، هي قرى اللطرون: يالو، عمواس، بيت نوبا.

في تقديمه للفيلم، لحظة عرضه الأول في المهرجان، قال عرفان رشيد، المستشار الفني لمدير المهرجان، إن من أبرز مميزات هذا الفيلم أنه يقدم أصواتاً إسرائيلية تنفر عن السياسة العامة لإسرائيل. ومع ذلك فإن الفيلم لن ينسى الاشارة الواضحة إلى أن الأصوات الإسرائيلية الواردة في الفيلم «هي وجهات نظر تعبرعن رأي شريحة ضئيلة من المجتمع الإسرائيلي»!.. لينجو الفيلم بمشاهديه من ربقة الخديعة التي يمكن للبعض أن يغرّ بها..

يبدأ الفيلم مرافقاً رحلة كشفية لمجموعة من الطلبة الاسرائيليين، يقودها الأستاذ «إيتان برنشتاين» مدير مؤسسة ذاكرات، نرى الأستاذ يطلب من الطلبة قراءة المكتوب على اليافطتين المتوفرتين في المكان. أحد الطلاب يقرأ: «حمامات رومانية». والأستاذ يشرح: «هنا كانت ثلاثة قرى موجودة، وذلك لغاية عام 1967، وهي جزء من الأردن. في عام 1949 توقع إسرائيل والأردن على اتفاقية وقف إطلاق نار، ويحددون الحدود. الحدود شاهدتموها على الخارطة قبل الآن.. هذا جزء من الأردن. نحن الآن نقف على أرض كانت لغاية 1967 خاضعة للأردن. كانت هنا ثلاثة قرى: يالو، عمواس، بيت نوبا. وفي عام 1967، قامت إسرائيل باحتلال هذه الأراضي. وقامت على الفور بهدم الثلاثة قرى، وذلك خلال حرب الأيام الستة».

تختفي فلسطين من الرواية التي يسردها مدير مؤسسة ذاكرات، على الرغم ما يبدو عليه من رفض لمبدأ الاحتلال، والهدم، والمحو.. إنه يمارس المحو بطريقة أخرى، لا تقل فجيعة. كأنما الأستاذ يذهل عن حقيقة أن هذه الأرض وإن خضعت بسبب النكبة وعلى إثرها للسلطات الأردنية.. إلا أن لا أحد يقول بإردنية هذه الأرض، حتى الأردن نفسه.

ينتقل الفيلم من هذه المقدمة، ليدخل في متنه، ويعرفنا على حامله الدرامي، الذي يبدو على هيئة امرأة مسنة.. نراها تتكئ على ما يعينها على السير.. يأتينا صوتها: «أنا عايشة.. من يالو.. ولدت سنة الـ 32.. كان عندنا بيت أوضتين ومنافعهن.. كنا ناويين نوسعهن.. صارت حرب الـ 67 .. ولا ساوينا شي»..

أم ناجح، هذه الامرأة الفلسطينية النموذج، بهيأتها، وكلامها، ولكنتها، ولهجتها، وقبل ذلك معه بقصتها التي اختزنتها أربعين.. ستقودنا عبر الفيلم لمعرفة الحكاية المتوارية وراء احتلال هذه القرى الفلسطينية الثلاث، ومحوها عن الخارطة، دون التمكن أبداً من محورها من الذاكرة، ومن وجوه أبنائها، الذين تكاثروا جيلاً بعد، داخل فلسطين وخارجها، تحت الاحتلال وفي بلدان الشتات يحملون حلمهم وذاكراتهم، ولا ينسون..

ينجح المخرج حنا مصلح بالحصول على مشاهد أرشيفية جديدة، سواء لوقائع من حرب 1967، أو مشاهد أرشيفية للجيش الإسرائيلي، وأبرز قادته في تلك الحرب، ومشاهد تبين «دير اللطرون»، في حالته التي كان عليها عام 1967.. وسيكون جزء من هذه المشاهد السينمائية، والصور الفوتوغرافية، عاملاً هاماً في الفيلم، خاصة وهو يحاول كشط التراب عن وجوه القرى المدماة، وأمكنتها الأثيرة، وحاراتها، وبيوتها.. وبعث ذاكرتها من الرماد..

المصور الإسرائيلي «يوسف هوكمان» يتحدث عن تصويره للقرية من زواياها المختلفة، ويشير في المكان إلى بقايا قضبان الحديد التي كانت بيوت القرية تنهض عليها، قبل أربعين عاماً.. هوكمان يقول عن قضيب الحديد: «أربعين سنة، وما زال يصرخ».. يشير إلى الخواء.. «ذلك ما أصاب القرية.. وهذا ما تبقى منها»..

المؤرخ الإسرائيلي د. إيلان بابيه، يقول: «أعتقد أن هدم ثلاث قرى في منطقة اللطرون هو سياسي، ولا يمكنني القول يأنه سياسة إيديولوجية.. الدافع الأساسي لسياسات الاحتلال الذي يفرغ البلاد من سكانها هو ديموغرافي.. الرغبة بإيجاد مكان لليهود، في نفس المكان الذي كان يوماً مكاناً فلسطيني. بطرق متعددة، كانت عملية اللطرون استكمالاً للتطهير العرقي الذي حصل في عام 1948».

المصور «هوكمان» يقول: «هذا كان صعباً. أنا شعرت بأنني أصور مأساة حدثت لعائلات وأفراد شعب. قمت بتصوير اثنين من أسرة كانوا يحاولون تحميل كل الأشياء على حمار. وكانت تقع. في حين كان جندي ينتظر ويراقب. كانوا يحملون الأشياء مرة أخرى، والأشياء تقع من جديد. وأنا كنت أصور.. هذه مشاهد ليست مريحة، لا للتصوير، ولا للمشاهدة».. وينتقل إلى صور أخرى، ويكمل القول: «في المقدمة فتاة وأغنام، والمرأة معها رضيع وأطفال. الرجل بجانب الحمار مع كل الأغراض. كل البيت.. لكن ذلك ليس كل البيت. الأرض بقيت في عمواس. بيتهم. كل شيء بقي هناك. أنا متأكد عندما دخلت إلى البيوت، تولد لدي شعور بأنهم تركوا البيوت على هذه الصورة من أجل العودة إليها».

مُحاور يسأل المصور: هل كانوا يسيرون بهدوء؟.. هل كانوا يتحدثون؟..

المصور: لم يكونوا يتفوهون بكلمة. هدوء سكوت مطلق. ويجتهدون حتى الموت. ذلك كان سكوت تام.

المحاور: هل كان هناك بكاء؟..

المصور: عندها لم يكونوا في حالة بكاء. كانوا يريدون الوصول إلى مكان آمن. هم يريدون الوصول لمكان آخر. هم كانوا على الطريق.

المحاور: هل كانوا يسيرون بهدوء وصمت؟..

المصور: كلهم.. لقد كانوا بالآلاف.

ربما هي من المرات النادرة، وأعتقد الأولى، التي يقدم فيلم وثائقي فلسطيني الصورة الفلسطينية كما كان يراها مصور إسرائيلي. تماماً كما يعتد على التصريحات المثيرة التي يذهب إليها المؤرخ إيلان بابيه، والذي يقول: «كان الإسرائيليون قد قرروا في الخمسينيات بأن أي فعل من أجل العودة هو إرهاب. ادعوا بأن هؤلاء الأشخاص إرهابيين. وإن كانوا قد عادوا من أجل حصاد الحقول أو بحثاً عن بقرة ضائعة أو أي شيء. لذلك فقد كان هذا الإجراء منذراً ويلمح للنية التي لم يعرها أحد اهتماماً. وهي أنه، وفي اللحظة التي يتم فيها طردك من المكان، وتحاول العودة إليه، فإنك تصبح إرهابياً بسبب رغبتك في العودة إلى قريتك».

يبلغ الفيلم إحدى ذراه المؤثرة عندما تروي حكاية قتل أبو ناجح.. ومن ثم تأخذ بوصف بأجمل العبارات، التي تملكها: «كان طويل.. رفيع.. عيناه عسليتان.. كان حبوب.. الكل يحبه.. كل اللحظات حلوة.. ما زعلت ولا يوم منه.. كان يحب الأولاد.. يلاعبهم».. والدموع تنهال من عينيها، على رجلها الذي قتل منذ أربعين عاماً.

ولأن الذاكرة أقوى مما تفعله إسرائيل، ومما تريد، فإن كبار السن يتحدثون عن قريتهم.. ثمة رجل يؤشر بعكازته، يشرح على صورة قديمة، ويستعيد توزع البيوت التي كانت: «هذي دار العبد محمد العبد أبو رحيم. هذي دار مصطفى شحادة. هذه حارة دار الرُّب. هذه حارة دار زيّاد. حارة دار الشيخ، ودار مصطفى علي». تماماً، كما رأينا في العديد من الأفلام الفلسطينية التي ترصد ذاكرة المكان والإنسان، يقوم الفلسطينيون بإعادة رسم المكان، في محاولة منهم إعادة إحيائه، وإبقائه حياً في ذاكرة الأجيال التي تأتي، وستأتي.

محاولة الإحياء هي الضد العملي لجريمة الحرب التي قام بها جيش الاحتلال، والتي يؤكدها د. إيلان بابيه، بقوله: «أعتقد أن السياسيين الذين اتخذوا القرار بطرد سكان القرى الثلاث، والقادة الذين أمروا جنودهم بتنفيذ القرار، والجنود أنفسهم الذين نفذوا الأوامر، جميعهم اشتركوا في جريمة حرب. في الحقيقة ووفقاً للقانون الدولي، فإن ما قاموا به هو أسوأ من جريمة حرب. إنها جريمة ضد الإنسانية، لأن تعريف التطهير العرقي في القانون هو جريمة ضد الإنسانية.. لذلك فهم مجرمون، وبدرجات ذنب مختلفة بالطبع. لأنهم قاموا بما قاموا به وهم على علم بما يفعلون، وعن قصد وبدافع أيديولوجي».

منذ هذه اللحظة سيأخذ فيلم «ذاكرة الصبار» على عاتقه مهمة فضح المأزق الأخلاقي الذي يشعر به قطاع من الإسرائيليين، جراء الممارسات الحمقاء التي تمت إبان النكبة والنكسة، والتي تستمر حتى اليوم. المؤرخ د. إيلان بابيه، سيقول : «أعتقد أن أي يهودي في إسرائيل، ولديه درجة من الصدق، لا يمكنه أن يتجنب المقارنة بين ما حدث مع الفلسطينيين في 1948، و1967، وحتى لاحقاً في سنوات الاحتلال الطويلة، ببعض الفصول غير السعيدة والمخيفة من تاريخ اليهود الأوروبيين. أعتقد أن غالبية الإسرائيليين لا يريدون القيام بهذه المقارنة، لأنها سوف ترغمهم على التفكير بشكل مختلف بأصل الدولة، وطابع الدولة».

بينما ثمة شاب إسرائيلي، لن يتردد في القول: «في منتزه كندا، كما في أماكن أخرى، نجد أنواعاً مختلفة من النباتات. يمكننا مشاهدة الصبار، إذ نراه في العديد من الأماكن حيث كانت توجد قرى فلسطينية. هذا جيد أن نعرف أن في عدة أماكن من البلاد ترى فجأة تواجداً كثيفاً لنباتات الصبار. هذه هي الطريقة المثلى لإدراك أن في هذا المكان كانت قرية فلسطينية».

هذا الكلام سيكون مرتكزاً لحوار فيما بين طلبة الرحلة الكشفية، خاصة بعد أن رأيناهم يأكلون من ثمار المكان.. ينطلق الحوار من قول الأستاذ: «كان هناك الكثير من الأسئلة أثناء الجولة.. أسئلة بصدد من بدأ الحرب؟.. ومن احتل أين؟.. ومن عاش أين؟.. وأين نحن نقيم؟.. في حين نقوم بهذه الجولة الآن الآخرون غير موجودين.. كانوا يستخدمون المياه الموجودة هنا، ويأكلون من هذا العنب، والآن هم يعيشون على بعد عدة كيلومترات من هنا محاطين بالجدران والحواجز، بينما نحن نعيش هنا، ونمتلك المياه، ونأكل هذه الثمار والعنب. وهذا ما ينطبق على كل الأماكن في البلاد».

فتاة إسرائيلية، تعترف: «أنا لا أعرف. أنا لا أشعر بالألم جراء ما حدث لهذه الأماكن، وجراء الاحتلال القسري. أنا أؤمن بأن هذه حقيقة ونتائج القوة والحرب. وذلك يتكرر عبر التاريخ يتقاتلون ويقومون بالاحتلال. لكن لا أحد يريد الحرب. ببساطة عبر التاريخ توجد حروب ويحتلون الأراضي وتتغير الحدود».. ولكن فتاة إسرائيلية أخرى (على صدرها صورة غيفارا)، ترد: «بصدد ما أوردته أنه لا يوجد معاناة بسبب عدم وجود أحد هنا. أنا أعتقد أنه توجد فعلاً توجد معاناة. يمكن أن لا تكون لأنها انتقلت مع الناس إلى أماكن جغرافية متعددة. لكن هذه المعاناة مستمرة».

شاب إسرائيلي آخر يقول: «إذا كان غياب الأشخاص يعني أن هذه الوضعية صحيحة. هؤلاء الناس لم يختفوا لأي مكان، بل إنهم الآن في مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية. وهم ليسوا أشخاصاً أصليين هنالك. ووفقاً للقانون الدولي لهم الحق في العودة إلى بيوتهم. وحتى لو أدى ذلت لتغيير الحدود، وهذه دولة إسرائيل، هذا هو بيتهم. الواقع لا يغير في موقفي. متأسف!!.. بالقدر الذي نفهم ونقول إن ذلك ليس أمراً جيداً، فنحن لا نضع ذلك في المكان الصحيح. لأننا لسنا مستعدين لأن نكون صادقين مع أنفسنا للنهاية. نحن من جهة ندعي الأخلاق في أمور، ومن جهة أخرى نبرر أموراً أنا لست مستعداً أن أكون جزءاً منها. أنا أشعر بالخجل لكوني مواطن في دولة إسرائيل».

وما أن يصل الفيلم إلى لحظة اعتراف شاب إسرائيلي بالخجل من كونه إسرائيلياً، حتى ينتقل إلى الناشط الفلسطيني أحمد أبو الرب، الذي لا يتردد بالقول: «لا أسمح حتى لوالدي أن يتنازل عن حقي في قريتي.. نحن خائفون من التبادلية، كون هذه المنطقة على الحدود. أهلنا رفضوا التعويض، وهم جوعانين.. كيف نفرط بتاريخ آبائنا وأجدادنا؟.. تاريخنا موجود هناك في قرانا»..

وهكذا، وقبل أن يغلق الفيلم الدائرة، يعود إلى سيدته المسنة «أم ناجح»، التي تعترف أنها حتى ما زالت لا ترى في مناماتها إلا القرية وأيامها ووقائعها.. وأنها لا تريد في هذه الدنيا، ألا رغبة واحدة: «أعود إلى يالو.. وأموت في يالو.. هي قليلة طلعتنا؟»..

يختتم فيلم «ذاكرة الصبار» الاحترافي في كل شيء، بصوت المخملية فيروز، تغني: «بعدنا.. من يقصد الكروم؟.. من يملأ السلال؟.. من يقطف الدوالي؟.. بعدنا.. هل تنزل النجوم.. تلهو على التلال، في هدأة الليالي؟.. أرضنا هنا، وربعنا.. وحيث هِمنا وانتشينا.. سحرها لنا، وحلمنا.. وإن رحلنا ومضينا»..

وكان في هذا الاختيار ذكاء عالي القامة، عميق التأثير..

المستقبل اللبنانية في 25 يناير 2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)