تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

أماني الحياة في «قص ولصق»

علي عبد الامير محمد

(ما الحياة الا لعبة كبيرة) ،لابد لك من ترديد هذه المقولة حين تدلف الى عالم المخرجة هالة خليل الذي شيدت اجواءه بحرفية كبيرة واحساس اعلى من خلال فلمها الثاني (قص ولزق)، ويبدو ان غواية العاب الطفولة ما زالت تطرق بالها مستمدة منها رموزا تبني عليها تفاصيل افلامها ناهلة من مدرسة السينما الواقعية الكثير من حيث الحضور الدرامي والوجود الصوري، فباكورة اعمالها شريط روائي قصير أعد بحثا للتخرج من معهد السينما بأسم (طيارة ورق) حمل من السمات ماشد الانظار الى موهبتها الكبيرة في عالم الاخراج السينمائي،اردفته بتجربتها الروائية الاولى فلم (احلى الاوقات) والتي شكلت لبنة قوية لاساس مشروعها السينمائي حين اختارت ان تقدم حياة نسائية خالصة من خلال تعاون مثمر مع الكاتبة المميزة وسام سليمان ،

تشرع هالة خليل في (قص ولزق) بالاخذ على عاتقها كتابة القصة وادارة الاخراج في حين شكل فريق العمل الفني رافدا قويا اسهم في ابراز الفلم بصورة ناضجة من خلال تصوير ادارته عين خبيرة لطارق التلمساني ومونتير متمكن وصاحب تجربة هو خالد مرعي بينما انسابت الموسيقى التصويرية على يد ذائقة مبدعة للفنان تامر كروان،تتشكل قصة الفلم من انماط مختلفة لشخصيات ومشاكل اجتماعية تلتقي وتتداخل فيما بينها دون مغالاة ،اهم مايبرزها حضورها اليومي في حياة المجتمعات العربية عموما والتي تتشابه في الكثير من همومها برغم  الخصوصية التي استند إليها الفلم في طرحه- وهو امر طبيعي كون البيئة مصرية – فثيمته الرئيسية هي ازمة الاغتراب متنقلا بين اشكالها المختلفة(الفكرية ، الاقتصادية، الاجتماعية، العاطفية وحتى الجسدية)، نوازع الروح التي مافتئت تضيق بما حولها من محيط امتلأ بقيود متفاقمة ،تسير الشخصيات بخطوط متوازية ماتلبث ان تتقاطع فيما بينها وتشتبك مشكلة عقدة الحكاية منتهية بأنصهارها في بوتقة مسار واحد يشكل النموذج الذي سعى الفلم الى رسمه ،فمنذ البداية تقدم المخرجة من خلال مشهد الافتتاح وبتجلٍ ممتع لموهبتها مايشبه الملخص لقصة الفلم حين يدلف يوسف (شريف منير) وهو شخص يعمل في تركيب وتصليح الدش والساتلايت الى احدى العمارات متجها نحو المصعد حاملا احد الاطباق وعدة العمل فيناديه البواب بأنه عاطل ولايعمل ،لايجادل ويتخذ طريق السلم للوصول الى الطابق العاشر بينما تدخل بعده جميلة (حنان ترك)-مثل الدور اخر ظهور لها على الشاشة فبعده ارتدت الحجاب واعتزلت- الفتاة التي تعمل في بيع وشراء كل شيء، يخبرها البواب بنفس الكلام ولكنها لاتصدق فتغافله بمكر وتدخل الى المصعد الذي يظهر لنا انه يعمل منطلقا بها نحو الطابق العاشر وسط صراخ البواب عليها ونظرات يوسف المفاجئة ،لو اعدنا قراءة المشهد بالاستناد إلى مجمل القصة لوجدنا انه يوضح نمط الشخصيتين متخذا من العمارة رمزا للحياة وادعاء البواب وممانعته صورة للصعوبات التي تجود بها بينما يمثل المصعد والسلم خيارات الطريق في الوصول الى تحقيق الاهداف والغايات لكل شخصية وحسب تركيبتها الفكرية والسلوكية في حين لايمثل توجههما نحو نفس الطابق وبالمحصلة نفس الشقة الا ارتباط المصير لكليهما بخاتمة المطاف ،جميلة التي تجهد نفسها منذ ثلاث سنوات في تجميع النقاط المطلوبة لنيل الموافقة على الهجرة الى نيوزيلندا راجعت السفارة بعد ان اكد لها المحامي استيفاءها الشروط لتبلغ انها وبسبب بلوغها سن الثلاثين حذف من رصيدها ثلاث نقاط وعليه فإنها لم تكمل ماهو مطلوب ،لهذا لم يتبق لها غير فقرة الزواج التي ستمنحها النقاط المطلوبة بموجب شروط الهجرة ، في اثناء حديثها مع يوسف المهموم بمشاكله تلمع في رأسها فكرة تقدمها له كصفقة لحل مشاكله يتزوجها شكليا على الورق فقط فيمنحها النقاط مقابل حل لكل معوقات حياته واخيه من خلال السفر معها بصفة الزوج وهناك يأخذ كل منهما طريقه، فكرة لم يجد يوسف غيرها حلا ،هكذا ومع اتضاح المعالم العامة لحكاية يوسف وجميلة –مرتكز الفلم- يستمر انسياب الشخصيات باتزان كبير ودون عجالة فمع سامي صديق يوسف(فتحي عبد الوهاب) دائم البحث عن العمل نغوص في عالم البطالة وتداعيتها من انحرافات ،وفي اخرى تأخذنا زينب صديقة جميلة (مروة مهران) للطموح التقليدي للمرأة البحث عن الزواج واشكالياته،بينما نعيش مع يحيى شقيق يوسف(اشرف سرحان) حالة الانكسار باحتجاج صامت على مشاكله المستعصية وهو يرى الشعر الابيض قد بدأ يغزو سواده الآخذ بالتراجع مثل احلامه بتكوين اسرة ،بينما تتألق سوسن بدر(والدة جميلة) بأداء عذب كأم حريصة على تزويج ابنتها وادخال السعادة الى حياتها ولكن وفق طريقتها وكأنك امام انعكاس لاحلامها التي وأدتها الظروف ومحاولة تحقيقها من خلال حياة ابنتها العنيدة ،ومن خلال مشهدين قدمت حنان مطاوع افضل ادوارها شخصية ثريا باستخدامها للغة العيون تارة والانفعالات الجسدية تارة اخرى كتعبير عن حديث طويل يمتليء شجونا وهموماً. 

شكل التكوين المعماري للصورة السينمائية وفضاءات الامكنة المنتقاة بعناية حلقة مضافة لتراكمات الاهمية التي حلق بها (قص ولزق) ، فالتطور الرؤيوي في البناء السينمائي لمراحل الفلم وفق اسلوب المخرجة يبين نضوجها مع كل تجربة تخوضها برغم  انها وقعت احيانا بفخ الاحداث المعروفة سلفا والمرتبة بصورة مكشوفة ،ويبدو ان تضمينها عدداً كبيراً من الظواهر الاجتماعية ومحاولة تسليط الضوء عليها قد اجبرها على ضرورة الترتيب المنظم لظهورها في مراحل الفلم مفقدا اياه دفق مفاجأت الحياة المفرحة والمحزنة. وكشيء لاغنى عنه شكلت الاغاني مثابات الطريق لمسيرة الفلم ،لوحات الدلالة الضرورية كي ترتسم الصورة المراد للمشاهد تلقيها كاملة،فمرة تجد عبد الحليم يأتي من بعيد يناجي بصوته العذب حلم يحيى في الزواج وتكوين اسرة راثيا في الوقت ذاته قلة حيلة يوسف وقصر ذات اليد ،او مشاهد التجوال في المدينة ومن اعماق صخبها ترافقك اصوات الاغاني الشعبية وتقديمها لنفسها كهوية تعريف لشريحة واسعة ،في حين ينطلق صوت نجاة الصغيرة صادحا بأغنية (بحلم معاك) في السيارة اثناء حوار يوسف وجميلة بموضوع الزفة علامة على بدء سريان الحب في جوانحهما برغم  ان الاثنين ما زالا يصران على انها مجرد صفقة لتسهيل الامور ، وغدا محمد عبد الوهاب واغنية (خايف اقول اللي في قلبي) عنوان المحبة التي هاجم بها يوسف مشاعر جميلة المتحفظة وطرق عليها بشدة ،وفي الختام لم تجد المخرجة افضل من شخوص الحكاية انفسهم للتعبير غناءا عن واقع حالهم من خلال لعبة قص الاغاني ولصقها ،البدء من حيث انتهت سابقتها وبتتابع لانهاية له وهو ماتوضحه زينب لجميلة (يبدو ان هذه اللعبة ليس لها نهاية) ،رأي لايترك لهم الا ان يتصالحوا مع النفس بالتصاق اجسادهم كخطوة اولى لصلح مستقبلي مع الحياة

المدى العراقية في 19 يناير 2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)