تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

الارهاب الهوليوودي

قيس قاسم

اغواء على حساب السينما

«بابل اي دي» و«عين النسر» شريطان ينتميان الى موجة الخيال العلمي الجديدة، يشكلان نموذجين لأفلام الموسم المقبل. الأول يحكي قصة مرتزق يكلف بتهريب امرأة الى داخل الولايات المتحدة في مشروع تخريبي، والثاني قصة تبدأ في كابول وتنتهي في واشنطن وتربط وقائعها حبكة مفبركة. انه شباك التذاكر يتغذى من اغراء الارهاب على حساب جودة السينما.

إذا أراد أحد كتاب السيناريو اقناع منتج سينمائي ما في هوليوود، بجودة فكرته، فإن عليه تضمين قصته المقترحة موضوعين: الإرهاب أو اختيار عنوان لفيلم سبق أن حقق أرباحا كبيرة، وتحويره بشكل بسيط مع الحفاظ على اسمه القديم. وما نشرته صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» يوضح الفكرة. قالت: ستجتاحنا، مرة أخرى، موجة أفلام خيال علمي جديدة، معظمها أجزاء تكميلية لأفلام قديمة حققت أرباحا مادية كبيرة مثل «ستار تريك» و«ترميناتور». وأكملت: السبب وراء هذا التوجه بسيط، فالمنتجون لا يريدون المجازفة بإنتاج أفلام جديدة، غير معروفة النتائج، ويفضلون العودة الى أفلام مضمونة النجاح الجماهيري. ومشاهدتنا فيلمي «بابل أي دي» و«عين النسر» تؤكد ان هذا التوجه سيأخذ طريقه بقوة في الموسم السينمائي المقبل!

لن يفهم الباحث عن السينما الجادة، أبدا، كيف أن لفيلم مثل «بابل أي دي» ان يحقق مردودا ماليا فاق حتى توقعات منتجيه. فشريط الخيال العلمي هذا أراد مخرجه ماتيو كاسوفيتش تحميله عنوة، بعدا خياليا. فالقصة مثلها مثل بقية أفلام الإثارة وكل ما أضفاه كاتب السيناريو عليها هو منحها طابعا لاهوتيا، عندما جعل من بطلته أورورا (الممثلة مالينا تيري) أشبه بقديسة تسكن ديرا مهجورا في مكان من الأراضي الروسية. والحبكة ستتمحور حول مهمة يتولاها الجندي المرتزق توروب (الممثل فين ديزيل) الذي سيكلف بتهريب الشابة الى داخل الولايات المتحدة مقابل المال وإلغاء الأحكام السابقة ضده، ومنها منع دخوله الأراضي الأميركية بسبب جرائم الحروب التي ارتكبها. والذي كلفه بالمهمة، وهو أحد تجار الحروب، سيوحي إليه ان الأمر لا يتعدى عملية تهريب بشر عادية. وعندما يشرع بها يكتشف ان الأمر أكبر من هذا، وأنها تحمل في جسدها قنبلة بايولوجية (أو أطفالا؟) أريد لهم ان يولدوا داخل الولايات المتحدة، ليصبحوا، فيما بعد، جنودا آليين في مشاريع جهنمية تهدف الى السيطرة على العالم، تحت غطاء ديني خدمة للكنيسة التي يديرونها إليها.

عملية التهريب تنطلق من الأراضي الروسية. وسط ثلوجها سيتعرضون لهجمات كثيرة، ومحاولات خطف للفتاة، ومؤامرات غامضة يحوكها رجال مجهولون، يتغلب عليها كلها البطل المدجج بالسلاح وبقوة جسدية لا أحد يقدر ردها ليصل في ختامها الى نيويورك بعدما غيروا له رقم تسجيل جسده الكترونيا! في موطنه، يدرك توروب ان هناك صراعا بين طرفين شريرين يريد كل منهما الحصول على الفتاة لتنجب له جيش المستقبل. في نيويورك ستختلف المعارك عن سابقاتها وتأخذ شكل المطاردات التقليدية كبقية أفلام المغامرات. سيارات تتصادم ومحلات تتفجر وشوارع تتحطم. معارك يموت فيها الكثير من الرجال لا نعرف من أين يظهرون لهم من كل زاوية. وبعد حين تخبره أورورا انها حامل (افتراضيا) بطفلين، وأنها ستموت بعد الولادة وتوصيه برعايتهما بعد موتها سنشاهد البطل ومعه الطفلان. لقد كبرا وصارا بشرا مثلنا وهكذا انتهت قصة الفيلم. ولكن ماذا أراد ان يقول؟ هل الشر يستغل الدين لأغراض السطوة والهيمنة؟ ربما. لكن ما دخل الخيال العلمي في كل هذا؟ شباك التذاكر وحده يعرف السر!

فذلكة «عين النسر»

«عين النسر» نموذج مثالي، لاستغلال منتجي هوليوود قضية الإرهاب وتداعياتها في منطقة الشرق الأوسط. فالدقائق العشر الأولى من الشريط، تنقل أحداثا جرت في أفغانستان، حيث تظهر الأقمار الصناعية التابعة للبنتاغون صوراً لرجل، يشك في انه الإرهابي المطلوب للمخابرات الأميركية، يحضر جنازة في منطقة ما من أفغانستان. المعلومات التي تقدمها الأجهزة الالكترونية، المتقدمة جدا، لا تؤكد مطابقة الصورة المنقولة للرجل في الجنازة مع ما لديها من صور للرجل المطلوب. فتتردد في نسبة يقينها المئوية. وفي النهاية تعطي نسبة لا تتجاوز الخمسين في المئة بأن الشخص الذي تلتقطه عدساتها هو الهدف المطلوب، مما يضفي ظلالا قوية من الشك على قرارات القيادة العسكرية، فتضطر الى سؤال الرئيس الأميركي رأيه وتنتظر قرارا منه. ومن دون تردد يأتي الجواب واضحا: أطلقوا النار، وحتى لو اخطأنا في شخص واحد فان حماية بلدنا من هجمات محتملة أهم منه بكثير. بعد لحظة ينطلق صاروخ ليقضي على الهدف المشكوك فيه وبقية الناس معه. كل هذا كان معقولا، وطبيعي ان ينتظر المشاهد تكملة لما جرى. لكن وحتى نهاية الشريط لن يعود المخرج دي جي كاروسا الى هذا الموضوع ولا الى المكان الذي بدأ فيه فيلمه. سندخل في دوامة غريبة بطلها صوت مجهول يأمر الشاب جيري شاو (الممثل شيا لابيوف) والمرأة راشيل (الممثلة ميشيل موناجان) بتنفيذ تعليماته، صوت امرأة له القدرة على وقف إشارات المرور الضوئية وتعطيل وسائل الاتصالات ومعرفة كل تفاصيل العالم. هذا الصوت سيقنع الشاب بأن ما يقوم الآن ما هو إلا استكمال لدور شقيقه البطولي الذي وجد مقتولاً في ظروف غامضة. وسيهدد، (الصوت) راشيل بقتل ابنها اذا هي لم تنفذ أوامره. وبعد معارك ومغامرات تشارك فيها كل الأجهزة الالكترونية المعقدة والمستقبلية والتي ستكون نهايتها على يدي جيري وراشيل، نعثر على خيط رفيع يربط مقدمة الفيلم بما جرى لاحقا. خيط يوضح لنا ان أجهزة الرقابة الكترونية، التي تحصي أنفاس البشر، غضبت من الرئيس عندما تجاهل عن عمد تعليماتها في أفغانستان، وأمر بقتل رجل آخر. ولهذا قررت الانتقام من القيادة السياسية الأميركية بنفسها! قصة مفبركة أخذت معظم وقت الفيلم، الذي سعى منتجوه الى استغفال المشاهد وتمرير طابعه المغامراتي العادي، بل والأقل من العادي، عليه، تحت سحر كلمة الإرهاب الغاوية. هذا الموضوع الذي استغله «عين النسر» وسيستغله غيره، لكن، للأسف، على حساب السينما وجودتها.

الأسبوعية العراقية في 11 يناير 2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)