تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

المر والرمان.. فيلم عن العمق الفلسطيني

ماجدة موريس    

المر والرمان.. فيلم من سبعة أفلام فلسطينية عرضت في مهرجان دبي السينمائي الدولي الخامس.. لم يأت عرضه في افتتاح برنامج (ليال عربية) لقدرة مخرجته الفنية ونجاحها في التعبير عن جانب آخر مهم من المجتمع الفلسطيني، داخل دولة الاحتلال، بأسلوب قوي لا يخلو من الشاعرية.. وإنما لأنه يخرج من خلال فكر مختلف عما هو سائد في تناول الشأن الفلسطيني علي الشاشة، خصوصا بين الفلسطينيين أنفسهم من السينمائيين والسينمائيات، وحيث يتصدر «الشأن العام» والصورة العمومية موضوعات أغلب الأفلام الروائية الفلسطينية، وهو ما نجده في الفيلمين المهمين (ملح هذا البحر) إخراج آن مايا جاسر الذي يقدم رحلة فلسطينية تحمل الجنسية الأمريكية إلي بلدها الأم وكيف تواجه الحقائق المرة، سواء في أراضي السلطة الفلسطينية حيث يقع مسقط رأس أجدادها في مدينة رام الله،، أو في الأراضي التي تغيرت هويتها مع قيام دولة إسرائيل، أما الفيلم الثاني (عيد ميلاد ليلي) لرشيد مشهراوي فيطرح هموم المواطن الفلسطيني في دولة السلطة الوطنية، وصعوبة حياته وعيشته وسط مجتمع يعاني الانهيار الداخلي بأكثر من الحصار الخارجي.

الفيلمان عرضا في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي وحصل الثاني علي جائزة السيناريو كأفضل فيلم عربي أما الأول (ملح هذا البحر) ففضلاً عن كونه الفيلم العربي الوحيد ضمن مختارات مهرجان (كان) هذا العام ــ الذي يرحل عنا مساء اليوم 31 ديسمبر 2008 ــ فهو أحد مختارات مهرجان دبي أيضاً، وقد حصل علي جائزة السيناريو هو الآخر، وأيضاً كان السيناريو للمخرجة آن ماري مثلما كان سيناريو (عيد ميلاد ليلي) لمخرجه مشهراوي، أما بقية الأفلام الفلسطينية في دبي فهي فيلمان في مسابقة المهر للأفلام الوثائقية حصل أولهما (ذاكرة الصبار) إخراج حنا مصلح علي الجائزة الذهبية، ويروي حكاية ثلاث قري فلسطينية دمرتها إسرائيل وألقت بأهلها إلي الشارع في منطقة بعيدة، ثم حولت أرض القري الثلاث إلي حديقة عامة (تذكارية) بأموال المساعدات الكندية! والفيلم الثاني (إلي أبي) للمخرج عبدالسلام شحاتة، يسترجع ذاكرة المجتمع الفلسطيني القديم من خلال الصور الفوتوغرافية التي خرجت ما بين المجتمع والحياة الخاصة لأسر فلسطينية (هي أسرة المخرج) لتطرح في النهاية صورة شعرية للعصر الذهبي للتصوير الفوتوغرافي التقليدي مضفراً مع العصر الذهبي للمجتمع قبل أن تحل النكبة، وفي مسابقة الفيلم القصير عرض فيلمان آخران هما (بعثة فضاء) وهو إنتاج فلسطيني دنماركي، وإخراج لاريسا منصور ويدور حول اثبات حقوق الفلسطينيين في أرضهم بأسلوب فانتازي. أما فيلم (عرفات وأنا) للمخرج مهدي فليفل، فيطرح قصة مهاجر فلسطيني آخر ولكن إلي بريطانيا هو الشاب مروان الذي يقع في حب فتاة انجليزية هي ليزا، ولكن عالمه السابق يمنعه من التجارب معها، وماضيه في الوطن المسلوب، حبه لياسر عرفات وافتقاده له يضع بينه وبينها حواجز متعددة، حوار الفيلم بالانجليزية والصورة بالأبيض والأسود وكأنما تستعصي اللغة الجديدة لمروان علي تفهم واستيعاب عالمه القديم، بلونه ولغته المطبوعة في القلب. أما الفيلم الفلسطيني السابع والأخير فقد عرض ضمن برنامج (إيقاع وأفلام) الذي عرض مجموعة من الأفلام الموسيقية أو التي تقدم حيوات وتجارب المغنين والفرق.. والفيلم لمخرجة فلسطينية هي جاكي سلوم يوثق تجربة فرقة موسيقية غنائية فلسطينية تغني وتعزف موسيقي «الراب» و«الهيب هوب» واسمه مستمد من النوعية ذاتها (هيب هوب).

الأرض.. والفساد

* نعود إلي الفيلم الأول (المر والرمان) ومخرجته نجوي نجار في أول أعمالها الروائية الطويلة والتي اختارت لبطولتها الممثلة ياسمين المصري وهي أحد ألمع الوجوه النسائية الآن علي الشاشة العربية، والفيلم يدور في أعماق الأرض الفلسطينية التي وقعت داخل الحزام الأخضر لدولة الاحتلال.. حيث يبدأ بعائلة في جلسة سمر بحديقة منزلها تنقلب إلي غم حين يقتحم المكان الجنود الإسرائيليون ويخبرون الأسرة أن أرضها قد صودرت، وفورا يخرجون أسلاكهم الشائكة المجهزة لاعتقال الأرض ومنع أصحابها عنها.. ويرفض من يرفض، ويبكي من يبكي إلا الابن الذي يحاول المقاومة بيده والرفض فيتم اعتقاله، وحبسه بدون قضية، ويجدد الحبس، وتصبح الأزمة أكبر بكثير من الاعتقال، فالاستيلاء علي الأرض يحرم الأبوين والأبناء من مستقبل يتعيشون منه علي زراعة أرضهم والعناية بها، ووسط هذا تقف البطلة، زوجة الابن المعتقل، وإحدي عضوات فرقة للفن الشعبي بل إحدي نجمات الفرقة التي كانت تلقي الدعم من زوجها، وحين اعتقل اعتذرت عن حضور التدريبات لتذهب إليه في حبسه، وحين يطول الوقت تشعر باختناق وغضب مدمر لا تجد متنفسا له إلا في العودة للتدريب من جديد مع الفرقة، وهو ما يثير عليها غضب الآخرين، لأن «زوجة السجين» يجب أن تختفي وتنزوي وتتواري، أي فقدت هويتها وجدارتها لدي المجتمع المحيط وبدأ الكل يتحدث ويراقبها.. بينما كانت هناك عيون أخري تحاول الاقتراب منها لمدرب الفرقة الجديد، وفي أزمتها تشعر بارتياح له، ويأسرها اهتمامه بها الذي تعتقده خالصاً لوجه العمل بينما استولت هي علي مشاعره، وأعتقد أن تجاوبها مع التدريب يسري علي خصوصية المشاعر.. ولا تجد البطلة مخرجا إلا الهرب إلي منزل أسرتها بعيدا، لتكتشف سريعا عقم هذا الحل، وأن عليها مواجهة الجميع، وأولهم نفسها التي شردت للحظات قبل أن تعود وتحسن موقفها في جانب زوج أفرج عنه أخيراً.

الأرض.. والفساد

تنجح المخرجة في لفت الانتباه بقوة من خلال فيلمها لوجود مجتمع فلسطيني متعدد مازال يقاوم بقوة هو المجتمع الفلسطيني المسيحي الديانة والذي يأتي منه أبطال الفيلم، والذي لا يختلف اطلاقا عن بقية المجتمع، إذا استبدلنا الديانة، ولكنه لأسباب سياسية وإعلامية غير مذكور بل منكور غالباً.. كما تلفت نجار النظر أيضاً إلي استمرار النهج الإسرائيلي داخل حدود دولة 1948 في الانتقام من المواطنين العرب فرادي، بعيداً عن الانتقام الجماعي الذي نراه في نشرات الأخبار، حين تصادر الأراضي الفلسطينية (فقط) وتوضع الأسلاك الشائكة في لحظات.. وعلي المتضرر اللجوء للقضاء! وثالثا تلفت المخرجة النظر إلي صعود جيل جديد من الممثلين والممثلات الفلسطينيين العاملين بالداخل، والذين نكتشفهم كلما استطعنا رؤية عمل لهم في أي مكان، وأغلبهم يعملون في الفرق المسرحية التي مازالت تمثل الجانب الأهم في النشاط الثقافي الفلسطيني بالداخل، وأخيراً يؤكد (المر والرمان) خصوصية قضية المرأة في المجتمع الفلسطيني والتي لم يتم تجاوزها مع كل ما مر بالقضية من أحوال، وإنما بالعكس.. فمازالت الأفكار والرؤي بشأن حركة المرأة وحريتها وكينونتها في حال عزوبيتها أو زواجها تتشابه في كل الدول العربية، مع كل ما حدث ويحدث من تطورات وتغييرات اجتماعية.. فبطلة الفيلم التي تزوجت عن حب وتفاهم وثقة سحب منها المجتمع ثقته فيها وفي جدارتها لمجرد اختفاء زوجها في المعتقل ليضعها تحت «إعادة النظر» من جديد فيها كإنسان.. والفيلم لا يقدم لنا هذا بأسلوب مباشر ولكن من خلال دراما تعتمد علي الأداء الرصين وتعلو فيها قدرات الممثلين علي التعبير الداخلي وطرح لغة داخلية تمتزج فيها المشاعر بالأفعال لتعلو بالعمل كله في مشاهد متعددة، منها مشاهد تدريبات الرقص التي تعبر عن معان مزدوجة بين البطلة ومدربها، ومشاهد زيارتها للزوج وتلك الكلمات القليلة المختارة بعناية للقاء.. ان (المر والرمان) يتجاوز الإعلان عن صعود مخرجة موهوبة إلي بزوغ سينما فلسطينية أكثر احتفائاً بالتفاصيل والهوامش التي توارت طويلا وراء واجهة القضية السياسية.

الأهالي المصرية في 31 ديسمبر 2008

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)