تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

ثقافة 2008

سنة السباق المحموم بين الأحداث الأمنية والثقافة المنتظرة (5)

عودة الحدث السياسي محرّكاً لعجلة الإنتاج السينمائي

ومحاولات الإفلات من وطأة اليومي الى هواجس ذاتية

ريما المسمار

انفصل العام 2008 سينمائياً عن السنوات الثلاث الأخيرة التي شكلت حلقة متصلة من تداخل الصورة والأحداث السياسية أو بلغة أدق قامت على اعتراض الواقع السياسي للصورة المنتجة في الفيديو والسينما وفي القصير والوثائقي والطويل. واذا شئنا التحديد، نجد ان الاعوام الثلاثة الفائتة من 2005 الى 2007 تشكل ما يشبه الحقبة وامعاناً في التحديد أكثر يمكن تقسيمها بالتساوي الى عام ونصف (من مطلع 2005 الى منتصف 2006) من الفعل ورد الفعل والى عام ونصف أخرى (من منتصف 2006 الى نهاية 2007 وربما الى ما بعده بقليل) من الفعل ورد الفعل والفعل. ولعل تسمية حقبة هنا لا تعني بالضرورة اكتمال المرحلة بقدر ما تعني انغلاقها على ملمح أساسي هي عودة الحدث السياسي محركاً لعجلة الانتاج الفيلمي بما هو تحول يقطع سنوات من الخروج على المنظومة التي طبعت الانتاج السينمائي اللبناني منذ بداباته اي تشكله بحسب ملامح المرحلة السياسية.

فمنذ منتصف التسعينات المنصرمة، عرفت السينما اللبنانية ولادة جديدة تماماً غير مرتبطة بتاريخ سابق، لا تخضع لشروط وملامح واضحة في ما يعتقده البعض سمة في حد ذاتها. واستطاعت الافلام اللبنانية خلال السنوات العشر الاخيرة ان تخرج من وطأة الأزمات المباشرة وان تكون أكثر قدرة على معالجة الامور بروية واستشفافها بوقوفها على مسافة من الماضي وأحياناً الحاضر (كما في "يوم آخر" لخليل جريج وجوانا حاجي توما و"أطلال" لغسان سلهب و"فلافل" لميشال كمون).

منذ العام 2005 على أثر اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري وما لحقه من أحداث سياسية وتحولات جسيمة، بدا ان الامور عادت الى ما قبل تلك المرحلة على الصعيد السينمائي. فقد كرست حرب تموز الاسرائيلية على لبنان عام 2006 الغليان السياسي والأمني السائد منذ مطلع العام 2005 ليطغى على كافة جوانب الحياة. وتحول النشاط السينمائي الى ما يذكر بحاله قبل التسعينات عندما كان مرتبطاً بالاوضاع السياسية والاقتصادية او بكلام آخر بالتحولات المحيطة. فعدنا نرى أفلاماً يعترضها واقع سياسي وأمني فخرجت أفلام كثيرة وثائقية تحديداً تناولت محطات من تلك المرحلة مثل 14 شباط ولاحقاً 14 آذار. ومن ثم جاء العام 2006 بنصفه الأخير تحديداً (منذ اندلاع حرب تموز) ليكرس المشهد مستدعياً صوراً من الماضي القريب. هكذا عدنا الى مشاهدة مخرجين حاملين آلات تصويرهم ومهرولين الى حيث تدوي الانفجارات وتغلي الساحات بما اثمر مجموعة كبيرة من أفلام فيديو قصيرة صُورت خلال ثلاثة وثلاثين يوماً من الحرب الاسرائيلية على لبنان. صور وصور تراكمت على أشرطة وازداد عبئها على أصحابها مع مرور الوقت. بعضها تبلور افلاماً وبعضها الآخر مازال في حالة كمونه لم يجد سياقاً للتشكل.

قبل العام 2005، ارتبطت مراجعة المشهد السينمائي المحلي بكم الانتاجات والاحداث السينمائية. ولم يخلُ الامر في معظم الأحيان من استرجاع مطالب قديمة أو بث شكوى السينمائيين الدائمة من غياب التمويل والاهتمام المحليين بالقطاع السينمائي. منذ مطلع العام 2007، بات هم السينمائيين منصباً في مكان آخر. هل يمكن تحقيق مشروع سينمائي وسط هذا الغليان؟ أي سينما يجب ان نصنع؟ هل ندون فقط؟ هل نكتفي بالارشفة؟ هل نحن على أعتاب مرحلة جديدة تتطلب آلية عمل جديدة؟ هكذا تُرجم عام 2007 سينمائياً من خلال تجارب فيلمية عادت لتحلل من مسافة ما حدث فطغت عليه أعمال الحرب اذا جاز التعبير.

ولكن مع نهاية 2007، بدا ان المخرجين اللبنانيين أفرغوا ما في جعبتهم حول تداعيات أحداث 2005 و2006 لينطلق العام 2008 منفصلاً عن سابقيه وانما بقلق الآتي. ماذا الآن؟ سؤال يشغل معظم السينمائيين حتى المؤلفين منهم غير المنتظرين لحدث ما ليكتبوا او يصوروا. ولكن السنوات الأخيرة علمتهم ان ما من ثبات أو استقرار مهما بدت الصورة ناصعة وسطح الماء مستقرا. فالحصار الذي تعيشه مدينتهم بواسطة الانشقاقات والاصطفافات الطائفية والاحداث الامنية الصغرى والكبرى هو ايضاً حصار لابداعهم ولقدراتهم على استخلاص رؤاهم للحاضر والماضي والآتي. هكذا اهتزت الصورة مجدداً وضاع ما كان من يقين يسير عندما انفجر القلق الكامن أحداثاً داخلية دامية في السابع من أيار.

بقايا هواجس

يمكن القول ان العام 2008 السينمائي وقف على الحد الفاصل بين نهاية مرحلة السنوات الثلاث من 2005 الى 2007 وبين محاولات الافلات من وطأة الواقع اليومي والالتفات من جديد الى هواجس ذاتية صادرتها الأحداث الكبرى. لم تخبُ تأثيرات حرب تموز وأحداث السنتين الاخيرتين عن بعض الافلام لاسيما الوثائقية منها. هكذا عاد هادي زكاك بفيلم "أصداء سنية من لبنان" الذي يتناول الطائفة السنية من خلال مقابلات مع شخصيات تنتمي اليها انما تختلف اتجاهاتها وأفكارها. وهو استكمال لفيلمه السابق "اصداء شيعية من لبنان" الذي أنجزه في العام 2007 وكلاهما من انتاج شركة "غالف تراند". عرض تلفزيون "أخبار المستقبل" الفيلمين الى ثالث بتوقيع فيليب بجالي في عنوان "ذكرى خالدة" قام على أرشيف لمصورَين هاويَين في الجنوب عن حرب تموز 2006. كذلك أنجزت إيليان راهب فيلمها الوثائقي "هيدا لبنان" الذي عرضته قناة "آرتي" الفرنسية ضمن أمسية خاصة مع فيلم الفلسطيني نزار حسن "جنوب". يتناول شريط راهب الأول لها منذ "قريب بعيد" في العام 2003 موضوع الطائفية المتجذرة وكانت قد بدأت بتصويره منذ اغتيال الحريري في العام 2005 ولكنه لم يُعرض في بيروت بعد. في سياق متصل، أنجز يحيى جابر فيلمه الوثائقي الاول اخراجاً في عنوان "اليوم الأخير" عن اليوم الأخير في حياة سمير قصير وعرضه في الذكرى الثالثة لاغتياله. قام الفيلم على محاورات مع أصدقائه وزوجته الاعلامية جيزيل خوري ومع اهله وآخرين ممن شاركوه اليوم الأخير في حياته. أما سيمون الهبر فقدم فيلمه الوثائقي الطويل الاول "سمعان بالضيعة" غير البعيد من هواجس السياسة والطائفية وذاكرة الحرب او الحروب. جاء شريطه رسماً شخصياً لعمه الذي قرر العودة الى قريته التي هجر منها بعد حرب الجبل والعيش فيها وحيداً حياة بسيطة. بخلافه، حمل علي زراقط همومه وهواجسه الى اطارها المديني ليقدم في "صباحات صغيرة" فيلمه الوثائقي الثاني بعد "بما إنو" بيروت في لحظات الفجر من زوايا جغرافية مختلفة. في مكان آخر، تابع جان شمعون بحثه في سير الأسيرات المحررات في فيلمه "الغوردل".

الروائي الطويل

في تجربته الروائية الثانية التي تلت الاولى (الاعصار) بخمس عشرة سنة، تناول سمير حبشي المرحلة السياسية منذ منتصف التسعينات في فيلمه "دخان بلا نار" الذي خرج في الصالات المحلية قبل ثلاثة اسابيع من نهاية العام. الفيلم الذي يروي في خطين متوازيين حكاية مخرج مصري شاب يعمل على تصوير فيلم عن القمع في العالم العربي في بيروت وحادثة مقتل شاب على يدي موكب سفير دولة عظمى، يحاول اختزال مرحلة سياسية مفصلية من تاريخ لبنان الحديث ملمحاً الى الأحداث السياسية والاغتيالات بين 1995 و2005. اللافت ان الفيلم ممول من شركة "أفلام مصر العالمية" في تركيبة انتاجية جديدة بين مصر ولبنان لا نعرف ما اذا كانت ستؤتي ثماراً أخرى. بخلاف الحالة العامة التي يتناولها شريط حبشي، أبصر شريط خليل جريج وجوانا حاي توما "بدي شوف" النور على موضوعة حرب تموز انما من زاوية شديدة الخصوصية. سبقت الفيلم سمعته حيث كان نبأ تصوير المخرجين لفيلم قصير مع النجمة الفرنسية كاترين دونوف قد احتل عناوين الصحف المحلية في العام 2007. تلاه خبر مشاركة الفيلم في مهرجان كان في أيار/مايو 2008 وقد أصبح فيلماً طويلاً. لم يصل الفيلم الى بيروت الا أواخر العام بعيد اختتامه "أيام بيروت السينمائية" وافتتاحه في الصالات المحلية بحضور دونوف التي أمعنت في تحديد موقعها من المشاركة في الفيلم واصفة الامر بالموقف السياسي. كما في كان والعالم، اثار الفيلم محلياً زوبعة من ردود الفعل المتفاوتة التي مالت بمعظمها هنا الى"إدانة" التجربة ونعتها بالسطحية. بعيداً من الأحكام المتسرعة والجاهزة، قدم جريج وحاجي توما فيلماً مختلفاً وخاصاً يقوم على أخذ كاترين دونوف في رحلة الى جنوب لبنان بعد أشهر على حرب تموز بوصفها أيقونة سينمائية مسائلين موقع الصورة والسينما بعد الحرب. يرافق الممثلة الفرنسية في رحلتها الفنان اللبناني ربيع مروة متفقداً منزل جدته في بلدة "بنت جبيل".

فيلم روائي ثالث أبصر النور خلال العام 2008 هو "ميلودراما حبيبي" الفيلم الطويل الاول لهاني طمبا الذي اشتهر بفيلمه القصير الحائز جائزة سيزار "بيروت بعد الحلاقة". تدور أحداث فيلمه الجديد الذي قُدم في عرض اول في اختتام مهرجان بيروت الدولي للسينما في تشرين الاول/أكتوبر الفائت حول المغني الفرنسي برونو كابريس الذي عرف شهرة عابرة في السبعينات مع اصدار أغنيته "عندما ترحل". تعثر عليه أحداث الفيلم بعد مرور ثلاثين عاماً موظف استقبال في فندق باريسي كبير حيث سيتلقى مكالمة هاتفية من صناعي لبناني ثري يدعوه فيها الى بيروت ليغني أغنيته التي مازالت عالقة في الاذهان. البطولة لباتريك تشيزناي وبييريت قطريب وغابرييل يمين وجوليا قصار وبيار شماسيان والفيلم مازال ينتظر خروجه في الصالات اللبنانية وفي متناول الجمهور المحلي.

على صعيد العرض التجاري، استقبلت الصالات المحلية خلال العام المنصرم أربعة أفلام لبنانية بدأت عروض اثنين منها نهاية العام 2007 وهما "خلص" لبرهان علوية الذي خرج بعد خمسة أعوام من الانجاز و"تحت القصف" لفيليب عرقتنجي. في تجربتين مختلفتين، قدم ايلي ف. حبيب فيلمه "خليك معي" الذي يدور في أجواء المافيا والعصابات ورجال الأعمال وبينها قصة حب و"أطفال الحب" الذي تناول حكايات شباب وبنات في مقتبل العمر. كلا الفيلمين تلفزيونيين الأمر الذي يهييء لهما جمهوراً إضافياً هو جمهور التلفزيون. كذلك عرض فيلم "بحر النجوم" الذي أنتجته شركة بيبسي وصور في بيروت بإدارة المخرج المصري أحمد المهدي ومشاركة ممثلين لبنانيين ومصريين الى مغني حملة بيبسي "بحر النجوم" (هيفاء وهبي ووائل كفوري وكارول سماحة وأحمد الشريف ورويدا المحروقي) وسط خيبة أمل عبرت عنها أعداد الجمهور المتدنية على شباك التذاكر.

أما على صعيد التصوير، فقام غسان سلهب وبعد تجربتي فيديو أنجزهما خلال السنتين الاخيرتين من تأثير حرب تموز (وقت ميت وPosthumous) بتصوير فيلم خاص بعنوان "1958: أوتو بورتريه" رابطاً بين ولادته في ذلك العام وبين أحداث محلية وعربية وقعت في العام نفسه. ويدلل على ذاتية الفيلم وخصوصيته انه يقوم على حوارات مع والدته. كذلك أنهت ديما الحر خلال شهر تشرين الاول تصوير باكورة أفلامها الروائية الطويلة "كل يوم عيد" مع الممثلة الفلسطينية هيام عباس. والفيلم يروي رحلة ثلاث نساء الى سجن الرجال كل لغاية خاصة.

القصير بين التصوير والعرض

شهد العام 2008 فورة تصوير وعروض للافلام القصيرة بدأها برهان علوية بفيلم غير متوقع لجمهور الأطفال هو "مازن والنملة" الذي مولته قناة "الجزيرة للأطفال". كذلك صور الممثل اللبناني المقيم في فرنسا كارلوس شاهين فيلمه القصير الاول "الطريق الى الشمال" من بطولته مع ممثلين فرنسيين وتدور أحداثه حول شاب لبناني يعود من منفاه الباريسي لينقل جثمان والده الى مسقط رأسه بعد مرور سنوات طويلة على موته ابان الحرب. اما كاتيا جرجورة التي قدمت مجموعة من الافلام الوثائقية منذ العام 2003، فأنهت تصوير فيلمها القصير أيضاً "بالدم" الذي يدور حول خطة أب ميليشياوي سابق لردع ابنه عن المضي في الطريق عينه. وفي حين عرض فيلما علوية وشاهين في مهرجان "أيام بيروت السينمائية" مازال فيلم جرجورة في مرحلة ما بعد الانتاج.

على صعيد آخر، تتيح المهرجانات المحلية اكتشاف عدد كبير من الافلام القصيرة التي تُنجز بشكل فردي في معظم الأحيان ولا تجد منصة عرض سوى في المهرجانات. هكذا كشف "مهرجان السينما اللبنانية" الذي تحييه جمعية "نما في بيروت" سنوياً و"أيام بيروت السينمائية" مجموعة من تلك الافلام فعُرضت أفلام: طلال خوري "الرجل المحترم" ودزوفيك توروكيان "بلا ولا شي" وجيل طرزي "بكرا ستة ونصف" و"عالعتبة" لباسم بريش و"الثقب" لربيع جبيلي و"تين تو" لشيرين خوري و "تحت العريشة" للوسيان بورجيلي و"الدفتر الاسود الصغير" لسامر غريب وغيرها من الافلام التجريبية والتحريك.

تظاهرات ومهرجانات

على الرغم من الهزة الأمنية الكبرى التي تسببت بها أحداث أيار، تمكنت المهرجانات والتظاهرات المحلية من لملمة نفسها والانعقاد في مواعيدها المحددة. على صعيد المهرجانات السنوية، انعقدت الدورة السابعة لمهرجان السينما اللبنانية الذي تنظمة مؤسسة "..نما في بيروت" بين الحادي والعشرين والسادس والعشرين من آب/أغسطس الجاري في سينما أمبير-صوفيل. يقوم المهرجان منذ دورته الرابعة على ملامح اولية: انتاجات لبنانية حديثة في الروائي القصير والطويل والوثائقي والتجريبي والتحريك، مختارات من ذاكرة السينما اللبنانية وعروض فيديو منزلي مجهولة الصانع.

باستعادة التجربة خلال دوراتها السابقة، يمكن التوقف عند نجاحها في الاحاطة بالانتاج الفيلمي القصير وفرد المساحة للاعمال التجريبية وأفلام التحريك التي لم تُعرض قبل المهرجان على نطاق مكثف وموجه كالذي شهدته مع بداية المهرجان. في المقابل، أخفق المهرجان حتى هذا التاريخ في استقطاب الانتاجات الروائية الطويلة باستثناء شريطي دانييل عربيد "معارك حب" و"الرجل الضائع" مع العلم ان عربيد هي أحد مؤسسي "..نما في بيروت". ولكن الانتاج السينمائي الطويل على قلته ظل خارج اطار المهرجان لأسباب كثيرة قد تتعلق بالعلاقات الشخصية او توقيت العروض. قدم المهرجان منذ دورة العام 2007 فئة جديدة هي "نظرة أجنبية على لبنان" ضمت أفلاماً أخرجها أجانب حول موضوعات تخص لبنان وأكملت هذا العام بخمسة أفلام: 67 Borders لشاين دايفي؛ 2Men, 1 War, 33 Years On لإيريك تروميتر؛ The Day After Peace لجيريمي جيلي صاحب مبادرة "سلام ليوم واحد"؛ Pine Nuts للاس لاو؛ The Bridge لكاترين ديركينك هولمفيلد الى برنامج استضافة المخرج الاجنبي الذي تمثل هذا العام بالمخرج الاميركي المستقل لودج كيريغان. قدمت الدورة السابعة خمسة وثلاثين فيلماً هي حصيلة اختيار هذا العام من بين نحو مئة وثلاثين عملاً تسلمها المهرجان. يحتوي برنامج الدورة السابعة على عشرة أفلام تجريبية هي \: Pine Nuts، "نعيماً" لسليم صدقة، "البحر ستيريو" لمنيرة الصلح، "فيلم أبعد من الله" لوائل نورالدين، "فيديو في خمس حركات" لأكرم الزعتري، "الحلم 1989 ـ 2008" لآنا أوغدن سميث، "ترانزيت" لكريستين عيد، "Sincerely" لدونا تيماني، "الجسر" لكاترين ديركينك-هولمفيلد و3 shorts لزياد عنتر. أما افلام التحريك فاختير منها ثلاثة: Titto لليزا عبدو، Fragile لسينتيا رافاييل و"ورق" لسارة سراج.

خارج توقيته المعتاد في شهر أيلول بسب حلول شهر رمضان فيه عاد مهرجان "أيام بيروت السينمائية" في دورته الخامسة ناقلاً عروضه وأنشطته الى ما بين السابع عشر والسادس والعشرين من تشرين الاول/أكتوبر. ضم البرنامج قرابة ستين فيلماً روائياً ووثائقياً وقصيراً موزعة على فئات عدة وبرامج موازية. وجاءت الدورة الخامسة زاخرة بالافلام التي أُنتجت خلال العامين الفائتين لاسيما ان الدورة الماضية للمهرجان التي انعقدت في العام 2006، جاءت في أعقاب حرب تموز ما اضطر ادارة المهرجان الى تقليص البرنامج والاستغناء عن البرامج الموازية والكثير من الافلام. وتضمن البرنامج أفلاماً روائية قصيرة وطويلة وأفلاماً وثائقية وتجريبية وعروضاً خاصة وفئة "نظرة أجنبية على العالم العربي". وفي البرنامج الموازي، كانت استعادة لأفلام السينمائي التونسي عبد اللطيف كشيش وتحيتان الى السينمائيين الراحلين مؤخراً المصري يوسف شاهين واللبنانية رنده الشهال الى استعادة للسينما المصرية. في برنامج الافلام القصيرة الروائية، أربعة عشر فيلماً منها: "الطريق الى الشمال" باكورة أعمال الممثل كارلوس شاهين الاخراجية (لبنان)، "ولد وجدار وحمار" للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، "بيروت وسر القمر" لمريم آغا (فلسطين/لبنان)، "العز" للطفي عاشور (تونس)، "مقهى الصيادين" للهادي ولاد مهند (المغرب)، "راجلها" لأيتن أمين (مصر) وسواها.

أما فئة الافلام الروائية الطويلة، فضمت عشرة أفلام منها: "يا له من عالم رائع" للمغربي فوزي بن سعيدي، "أسرار الكسكس" للتونسي عبد اللطيف كشيش الذي حاز جائزة لجنة التحكيم في مهرجان البندقية عام 2007، "عرس الذيب" للتونسي جيلاني سعدي، "البيت الأصفر" للجزائري أمور هكار، "عين شمس" للمصري ابراهيم البطوط، "آذان" للجزائري رباح أمور زايمش، "خارج التغطية" للسوري عبد اللطيف عبد الحميد، "ملح هذا البحري" لآن-ماري جاسر و"بدي شوف" للبنانيين خليل جريج وجوانا حاجي توما مع الممثلة الفرنسية كاترين دونوف الذي اختتم المهرجان بحضور نجمته.

في فئة الافلام الوثائقية سبعة عشر فيلماً من بينها: :أنت وجيه" للمصري نمير عبد المسيح، "رسالة الى شقيقتي" للجزائرية حبيبة جانين، " صنع في مصر" للمصري كريم جوري، "اعادة خلق" للأردني محمود المساد، "خذني الى أرضي" للأردنية ميس دروزة (طلاب)، www.gilgamesh.21 للعراقي طارق هاشم، "انتقاماً لرائد فضاء" للبناني رامي نيحاوي (طلاب)، "براميل صبرا" للبنانية شيرين أبو شقرا (طلاب)، "سلطة بلدي" للمصرية ناديا كامل، "زهر الليمون" للبنانية باميلا غنيمة (طلاب)، "خمس دقائق عن بيتي" للفلسطينية ناهد عواد، "هيه، لا تنسي الكمون" للسورية هالة العبدالله، "سمعان بالضيعة" للبناني سيمون الهبر، "عروسة الجنوب" للبنانية نرمين حداد (طلاب)، "أماكننا الممنوعة" للمغربية ليلى كيلاني و"قهوة الشاهبندر" للعراقي عماد علي (طلاب). وفي برنامج "عروض خاصة" الفيلمان الوثائقيان "الجزائر قصص مخفية" للجزائري جان بيار ليدو و"الأرض بتتكلم عربي" للفلسطينية ماريز غرغور. وأضاف المهرجان هذا العام خطة جديدة تمثلت بمنح مساعدة انتاجية رمزية من ثلث عائدات التذاكر الى مشروع سينمائي قيد الانجاز حازها غسان سلهب عن "1958: اوتو بورتريه".

بين المهرجانين، كانت عودة لمهرجان بيروت تحت مسماه الجديد "مهرجان بيروت الدولي للسينما" في دورته الثامنة التي لم تضف الا الغموض لهذا المهرجان غير المستقر على هوية او هدف. قدم المهرجان بانوراما دولية قوامها افلام مثل الايطالي Il Divo الذي افتتح المهرجان ومسابقة عربية من خمسة أفلام ومسابقة افلام عربية قصيرة ضمت فيلماً ايرانياً (!) واختتم بفيلم طمبا "ميلودراما حبيبي" بينما منح جائزته الاولى للفيلم الوثائقي "هيب هوب سلينغشوت" للفلسطينية المقيمة في الولايات المتحدة الاميركية جاكي سلوم.

من الانشطة الثقافية البارزة التي تستضيفها العاصمة بشكل شبه سنوي "أشغال داخلية" الذي قدم طبعته الرابعة خلال شهر نيسان/أبريل والتي ضمت أنشطة بارزة لاسيما المحاضرات ذات الموضوعات الشائكة. على صعيد الافلام، احتل الفيديو دائماً مساحة كبرى في نشاطات "أشكال الوان" السابقة. لم تكن الدورة الاخيرة استثناءً اذ احتشد برنامجها بانتاجات فيديو لبنانية وعربية وأجنبية، يتجلى خلف اختياراتها سببان على الأقل: التعريف بفنان فيديو من خلال عرض اثنين من أعماله أو أكثر ومقاربة الموضوع السياسي المتفجر في المنطقة من زاوية مختلفة. في الاطار الاول، عُرضت ثلاثة أعمال فيديو لأحمد أوغوت: "قطار الموت" و"سيارة شخص آخر" و"أتساءل ما يجري في الأعلى". والجدير ذكره انه من الفنانين الشباب البارزين في تركيا اليوم وهو مقيم في امستردام منذ سنوات ويعرض أعماله في المهرجانات والتظاهرات الفنية حول العالم. تقوم الاعمال الثلاثة على اقتناص لحظة من الواقع، عفوية او مركبة، ومن ثم تحويلها عبر وسيط الفيديو الى موقف نقدي يتجاوز الواقع موحياً به. من تركيا ايضاً، عرض المنتدى فيلمان لكوكن إرغون "أنا جندي" و"العلم". والفيلمان جزء من سلسلة يصور فيها المخرج الشاب احتفالات الدولة التركية بعيدي الاستقلال والشباب كاشفاً من خلال الصورة التوثيقية الحيادية ظاهرياً كيف تتحول الوطنية المزايدة الى شكل من أشكال الحكم التوتاليتاري. وفي ما يبدو انه تسليط الضوء على الفن المعاصر في تركيا اليوم، يحضر فنان فيديو وتجهيزات ورسوم آخر هو إمره هونر بفيلميه Boumont وPanoptikan. على الرغم من الاختلاف البصري الكبير بين الفيلمين-الاول شعري صامت والثاني رسوم متحركة- الا ان المخرج الشاب يبدو مسكوناً بالهواجس نفسها في العملين وهي ما يمكن اختزاله بعلاقة الانسان بالتاريخ والطبيعة والمجتمعات الصناعية والعزلة والوحدة الناتجتين عن كل ذلك. كما عرض الشريط المصري القصير "سنترال" لمحمد حماد في مقاربة لفكرة البصبصة التي تأخذ محل التواصل في علاقات الافراد في المجتمع.

عرضان وثائقيان متميزان استضافهما "أشغال داخلية" الرابع هما "سجين حرب 78175" و"سنحيا لنرى تلك الاشياء او خمس صور لما قد يحدث". الاول من اخراج الايراني وحيد زارا زاده ويتناول بورتريه لعراقي كان أسير حرب بعيد الحرب العراقية الايرانية قبل أن يقرر أن يستقر في ايران بعيد اطلاق سراح الاسرى في عملية تبادل مع العراق. بينما يتكون الوثائقي الثاني لجوليا ميلتزر ودايفيد ثورن من خمسة أجزاء ـ رصد لتاريخ مشروع بنائي غير متمم في ساحة شهداء دمشق، خطاب في انتظار قدوم القائد المثالي، مقابلة مع مثقف وسجين سياسي، مدرسة قرآنية للفتيات وتخيل لعالم جديد ـ تقدم من زوايا مختلفة نظرة لماضٍ قد يتحول مستقبلاً في بلد تتنازعه الصراعات بين نظام قمعي ومد أصولي وضغط أميركي.

في حين غاب مهرجان الفيلم الوثائقي للعام الثاني على التوالي من دون اية تبريرات، عقدت المستشارية الايرانية للعام الثاني مهرجان السينما الايرانية الذي عرض مجموعة من الافلام الايرانية الحديثة والقديمة.

وفي خواتيم المهرجانات كان مهرجان السينما الاوروبية الذي عقد دورته الخامسة عشرة التي انطلقت اواخر تشرين الثاني/نوفمبر بالفيلم الفرنسي "قصة ميلادية" A Christmas Tale لأرنو ديسبليشان واختتمت يوم السابع من كانون الاول/ديسمبر بالفيلم اللبناني "دخان بلا نار" لسمير حبشي في عرضه اللبناني الاول تمهيداً لاطلاقه في الصالات المحلية. من عروض المهرجان: الالماني Yella لكريستيان بيتزولد والدانماركي The Boss of It all للمخرج المعروق لارس فون ترير الذي سبق للمهرجان ان عرض له Breaking the Waves وDancer in the Dark وDogville، الاسباني La Solitude لجايم روزاليس، اليوناني Brides لبانتيلاس فولاريس، الفرنسي Les Temoins لأندريه تيشيني، الهولندي Kicks لألبرت دير هيرت، الروماني California Dreaming لكريستيان نيميسكو، البريطاني Its a free World لكين لوتش الى الفيلم السويسري ضيف الشرف Late Bloomers لبيتينا اوبرلي.

على صعيد التظاهرات، نظمت "دار الآداب" بالتعاون مع "نادي الساحة" و"الحملة المدنية للمقاومة" تظاهرة "سينما الفقدان" في وقت بدا مناسباً لاعادة الصلة بنتاجات السينما الفلسطينية لاسيما الوثائقية منها وفي الذكرى الستين لنكبة فلسطين التي لم نشهد بالفعل نشاطاً ثقافياً بحجمها لا في التلفزيونات العربية ولا في في الأنشطة الثقافية الأخرى. اختزلت التظاهرة المراحل العامة التي خبرتها السينما الفلسطينية اي من تحولها من سينما تعبر عن المفقود المحسوس (فلسطين الأرض والبيت) بلغة مباشرة احتجاجية هدفها تسجيل موقف من خلال الافلام الى سينما ذات ملامح انسانية خاصة حيث تتحول المأساة الشخصية جزءاً من تجربة وتاريخ وحياة تظهّر نفسها في الافلام بأسلوب تعبيري أعمق فتكون السينما هي الهدف. لعل لهذا المسار صدىً في حيوات سينمات عربية كثيرة وفي مسارات بعض مخرجيها حيث يثبت ان الوعي بوجهيه الانساني والفني يؤدي الى فهم أعمق للسينما. ولعل هذا التحول الاساسي في مسار السينما الفلسطينية بين بداياتها في ستينات القرن الماضي وثمانيناته هو المراد اختزاله من خلال عملية الاختيار للاسماء والافلام وان على نحو عام ومختصر. شارك في نشاط "سينما الفقدان" أربعة مخرجين فلسطينيين ينتمون الى ثلاثة أجيال مختلفة: مصطفى أبو علي وميشال خليفي وهاني أبو أسعد ونزار حسن الذين حضروا النشاط باستثناء خليفي. وكان الابرز في التظاهرة النقاش الحاد الذي أثاره فيلم حسن "جنوب" الذي انطلق من مقالة نشرتها منى فياض تحت عنوان "أن تكون شيعياً الآن" في غمرة العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، تهاجم فيها حزب الله وتتهمه بالمسؤولية عن العدوان وتخريب لبنان وإخراج الشيعة من المعاصرة. هكذا حاول المخرج أن يعيد تصوير الطائفة الشيعية من خلال سياقها اللبناني والتاريخي/الثقافي وعلاقتها بفلسطين وفضائها الجغرافي والطبيعي.

متروبوليس وتظاهراتها

الى عروض الافلام والمهرجانات، قدمت صالة متروبوليس للفن والتجربة خلال العام 2008 مجموعة من الأنشطة كان أبرزها "أسبوع دفاتر السينما" و"تظاهرة نصف شهر المخرجين".

أحيت الصالة بالتعاون مع مجلة "دفاترالسينما" اسبوعاً سينمائياً في عنوان "اسبوع دفاتر السينما" بين السادس والثاني عشر من آذار/مارس الجاري، تضمن ستة أفلام حديثة الانتاج، عُرضت بمعظمها في المهرجانات الكبرى مثل "كان" و"البندقية" ويراوح مخرجوها بين الجدد والمخضرمين. هدف الاسبوع الى إثارة النقاش حول السينما اليوم لجهة أشكال انتاجها المتعددة وطرق توزيعها وعرضها ومقارباتها الفنية فضلاً عن دور المهرجانات والنقد في هذه الدورة الانتاجية والفنية. ولهذا الهدف، شاركت "دفاتر السينما" في اختيار الافلام مع إدارة "متروبوليس" من موقعها كمجلة نقدية جادة وشارك رئيس تحريرها جان ميشال فرودون في الاسبوع من خلال ندوة تطرقت الى النقاط كافة التي تطاول سينما اليوم.

في تموز، أحيت الصالة "أربعينية نصف شهر المخرجين" في ما هو الفصل الثاني في التظاهرة الاوسع التي تعمل "متروبوليس" على إحيائها في عنوان "محطات السينما". أربعة برامج ستحاول الدخول في النقاش السينمائي حول سينما اليوم من خلال تقديم أفلام لمخرجين معروفين وأفلام اولى واستعادات وكلاسيكيات مصحوبة بندوات هدفها القاء نظرة نقدية وملامسة الهواجس والتحديات التي تواجه سينما الحاضر.

استعادت التظاهرة الثانية أربعين سنة من مهرجان "نصف شهر المخرجين" Quinzaine Des Realisateurs بتقديم اثني عشر فيلماً عرضها المهرجان المحاذي لمهرجان كان السينمائي وتتراوح سنوات انتاجها بين اوائل السبعينات من القرن الماضي و2007 من بينها: "المخدوعون" لتوفيق صالح الذي حضر التظاهرة و"الشيطان على الأرجح" لروبير بريسون. صادف انعقاد تلك التظاهرة مع العيد الثاني لسينما متروبوليس وصادف الاخير مع انتقالها من مقرها في منطقة الحمرا وتحديداً في مقر مسرح المدينة الى سينما أمبير ـ صوفيل على اثر خلاف بين مالكة المسرح نضال الاشقر ومديرة الصالة هانية مروة الامر الذي فجر النقاش حول مصير المشاريع الثقافية الصغيرة المستقلة في ظل هيمنة الاستهلاك وسوق العرض والطلب.

الرقابة تضرب من جديد

تخلل العام 2008 حدثان على مستوى موضوع الرقابة السينمائية. وقع الاول في شهر آذار/مارس عندما صدر قرار بمنع عرض الفيلم الفرنسي ـ الايراني "بيرسيبوليس" لمارجان ساترابي لأسباب غير معروفة كالعادة مع العلم انه لا يتعرض للثالوث المحرم: السياسة والدين والجنس. ولكن "بيرسيبوليس" ينتمي الى لائحة مختلفة من الممنوعات تضم فيلم بول غاغان "سيريانا" قبل عامين الذي تناول سياسة النفط في الشرق الاوسط وتضمن في أحد مشاهده اشارة واضحة الى حزب الله. لا يكترث فيلم ساترابي "بيرسيبوليس" بحزب الله ولكنه يعالج حقبة سياسية بارزة في ايران تلك التي بدأت مع قيام الثورة الايرانية وتولي اية الله الخميني مقاليد الحكم. لماذا يُمنع الفيلم اذاً؟ اذا كانت المخرجة صاحبة التجربة تروي فصولاً من حياتها في ظل الثورة الاسلامية فمن يؤذي ذلك؟ أم هل أن الافلام أصبحت هي ايضاً تعبيراً عن حسن النوايا او سوئها تجاه الدول المحيطة؟ وهل عرض الفيلم اي فيلم يعني تبني البلد المضيف لوجهة نظر صانعه مهما كانت تلك الاخيرة؟

كل تلك الاسئلة وغيرها أثارها المنع الذي لم يدم طويلاً اذ أجيز عرض الفيلم مجدداً خلال 42 ساعة من منعه.

اما الحادثة الثانية فوقعت خلال انعقاد مهرجان ايام بيروت السينمائية في تشرين الاول/ أوكتوبر الفائت حين منع الامن العام عرض الفيلم التونسي "عرس الذيب" لجيلاني السعدي. ظل الشريط في حوزة الامن العام اياماً مر خلالها الموعدان المقرران لعرضه وغادر مخرجه لبنان الامر الذي دفع بمجموعة من المثقفين والفنانين الى توقيع عريضة تطالب بالغاء الرقابة. أخيراً أفرجت الرقابة عنه وأعاد المهرجان برمجته في اليوم الاخير وفي غياب مخرجه. والجدير ذكره ان ما من اسباب او توضيحات صدرت في الحالتين عن جهاز الرقابة.

 

قسوة الغياب

ألم بالمشهد السينمائي العربي مصابان أليمان خلال العام 2008 أولهما رحيل السينمائية اللبنانية رندة الشهال وثانيهما غفوة السينمائي العربي الأشهر يوسف شاهين الى الابد.

رحلت رنده الشهال عن 55 عاماً على اثر صراع دام أكثر من ثلاث سنوات مع مرض السرطان.

لم تكن رنده الشهال شخصية عادية عابرة سواء لمحبيها او لمنتقديها. كانت شخصية جدلية بامتياز . صدامية ومقاتلة متمردة في كافة مراحل حياتها. في سن الخامسة عشرة، أدركت انها تريد ان "تصنع افلاماً". السينما بالنسية اليها كانت تلك القدرة العجيبة على تحويل القصة حقيقة وعلى ادارة الشخصيات في ادوار لا تشبهها. مهد لها المناخ العائلي المنفتح الدخول في السياسة مبكراً والالتزام بخط يساري شهد ذروته في ستينات وسبعينات القرن الماضي. فشاركت في التظاهرات الطلابية واعتنقت القضية في بداياتها السينمائية وصورت الحرب الأهلية على أمتار من الخام قبل أن تقرر الدخول في المواضيع الشائكة. وُلدت رنده الشهال في طرابلس في العام 1953 ونشأت في بيت سياسي لأم مسيحية عراقية كانت من اولى النساء الشيوعيات في العالم العربي الى كونها كاتبة ومذيعة أخبار وأب طبيب وسياسي ومثقف. السياسة كانت قدراً بالنسبة اليها. قررت ابنة التسعة عشر ربيعاً السفر الى فرنسا لدراسة السينما في العام 1972 ووجدت نفسها في العام 1976 تصور اول لقطة سينمائية لشاب مسلح على مدخل مبنى أحد الاحزاب السياسية اللبنانية.

تراكمت صور الحرب اليومية في أرشيف المخرجة فخرج منها في العام 1979 فيلمها الاول الوثائقي "خطوة خطوة". عام 1991 قدمت فيلمها الروائي الطويل الاول "شاشات الرمل" تلاه فيلمها الوثائقي الذاتي عن عائلتها "حروبنا الطائشة" ثم "الكفار" عام 1997 الذي منع من العرض وكذا كان مصير فيلمها التالي "متحضرات" عام 1999.

بعد إعصار "متحضرات" ومشكلاته مع الرقابة، لاح مشروع وثائقي جديد في الأفق أعاد الشهال الى موقعها اليساري. "سهى" كان فيلمها التالي عام 2001 عن سهى بشارة. وخرج فيلمها الروائي الرابع "طيارة من ورق" العام 2003 الذي حاز جائزتي لجنة التحكيم الخاصة والاسد الفضة في مهرجان البندقية وحقق للشهال ما يشبه المصالحة مع الجمهور المحلي والصحافة والجهات الرسمية التي أدانت فيلمها السابق "متحضرات" بينما كرمتها بعيد فوز "طيارة من ورق".

على الرغم من المرض، لم تتوقف عن العمل فكانت تحضر منذ العام 2005 لفيلم في عنوان "لسوء حظهم" مع المغنية هيفاء وهبي ولكن تعثر الحصول على تمويل له من جهة ودخولها في نفق المرض من جهة ثانية منعا انطلاق العمل عليه.

من جهة ثانية، جاءت وفاة شاهين اقل صدمة لان السينمائي ذا الشهرة العالمية كان دخل في غيبوبة لاسابيع قبيل وفاته. ولد يوسف شاهين في السادس والعشرين من كانون الثانى/يناير العام 1926 فى مدينة الاسكندرية من عائلة مهاجرة، ترك أجدادها بلدة "زحلة" اللبنانية وابحروا الى الاسكندرية الكوزموبوليتية في ذلك الحين. تروي الحادثة الشهيرة انه وقف امام صفٍّ من ثلاثين طالباً والقى مونولوغ الملك "ريتشارد الثانى" احد ابطال تراجيديا شكسبير فى لحظة حُكم على الملك فيها بالتنازل عن كل شيء. لعب الشاب بكل اعصابه للسيطرة على المشاعر الهائجة والساخطة وأنهى المشهد بدموع ساخنة فاستقبله زملاءه بتصفيق حاد وهو المشهد الذي سيجسده بشكل او بآخر في فيلم السيرة الذاتية الاخير "اسكندرية نييويورك".

يومها اكتشف الفن وسيلة لاثبات الوجود واكتشف تأثير المسرح الذي سيظهر في سينماه الاولى خلال الخمسينيات. كما اكتشف شكسبير. هكذا تحول الحلم من الارتقاء البطيء في الطبقة البورجوازية عن طريق الوظيفة الثابتة الى التمثيل والنجومية. وهنا استنفرت العائلة كل طاقاتها المالية فباعوا قطعاً من الاثاث والبيانو لكي يركب الشاب الطموح السفينة الى "باسادينا" الاميركية. في باسادينا، اكتشف انه لا يصلح للتمثيل. ولكنه درس الاخراج وعاد الى مصر التي يحب ان يشبه عودته اليها بعودة بطل فيلمه "ابن النيل" المغامر الذى اكتشف وجه المدينة الشرير وعاد ليبحث عن تحقق فى الريف. هو عاد ليكون مخرجا مصرياً. بعيد عودته، قابل المصور الايطالى الفيزى اورفانيللى الذى فتح الباب امام اول تجربة له :"بابا امين" ليصبح مخرجاً وهو لما يتجاوز الثالثة والعشرين. بعد الفيلم الاول في العام 1950، توالت افلام عقد الخمسينيات كالتالي: "ابن النيل" (1951)، "المهرج الكبير" و"سيدة القطار" (1952)، "نساء بلا رجال" (1953)، "صراع في الوادي" و"شيطان الصحراء" (1954)، "صراع في الميناء" (1956) وغيرها. جاء العام 1958 ليقلب الموازين اذ حقق شاهين خلاله فيلمه الكلاسيكي الواقعي "باب الحديد" الذي وان حافظ على موضوعة الصراع والظلم الواقع على الفقراء الا انه قدم عناصر جديدة على تركيبة السينما المصرية. فقد طرح موضوع الاستلاب الجنسي في شكل اساسي ومباشر وقدم فيه شاهين نفسه ممثلاً للمرة الاولى والاخيرة في دور "قناوي" بائع الصحف المشوه الذي يعاني من مشكلات نفسية. وفضلاً عن ذلك، لم تكن معادلة النجوم هي السائدة اذ ظهر فيه فريد شوقي "ملك الترسو" في ذلك الوقت في دور لا يشبه كثيراً بطولاته المعهودة بينما بقي حضور هند رستم نجومي بامتياز. المهم ان الفيلم استثار الجمهور جمهور "ملك الترسو" فكسروا السينما ولفظوا الفيلم الذي ظل خارج التداول والاعتراف لسنوات طويلة غير انه كان البداية الحقيقية لمسيرة يوسف شاهين السينمائية.

بعد سنوات من العمل على أفلام تصدت للصراع الاجتماعي بملامحه الطبقية وبعيد الانتصارات التي أعقبت العام 1958 (عدوان السويس وتأميم القناة واشتداد الحرب الجزائرية...) بدا المناخ ملائماً للانتقال الى الموضوعات الوطنية فكان فيلم "جميلة" في نفس العام و"الناصر صلاح الدين" الذي اوكل به الى شاهين المخرج عز الدين ذوالفقار قبيل وفاته. لم يكن الفيلم عن صلاح الدين تماماً بقدر ما كان يرمي الى رسم تماثل بين شخصية صلاح الدين وجمال عبد الناصر. على الرغم من الانتاج الضخم والمدة الطويلة التي استغرقها انجاز الفيلم، لم يحقق اي نجاح يذكر. فعاد بعده الى فيلم اجتماعي ذي ملامح سياسية هو "فجر يوم جديد" عام 1964 والذي لن يحقق لمخرجه اية اضافة كما هي حال افلامه التالية حتى العام 1970 موعد فيلم "الارض" الذي أعاده الى رحلة الصعود بعيد نكسة 1967 التي يصفها بأنها اكثر التحولات السياسية تأثيراً فيه وبوعيه. كان "الارض" فاتحة لمرحلة انجز فيها ما يمكن ان نسميه افلام الهزيمة وهي: "الاختيار" و"العصفور" و"عودة الابن الضال". اتسمت تلك الافلام بالقلق والتساؤلات الكثيرة والحدة والادانة لاسيما لدور المثقف وهو ما سيعود الى التصالح معه في مرحلة لاحقة مع افلام مثل "المصير" و"الآخر". اتسمت افلام الهزيمة، الى حدة النقد والادانة، بلغة سينمائية معقدة تكرست مع المرحلة التالية مرحلة الافلام الذاتية التي اتسمت بشخصية الفنان القلق الذي يعري ذاته ويحاكمها كما في ثلاثيته: "اسكندريه ليه" (1979)، "حدوتة مصرية" (1982( و"اسكندرية كمان وكمان" (1990).

نزعت أفلام شاهين الأخيرة وتحديداً منذ "المصير" (1997) او ربما "المهاجر" (1994) الى الخطابة التي انعكست على الشاشة في مشاهد مسرحية ومونولوغات طويلة واستعراضات ذهنية للشخصيات. كان آخر أفلامه "هي فوضى" الذي شاركه في اخراجه خالد يوسف وحقق جماهيرية لم يسبق لشاهين ان اختبرها.

 

مهرجانات وجوائز

[ جوائز الاكاديمية (اوسكار) 2008 منحت جوائزها في شهر شباط/فبراير فكان نصيب الأسد لشريط الأخوين كوين "لا وطن للعجائز" No Country for Old Men الذي فاز بأربعة تماثيل مذهبة لأفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل سيناريو مقتبس ذهبت جميعها الى الاخوين كوين كمنتجين للفيلم ومخرجين وكاتبي سيناريو الى أوسكار أفضل ممثل في دور ثانٍ لخافيير باردم. وشكلت جوائز التمثيل مفاجأة بذهابها الى ممثلين أوروبيين: دانييل داي لويس وماريان كوتيارد وتيلدا سوينتن وخافيير بار وتلك سابقة في تاريخ جوائز الاكاديمية حدثت مرة واحدة فقط في العام 1964 عندما فاز بجوائز التمثيل كل من: زيكس هاريسن وجولي اندروز وبيتر يوستينوف وليلا كيدروفا. جائزة أفضل فيلم ناطق بالاجنبية ذهبت الى الفيلم النمسوي The Counterfeiters لستيفان روزوفيتسكي وجائزة أفضل وثائقي الى Taxi to the Dark Side الذي يدور حول سائق أفغاني بريء يُقتل ظلماً أثناء اعتقاله.

[ احتفلت جوائز الكرة الذهب "غولدن غلوب اووردز" بحفلها الخامس والستين في أجواء متقشفة اقتصرت على مؤتمر صحافي بسبب من إضراب نقابة كتاب السيناريو. مُنحت الجوائز على الشكل التالي: Atonement لجو رايت افضل فيلم درامي، Sweeney Todd أفضل فيلم كوميدي، جوليان شنابل افضل مخدج عن The Diving Bell and the Butterfly اذي حاز أيضاً جائزة أفضل فيلم أجنبي، دانييل داي لويس أفضل ممثل في دور درامي عن There Will Be Blood، جولي كريستي أفضل ممثلو في دور درامي عن Away From Her، جوني ديب أفضل ممثل في دور كوميدي عن Sweeney Todd، أفضل ممثلة في دور موسيقي او كوميدي ماريو كوتيارد عن La Mome بمنح جائزة أفضل ممثلة في دور ثانٍ وRatatouille أفضل فيلم تحريك.

[ مهرجان كان الذي عقد دورته الـ16 في ايار/مايو منح السعفة الذهب للفيلم الفرنسي The Class للوران كانتيه والجائزة الكبرى لـ Gomorrah لماتيو غارون وجائزة لجنة التحكيم للايطالي Il Divo لباولو سورينتينو وجائزة الاخراج للتركي نوري بيلج تشيلان عن Three Monkeys والتمثيل لبينيسيو ديل تورو عن Che لستيفن سودربيرغ وساندرا كورفيلوني عن Linha De Passe لوالتر سالز وأفضل سيناريو للأخوين داردين عن Lornas Silence.

[ أهدى مهرجان البندقية دورته الخامسة والستين برئاسة ماركو موللر للسينمائي الراحل يوسف شاهين الذي سبق للمهرجان ان كرمه في العام 2001 وعرض له "سكوت ح نصور". منحت الدورة جوائزها للأفلام التالية: الاسد الذهب لأفضل فيلم للأميركي The Wrestler من اخراج دارن ارونوفسكي، الاسد الفضة لأفضل مخرج للروسي ألكسي جيرمن جونيور عن Paper Soldier، جائزة لجنة التحكيم الخاصة لفيلم Teza لهايل جيريما.

[ في دورته الثانية، منح مهرجان الشرق الاوسط السينمائي في أبو ظبي جوائز مالية قيمة كانت كبراها (200 الف دولار) من نصيب الاوسترالي Disgrace من اخراج ستيف جايكوبز الذي حاز جائزة أفضل فيلم روائي. بينما نال Stranded لغونزالو أريجون جائزة أفضل وثائقي (150 الف دولار) و"يوسو ندور" جائزة لجنة التحكيم (125 الف دولار) في حين حازت المصرية الهام شاهين جائزة أفضل ممثلة عن "خلطة فوزية" ونال الفلسطيني "عيد ميلاد ليلى" لرشيد مشهراوي جائزة أفضل مساهمة فنية.

[ في ختام دورته الثامنة التي انعقدت منتصف تشرين الثاني/نوفمبر، منح مهرجان مراكش السينمائي الدولي وللجنة تحكيمه برئاسة السينمائي البولندي رومان بولانسكي الجائزة الكبرى للروسي Wild Field وجائزة لجنة التحكيم للصيني The Shaft.

[ الدورة الثانية والثلاثون لمهرجان القاهرة السينمائي انعقدت أواخر تشرين الثاني ومنحت جائزتها الاولى للفيلم الاسباني Return To Hansala لتشوس غوتييريز وافضل فيلم عربي للجزائري "مسخرة" لالياس سالم وجائزة أفضل سيناريو عربي مناصفة بين "عيد ميلاد ليلى" للفلسطيني رشيد مشهراوي و"بصرة" للمصري أحمد رشوان.

[ كذلك عقد مهرجان دبي دورته السابعة في كانون الاول ومنح جائزته الاولى في المسابقة الآسيوية الافريقية لفيلم Treeless Mountain للجنوب كوري سو يونغ كيم. اما الماسبقة العربية فذهبت جوائزها الى الفيلم اللبناني القصير "الطريق الى الشمال" لكارلوس شاهين والوثائقي "ذاكرة الصبار" للفلسطيني حنا مصلح والروائي الطويل "مسخرة" للجزائري الياس سالم كأفضل أفلام. وحاز الوثائقي اللبناني "سمعان بالضيعة" لسيمون الهبر جائزة لجنة التحكيم.

 

أفلام عربية

تتيح المهرجانات العربية المنتشرة في القاهرة ودبي وأبو ظبي وبيروت ودمشق والمغرب العربي متابعة حركة الافلام العربية انتاجاً وعرضاً. كما يتيح استعراض برامجها وما تضمنته من تلك الأفلام الوقوف على غزارة ذلك الانتاج واتجاهاته. فمراجعة ما عرض من أفلام خلال العام 2008 ستفضي الى استنتاج مفاده استحواذ المغرب العربي على النسبة الاعلى في انجاز الافلام الروائية الطويلة التي يصل عددها الى 13 فيلماً من بينها ستة مغربية. كما تظهر تلك المراجعة حضوراً جديداً للسينما العراقية الروائية هو الاول منذ "غير صالح" لعدي رشيد و"أحلام" لمحمد الدراجي. والفيلم الجديد هو "فجر العالم" لعباس فاضل الذي يروي قصة حب في أهوار الجنوب العراقي لم تُتح له حروب النظام السابق فرصة التنفس. على صعيد آخر، شهد العام 2008 ظهور فيلم بحريني جديد هو "أربع بنات" لحسين الحليبي وذلك بعد ان اقتصر عنوان السينما في البحرين على بسام الذوادي خلال السنوات المنصرمة. كذلك عادت الامارات بفيلم روائي جديد في عنوان "حِنّا" لصالح كرامة مع العلم ان آخر انتاجاتها الروائية الطويلة كان "حلم" لهاني الشيباني قبل ثلاثة أعوام. أما الحدث العربي فكان في السعودية حيث تم أُقيم اسابيع قليلة أول عرض تجاري لفيلم سعودي. وكانت السعودية قد حظيت في العام 2005 بفيلمي "ظلال الصمت" لعبد الله المحيسن و"كيف الحال" لايزيدور مسلم اللذين تنافسا على اسبقية الفوز بلقب "أول فيلم سعودي". وفي حين مازال النقاش غير محسوم لأسباب تتعلق بجهات الانتاج وطبيعة الموضوع والعاملين في الفيلم، لم يحز اي من الفيلمين آنفي الذكر بعرض تجاري في السعودية حيث من المعروف ان السينما مُنعت في المملكة منذ مطلع السبعينات. غير ان فيلم "مناحي" أعاد الطقس السينمائي وسط تضارب الآراء بين تأييد وشجب. ولأن الحدث هو حدث العرض وليس حدث الفيلم، لم تأتِ معظم الكتابات التي تناولت الموضوع على ذكر اسم مخرجه بل نُسب الى الممثل السعودي الكوميدي فايز المالكي الذي اتضح ان الفيلم انما استكمال لبرنامجه التلفزيوني الكوميدي مع وجود اسم مؤلف ومخرج هما مازن طه وأيمن مكرك تباعاً. وفي إطار الافلام الأولى ايضاً، عرض الفيلم الاردني "كابتن أبو رائد" في أكثر من مهرجان واختارت مجلة "فاراييتي" السينمائية مخرجه أمين مطالقة مخرج العام لمنطقة الشرق الاوسط وذلك في احتفال أقيم خلال مهرجان الشرق الاوسط السينمائي الدولي في أبو ظبي في شهر تشرين الاول/ أكتوبر.

بين الافلام العربية التي عرضت خلال العام مقاربات مشتركة. فقد شغل موضوع المهاجرين مثلاً عدداً منها مثل "فرانسيز" المغربي لسعاد البوحاتي الذي يدور حول "صوفيا" المقيمة مع عائلتها في فرنسا لكنها تضطر إلى العودة إلى المغرب بعد فقدان والدها عمله هناك؛ فتنقلب حياة هذه الفتاة رأساً على عقب ويتحتم عليها التوفيق بين ثقافتين والتأقلم في محيطها الجديد . أما فيلم "آذان" للجزائري رباح زعيمش فيعرض لحياة مصنع في ضواحي باريس لتجهيز المساند الخشبية لشاحنات النقل يديره مهاجر جزائري يُطلق على نفسه اسم "ماو". "ماو" يفرض على عمّاله ظروف عمل قاسية لكنه يحاول استمالتهم ببناء مسجد لهم في الموقع ويعيّن أحدهم إماماً للمسجد إلاّ أن محاولاته تلك تبوء بالفشل إذْ يواجه ردة فعل غير متوقعة من العمال. وفي فيلم "هل تتذكر عادل؟" للمخرج المغربي ـ المقيم في إيطاليا ـ محمد زين الدين نرى حياة أخوين مهاجرَين من المغرب إلى مدينة "بولونيا" الإيطالية حيث يتورّط الشقيق الأصغر بعلاقات غريبة تودي به، وشقيقه، إلى كارثة.

موضوع العشق والحب والعائلة حضر في فيلم "مسخرة" للجزائري لياس سالم عن "منير" الذي يعيش في قرية تقع في قلب جبال أوراس الجزائرية مع عائلته وأخته "ريم"، المصابة بمرض النوم المفرط "منير" مهووس بفكرة البحث عن خطيب لأخته، لكنه لا يقبل بفكرة زواجها من أحد أقرب أصدقائه لأنه لا يعتبره أهلاً لها. وفي ليلة من الليالي يعود "منير" من المدينة ثملاً، ويُعلن على الملأ أنه عثر على الرجل المناسب كخطيب لريم، وتبدأ التحضيرات لعرس دون عريس.

أما فيلم "جنينة الأسماك" للمخرج المصري يسري نصرالله؛ فيروي عن الآصرة التي تولّدها الوحدة بين طبيب التخدير يوسف ـ يؤديه عمرو واكد ـ ومقدّمة برنامج إذاعي ليلي إسمها ليلى ـ وتؤدي الدور هند صبري. "يوسف" أعزب وحذر عاطفياً، يعيش في عالم تصطدم فيه العادات والتقاليد مع قناعاته وتتقاطع فيه العلمانية مع الدين. يوسف تائه ووحيد في عالمه. وليلى تُعنى في برنامجها بالعلاقات بين البشر وهي، على الرغم من هدوئها الظاهر، ساخطة على الأوضاع. كلاهما يعيشان في القاهرة اليوم وهما في الثلاثينات من العمر.

ومن أعماق التاريخ السياسي في المغرب العربي، نشاهد فيلم "ثلاثون" للمخرج التونسي "فاضل الجزيري" الذي يسلط الضوء على حياة شخصيات سياسية بارزة في تاريخ تونس. ويعتبر هذا العمل الملحمي، الذي استغرق إنجازه عقداً من الزمن، أكثر الأفلام التونسية تكلفة. أما فيلم مصطفى بن بولعيد للمخرج الجزائري أحمد راشدي فيروي قصة الجزائري البطل "بن بولعيد" الذي كان القائد الحقيقي للثورة الجزائرية التي أطلقها من السجن، إلا أنه كان يرفض صفة القائد والزعيم وكان يشجّع الجميع على الديمقراطية. في حين يعود الشريط السوري "حسيبة" لريمون بطرس الى الحقبة الممتدة من 1927 وحتى 1950 ليروي كفاح عدد من النساء السوريات. ويفتح المخرج السوري عبد اللطيف عبد الحميد بفيلمه "أيام الضجر" صفحة من تاريخ سوريا ايضاً إبان قيام الوحدة بين بلاده ومصر. يفعل ذلك عبر عائلة جندي سوري يعيش مع زوجته وأبنائه الأربعة على خطوط التماس مع إسرائيل في هضبة الجولان. وكعادته في غالبية أفلامه يستخدم عبداللطيف عبدالحميد نبرته التهكمية الساخرة ليضع أصبعه على أكثر من جرح عسير على الاندمال.

وفي باكورة إنجازها الروائي الطويل "ملح هذا البحر" تعود المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر ببطلتها "ثريا" الفلسطينية المولودة في "بروكلين"، إلى وطنها الأم فلسطين بحثاً عن حقوقها. بينما يقدم رشيد مشهراوي في "عيد ميلاد ليلى" يوميات سائق تاكسي في فلسطين يحاول عبثاً وسط الفوضى العارمة شراء هدية وقالب حلوى لابنتها التي ستتم سنواتها السبع. الشارع والعنف تيمة في الفيلم المغربي "كزا نكرا" للمخرج المغربي نور الدين لخماري الذي يروي قصة واقعية مستقاة من العنف والفوضى المنتشرة في شوارع الدار البيضاء. اختار المخرج شابين غير محترفين من بين آلاف الشباب المشردين المقيمين في شوارع الدار البيضاء. هنا لائحة بابرز أفلام العام 2008:

[ الجزائر: "مسخرة" لالياس سالم، "علاقات رجالية" لأمين قيس، "آذان" لرباح عامر زعيمش، "مصطفى بن بولعيد" لأحمد راشدي.

[ المغرب: "القلوب المحترقة" لأحمد المعنوني، "رقم واحد" لزكية طاهري، "زمن الرفاق" لمحمد شريف تريباق، "هل تتذكر عادل؟" لمحمد زين الدين، "فرانسيز" لسعاد البوحاتي، "كزانكرا" لنور الدين الخماري.

[ تونس: "ثلاثون" لفاضل الجزيري، "الحادثة" لرشيد فيرشيو، "خمسة" لكريم دريدي.

[ سوريا: "أيام الضجر" لعبد اللطيف عبد الحميد، "حسيبة" لريمون بطرس

[ لبنان: "دخان بلا نار" لسمير حبشي و"ميلودراما حبيبي" لهاني طمبا و"بدي شوف"

[ العراق: "فجر العالم" لعباس فاضل

[ البحرين: "أربع بنات" لحسين الحليبي

[ الامارات العربية المتحدة: "حنا" لصالح كرامة

[فلسطين: "ملح هذا البحر" لآن ـ ماري جاسر، "عيد ميلاد ليلى" لرشيد مشهراوي

[ مصر: "جنينة الأسماك" ليسري نصر الله، "عين شمس" لابراهيم البطوط، "بلطية عايمة" لعلي رجب، "خلطة فوزية" لمجدي أحمد علي، "بصرة" لأحمد رشوان.

 

العراق في عيون هوليوود

شهد العام 2008 عرض عدد غير قليل من الافلام الاميركية التي تتناول الحرب الأميركية على العراق في الصالات العربية والعالمية. كانت الانطلاقة مطلع العام مع فيلم بول هاغيز In the Valley of Elahمتناولاً حكاية مستقاة من الواقع عن شرطي سابق يشرع في رحلة بحث عن ابنه المجند الذي يختفي بعيد عودته من العراق. مع دخول تلك الحرب عامها السادس ودوران عداد القتلى من دون توقف، تبدو هوليوود مهتمة أكثر من أي وقت مضى بمناقشة قرار حكومتها نسف نظام صدام حسين. فبعد عدد غير قليل من الافلام الوثائقية التي عرضت للموضوع مثل Iraq In Fragments وNo End in Sight وGunner Palace، يشير حصاد هوليوود من الافلام الروائية عن العراق الى الاهتمام الاكبر بالحروب الاميركية منذ فييتنام. ولكن في حين تمهلت هوليوود في انتاج افلامها عن فييتنام بحيث لم تبدأ تلك بالظهور الا بعد فترة طويلة من خروج آخر جندي أميركي من سايغون، فإن أفلاماً مثل In the Valley of Elah وRedacted لبراين دو بالما وGrace is Gone لجايمس سي. ستراوس وBattle for Haditha لنيك برومفيلد تبصر النور في خضم اشتداد الحرب. وتلك حقيقة تجر الأفلام الى موقع سياسي سواء أأرادت ذلك او لم ترده لأنها باقترابها من الحدث انما تشارك في الجدل السياسي حول صوابية القرار الاميركي بالحرب او عدمه. ومن ذلك تصاريح دو بالما للصحافة من ان فيلمه "محاولة الكشف عن حقيقة ما يجري في العراق امام الشعب الاميركي". وشريطه هو بدوره استلهام لأحداث واقعية أساسها حادثة اغتصاب فرقة من الجنود الاميركيين لفتاة عراقية ومن ثم حرقها وقتل اهلها.

بين شخصية تومي لي جونز في In the Valley of Elah وشخصية جون كيوزاك في Grace is Gone الكثير من الشبه. كلاهما مؤمن بالحرب وبخيار الادارة الاميركية خوضها. "كان مهماً بالنسبة الي عدم حشر احكامي في الفيلم" يقول جايمس ستراوس عن فيلمه الاول الذي يدور حول "ستانلي" الذي عليه ان يخبر ابنتيه ان امهما ماتت في العراق. ولكنه لا يوفر فرصة عرض وجهة النظر الاخرى من خلال شخصية شقيق ستانلي المشكك . "هناك عائلات كثيرة لاسيما عائلات الجنود ولاسيما تلك التي فقدت ابناً تؤمن بأن الحرب كانت مبررة وبأنها ستنتهي الى نتائج ايجابية" يكمل ستراوس.

ولكن السؤال الذي يواجه هؤلاء: اين تقع افلامهم في النقاش السياسي المستمر؟ فإذا كانت حرب الخليج 0991-1991 كانت اول حرب تُبث في الاخبار على مدار الساعة فإن حرب العراق هي اول حرب في القرن تُشن في عصر تعدد الوسائط الاعلامية، الملتيميديا. كيف بهذا المعنى يمكن للسينما ان تحافظ على طزاجتها في تناول موضوع من هذا النوع متبدل في كل ثانية وفي المتناول على مدار الساعة؟ وفوق ذلك، ماذا تضيف تلك الافلام اذا كانت مادتها بحسب مخرجيها مصدرها الانترنت؟

من جهة، هناك من يعتبر ان السينما، خلافاً لوسائط التعبير والتواصل الاخرى، تشكل وجهة النظر. فليس جديداً القول ان جيلاً كاملاً تشكلت معرفته لحرب فييتنام وفهمه لها من خلال افلام مثل Apocalypse Now وThe Deer Hunter وPlatoon الى جانب الصور التوثيقية. ولكن مرة أخرى يبرز الفارق بين افلام فييتنام وافلام العراق عائقاً وهو المتمثل في المسافة من الحدث. أفلام العراق اليوم تُكتب بين رحى الحرب الدائرة والآتي مجهول لا يترك مجالاً للتأمل او التحليل. ربما ذلك أحد أسباب فشل معظم الافلام التي تتناول حرب العراق على شباك التذاكر الاميركي. لا أبطال في تلك الافلام؛ فقط الحرب وجحيمها. بخلاف كولونيل كورتز في Apocalypse Now الذي ينطق بكلماته الايقونية الاخيرة "الرعب...الرعب"، ينهار بطلا In the Valley of Elah وGrace is Gone ويلتزمان الصمت.

على صعيد آخر، هناك ما هو بارز في هذا الشأن. فعلى الرغم من المناخ اليميني الطاغي في أميركا اليوم، لم نشهد فيلماً عن العراق يوازي ذاك الذي أنجزته هوليوود عن فييتنام عام 8691 The Green Berets لجون واين الذي مجد الحرب. ولكن بالنسبة الى كثيرين، لا تحتاج الادارة الاميركية الى افلام من ذاك النوع مادام الاعلام يساندها ويقوم بواجب تفريغ افلام مثل Redacted من محتواها ويتهمها بأنها تعرض حياة الجنود الاميركيين للخطر. "...نحن نعيش في خرافة مفادها اننا اذا لم نستطع ان نربح الحرب هناك، نستطيع ان نفوز بها على شاشاتنا. فصنع فيلم مثل Transformers في زمن الحرب هو في حد ذاته فعل سياسي".

على الرغم من الربح القليل الذي تدره تلك الافلام، مازالت هوليوود تعمل على انتاج المزيد من الافلام عن العراق. والعام المقبل على موعد مع مجموعة منها مثل Stop Loss لكيمبرلي بيرس وThe Hurt Locker لكاثرين بيغيلو. ولكن أكثرها ترقباً مشروع بول غرينغراس Imperial Life in the Emerald City.

المستقبل اللبنانية في 29 ديسمبر 2008

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)