حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مملكة الضحك (الحلقة الأخيرة):

ماري منيب… ودّعت الحياة ضاحكة في ليلة بلا آلام

كتب: القاهرة - ماهر زهدي

ظنّ عادل خيري أن ماري منيب تخلّت عن فرقة الريحاني بعدما ارتفع اسمها إلى عنان السماء، غير أنها أوضحت له أهمية مسرحية «إلا خمسة» بالنسبة إليها، وأنها كانت أول بطولة مطلقة لها على خشبة المسرح أمام نجيب الريحاني عام 1945، وأنها ارتفعت بها إلى مصاف النجمات، وتخشى إذا أعادت تقديمها ألا تكون بالقيمة نفسها كما المرة الأولى، وبدلاً من أن تضيف رصيداً جديداً الى اسم ماري منيب، تكون سبباً في سحب الكثير منه بعد تاريخ كبير حملته على أكتافها.

كلام عادل خيري أشعر ماري منيب بمسؤولية كبيرة، وأن شيئاً ما في كلامه يدفعها الى تقديم هذه المسرحية، وقد استطاع بالفعل إقناعها بإعادة تقديمها، لتؤدي الدور نفسه الذي سبق أن أدته أمام الريحاني. وكانت المفاجأة، إذ حقّقت المسرحية نجاحاً فاق كل تصوّر، لدرجة أن التلفزيون المصري تعاقد على شرائها بعد ثلاث ليالي عرض، وتم تصويرها بالفعل، غير أن عادل خيري لم يشاهدها عبر التلفزيون مسجّلة، فقد رحل فجأة إثر إصابته بمرض خبيث لم يمهله القدر لاكتشافه مبكراً، رحل وهو في ريعان الشباب عن عمر يناهز الثانية والثلاثين عاماً… رحل وهو يستعّد لحمل راية الكوميديا في مصر بعد موت نجيب الريحاني، وأفول نجم علي الكسار وإسماعيل ياسين، وبدت الأجواء كلّها مهيأة لاستقبال ملك جديد للكوميديا، ربما توجّته مسرحية «إلا خمسة»، رحل لتعاود فرقة الريحاني الانكفاء مجدداً بعد موت بطلها الأول للمرة الثانية.

نهاية الرحلة

شعرت ماري منيب بأن هذه هي النهاية… فلن تقوم قائمة لفرقة الريحاني مجدداً، وكل من أحبتهم وتعلّقت بهم تساقطوا عبر رحلتها الفنية الطويلة، شعرت بأن الرحلة تقترب من النهاية، خصوصاً بعدما ظلّت لمدة ستة أشهر بلا عمل، فرقة الريحاني منكفئة، بديع خيري يصارع أحزانه، والسينما لم تعد كما كانت لا سيما بعد ظهور مسرح التلفزيون الذي بدأ يقدّم روايات جديدة بنجوم جدد وأفكار جديدة، لكن سرعان ما تذكرت السينما ماري منيب ثانيةً، وعادت الأفلام تُعرض عليها، فقدمت «جمعية قتل الزوجات، وانسى الدنيا»، ثم تذكّرها الموسيقار فريد الأطرش وطلبها لفيلم جديد بعنوان «رسالة من امرأة مجهولة» قدّمه مع النجمة الجديدة لبنى عبد العزيز، بعده طلبها فؤاد المهندس لتقدّم معه وشويكار ويوسف بك وهبي فيلم «اعترافات زوج»، الذي عادت من خلاله إلى دورها التقليدي «الحماة النكدية»، ما لفت نظر الفنان فريد شوقي الى الاستعانة بها في فيلمه الجديد «العائلة الكريمة» الذي شاركته بطولته زوجته هدى سلطان، كذلك قدّمت دور الحماة المتمرّدة على زوج ابنتها التي تدفعها الى الطلاق منه والزواج بغيره خصوصاً بعدما أصبحت نجمة سينمائية.

* يووه يا فريد… فكرتني بالذي مضى…

- هو بالظبط الذي مضى يا قمر إنت يا منور ومزغلل عنيا.

* يوه بقى اختشي يا واد إنت… أنا صغيرة على الكلام ده… أنا قصدي على الفيلم… افتكرت لما قدمنا الرواية دي من عشرين سنة مع الريحاني الله يرحمه؟

- طب بجد بقى بعيد عن الهزار… إيه رأيك أنفع؟

* تنفع!! دا إنت تنفع ونص وتلات تربع… إنت بتقول إيه؟

- يعني لأن الناس واخدة على إني لازم أطلع في الأفلام وحش الشاشة أضرب واتخانق وكده يعني.

* اسمع كلامي… إنت لسه جاي يا فريد… لسه جواك حاجات كتير مخرجتش مش بس الكوميديا… لسه بدري عندك حاجات كتير… وربنا يزيدك يا بني.

كان دور ماري منيب في فيلم «العائلة الكريمة» بمنزلة «قبلة الحياة» لها، إذ أعاد إليها حيويتها وتألّقها، وفتح لها أبواباً كانت تظنّ أنها أُغلقت الى الأبد ولن تُفتح ثانية، فقد لفت هذا الدور وما قبله الأنظار مجدداً الى فن ماري منيب وما تقدّمه للفن المصري، فقررت الدولة تكريمها على رحلة عطائها الفنية، بوضعها من الرئيس جمال عبدالناصر على قمّة قائمة المكرّمين في عيد الفن في العام 1966.

امتنّت ماري منيب كثيراً لهذا التكريم، وشعرت بأن الرحلة لم تضع هباء… بل لاقت التقدير الذي تستحقّه، بعد رحلة امتدت لأكثر من نصف قرن بين المسرح والسينما.

الريحاني حتى آخر العمر

لفت دور فريد شوقي في «العائلة الكريمة» نظر بديع خيري، خصوصاً أن الفيلم مأخوذ عن فيلم «لعبة الست» الذي كتبه خيري نفسه ونجيب الريحاني، وشاركت فيه ماري منيب، بالدور نفسه الذي قدّمته في «العائلة الكريمة»، وأدى فيه شوقي دور نجيب الريحاني نفسه، ووجد خيري فريد شوقي في الفيلم يقدّم أداءً كوميدياً راقيا، وكأنما عثر على ضالته.

فاتح بديع خيري للمرة الثانية ماري منيب في أمر عودة فرقة الريحاني، من أجل البقاء والاستمرار، لكن هذه المرة كانت المهمة أسهل من المرة الأولى، لأن لا مصلحة له سوى بقاء الفرقة، غير أن الصعوبة تكمن في كون بطل الفرقة سيكون للمرة الأولى من خارج الفرقة. لم تندهش ماري منيب عندما عرض عليها خيري اسم فريد شوقي «وحش الشاشة» الذي يضرب كل من يعترض طريقه على الشاشة، لأنها بخبرة السنين لمست مدى أهمية هذا الاختيار من خلال تجربتها الكوميدية مع فريد شوقي في «العائلة الكريمة»، غير أن المهمة الأصعب كانت أن يستطيع خيري إقناع شوقي بذلك، وهو ملء السمع والبصر على شاشات السينما، نجم كبير وبطل في كل أفلامه، بل ومنتج للكثير منها ويكتب قصص بعضها، فما الذي يمكن أن يغريه في الذهاب إلى المسرح، فكانت إجابة ماري منيب لبديع خيري أبلغ ردّ:

* اسم نجيب الريحاني لوحده يغري أي فنان مهما كان كبيراً… وشرف لأي فنان أنه يقف على نفس الخشبة اللي وقف عليها نجيب الريحاني ويقدم نفس الأدوار التي قدمها.

كان هذا الكلام كافياً لأن يفاتح بديع خيري فريد شوقي في أمر انضمامه الى فرقة الريحاني، وإن كان حدث ما توقّعه منه:

* أنا… إنت بتقول إيه يا أستاذ بديع… إنت بتكلم فريد شوقي… اللي الناس لما بتقرأ اسمه بتتوقع إنها هتشوف ضرب ومعارك وعصابات… يعني ممكن يموتوا من الخوف لكن مش ممكن يموتوا من الضحك.

- بس أنا واثق من نجاحك… واللا إنت معندكش ثقة في خبرة السنين دي كلها

* إزاي يا أستاذ بديع أنا ثقتي فيك ملهاش حدود… بس أنا خايف تكون دي نهاية الفرقة لأن الناس هتدخل علشان تشوف فريد شوقي اللي بيضرب مش اللي بيضحك.

- يا فريد إنت فنان كبير وممثل… مش مجرد نجم… إنت راجل دارس وخريج معهد التمثيل… يعني أي دور ممكن تعمله بسهولة.

* أنا صحيح خريج معهد المسرح بس بقالي سنين طويلة بعيد عن المسرح… وعايزني لما أرجع أرجع أقف مكان نجيب الريحاني وعلى مسرحه.

- مش هتفرق.

*أيوه… بس ممكن تقولي اطلع خللي الناس تعيط… خليهم يصقفولك على ضرب في خناقة… مش اطلع ضحكهم.

- خللي عندك ثقة في كلامي… واتوكل على الله.

على رغم مخاوفه من الكوميديا ومن مواجهة جمهور الريحاني، إلا أن فريد شوقي اضطر الى الموافقة نزولاً عند رغبة بديع خيري، وكانت البداية من خلال مسرحية «حكاية كل يوم».

وحش الشاشة كوميديان

كان جميع أعضاء الفرقة، وفي مقدّمهم ماري منيب، يعرفون الرواية عن ظهر قلب، الدخول والخروج والحركة، مكان الكرسي، مفاتيح الكلام عند كل شخصية، من كثرة تقديمهم لها سابقاً، غير أن فريد شوقي أصرّ على أن يقوم ببروفات لمدة ثلاثة أشهر على الأقل، فوافق كل أعضاء الفرقة وساندوه في هذه المهمة الصعبة، وتقرّر موعد افتتاح المسرحية مع بداية الموسم الصيفي، وقبل ليلة واحدة من موعد الافتتاح قرّر شوقي الاعتذار عن عدم تقديم العرض، فاتهمه بديع خيري بالجنون:

* إنت مؤكد مجنون… إنت زي ابني وأنا خايف عليك.

- مش هقدر يا أستاذ مش هقدر…

* هتقدر يا فريد صدقني… وهتنجح نجاح كبير.

- منين بس… دا أنا ببقى حافظ الكلام كويس قوي وبمجرد ما أطلع على خشبة المسرح بحس إني نسيت كل حاجة… ودي مجرد بروفة من غير جمهور… تخيل بقى الموقف والصالة مليانة جمهور… إزاي الحال بقى؟

* الجمهور هيصقفلك لحد ما إيديهم توجعهم.

- دول هيضربوني بالبيض والطماطم زي جمهور الإسكندرية ما عمل قبل كده مع عبد الحليم حافظ.

* الموقف مختلف… عبد الحليم كان شاب بيبدأ لكن انت نجم كبير لك اسمك

- طب نأجل الافتتاح عشرة أيام لحد ما أحفظ كويس.

* ولا ساعة… اتفضل روح نام كويس علشان الافتتاح بكرة.

- ومين هيجيله نوم بس يا أستاذ.. أنا حاسس إني بكرة رايح أمتحن في التمثيل لأول مرة.

لم تترك ماري منيب فريد شوقي لحظة واحدة في كواليس المسرح وقبل صعوده إليه بل اضطرت الى دفعه رغماً عنه إلى الخشبة، ليجد نفسه وجهاً لوجه أمام الجمهور، وأمام مصيره ومستقبله. تحدّثت ماري منيب، وردّ عليها شوقي فضجّ الجمهور بالضحك. لم يصدّق شوقي ما سمعه من ضحكات الجمهور، فهزت له ماري منيب رأسها ولسان حالها يقول له:

* ألم أقل لك… هل صدقتني؟

بعد رحيل ابنه عادل، استطاع بديع خيري أن يعيد افتتاح الفرقة للمرة الثالثة، وتقديم تراث الريحاني بنجم جديد، ونجحت مسرحية «حكاية كل يوم» نجاحاً كبيراً، وما أن قدّم فريد شوقي تحية النهاية للجمهور حتى ركض إلى الكواليس حيث كان يجلس خيري، قبّل يده ورأسه وحمله على كرسي مع عمال المسرح ليخرج به محمولاً إلى الجمهور، الذي استقبله بعاصفة من التصفيق الحار، ليرى بعينيه نجاح فرقة الريحاني واستمرارها. أُغلق الستار، ووقف خيري وسط أعضاء الفرقة يهنئهم على هذا النجاح:

*كده أنا مطمن إن فرقة الريحاني هتستمر… دلوقت أقدر أموت وأنا مطمن أن اسم نجيب الريحاني وبديع خيري هيفضل موجود… وإذا كنت فقدت ابني عادل خيري، فأنا سايب بينكم ابني فريد شوقي.

بكى بديع خيري، كذلك ماري منيب وفريد شوقي وكل أعضاء الفرقة، فقد كانت هذه الكلمات كلمات وداع… ولم تمرّ أيام إلا وكان الكاتب والمخرج والمؤسس الثاني لفرقة الريحاني قد رحل. رحل بديع خيري بعدما اطمأن على أن الفرقة لن تموت بموت الأشخاص، وأن الفن الحقيقي يخلّد أصحابه حتى بعد رحيلهم. رحل ووصيّته الأخيرة ألا تتوقّف الفرقة وألا تغلق أبوابها مهما كانت الأسباب، حتى لو كان السبب رحيله هو شخصياً.

حصاد الرحلة

كان هذا الكلام الدافع الأول لقرار فريد شوقي الاستمرار في عروض الفرقة بعد رحيل بديع خيري، أما الدافع الثاني فكان النجاح المدوي الذي شهدته «حكاية كل يوم»، ما شجّعه على تقديم مسرحية «الدلوعة» في الموسم التالي، بمشاركة سيدة الفرقة الأولى، ماري منيب، وأشرك معه للمرة الأولى نجمة شابة من خارج الفرقة، هي الفنانة نيللي. لاقت المسرحية نجاحاً كبيراً شجّع شوقي على أن يقرّر، للمرة الأولى منذ رحيل الريحاني، أن يطوف بالمسرحية في عدد من الأقطار العربية، لتحصد النجاح من قطر الى آخر، حتى كانت المحطة الأخيرة لها في بيروت، في مايو 1967، حيث استقبلها الجمهور استقبالاً لا يصدّق الى درجة جعلت ماري منيب تبكي في الكواليس وهي تقول لشوقي:

* ماكنتش عارفه إن الجمهور ده بالذات فاكرني وبيحبنى كده… الله يخليك يا فريد حققت لي أمنية كان نفسي فيها قبل ما أموت.

- انت بتقولي إيه يا ست ماري… دا انت ست الكل… وست المسرح المصري والعربي… والتكريم ده قليل عليك.

* عارف يا فريد أنا هما مرتين في حياتي اللي حسيت فيهم أني اللي عملته مارحش ع الفاضي وإنه كان له قيمة… النهارده لما الجمهور استقبلني الاستقبال ده كانت المرة التانية… أما المرة الأولانية كانت لما كرمني رئيس الدنيا كلّها الريس جمال عبدالناصر في عيد الفن.

ما إن اطمأنت ماري منيب على نجاح المسرحية حتى قرّرت زيارة قبر والدها والترحّم عليه. وقفت أمام القبر وبكت طويلاً، مرّ أمامها شريط طويل من الذكريات، منذ وُلدت على هذه الأرض بين أحضان والديها، حتى مغادرتها الى مصر وهي لم تتجاوز الرابعة من عمرها، لتعود إليها اليوم بعد هذه الرحلة الطويلة المليئة بالذكريات الضاحكة الباكية.

آنذاك، لم يبقَ على عروض الفرقة في بيروت سوى ليلتين فقط وتعود إلى القاهرة، عندما جاءها الخبر المشؤوم الذي تناقلته وكالات الأنباء:

إسرائيل تشنّ حرباً برية وجوية ضد مصر.

اندلعت حرب 1967 بينما الفرقة تقدّم عروضها في بيروت، وخيّم الحزن على الوجوه، وقررت الفرقة إلغاء ما تبقى لها من عروض، فقد أصبح الكل ملازماً للمذياع، والأخبار التي تتناقلها وكالات الأنباء عن أخبار الحرب. أصيب الجميع بالهلع، لم تطق ماري البقاء بعيداً عن مصر في ظلّ هذه الظروف العصيبة، ولم تهدأ حتى دبّر بعض الأصدقاء في بيروت طريقة يمكن للفرقة أن تعود بها إلى القاهرة.

عادت ماري منيب لتصطدم بالحقيقة المرة: تنحّي الزعيم جمال عبد الناصر وتحمّله مسؤولية هزيمة 1967، لتخرج مع من خرجوا إلى الشوارع تطالبه بالبقاء وعدم الرحيل. كانت تذهب كل ليلة إلى المسرح لا لتعمل، بل لتتناقش مع الزملاء في ما يمكن أن يقدّموه لمصر، وللمجهود الحربي، شعرت بأن ثمة دوراً لا بد من القيام به، واقتنعت بفكرة الزملاء أن دورهم الحقيقي يكمن في تقديم فن هادف، ليس لإسعاد الجمهور فحسب بل أيضاً لإعادة بناء المجتمع المصري.

الرحيل

توقّفت الحركة الفنية في مصر بسبب أجواء الحرب التي لا تزال تسيطر على البلد، خصوصاً العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات المسلحة المصرية من حين إلى آخر في ما سُمي بـ «حرب الاستنزاف» التي مُني فيها العدو الإسرائيلي بالكثير من الخسائر، فكان ذلك مطمئناً وداعياً إلى ضرورة عودة الحياة إلى طبيعتها، غير أن الحياة الفنية تسير ببطء شديد، خصوصاً أن عدداً من الفنانين تركوا مصر بحثاً عن العمل في أجواء بعيدة عن الحرب، كذلك اضطر بطل فرقة الريحاني الجديد فريد شوقي للسفر إلى تركيا لتقديم عدد من الأفلام هناك بعد توقّف الحركة الفنية في مصر إلى حدّ ما، وظلت ماري منيب ما يزيد على العام بلا عمل سواء في السينما أو المسرح، حتى بدأت الحياة الفنية تعود تدريجاّ، وعاد الطلب على ماري منيب مجدداً. طلبها هذه المرة شاب جديد اكتشفه فؤاد المهندس من خلال فرقة الفنانين المتّحدين، اسمه عادل إمام، لتشاركه أول بطولة مطلقة له في السينما أمام النجم الكبير أحمد مظهر في فيلم بعنوان «لصوص لكن ظرفاء». لم تتردّد ماري في قبول الدور، ليس لأنها تبحث عن عمل، لكن لتقف كعادتها مع هذا الشاب الذي يبدأ حياة النجومية، غير أنها ما إن انتهت من تصوير الفيلم حتى اتخذت قراراً بعدم العمل في السينما بعد اليوم، واكتفت بالعمل في المسرح، حيث وافقت على تقديم مسرحية «خلف الحبايب» مع فرقة الريحاني في عام 1969.

فجأة وعلى غير العادة، قرّرت ماري أن تدعو أولادها الأربعة لمشاهدة أحدث مسرحية لها، وكان اللقاء في المسرح يوم 11 يناير 1969، فوقفت ملكة متوجّة على خشبة المسرح، تضحك وتمزح مع الجمهور، تداعب أولادها بقفشاتها، وتلفت نظر أحفادها، وفي الواحدة والنصف صباحاً انتهى العرض، وأُسدل الستار.

أبت ماري أن يذهب أولادها إلى بيوتهم، وأصرّت على اصطحابهم معها إلى بيتها في شبرا، ما أثار قلقهم، ولكنها ليست مريضة، ولا تشكو ألماً أو مرضاً، ظلوا بجوارها تذكّرهم ببعض الذكريات، ظلّت تضحك وتضحك… لتفاجئها نوبة قلبية حادة لم تمهلها فأسلمت روحها إلى بارئها قبل أن يؤذن فجر يوم 12 يناير 1969.

رحلت ماري منيب بلا مقدمات وبلا مرض، رحلت ضاحكة، مثلما جعلت الملايين يموتون من الضحك مجازاً… رحلت أمينة عبد السلام لتنتهي رحلة إحدى أشهر الكوميديانات في تاريخ المسرح والسينما. رحلت قبل أن يمهلها القدر رؤية فيلمها الأخير «لصوص لكن ظرفاء» الذي أعلنت بعده اعتزال السينما، وكأن القرار سجّله القدر، رحلت بعدما تركت للمسرح الكوميدي العربي حوالي 60 مسرحية مصوّرة، وأكثر من خمسة أضعاف هذا الرقم لم تسجّله الكاميرا، وتركت للسينما أكثر من 100 فيلم قدّمتها على مدى 35 عاما، وأدّت في غالبيها دور «الحماة النكدية»، على عكس ما عاشت وعُرفت من طيبة ونقاء وحب خالص لكل مخلوقات الله من إنسان وطير وحيوان ونبات… أحبت الله بإخلاص… فأحبت مخلوقاته… فكافأها الله بحب جميع مخلوقاته لها.

الجريدة الكويتية في

29/08/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)