حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

تحية من أمريكا إلى نساء ثورة مصر

بقلم   سمير فريد

لم تكن ثورة مصر فى بينالى الفنون فى جناح مصر فقط الذى خصص للفنان شهيد الثورة أحمد بسيونى، ولا فى اختيار حسن خان لرئاسة لجنة التحكيم، وإنما أيضاً فى معرض الفنانة الأمريكية نورما جين، وهو الاسم الحقيقى لمارلين مونرو، ولا تدرى هل هو الاسم الحقيقى للفنانة الأمريكية التى تعرف نفسها فى كتالوج البينالى (ولدت فى لوس أنجلوس عام ١٩٦٢، وتعيش فى كل مكان)!

العمل تحية إلى النساء اللواتى اشتركن فى ثورة ٢٥ يناير فى ميدان التحرير من خلال الفوتوغرافيا واستلهام الألوان الثلاثة للعلم المصرى وعن مصر أيضاً عمل الفنان الفرنسى سيبرين جيلارد الذى يعيش فى برلين، وفيه يستخدم زجاجة بيرة قديمة ماركة «الأقصر» (الكلمة بالعربية) وعليها ثلاثة من أكباش طريق الكباشى فى المدينة العريقة.

فنانتان من السعودية

وإلى جانب مصر اشتركت السعودية فى معرض تينسيا لأول مرة، والإمارات لثانى مرة وسوريا لثالث مرة والعراق لأول مرة منذ عام ١٩٧٦. وفى المعارض الفردية هناك الفنانة المغربية لطيفة إيشاكس التى تعيش فى سوريا، والجزائرى محمد بورعويس الذى يعيش فى فرنسا.

الاشتراك السعودى حدث بكل معنى الكلمة، فهو ليس مجرد معرض من فنون ما بعد الحداثة، وإنما أيضاً لامرأتين هما الأختان شادية ورجاء عالم وتحت إشراف سعودية ثالثة من رموز الثقافة هى منى خازندار التى أصبحت أول مديرة امرأة لمعهد العالم العربى فى باريس، والبدهى أن تحديث السعودية يعنى الكثير لكل العرب وكل المسلمين فى العالم، والحدث ليس فقط كونهن ثلاث نساء من البلد الذى تمنع فيه المرأة من قيادة السيارة، ويحرم فيه إنشاء دور للسينما وأن تمثل المرأة على المسرح، وإنما الحدث أيضاً العمل الفنى ذاته الذى يستخدم التشكيل والأصوات والأنوار والظلال ليعبر عن اللون الأسود: لون غطاء الكعبة، ولون أزياء النساء، ولون الحجر الذى أتى به الملاك جبريل من السماء (الحجر الأسود) هناك مكعب يستند على طرف أحد أضلاعه وسط كتلة سوداء، ومرآة تعكس التشكيل من الجانب الآخر وهناك تقابل وتلاق بين فينسيا ومكة، وبين ماركو بولو وابن بطوطة.

وفى معرض الإمارات الذى افتتحه عبدالله بن زايد، وزير الخارجية، فنانتان أيضاً ريم الغيث ولطيفة بنت مكتوم، ومعهما الفنان عبدالله السعدى والصور الفوتوغرافية التى عرضت للفنانة لطيفة من أروع صور المعرض، ففى كل صورة تلوين مدهش بالضوء لنساء محجبات وسط حدائق مزهرة، أما ريم الغيث فتقدم تحت عنوان «دبى: ما تبقى من أرضها» تعبير ينفى الصورة الشائعة عن المدينة - الإمارة، ويؤكد أن ٧٠٪ من أرضها لاتزال خالية.

وفى معرض سوريا ١١ فنان (٥ من سوريا و٦ من إيطاليا) ولا تدرى لماذا، والمشتركون من سوريا شعبان آدم وطلال العبد الله ونزار صبور وريما سالامون ونعمت بدوى، وتلفت النظر لوحة الأخيرة المسماه «البساط الطائر»، وهى رقعة شطرنج عليها رضيع مغطى داخل رقعة شطرنج أكبر وأخشى القول بأن الرضيع هو الولادة الجديدة المنتظرة لسوريا حتى لا يقبض على الفنانة أو تقتل، سلمت لفنها ووطنها، ولكنها على أى حال ليست أفضل من آلاف المعتقلين والشهداء.

ومن العراق، وتحت رعاية المعمارية العالمية الكبيرة زها حديد، وهى من أعظم رموز ثقافة ما بعد الحداثة وتعيش فى لندن منذ عام ١٩٨٠، يقام معرض ٦ فنانين عراقيين يعيشون جميعاً فى المنفى، ٣ من جيل السبعينيات (على عساف وآزاد ناناكيلى ووليد سيتى) و٣ من جيل التسعينيات (عادل عابدين وأحمد السودانى وحليم الكريم)، ويجمع بينهم الأسى والحزن على ما وصلت إليه بلادهم، ويطلقون على معرضهم عنوان «المياه الجريحة» ويتميز فيه عمل الكردى وليد سيتى الذى يتلاعب بصور العملات العراقية الورقية.

وزير الثقافة

رغم أن عماد أبوغازى هو أفضل اختيار لوزير ثقافة ما بعد الثورة، لكنه لم يحضر احتفال مهرجان كان بالثورة، ولا احتفاء معرض فينسيا للفنون التشكيلية بالثورة، والذى لم يحضره من الوزراء العرب سوى عبدالله بن زايد وزير خارجية الإمارات.

ولعل الوزير يحضر اختفاء مهرجان فينسيا السينمائى الدولى بالثورة، كما لاتزال الفرصة متاحة لحضور معرض الفنون حتى ٢٧ نوفمبر، وأظن أن مهام عبدالله بن زايد لا تقل جسامة عن مهام عماد أبوغازى.

المصري اليوم في

29/08/2011

 

ثورة مصر فى أعرق معارض الفنون

بقلم   سمير فريد

٢٧/ ٨/ ٢٠١١

بينالى فينيسيا ـ وكلمة بينالى بالإيطالية تعنى: كل عامين ـ أعرق معارض الفنون التشكيلية فى العالم، فقد بدأ عام ١٨٩٥ وقد تحول البينالى إلى مؤسسة لا مثيل لها فى العالم، حيث تنظم كل عامين معارض للموسيقى والمسرح والرقص والعمارة إلى جانب المعرض الأقدم للفنون التشكيلية، وتنظم كل سنة معرض السينما، أو مهرجان فينيسيا السينمائى الدولى، وهو بدوره الأعرق فى العالم حيث بدأ عام ١٩٣٢ فى المدينة الإيطالية المتفردة المقامة على مجموعة من جزر البحر الأبيض المتوسط، وبدلاً من الشوارع هناك أكثر من مائة قناة بحرية تتخلل الجزر.

يقام المعرض الـ٥٤ للفنون من ٤ يونيو إلى ٢٧ نوفمبر هذا العام، وقد سبق الافتتاح حسب تقاليد المعرض التحكيم وإعلان الجوائز، حيث رأس الفنان حسن خان لجنة التحكيم، وهو أول مصرى يرأس اللجنة فى تاريخ المعرض وبينما فازت ألمانيا بجائزة الأسد الذهبى لأحسن معرض دولة فاز الفنان الأمريكى كرستيان ماركلى بجائزة الأسد الذهبى لأحسن معرض فردى، فالمعرض يتكون من معارض دول ومعارض فردية، وبلغ عدد المشاركين ٨٣ فناناً من ٨٩ دولة من كل القارات، وهناك أجنحة ثابتة لـ٢٨ دولة منها مصر منذ عام ١٩٣٨، وقد فازت بالأسد الذهبى لأحسن معرض دولة عام ١٩٩٥ فى الاحتفال بمئوية المعرض.

ولاشك أن اختيار حسن خان لرئاسة لجنة دورة ٢٠١١ بمثابة تحية إلى ثورة ٢٥ يناير التى أدهشت إيطاليا وكل الدنيا. ولاشك أيضاً أن قرار اللجنة التى شكلتها وزارة الثقافة فى مصر للاشتراك بمعرض للفنان أحمد بسيونى كان صائباً تماماً، فهو الفنان الذى استشهد فى جمعة الغضب يوم ٢٨ يناير، ولم يكن استشهاده السبب الوحيد لهذا الاختيار بالطبع، وإنما أساساً للقيمة الفنية للمعرض، والتى لم تقل عن قيمة أحسن معارض البينالى، وكلها مثل معرض «بسيونى» تمثل تيار ما بعد الحداثة.

الفنان شهيد الثورة

ولد «بسيونى» فى ٢٥ أكتوبر عام ١٩٧٨، وتخرج فى كلية التربية الفنية عام ٢٠٠٠، وكان مقبلاً على الحياة فتزوج وأنجب آدم (٦ سنوات) وسلمى (سنة واحدة)، ومتمرداً فى الفن، ولذلك لم يكن من الغريب أن يشترك فى الثورة منذ ٢٥ يناير، ويصور بكاميرته الديجيتال أحداثها.

كتب «بسيونى» فى موقعه على الـ«فيس بوك» يوم ٢٧ يناير: «أرجوك يا أبى، يا أمى، يا شباب، يا طلبة، يا مواطنين، يا سادة، يا الجميع.. هذه فرصتنا الأخيرة لاستعادة كرامتنا.. الفرصة الأخيرة لتغيير النظام الذى استمر طوال الثلاثين سنة الماضية.. انزلوا إلى الشوارع وتمردوا، أحضروا معكم طعامكم وملابسكم والمياه والأقنعة الواقية من الغاز وزجاجة خل.. صدقونى، لم تبق سوى خطوة صغيرة.. إذا كانوا يريدون الحرب، نحن نريد السلام.. سوف أقاوم حتى النهاية من أجل استعادة كرامة وطنى». لكنه لم يكن يعرف أن النهاية سوف تكون بعد ساعات فى ميدان التحرير برصاص قناص لا يعرف إلا كيف يقتل.

كان «بسيونى» فى الميدان عندما استشهد بجانبه شاب من الثوار برصاصة من قناص، فسلط الكاميرا عليه وصوره، وشاهده القناص فأطلق عليه رصاصة أخرى فاستشهد بدوره، لقد صور «بسيونى» قاتله، لكن الفيلم اختفى وعليه صورة القاتل حتى الآن وحسب تقرير الطبيب الشرعى بعد العثور على جثة «بسيونى» يوم الأربعاء ٢ فبراير هناك آثار عجلات سيارة مرت فوقه، ربما بعد موته أو قبل أن يموت، أدت إلى «تهشيم ضلوعه وتهتك فى الرئة وعضلة القلب مع نزيف داخلى وكسر فى الحوض».

ثلاثون

على خمس شاشات كبيرة (٢ × ٣ أمتار) يعرض فى جناح مصر مختارات من تصوير «بسيونى» لأحداث الثورة فى ميدان التحرير تقاطع مع عمل فنى قدمه فى معرض «ولماذا لا؟» فى قصر الفنون بمنطقة أوبرا القاهرة عام ٢٠١٠ بعنوان «ثلاثون يوماً من الركض فى المكان». وفيه ركض «بسيونى» فى قفص من البلاستيك من ٧ إلى ٨ مساء كل يوم من ١٦ فبراير إلى ٤ مارس مرتدياً زياً مثل أزياء رواد الفضاء، وما يعرض فى فينيسيا تسجيل للعرض.

كان المعلن أن العمل يستهدف قياس طاقة الإنسان، لكن يبدو أنه عن استنزاف الطاقة، وليس قياسها: عن الحركة من دون تقدم، أو ما يطلق عليه فى العسكرية «محلك سر» كما تبدو الأيام الثلاثون سنوات مبارك الثلاثين حيث تولى الحكم وبسيونى فى الرابعة من عمره عام ١٩٨١، وظل متمسكاً بالحكم حتى أطلق القناص رصاصته ليغادر «بسيونى» الدنيا وهو فى الثالثة والثلاثين من عمره، العمر الذى رفع فيه المسيح عليه السلام من الحياة المؤقتة فى هذا العالم إلى الحياة الأبدية فى العالم الآخر.

وزارة  الثقـافـــة

فى كل الأجنحة وأمام كل المعارض مكاتب استقبال توزع فيها المطبوعات، بل هناك دفتر كبير قبل الخروج لكى يكتب من يريد عما شاهده.

وقد قضيت ساعة فى جناح مصر من ٣ إلى ٤ بعد ظهر الأربعاء الماضى، وكان هناك مكتبان للاستقبال، ولكن من دون وجود أى موظف أو موظفة، ولم يكن هناك ما يوزع، وإنما كتالوج وملصق مثبتان على كل مكتب، حتى إننى انتزعت نسخة من كل منهما للاطلاع عليهما كما لا يوجد دفتر كبير وصغير لكتابة الانطباعات.
الكتالوج والملصق عن معرض «بسيونى» فى غاية الرداءة من كل النواحى شكلاً ومضموناً وكأنهما من مطبوعات مدرسة ثانوية فى الريف، بل إن الغلاف مثل ورق هدايا لعب الأطفال، فضلاً عن أخطاء عديدة مثل ترجمة شعار البينالى هذا العام، وهو «لحظات تنوير» إلى «إضاءات»، وترجمة «الفنون الأدائية» إلى «الفنون المفهومية»!

وقد تابعت قبل سفرى «المعركة» حول استبدال صورة بسيونى بصورة موظف كبير فى مقدمة الكتالوج ولكن هذه ليست المشكلة، المطبوعات نتائج عمل موظفين وليس فنانين، بل هناك اهتمام غير عادى بذكر أن بسيونى كان مدرساً حصل على ماجستير وكان يعد للدكتوراه، بدلاً من تحليل علمى عميق لعمله والمعرض الدولى مستمر حتى ٢٧ نوفمبر، ولاتزال هناك فرصة لإصدار مطبوعات قيمة عن بسيونى، وعن مصر فى بينالى منذ ١٩٣٨ عن الفن المصرى من ٥ آلاف سنة.

 

إنسان ولكنه لا يخطئ

بقلم   سمير فريد

١٢/ ٨/ ٢٠١١

التصريح الذى نشرته «الأهرام» يوم العاشر من أغسطس ٢٠١١ منسوباً إلى الرئيس «المتخلى» مبارك، والذى يقول فيه إنه لم يهرب بعد التخلى لأنه لم يخطئ - ليس مجرد تعبير عن «الغطرسة» كما علق الدكتور أحمد عكاشة فى نفس الجريدة، وإنما عن الإحساس بالألوهية لأن الله وحده سبحانه وتعالى هو المعصوم من الخطأ، وحتى النبى محمد عليه الصلاة والسلام عصمه الله من شرور الناس، وليس من الخطأ لأنه إنسان متميز مثل كل الأنبياء، ولكنه إنسان مثلهم أيضاً.

والإحساس بالألوهية عند أى ديكتاتور رد فعل منطقى لغياب المحاسبة، وقد لخصها الفلاح المصرى فى المثل الشعبى المعروف «قالوا لفرعون إيش فرعنك، قلت مالقيتش حد يلمنى». وما الديمقراطية الحديثة التى توصلت إليها أوروبا بعد ٥٠٠ سنة من النهضة والتخلص من حكم الكنيسة باسم الدين، إلا وجود من يلم الفرعون، المؤمن يعمل على أساس أن الله يحاسبه، وغير المؤمن يعمل على أساس أن القانون سوف يحاسبه، وفى غياب محاسبة الحاكم يتحول إلى ديكتاتور.

والألوهية رد فعل منطقى عند الديكتاتور لأن الله وحده هو الذى لا يحاسبه أحد، ولأن الديكتاتور يأمر بالقتل ويأمر بالعفو خارج القانون، أى يُحْيى ويميت مثل الله سبحانه وتعالى، ولأن الديكتاتور يرزق من يشاء بغير حساب مثل الله، تعالى عما يفعلون، ويؤدى وجود ديكتاتور إلى نظام ديكتاتورى يصبح فيه كل مسؤول فى موقعه ديكتاتوراً أو إلهاً صغيراً مثل آلهة العجوة عند العرب قبل الإسلام. قال لى مثقف عراقى فى المنفى، لا أتذكر اسمه، ذات يوم إن كل مسؤول فى عراق صدام حسين يقلده فى مشيته، وطريقة كلامه، بل فى حلاقة شعره وشكل شاربه، يجمع الديكتاتور بين رئاسة الجيش والشرطة، ويعين من يحاسبه فى رئاسة البرلمان حتى لا يحاسبه، ويزور الانتخابات حتى يصبح النواب مثل الكومبارس الصامت فى مسلسل تليفزيونى ردىء، ويصبح القاضى والمحامى ووكيل النيابة معاً فى مواجهة المتهم، وهو هنا كل الشعب الذى يريد أن يعيش حياة كريمة، ولا يقنع بالفتات الذى يتبقى من آلهة العجوة.

ويبدو ذلك بوضوح فى الجمع بين عشرة وعشرين منصباً فى نفس الوقت وفى نفس الشأن، وحتى فى العلاقة بين الدولة والفنون والآداب، والأصل فى هذا المجال كان يوسف السباعى، وتبعه آخرون كصور «فوتو كوبى» على مدار أكثر من نصف قرن، ومن المعروف بالطبع أن «الفوتو كوبى» لا يطابق الأصل، ولذلك تبهت الصورة حتى تصبح «شبحية». قيل للسباعى اذهب أنت المسؤول عما يطلق عليه «المثقفون» فى مصر، وفى مصر وسوريا بعد الوحدة، وكل العالم العربى عندما كان يقوده عبدالناصر رئيس مصر، بل كل آسيا وأفريقيا عندما كانت مصر عبدالناصر تعرف الطريق إلى القارتين.

إذا أردت أن تعمل لابد أن يوافق السباعى، وإذا كنت تريد مسكناً يوفره لك السباعى، وإذا مرضت أو مرض أحد من ذويك، فالسباعى يوفر لك التكاليف، إذا أردت أن تسافر لابد من موافقته، وإذا أردت أن تنشر عملك لابد أن يرضى السباعى عنك وعنه. وعندما تولى محسن محمد رئاسة مجلس إدارة دار التحرير، وتولى مكان عبدالمنعم الصاوى بعد أن أصبح وزيراً للإعلام عام ١٩٧٧، كنت مشرفاً على جريدة «السينما والفنون» الأسبوعية التى أصدرها الصاوى بناء على اقتراحى، إلى حين صدور قرار برئاستى التحرير، وقال لى محسن محمد «اذهب إلى يوسف السباعى حتى يرضى عن الجريدة، ويصدر قراراً بتعيينك رئيساً للتحرير».. قلت له، «ولكن السباعى رئيس دار الأهرام، وليس رئيس دار التحرير، فلماذا أذهب إليه».. كان رده بخفة دمه وصراحته اللاذعة «إنت عبيط ولا بتستعبط، يوسف السباعى هو يوسف السباعى، إنه رئيس كل الصحف فى مصر».

كانت «السينما والفنون» تمثل حلمى وحلم كل جيلى، وصدر منها ٢٥ عدداً حققت نجاحاً كبيراً حتى علمت أنهم كانوا يتخاطفونها فى دمشق والدار البيضاء وليس فقط فى أسوان والإسكندرية، ويتم حجزها عند الباعة باتفاقيات خاصة، ولذلك ذهبت إلى يوسف السباعى فى «الأهرام»، وأخبرته بالحوار الذى دار مع محسن محمد، فقال لى «الجريدة ممتازة والفكرة رائعة وأنت كناقد وصحفى ممتاز جداً، ولكن عيبك أسلوبك عندما ترى شخصاً لا يرتدى (كرافتة) مناسبة لا تصرخ فى وجهه، وإنما قل له إن (كرافتة) أخرى قد تكون مناسبة أكثر».

وقال «كل ما آخذه عليك أنه ليس من المعقول أن تكون هناك جريدة للسينما والفنون ويقرؤها يوسف السباعى مع القراء يوم الاثنين من كل أسبوع. هذه كل أرقام تليفوناتى، كل المطلوب أن تتحدث معى قبل الطبع، وتقرأ لى «المانشيت» والأخبار الأساسية، لن أتدخل فى أى شىء، المطلوب فقط أن أعرف». ورويت لأستاذى كامل زهيرى ما حدث، فقال لى «لا تفعل ذلك ولا تصدق، فى البداية لن يتدخل، ولكن سرعان ما سيملى عليك (المانشيت)».

 

عن السينما الإسلامية فى مصر

١١/ ٨/ ٢٠١١

رداً على مقال سمير فريد فى «صوت وصورة» عدد ٣٠ يوليو، وصلت الرسالة التالية من الدكتور محمد رفيق زاهر، مخرج فيلم «خيط رفيع»:

أنا دكتور معمارى، أعمل بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية وفنان تشكيلى، وقد وجدت فى فن الدراما التمثيلية أجدى وأبرع الوسائل لتقديم المفهوم المراد وتوصيل الرسالة المقصودة بأقرب وأبسط الطرق.

أريد أن أوضح أنى أتفق معك تماماً فيما ورد فى كتاباتك، فالفيلم المقدم يمكن تصنيفه كعمل درامى فنى يحمل رسالة إنسانية تربوية موجهة، كأقرب ما يكون للأفلام السينمائية التى يقدمها زملاؤنا المسيحيون فى الكنيسة المصرية، التى يشارك فيها العديد من الفنانين المصريين المعروفين من المسيحيين والمسلمين على حد سواء.

كما أحب جداً أن أضيف أن طاقم العمل من ممثلين ومخرجين وطاقم صوت وإضاءة وتصوير وسكربت حتى مدير الإنتاج ومساعديه هم مجموعة من الشباب المسلمين والمسيحيين السينمائيين الهواة حديثى السن وكلهم من الشباب الواعد، ومقتنعون تماماً بالفكر الإنسانى المقدم من خلال الفيلم ويمتلكون حماساً فطرياً جارفاً لتقديم هذه الفكرة بالشكل المطروح وبالمعنى الذى يرمى إليه الفيلم فى النهاية، إلا أنهم يفتقدون الخبرة اللازمة والحنكة السينمائية المحترفة فى التعامل مع الكاميرا، لذا أعتذر عن أوجه القصور التى شابت، فنياً، هذا العمل، التى أبررها بنقص أوجه الخبرة وضعف التمويل نسبياً.

مضمون الرسالة النبيلة التى أحب طاقم العمل فى الفيلم توصيلها، هو أن مساحة القيم الإنسانية القويمة التى وردت فى كل من الدينين الإسلامى والمسيحى مساحة كبيرة وتمثل الجانب الأعظم من الديانتين.

العمل تم إنتاجه وتصويره فى نوفمبر ٢٠١٠ وليس بعد الثورة كما ذكرت، إلا أن الأحداث الأخيرة فى ثورة ٢٥ يناير شكلت ذخيرة هائلة مثالية لهذا التلاحم، ما أضفى على الفيلم بعداً ملحمياً متصلاً بالأحداث الجارية.

 

مصر الحضارة التى تقاوم كل الشرور

بقلم   سمير فريد

٥/ ٨/ ٢٠١١

نفى المؤرخ عاصم الدسوقى صفة الثورة عن ثورة ١٩١٩ لأنه لا توجد ثورة «قانونية» يقودها القاضى سعد زغلول. وهذا صحيح من الناحية «الأكاديمية»، وبنفس المنطق يمكن اعتبار ثورة يناير ليست ثورة بدورها لأن الجيش الذى أيد ثورة الشعب لم يسقط القانون بدوره، وعندما طالب طه حسين حركة الجيش عام ١٩٥٢ بأن تتحول إلى ثورة، كان عملياً ينعى على الحركة قانونيتها، فقد اهتمت بتوقيع الملك فاروق على خطاب التنازل عن العرش، وقامت بوداعه وداعاً رسمياً قبل أن يغادر إلى منفاه فى إيطاليا.

وحتى ثورة عرابى تم الاختلاف على تعريفها، فما هذه الثورة التى تطالب بحقوق الجيش والشعب، وتنتهى إلى محاكمة عرابى ونفيه؟ ولكن هكذا «الثورات» فى مصر وكم كان عالم المصريات جيمس بريستد على حق عندما وصف الحضارة المصرية القديمة بأنها فجر الضمير الإنسانى، وكان هذا عنوان كتابه المعروف عنها، وكم كان الفلاح المصرى «الفصيح» على حق عندما لم يطالب فى شكاواه بغير تطبيق القانون الذى يحقق العدل على اللصوص الذين سرقوه.

فى أول مقال نشره نجيب محفوظ وهو طالب فى السنة الأولى بجامعة القاهرة فى عدد أكتوبر ١٩٣٠ من «المجلة الجديدة»، التى كان ينشرها ويرأس تحريرها سلامة موسى، قال «محفوظ» وهو لم يبلغ بعد العشرين من عمره تحت عنوان «احتضار معتقدات وتولد معتقدات» النص التالى: «ونحن أيضاً لا نتشاءم من تزعزع الإيمان بالمعتقدات القديمة، ولا نميل إلى التسليم بأن عاقبة ذلك خراب العالم، كما يدعى كثير من المتشائمين، وكل ما فى الأمر إن هو إلا ترميم فى الأساس، أو هو بنيان أساس جديد متين لا نتسرع فى تشييده، بل نترك ذلك للتطور والزمان، وهما كفيلان بأن يحققا لنا ما نحلم به من غير أن نلجأ إلى الثورات التى تفوز بالمرغوب، وتقهر الزمان فى الظاهر، بينما هى فى الحقيقة والواقع ليست إلا تخريباً واضطراباً لا يسفران إلا عن تقهقر ورجوع إلى نقطة الابتداء».

للوهلة الأولى يبدو «محفوظ» ضد «الثورة» رغم أنه ابن أصيل لثورة ١٩١٩، ولكنه ليس ضد الثورة، وإنما ضد المفهوم الغربى لها من واقع تاريخ أوروبا، ومع المفهوم المصرى للثورة، وعندما يقول إن التطور والزمان كفيلان بأن يحققا لنا ما نحلم به، لا يحدد الحلم الذى يتحدث عنه، ولكنه يقصد العدل، وتحقيق العدل عن طريق القانون، وهو محور كل أعماله، والقضية المركزية التى شغلته طوال حياته.

محفوظ فى أدبه وحياته خلاصة فريدة للحضارة المصرية، وما ثورة يناير إلا تعبير عن مصر الحضارة التى تقاوم كل الشرور، وما محاكمة مبارك، التى بدأت أمس الأول، إلا تعبير جديد عنها، وعن المفهوم المصرى للثورة، وعندما كتب «محفوظ» مقاله كانت ثورة روسيا ١٤ عاماً من تاريخ نشر المقال قد ذبحت أسرة القيصر من دون محاكمة، وكان يعلم أن ثورة فرنسا أقامت المقاصل فى الشوارع وذبحت الملك والملكة وآلافاً من رجال الحكم، وبعد ١٤ سنة من تاريخ نشر المقال ذبح موسولينى وعشيقته فى إيطاليا بمناجل الفلاحين، ومن بعده ذبح شاو شيسكو وزوجته فى شوارع رومانيا، وتطول الأمثلة.

أما فى عالمنا العربى فحدّث ولا حرج من ذبح الملك فيصل فى العراق، وتعليق جثة ولى العهد فى أحد محال الجزارة، وإعدام الضابط الذى ذبحه بعد ذلك فى ثوان معدودة على مقعده، إلى ذبح المغنى قاشوش فى سوريا بعد انتزاع حنجرته وهو حى، ولعل ما أدى إلى فشل ثورة عبدالناصر أنه دفع بعيداً عن المفهوم المصرى للثورة بواسطة حزب البعث، وعندما قام جيفارا بزيارة مصر سأله عبدالناصر عما شاهده فقال شاهدت الكثير ولكنى لم أشاهد «مقابرهم»، فانزعج عبدالناصر، وقال له: مقابر من؟ وكان رد ثائر أمريكا اللاتينية «مقابر أعداء الثورة»، وعندما قام القذافى بخلع ملك ليبيا فذهب إلى مصر استنكر على عبدالناصر موافقته استضافة الملك، فحذره رئيس مصر من المساس بالملك.

محاكمة مبارك درس مصرى للعالم العربى والعالم كله بأن العدل أساس الملك، وأنه لا يتحقق إلا بالقانون العادل.

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في

05/08/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)