حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

الحب والحب... وأيضاً الحب [13]

«الأوقات الحديثة» لشابلن حيث الحب في زمن الأزمات الاقتصادية

عبدالستار ناجي

رحلة في عالم الحب في السينما العالمية، ترصد أبرز نتاجات الفن السابع التي توقفت في محطة الحب والرومانسيات العذبة... وهي دعوة للمشاهدة والقراءة... والاستمتاع.

من يشاهد حاليا فيلم «الأوقات الحديثة» و«الأزمنة الحديثة» لشارلي شابلن المنتج عام 1936 يكتشف انه لايزال حديثاً، بما يحتويه من مضامين وما يؤكد عليه من قيم، وما يحلله من اشكاليات تعصف بكل شيء في زمن الازمات المادية والحداثة.

الأزمنة الحديثة.. أو الأوقات الحديثة، تحفة سينمائية خالدة، تستدعي الحب، ليكون شاهداً على قسوة الحياة، وقسوة الظروف، عبر سينما تنطق بالألم، وتنبض بالاشارات الانسانية.

في المحطة الأولى، دعونا نذهب الى ملخص الفيلم مباشرة، مشيرين الى ان «الأوقات الحديثة» هو آخر الافلام الصامتة التي قدمها شارلي شابلن، ولهذا ازدحم الفيلم بالمؤثرات الصوتية.

في الفيلم يعلن شابلن موقفه من الحداثة والازمات الاقتصادية ايضا، التي اوقفت العجلة، والمصانع، التي حولت من قبل الانسان الى ترس في تلك الآلة الضخمة التي التهمت كل شيء.

فقد في البداية جزءا فاعلا، يحاول ان يشد المسامير، والعمل على تنفيذ تجربة للتغذية الآلية التلقائية، ولكل الحوادث المختلفة، امام هجمة الحداثة، والماكينة، والآلة، اعتقد البعض انه قد جن جنونه، لهذا يتم ارسال تشارلي الى مستشفي الأمراض العقلية.

وبعد معاناة، يخرج، وحينما يلوح بالصدفة بعلم أحمر، يعتقد الجميع انه «شيوعي»، ولهذا يتم الزج به في السجن.

وهكذا تمضي الأحداث، حتى فيما يجد امرأة بلا مأوى ويحاول ان يساعدها، يجدها محبطة، مدمرة، ولكنه يعلم انه لا مفر في هذه الظروف من الحب، والامل، ليتجاوز ازمات العصر.

كالعادة، فيلم من بطولة شارلي شابلن، اذن فهو بالضرورة من تأليفه واخراجه وانتاجه وبطولته، كيف لا وهو الطاقة والعبقرية الفنية المبدعة، التي رسخت السينما في وجدان وذاكرة الفن، والجماهير.

يقول شابلن، ان فكرة العمل، استمدها من مراسل شاب، أبلغه عن نظام خط الانتاج في «ديترويت»، التي كانت تحول عمالها الى حطام عصي، وقد أمن لتلك التجربة كما من المشهديات، الساخرة، المؤلمة القاسية بالذات، فهو التغذية التلقائية، التي أدخلها رؤسائه من اجل توفير الوقت، والمال.

من خلال شخصية تدفعها الصدفة الى متاها.. فمن الاتهام بالجنون، الى الشيوعية.. ثم السرقة، حينما يتهم بسرقة الخفر.

قبيل كتابة هذا الموضوع، عدت لمشاهدة الفيلم، عبر نسخة حديثة، صدرت ضمن مجموعته الكاملة، والان وبعد مرور 70 عاما تقريبا، أعود لمشاهدة تحفة، حيث نجد في الأزمنة الحديثة، او العصر الحديث، قد تغير كل شيء، ولكن لاتزال الآلة تفرض سيطرتها.

وقد اضاف شابلن لموضوع هجوم الحداثة والآلة، موضوع الكساد الاقتصادي، والخسائر، والمشاكل المالية التي اوقفت المصانع.

فيلم صامت، لكنه حافل بمؤثرات، الموسيقى والصور والظلال، والتمثيل الرفيع كل من شارلي شابلن وبوليت غودار التي مثلت دور الحبيبة.

فيلم يكشف عناصر من الافكار الاجتماعية والسياسية الكثيرة التي كانت حاضرة في ذلك الوقت.

شابلن، أو تلك الشخصية «الصعلوك الصغير» عامل في مصنع، وهو شأن بقيمة العمال في كل مكان، دائما تحت رحمة ارباب العمل.

السخرة الى أبعد الحدود، والخضوع لكم من التجارب، من بينها «التغذية الآلية، او التلقائية، في مشهد ساخر، مدمر يجعل المشاهد في حالة ممزوجة بين الألم والسخرية.

وبدلا من ان يتم استثمار الوقت والمال، الذي يهدد وقت تغذية الموظفين، يتحول ذلك الصعلوك الى مسخ، ويعتقد الجميع انه «مجنون - معتوه» لهذا يتم اقتياده الى مستشفى المجانين.

وحينما يخرج متهم بالشيوعية، لانه كان يرفع علما أحمر، في تظاهرة يقوم بها بعض البلاشفة، ويزج به الى السجن ويهرب، ليلتقي مع تلك المرأة المعدومة، وهنا يسقط ذلك الصعلوك الصغير في الحب.

واعترف مجددا، بأنني عند مشاهدة الفيلم، وفي ظل الظروف الاقتصادية الحالية، التي يعيشها العالم، اشعر كأن الفيلم لايزال حاضرا، ايضا، وكأنه صنع اليوم، لهذه الفترة بالذات، حيث دول كبرى تعلن إفلاسها ومصانع كبرى تغلق ابوابها، وتسرح كوادرها.. انها الازمنة الحديثة فعلا.

عرض الفيلم للمرة الأولى عام 1936 وبالذات 25 فبراير، ويومها استطاع ان يجتاح صالات العالم، ونشير هنا، وضمن الملف الخاص بالفيلم، ان الكلفة الانتاجية بلغت مليون ونصف المليون دولار فقط، وحقق اكثر من 11 مليون دولار كعوائد، وهو ما وصف يومها بالانجاز.

يظل شارلي شابلن، ممسكا بالفيلم طوال فترة الفيلم التي بلغت 87 دقيقة، بإيقاع شمولي، دقيق التفاصيل، فياض بالاحاسيس، سواء في المرحلة التي يعيشها كصعلوك تسحقه الآلة، او كصعلوك محب في المرحلة الثانية، التي يحاول من خلالها ان يعلن رفضه ويساعد من يحب، حتى وهو معدم ماليا.

كما نشير الى ان الفيلم حظى بتجربة في غاية الاهمية، حينما اعيد عرضه في الصالات الاميركية عام 1999 حينما تقرر عرضه في عدد من الصالات في لوس انجلوس بنسخته الصامتة، وهو اول فيلم من زمن السينما الصامتة، يعاد عرضه لجمهور السينما الناطقة، وقد حظيت تلك التجربة بكثير من الاهتمام، والبحث والدراسة، للمضامين التي يرسخها، ويؤكد عليها.

وبمناسبة الحديث عن الفيلم، نجدها فرصة حقيقية للتوقف امام الراحل الكبير شارلي شابلن، وهو من مواليد 16 ابريل 1889 لندن، تحول الى «ايقونة» خالدة في تاريخ السينما العالمية، وتوفى 25 ديسمبر 1977، بعد مسيرة عامرة بالانجازات.

ظل في بداية مشواره يصنع الافلام القصيرة، ونعني الافلام الروائية القصيرة، ومن ابرزها «البطل» وغيره من الاعمال السينمائية الخالدة في السينما الصامتة، بعدها انتقل الى الروائية الطويلة، ومنها «الطفل» 1921 و«السيرك» 1928، و«الدكتاتور العظيم» 1940، الذي حمله لكثير من النقد والسخرية على أدولف هتلر زعيم الرايخ الالماني، وظل يعمل في السينما، كما انتقل لاحقا الى السينما الناطقة ليقدم عدة افلام ومنها «كونتيسة في هونغ كونغ مع صوفيا لورين.

كما عاش شابلن جميع المراحل الاقتصادية والسياسية التي عاشتها بريطانيا والولايات المتحدة وكان وراء تأسيس أحد اكبر الاستديوهات، «اليونايتد ارتست» الذي كان وراء انتاج جملة أعماله السينمائية.

ونتوقف من جديد امام «الأوقات الحديثة» ففي الفيلم موقف صريح، من هجوم الآلة، وتهميش الانسان، وايضا البحث عن الخلاص، من خلال الموقف الصريح بالدعوة الى الحب، في زمن راحت تكال فيه الاتهامات جزافا، فمن الجنون الى الحزبية ثم الاتهام بالسرقة.

كل ذلك عبر مشهديات سينمائية، نعتقد للوهلة الاولى بانها «تضحكنا» لكنها في الحقيقة تدمي قلوبنا وعقولنا.

فيم «الأوقات والازمنة او العصور الحديثة، يصلح لكل زمان، ومكان، لانه يستحضر الحب في زمن الأزمات العاصفة، عبر رمزية شفافة، وطروحات لا تفارقنا لأننا نحسها في كل لحظة وهنا سر خلود شابلن.

anaji_kuwait@hotmail.com

النهار الكويتية في

15/08/2011

 

الحب والحب... وأيضاً الحب [14]

«امرأة جميلة».. الحب في قاع المجتمع

عبدالستار ناجي  

رحلة في عالم الحب في السينما العالمية، ترصد أبرز نتاجات الفن السابع التي توقفت في محطة الحب والرومانسيات العذبة... وهي دعوة للمشاهدة والقراءة... والاستمتاع.

آخر فيلم شاهدته، قبل أن أشد رحالي مع اسرتي، عائداً من العاصمة الفرنسية، وقبيل ايام قليلة من الغزو العراقي - الصدامي لدولة الكويت، كان فيلم «امرأة جميلة» أو «بريتي ومن» الذي جمع بين النجم ريتشارد غير والجميلة جولياروبرتز، وقد ظلت صور ذلك الفيلم في ذاكرتي، وانا أعيش اقسى اللحظات وعذابات ايام الاحتلال البغيض، واليوم كله عدت للكتابة عن ذلك الفيلم أو حتى شاهدته من جديد، اقترن ذلك بلحظات من الألم، فقد خلال العديد من الاصدقاء لعل في مقدمتهم رفيق القلم الزميل محمد المطيري والشاعر الرقيق فائق عبدالجليل وكم آخر من ابناء الكويت الحبيبة.

والآن وبعد هذه المقدمة، أذهب الى فيلم «امرأة جميلة» حيث البحث عن الحب في قيعان المجتمع، حيث الفقر، والحاجة والحلم.

وباختصار شديد، رجل ثري انيق يريد ان يقضي ليلة، يبحث عمن ترافقه لاحدى المناسبات الاجتماعية، فتكون الصدفة باختيار فتاة من بنات الشارع، فكيف تسير الامور، وكيف ستتطور العلاقة، حينما يجد الحب عند تلك الصبية، القادمة من قاع المجتمع.

الفيلم كتبه جي. اف لوكون، وهو ابن الكاتب المعروف هاري لوكون، وفي رصيد نجله عدد بارز من السيناريوهات من بينها «امرأة جميلة» و «رجل البيتزا» و«تحت الحصار» و«جاكسون» وغيرها من الاعمال التي راحت تمزج بين المغامرة والعاطفة اما الاخراج فهو لفاري مارشال، وهو يجمع بين التمثيل والكتابة والاخرج، ومن أعماله «العروس الهاربة» مع جوليا روبرتز ايضا وفرانكي وجوني، كما أخرج العديد من الاعمال التلفزيونية، وهو من الحرفيين الذين يميلون الى طرح القضايا الاجتماعية.

ونعود الى حكاية ذلك الفيلم، الذي استطاع في عام 1990 ان يحقق عوائد تجاوزت الاربعمئة مليون دولار، لان يعزف على وتر «الاحاسيس» و«العاطفة».

دور ريتشارد غير رجل ثري، متخصص بالاستيلاء على الشركات ومن ثم بيعها، يسافر الى لوس انجلوس في رحلة عمل، ويقرر استئجار امرأة «وهي في الحقيقة عاهرة»، على ان ترافقه لاحدى المناسبات، مقابل مبلغ من المال.

الا ان تلك الرحلة تمتد لأكثر من اسبوع، وعندها يكتشف ذلك الثري، صدق واحاسيس وظروف ومعاناة وألم تلك الصبية التي تجسد دورها جوليا روبرتز.

الفيلم رغم قسوة بعض المشهديات من حيث الاحاسيس وتضاربها، الا انه يظل يعزف على الكوميديا الخاصة بالموقف، وايضا المفارقة في اللحظة.

في البداية هو يعتقد بانها مجرد فتاة رصيف ويمكنها القيام بتلك المهمة، وهي تعتقد بانه مجرد زبون.

فان بتلك الليلة، تتغير اشياء كثيرة، بداخل كل منهما هي تكتشف بان هذا الزبون غير تقليدي، يسأل، ويحس بها، ويعاملها بلطف، بعد ان كانت مجرد جسد وسلعة، عند الآخرين، فاذا بها انسانة امام رجل ثري.

وهو يكتشف بها العفوية، والبساطة، وايضا الجوانب الانسانية التي تتجاوز حدود المادة والماديات التي تتحكم بمثل هكذا علاقات عابرة.

هي ذهبت الى المتاجرة بجسدها، لانها لم تجد الرعاية وايضا العمل المناسب، وهي الفتاة غير المتعلمة، وهو ذهب الى تلك التجربة، لانه يعيش حياة مزدحمة بالمال واللقاءات والوجوه، بينما العاطفة بداخلة جرداء، مثل صحراء فارقها المطر، منذ سنوات، لهذا يجد بها وجها جديداً، وعلاقة جديدة، تدهشه بعفويتها تأخذه الى عالمها، الى الوجوه التي تعيش حولها والتي تمثل شرائح اجتماعية مسحوقة، مدمرة، يقتلها الادمان والفقر والحاجة.

هي تحول شراسته كتاجر، وكمضارب، ورجل اقتصاد، الى انسان حقيقي، يشعر بألمها، بعد ان كان لا يشعر بألم الآخرين وظروفهم وحاجياتهم.

حوار طويل، ومواقف ولحظات، تكشف دواخل كل منهما، فاذا بها «عاهرة» من الخارج، وفي الداخل قلب ابيض، يبحث عن الخلاص والانعتاق من تلك المهنة الرخيصة.

وهي تكتشف بانها امام رجل قاس من الخارج، ولكنه من الداخل، قلب ينبض بالحنان، والعاطفة، والحب.

أجل الحب الذي ظل طريقه عن تلك الوجوه، والتي انغمست بتعبها وهمومها وانشغالها وبحثها المادي، فاذا بتلك العلاقة العابرة تغير كل شيء.

هكذا هو فيلم «امرأة جميلة» يأسرنا الى عوالم تلك الشخصيات، فنحب هذه الشخصية ونكره تلك، بل اننا ومنذ اللحظة الأولى نجد انفسنا متورطين بالتعاطف مع شخصية «العاهرة» ونكره وكيل اعمال الرجل الثري، الذي يحاول ان يمنع تلك العلاقة التي راحت تتطور بين الثري والعاهرة، او فتاة الشارع، وغيرها من الشخصيات، من بينهم صديقة فتاة الليل التي جسدتها الممثلة الشابة لاوراسان جيكومو والتي كان دورها في هذا الفيلم بمثابة الفاتحة لمزيد من النجاحات والانتشار السينمائي، كيف لا وهي تدهشنا بأسلوبها في التعامل مع الشخصية المسحوقة.

تقول جوليا روبرتز في حديث لها مع طلبة جامعة «سان دينجو»: ادين بشهرتي الى اللحظة التي وافق بها النجم ريتشارد غير لان اقف امامه في فيلم «امرأة جميلة».

ويومها كان ريتشارد غير في قمة النجومية والشهرة، كيف لا، وهذا النجم كان قد قدم قبل هذا الفيلم العديد من الاعمال السينمائية المهمة، ومنها «فضيحة داخلية» و«الملك داوود» و«نادي القطن» و«ضابط وجنتلمان» و«العاشق الأميركي» و«البحث عن السيد غودبار».

وبعد «امرأة جميلة» قدم كما آخر من الاعمال السينمائية التي رسخت حضوره ومكانته وقيمته ومنها «خريف في نيويورك» وهو ما سنتوقف عنده في محطة لاحقة لانه يذهب الى زاوية متجددة في سينما الحب.

ولايزال ريتشارد غير، رغم تقدمه بالعمر 62 عاما، من مواليد 31 اغسطس 1949، يمتلك الحضور لتقديم الشخصيات المحببة بالنسبة للجماهير، وهو يمتلك خصوصية عالية في اختيار الشخصيات التي توازي المراحل العمرية التي طاف بها، فمن «العاشق الاميركي» الى الحب في خريف العمر، وربما الاب والجد لاحقا، وصورته تظل في ذاكرة عشاق السينما، على انه احد العشاق البارزين في السينما، وقد رسخ هذا الجانب دوره في «امرأة جميلة».

الى جواره كانت هناك جوليا روبرتز، التي لم تقدم الا الهوامش، قبيل عام 1990، حينما عرفها الجمهور في «امرأة جميلة» وعندها تغيرت المعادلات حيث رفعت اجرها من مليون دولار الى 15 مليون دفعة واحدة، وهي تتقاضى حاليا 25 مليون دولار، ولان اجرها مرتفع الا انها تفضل ان تعمل في المسرح وبمبلغ قليل، مقابل الا تنقص من اجرها.

في مسيرتها حققت الكثير من الاعمال السينمائية المهمة، لعل ابرزها «ملخص اللقلق» و «زواج آخر صديقاتي» و«هروب العروسة» و«الفن أوشن»، وايضا دورها الذي منحها الاوسكار كأفضل ممثلة عن فيلم «ايرين بروفيتش، حيث تلك المحامية التي تبحث عن مستقبلها وسط التزاماتها الاسرية الصعبة.

ونتوقف عند الجوانب المادية في هذا العمل، الذي بلغت كلفته الانتاجية 14 مليون دولار، نصفها كانت من اجل ريتشارد غير، وقد جمع الفيلم في الاسبوع الاول له 12 مليون دولار، بينما بلغ اجمالي الدخل من جميع الاسواق العالمية 463 مليون دولار، وهذا ما جعل الجميع يعتقد بان الفيلم في طريقه الى جزء ثان، ولكن ذلك لم يتم، لان الجوانب الاجتماعية التي ينطلق اليها الفيلم كانت قد تحققت واكتملت في الجزء الأول.

كما نشير بان النجمة ديمي مور، اعترفت بقولها: «لن اغفر لنفسي بانني رفضت ذات يوم دور فيفان» في فيلم «امرأة جميلة» والذي ذهب الى جوليا روبرتز.

هكذاهو فيلم «امرأة جميلة» حيث البحث عن الحب في قيعان المجتمع.

anaji_kuwait@hotmail.com

النهار الكويتية في

16/08/2011

 

الحب والحب... وأيضاً الحب [15]

«فورست غامب» الحب يصنع المستحيلات

عبدالستار ناجي  

حينما قدم فيلم «فورست غامب» عام 1994، يومها استطاع ان يحقق عوائد مدهشة، وعلى الرغم من الكلفة المرتفعة للانتاج والتي بلغت (55) مليون دولار، إلا أن الفيلم استطاع أن يحصد وبشكل نهائي مبلغ (673) مليون دولار وهذا يعني ربحاً يتجاوز الألف في المئة. كل ذلك بسبب الحكاية البسيطة والقيم التي يؤكد عليها، حيث الحب يصنع المستحيلات.

النص يعتمد على نص روائي رائع كتبه وينستون غروم وتصدى لكتابته للسينما السيناريست ايريك روث الذي عرفناه عبر كم من الأعمال المتميزة ومنها «السيد جونز» و«ساعي البريد» و«ميونيخ» و«ملابسات قضية بنجامين بوتون» تلك التحفة السينمائية التي قام ببطولتها النجم براد بيت.

ونظراً لأن هذا العمل الروائي يتطلب حرفية عالية المستوى في التقنيات السينمائية، وتركيب المشاهد والصور من خلال الكمبيوتر، كان ان أسندت المهمة الى المخرج روبرت زيميكس، وهو أحد أبرز المخرجين الذين يبدعون في مجال الحرفيات والمؤثرات البصرية. وحينما نتوقف عند مسيرة هذا المخرج فإننا نحتاج إلى كثير من الوقت، ولهذا نفضل ان نعود اليه لاحقاً، في هذه القراءة السينمائية لهذا الفيلم، والذي يشكل احدى النقلات المهمة في مسيرة السينما.

ومن يتذكر الفيلم، فإنه حينها سيتذكر ذلك المشهد المصنوع بحرفية صعبة المنال، حيث مشهد سقوط الريشة والتي مع سقوطها تبدأ الأسماء بالنزول حتى تستقر الريشة عند فورست غامب.. الشخصية المحورية، لتبدأ احداث الفيلم. ومنذ ذلك المشهد ونحن نعيش حالة من اليقين، بأننا أمام عمل سينمائي ستكون الحرفيات والمؤثرات والتقنيات هي البوابة والمفتاح لجميع تفاصيله.

فورست غامب (توم هانكس) انسان بسيط، مقدرة جسدية، وحركة دماغ بسيطة، وفي الحين ذاته البساطة المتناهية.. والخجل.. والعفوية.

فهو، خلال أيام طفولته، يبذل قصارى جهده كي تظل جيني الى جواره، يخجل ان يبوح بعواطفه.. واحاسيسه.. ويحول كل ذلك الى تصرفات تعطي  دلالات على الاهتمام.. والحب.. والالتصاق.
إلا أن الحياة تمضي بإيقاعها، ومتغيراتها.. وهو يظل ملتصقاً بوالدته، التي تعلمه الحياة والالتزام، وتدعوه لأن يختار طريقه.. وحياته.. ومستقبله،.

وفي الحين ذاته، فإنه يظل مشغولاً بصديقته الوحيدة، بل انها الصديقة الوحيدة حتى في عالم الرجال الذي ينتمي اليه، فإنه يجد بها كل الحب.. والدفء.. وايضاً القلب الذي يريده.. والعقل الذي يصغي إليه.

وتسوقه الأقدار، الى الانخراط الى العسكرية، حيث معارك فيتنام تستقبل الشباب الاميركي الى مطحنة، لا يعود منها الا القلة، ويكون قدره ان يتعرف هناك على صديقين دان و«بوبا» وإبان الحرب يحصل على وسام الشجاعة لأنه يقوم بانقاذ المجندين.

وبعيداً عن الحرب، وبعد عودته، يلتقي مجدداً مع أحد اصدقاء الحرب من الذين أقعدتهم الحرب، بعد أن بترت قدماه، وأسس شركة لصيد الروبيان ويشاركة التجربة ويحصدان النجاح.

ولكنه يحس أن قدراته أكبر من ذلك فيبدأ بممارسة رياضة الجري ويتقدم المتسابقين ويحصد النجاحات ويفوز بالميداليات ولكن عينه تظل دائماً تنظر الى جيني.. يبحث عنها في زحام الوجوه.

ويتحول الى عالم كرة تنس الطاولة، ونظراً لتفوقه فإنه يكون في مقدمة الفريق الاميركي الذي زار بكين، وهناك يمد جسور التواصل وايضاً يحصد الميداليات.. وفي كل مرة يتوج من قبل رئيس اميركي.. فبعد فيتنام يلتقي مع الرئيس جونسون.. وبعد الصين يلتقي مع الرئيس نيكسون.. وهكذا كم من الإنجازات والمشهديات السينمائية التي ترسخ كماً من القيم.

فنحن أمام شخصية ذات معدل ذكاء منخفض، ورغم ذلك فإنه يحقق انجازات عظيمة لحياته.. وأمته.

بل انه راح يشكل محطات بارزة في أهم الأحداث التاريخية التي مرت بها الولايات المتحدة، فمن حرب فيتنام الى التقارب الصيني- الاميركي.. مروراً بكم من المناسبات وفي كل مرة، هو ذلك الانسان البسيط الذي يصنع المعجزات.

لقد كانت تحيط به الشهرة والنجومية والأضواء، ولكن يظل يبحث عن حب واحد... حب حقيقي، كان يراه دائما ذلك المحرك.. والمحفز.. والدافع... انه الحب الذي يختزل كل الآخرين... ويتحول الى عاطفة تحمينا... تسورنا كل الآخرين... ويتحول الى عاطفة تحمينا... تسورنا بغطاء من المعاني والقيم الجميلة... تدفعنا الى العطاء بلا حدود... دون ان نلتفت للآخرين.

انه يتحرك من منطلق، ان المحبة هي أكثر من القدرة، لهذا يظل يلهث... يفجر طاقاته.. وقدراته... من أجل ذلك الحب... وتلك المحبة التي يحملها بداخله... وتكون الدافع الى كل شيء.

خلال رحلة فورست يلتقي مع كم من الشخصيات تعود بنا الى الخمسينيات والستينيات، ونرى ألفيس بريسلي وجون كيندي «الذي يلتقيه وهو حاليا»، ثم لنيرن جونسون وريتشارد نيكسون... ثم القتال في فيتنام... ورغم ما يرى به البعض من «غباء» أو قلة وعي، فانه يحصد الانجازات والبطولات والأوسمة... انه الانسان البسيط.. الذي يمتلك القدرات والتميز... والذي يحركه هاجس أساسي هو حبه لجيني التي يرى بها كل العالم... وكل النساء... وكل الأصدقاء.

انه الحب الذي يجعلنا نمتلك القوة... والارادة... والبطولة... والتضحيات... فما أروع ان يكون الحب كذلك.

وقد قدم شخصية «فورست غامب» في مرحلة الطفولة مايكل كونر همفري، وفي اكبر، جسدها وباقتدار عال توم هانكس، ولدور أمه كانت الممثلة القديرة سالي فيلد، الدور جيني الممثلة روبين رايت «بن سابقا»، التي اضافت الكثير للشخصية في جميع مراحلها.

الفيلم انتجته ستديوهات بارامونت وسخرت له امكانيات ضخمة، ونشير الى نسبة كبيرة من المشهديات السينمائية نفذت في الاستديوهات والمعامل والغرف الزرقاء، حيث تم استخدام «الكروما» لاعطاء صور اضافية في الخلفيات.

كما يشير ملف الفيلم الصحافي، الى ان النجم توم هانكس وافق على بطولة الفيلم، بعد ساعة ونصف قام خلالها بقراءة السيناريو، واشترط التأكد من الاحداث التاريخية واستخدام أهل الجنوب الأميركي.

ونعود مجددا الى المخرج روبرت زيميكس، الذي عرف كمخرج وكمنتج وايضا كاتب سيناريو وممثل... بدأت شهرته كمخرج من خلال فيلم «غزل الحجر» مع مايكل دوغلاس عام 1984، ثم كانت نقطة الانطلاق مع فيلم «باك دوزا فيوتشر» العودة الى المستقبل» الذي حقق منه ثلاثة أجزاء.

مع توم هانكس وبعد «فورست غامب» قدم فيلم «كوست أوي - عام 2000»، وفي مجال الانتاج فان رصيده يزدحم بالملايين نتيجة لعدد هام من الاعمال السينمائية، التي حصدت الكثير من العوائد... ومن أبرز الاعمال التي انتجها هناك «كونتاكت» و«بيوولف - 2007»، كما اقترنت نسبة كبيرة من أعماله السينما بالمنتج والمخرج القدير ستيفن سبيلبرغ.

ولن ينسى العالم له فيلمه الرائع «من ورط الأرنب روجر - عام 1988»، والذي استطاع من خلاله وبحرفية سينمائية عالية المستوى، ان يجمع بين التمثيل الحي والكارتون.

أما فيلم «فورست غامب» فيظل إحدى العلامات السينمائية، التي تذهب الى التقنية من خلال موضوع انساني... ثري... وعميق....

«فورست غامب» سينما الحب... حينما يصنع الحب بداخلنا... المستحيلات.

anaji_kuwait@hotmail.com

النهار الكويتية في

17/08/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)