حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مؤلِّف صرخة نملة طارق عبد الجليل:

مصريون كثر تحوَّلوا تحت وطأة الظلم إلى فاسدين

كتب: القاهرة - فايزة هنداوي

اعتاد طارق عبد الجليل كتابة أفلام تحتوي على إسقاطات سياسية مباشرة مثل «عايز حقي» و{ظاظا رئيس جمهورية» وصولاً إلى «صرخة نملة» الذي اعتبره متابعون كثر أول فيلم يُؤرخ لثورة 25 يناير.
عن الفيلم وعمله مع شقيقه عمرو عبد الجليل كان معه اللقاء التالي.

·         لماذا تأخّر تعاونك مع أخيك عمرو عبد الجليل على رغم وجودكما في الوسط الفني منذ سنوات طويلة؟

لأن عمرو حتى وقت قريب لم يكن لديه الحق في اختيار العمل أو المؤلف، وأنا  أيضاً لم أكن أملك حق اختيار الفنانين.

·         وما الذي اختلف هذه المرة؟

بعد نجاح فيلم «كلمني شكراً»، طلب المنتج كامل أبو علي من عمرو ترشيح سيناريو مناسب ليقوم ببطولته، فطرح الأمر عليّ وكان لديّ بالفعل سيناريو «صرخة نملة»، فعرضناه على أبو علي وأعجبه وقرّر إنتاجه.

·         صرّح عمرو مراراً بأنه لا يحب السياسة، فكيف أقنعته بـ{صرخة نملة»؟

لا يحب عمرو الانخراط في السياسة، بمعنى أنه لا ينتمي إلى حزب أو جماعة سياسية إلا أن هذا لا يعني أنه يرفض الأفلام الجيدة، وقد أعجبه سيناريو «صرخة نملة» ورأى أن دوره فيه مناسب له جداً.

·         هل توافق على القول بأن الفيلم تنبأ بالثورة؟

الفيلم لم يتنبأ بالثورة لكنه عرض لأسبابها، وهذا ما حدث في أفلام أخرى كثيرة، لكن لحظّنا الجيّد تواكب الفيلم مع الثورة، لذلك فهو يعتبر أول الأفلام التي أرّخت لها.

عُذّب بطل الفيلم جودة سنوات طويلة على يديّ القوات الأميركية في العراق لسبب غير منطقي وهو عدم موافقته على تسليمها مفتاح أحد المخازن التي كان يعمل فيها.

كان هذا سبباً رمزياً للدلالة على ضراوة الاحتلال، ثم إن البطل اعتبر تسليمه هذا المفتاح نوعاً من الخيانة لأرباب عمله.

·         وهل كان منطقياً بعد كل ما تحمّله من عذاب في العراق أن ينهار بعد يوم واحد من التعذيب في أحد أقسام الشرطة المصرية؟

هذا دليل على أن التعذيب في جهاز أمن الدولة المصري وصل الى درجة من الضراوة فاقت أساليب المعتقلات الأميركية كافة، إضافة إلى أن قوى جودة كانت قد خارت تماماً خلال تلك السنوات.

·         كيف يمكن لرجل شهم مثل جودة رفض تسليم مفتاح المخزن الذي يعمل فيه أن يوافق على المشاركة في الفساد؟

تحوَّل مصريون كثر، تحت وطأة الفساد والظلم والمعاناة، إلى فاسدين لتأمين حياة كريمة.

·         علمنا أن الرقابة ووزارة الداخلية كانت وجّهت 21 ملحوظة للفيلم، ما هي أهم هذه الملحوظات؟

حذف عدد كبير من المشاهد، خصوصاً مشاهد التعذيب داخل جهاز أمن الدولة إضافة إلى المشهد الذي يوضح أن أحد ضباط أمن الدولة مرتشٍ، ومشهد  القضية المرفوعة على رئيس الجمهورية، ومشهد نجاح أحد أعضاء مجلس الشعب بالتزوير لأنه كان منتمياً الى الحزب الوطني.

·         لماذا كرّرت مشهد الشرطي الذي يقف أمام الجامع ليتفحّص بطاقات من يدخلون للصلاة الشخصية على رغم أنه موجود في فيلم «ظاظا»؟

هذا أحد المشاهد الذي كان مرفوضاً بشدة من أمن الدولة، وقد كان ضرورياً في «صرخة نملة» للإشارة إلى سيطرة الأمن القوية على الجماعات و{الإخوان» والشك في كل من يواظب على الصلاة، وهذا المشهد تحديداً يؤرخ لكيفية تعامل النظام السابق مع الشعب بشكل واضح، أما في «ظاظا» فقد كانت الأحداث كافة متخيّلة في بلد غير مصر.

·         رأى نقاد كثر أن «صرخة نملة» أقل مستوى من فيلميك السابقين «عايز حقي» و{ظاظا» على رغم أن الرقابة شوّهتهما.

أعتقد بأن فكرة «صرخة نملة» لم تكن براقة مثل «ظاظا» و{عايز حقي»، ثم لا يوجد عمل فني يحصل على إجماع النقاد والجمهور.

·         صرّحت بأن ثمة مشاهد حُذفت من الفيلم، فهل هذا هو السر في الخلل الذي أصاب الأحداث؟

لا أرى أن ثمة خللاً في أحداث «صرخة نملة» وإن كنا بالفعل حذفنا ما يزيد على الأربعين دقيقة بسبب طول الأحداث التي وصلت الى ساعتين ونصف الساعة، إلا أنني حرصت مع المخرج سامح عبد العزيز على حذف المشاهد غير المؤثرة على دراما الفيلم مثل المشاهد الكوميدية التي اجتهد خلالها عمرو، ذلك لنحافظ على إطار العمل الدرامي.

·         ما حقيقة المشاكل التي تعرّضتم لها في مهرجان «كان» السينمائي؟

كانت هذه المرة الأولى التي يحتفي فيها «كان» بالسينما المصرية ويكرّمها بعرض أكثر من عمل، لكن نظراً الى أن وزير الثقافة غاب بلا مبرر لم تهتمّ بنا السفارة المصرية ولم تحاول حتى مساعدتنا في أي شيء، بعكس السفارة اللبنانية التي احتفت بوجود فيلم لبناني واحد في «كان» وأقامت حفلة استقبال ضمّت السفراء والجالية العربية ونظّمت مجموعة ندوات وعروض.

·         ادعى أحد الكتاب بأن «صرخة نملة» مأخوذ عن رواية له بعنوان «قرصة نملة»؟

هذا الكاتب الذي اتهمني بأنني اقتبست منه فيلمي، تأكّد افتراؤه وكذبه، ثم إنني أقمت دعوى قضائية ضده والقضاء سيفصل بيننا.

·         لاحظنا أن ثمة جملاً متشابهة بين فيلمك وفيلم «فاصل ونعود».

السبب أنه كان ثمة اتفاق مبدئي مع المخرج أحمد جلال على إخراج «صرخة نملة» وقد عقدنا جلسات وحكيت له تفاصيل الفيلم، ثم فوجئت به يستخدم بعض الجمل في دعاية «فاصل ونعود» التي ارتدى فيها فريق عمل الفيلم يوم عرضه الخاص تيشرتات مكتوب عليها «الحقنا ياريس» وهو الإسم الأصلي لفيلمي.

الجريدة الكويتية في

31/07/2011

 

حاوي… إنساني ثري بالمشاعر والخواطر

كتب: محمد بدر الدين 

«حاوي» فيلم روائي طويل لإبراهيم البطوط، بعد فيلمه «عين شمس» الذي أثار جدلاً واهتماماً ملحوظين، يتابع فيه المخرج الشاب إرساء ملامح مشروعه السينمائي واجتهاده لسينما وأسلوب يخصانه ويعبران عن رؤاه للمجتمع الإنساني وللحياة، وهو يملك ناصية عمله تماماً، إذ كتب فيلمه وصوّره وأخرجه وشارك في أداء أحد أدواره الرئيسة.

يقدّم البطوط عالماً خاصاً تماماً تغلّفه الظلال بنوع من الغموض الفني، وحتى بأداء تمثيلي فيه روح مميّزة طازجة وتوظيف للارتجال، لكن هذا العالم الخاص يوازي عالمنا الواقعي الذي نحياه، بقدر ما يعبّر عنه وبقدر ما يعبّر الفيلم عن رؤية اجتماعية ونفسية وفلسفية لمسار عالمنا وجوهر التراجيديا فيه أو المأساة.

الشخصيات في الفيلم متعدّدة، تتلاقى وتتباعد، والخطوط الدرامية متداخلة متشابكة. للوهلة الأولى، يبدو أن المخرج يستعرضها أفقياً لكننا، بالتأمل، نجده يتعمّق فيها أيضاً، وإن ـ أحياناً ـ بلمسات أو ضربات فرشاة، تقدّم لوحة للإنسان والمكان.

وبقدر ما يقدّم الفيلم الإنسان بطريقة فنية مرهفة بالغة الخصوصية، يقدّم المكان الإسكندرية بطريقة تختلف عن إسكندرية شاهين وأي إسكندرية أخرى في تاريخ السينما المصرية. هنا نرى بأسلوب مختلف مدينة الإسكندرية، سواء في الرحابة أو الزحام، البحر أو الأزقة، بزوايا تصوير وتقطيع مونتاج ودرجات إضاءة متباينة في حدّتها أقرب إلى الحلم والكابوس، وبموسيقى ومؤثرات صوتية تؤكد طبيعة العالم الموازي الذي يجسّده «حاوي».

كذلك من خلال أغنية لفرقة «مسار» الغنائية التي لن نجد أدق منها، لو أردنا تعبيراً عن جوهر الرؤية والعالم في «حاوي»، أو أكثر تكثيفاً، فكأن الفيلم انطلق منها واستلهمها ودار في روحها ومفرداتها:

«بقيت حاوي بقيت غاوي… في عز الجرح أنا ما أبكيش… بقيت عارف… أطلع من ضلوع الفقر لقمة عيش… بقيت  قادر أداري الدمعة جوايا ما أبينهاش… بقيت راضي أنام رجليا مصلوبة كما الخفاش… أنا اتعودت  أحلامي… أشوفها بتجري قدامي وما الحقهاش…».

من  خلال شخصيات: إبراهيم، يوسف، فادي، ياسمين، الراقصة، العربجي، آية وخالتها… ينسج البطوط عالمه بمهارة حرفية، ويجسّد روح التراجيديا في هذه الأغنية، والشخصيات المسحوقة التي ما زالت لديها مقدرة ولحظات باقية لمقاومة الانسحاق ومواجهة الحياة بنبل، فهي شخصيات تتّسم بنبل إنساني مؤكد وإن تفاوتت في درجة الصلابة وإن تفاوت مدى تعاطف المتلقّي معها.

يكسر البطوط في فيلمه كل توقّع أو تصنيف تقليدي، إنها «سينما عابرة للنوعيات»، عصيّة على مثل ذلك التصنيف، لا تأبه لشروط السوق السينمائي أو تتعامل معها، ولا تلتفت إلى غير صدق مبدعها الفني الكامل.

وبمثل هذه النماذج والروح والاجتهادات الشجاعة، يتقدم فن السينما، ويحدث نقلات وطفرات لا تنقطع صلتها بالكامل مع الماضي، لكنها تتطلع بالكامل إلى المستقبل.

وبمثل فيلم «حاوي» نشعر حقاً بسحر السينما.

الجريدة الكويتية في

31/07/2011

 

ظاهرة تعاني منها السينما العالمية

تكرار قصص الأفلام . . توارد خواطر أم قنص متبادل؟

محمد رضا  

إذا لم تكن قد شاهدت الفيلم الكوميدي العاطفي “من دون قيود”، ذاك الذي قام ببطولته كل من نتالي بورتمن وأشتون كوتشر وكفين كلاين تحت إدارة إيفان رايتمن، فيمكنك أن تتابع أحداثه من خلال الفيلم الجديد المعروض بدءاً من الأسبوع الماضي “أصدقاء بمنافع” لأنه يحكي القصّة ذاتها، ولكن بممثلين آخرين . أما إذا كنت من المدمنين على مشاهدة كل شيء وشاهدت الفيلم السابق، وستشاهد الفيلم الجديد لأنك لا تريد أن تكسر تقليداً، فستكتشف أنه على الرغم من وجود مشاهد تختلف في مواقع تصويرها، وشخصيات تتباين في أسمائها، إلا أن الحبكة واحدة: كيف يمكن أن يتورّط صديقان (شاب وفتاة) عاطفياً من دون أن يندمجا في مشروع زواج . بكلمات أخرى: أليس من الممكن أن يعيشا الحب ويستقل كل منهما بمستقبله وقلبه في الوقت ذاته؟

بصرف النظر عن الجواب (وهو متشابه في كلا الفيلمين) إلا أن المشكلة هنا هي أن الفيلمين يطرحان هذا السؤال معاً، ومن دون قصد . وعلاوة على ذلك، هناك مسألة أخرى مشتركة بينهما: تمثيل من الدرجة الخامسة . وإذا كان التمثيل بلا عمق ولا عاطفة حقيقية من سمات بطل الفيلم السابق كوتشر، فإن جستين تمبرلايك لا يمثّل بقدر ما يقف أمام الكاميرا بملامح جاهزة . ميلا كونيس التي قدمت الكثير حين لعبت أمام نتالي بورتمن في “بجعة سوداء” تبدو كما لو أنها منحت أفضل ما عندها في الفيلم السابق وتخلت عن طموحاتها . هناك أسماء موهوبة ومهمّة، مثل باتريشا كلاركسون ورتشارد جنكينز، لكن تأثيرهما محدود والمرء يتمنّى لو أنهما بقيا بعيداً عن فيلم ليس لديه جديد يضيفه لتاريخ أي منهما .

على كل ذلك، فإن هذا التشابه بين الأفلام الحديثة، ليس جديداً على الإطلاق . البعض قد يقول أنه توارد خواطر، لكن الحقيقة أن المسألة قد تكون أكبر من ذلك . قد تكون “استلهاماً” أو “اقتباساً” أو “استيحاء”، فالأفلام كثيرة والمواضيع محدودة والناس باتت تنسى سريعاً .

“من دون قيود” خرج ربيع هذا العام، ما يعني أن توارد الخواطر ربما كان مسؤولاً بالفعل، الا إذا كان الكاتب نفسه باع مشروعه لإحدى الشركات باسم ثم باعه لشركة أخرى باسم آخر . وفي هذا العام أيضاً شاهدنا فيلماً آخر بعنوان “شريكة الغرفة” أو Roommate الذي تحدّث عن فتاة في الكليّة استأجرت شقّة وتبحث عن فتاة تشاركها المكان والأجرة . بعد محاولات تجد الفتاة الشريكة التي تبدو مثالية . فتاة بيضاء مثلها وذات ابتسامة وديعة وروح جميلة . لكن مع الوقت، تكتشف بطلة الفيلم (ربيكا ميستر) أن شريكتها هذه (مينكا كيلي) ليست سوى ذئب في صورة حمل، وأن نواياها تهدد حياتها وحياة الآخرين .

القصّة ذاتها وردت في فيلم “أنثى بيضاء منفردة” الذي تم إنجازه قبل تسع سنوات من بطولة بردجت فوندا وجنيفر جاسون لي . كل الفرق أن الفيلم السابق تحدّث عن إمرأة عاملة وليست طالبة وكذلك المرأة التي تشاركها شقّتها .

مثل هذا التكرار في القصص كان يقع سابقاً في إطار أفلام كبيرة . فيلمان عن سفينة ضخمة تتعرّض للغرق، كما حدث في عام 1997 عندما تم عرض فيلمين عن بركانين انفجرا على بعد أسابيع قليلة هما “قمّة دانتي” لروجر دونالدسون مع بيرس بروسنان وليندا هاملتون اللذان يكتشفان أن ذلك الجبل الخامد الذي كان انفجر قبل سنوات قد ينفجر مجدداً، لكن ليس هناك من يريد تصديقهما إلى أن يقع المحظور فعلاً وينطلق الجميع هرباً من جحيم الحمم المتطايرة .

القصّة نفسها، تقريباً، وردت في فيلم “بركان” مع تومي لي جونز وآن هيش اللذان يعرفان ما لا يعرفه الآخرون من سكّان لوس أنجلوس: جبل آخر خامد سيطلق حممه في أي لحظة لكن أحداً لن يستمع لتحذيرهما وحين يفعل سنجد الناس تهرب في كل إتجاه وتدفع ثمن سذاجتها . هذا الفيلم عرض في شهر إبريل/ نيسان من ذلك العام أي بعد شهرين من عرض الفيلم الأول .

رغم ذلك فإن أفلام الكوارث دائماً ما تشابهت فهي محدودة في حالاتها، فإن لم يكن الأمر حول بركان، فهو حول زلزال، وإن لم يكن زلزالاً فهو حريق ضخم، أو انهيارات ثلجية أو طوفان، كما كان الحال حينما تم عرض “تأثير عميق” و”أرماغادون” في سنة 1998 وكلاهما عن نهاية العالم كما يتسبب بها، بين عوامل أخرى، طوفان بحري هائل يدفع بالناجين لصعود الجبال هرباً . 

توم هانكس بين الدراما والكوميديا

كان من المؤسف أن يسقط الفيلم الجديد لتوم هانكس، ذاك الذي أخرجه وقام ببطولته تحت عنوان “لاري كراون” وشاركته بطولته جوليا روبرتس . فهو باشر انحداره في سلم الإيرادات من أسبوعه الأول حين حط في المركز الثالث ومن هناك استمر انزلاقه إلى أن خرج من الحسابات بعد أسبوعين فقط .

مؤسف لأن توم هانكس ممثل موهوب تعامل على نحو متواز تقريباً مع الكوميديا ومع الدراما . فيلمه هذا كان دراما خفيفة حول رجل صار لديه الوقت الكافي ليؤم مدرسة للكبار بحثاً عن ملء فراغ حياته المفاجيء . هناك يلتقي بالأستاذة (روبرتس) التي كانت تعتبر عملها ذاك فعلاً غير محمود وعليه لا تعيره أي اهتمام . الفيلم من هنا بحث في علاقة تنمو وتتّجه إلى عاطفية وطيدة معلنة أن الحب قد يأتي من حيث لا يتوقّع المرء .

إنه، وعلينا الاعتراف، ليس بالموضوع الشبابي الذي يقبل الناس عليه كإقبالهم، مثلاً، على فيلم من نوع “آثار السهرة” (في أي من جزأيه)، لكن حتى المعجبون بجوليا روبرتس وتوم هانكس وضعوا مسافة جارحة بينهم وبين هذا الفيلم . وفي حين أن هذا الفشل ليس فريداً اليوم بعد انتشار أفلام من بطولة المؤثرات التقنية من حيوانات ضخمة ومخلوقات روبوتس عجيبة أو رسومات لشخصيات ملوّنة موجّهة أحياناً للصغار وأحياناً لمن لا يزال يفتقد سنوات طفولته، إلا أن الفشل موجع في كل الأحوال ومهما كان السبب .

ما يُثيره هذا الموضوع حقيقتان هما أن هانكس لديه أكثر من 12 مشروعاً في مراحل مختلفة . بعضها من إنتاجه فقط، وبعضها من تمثيله (من المستبعد أن يقوم بالإخراج أيضاً في فترة قريبة) . الحقيقة الثانية أنه ممثل موهوب ولديه قدرة على التعاطي مع الشروط الصعبة للكوميديا والمتطلّبات الجادة للدور الدرامي .

وكنّا جرّبناه في كلا هذين النوعين . كان جيّداً في “أبوللو 13” و”فورست غامب” و”فيلادلفيا” و”جو ضد البركان” و”إنقاذ المجنّد ريان”، وهي أفلام درامية، كما كان جيّداً في “بلا نوم في سياتل” و”لديك بريد” و”ترنر وهوتش” وهي أدوار كوميدية وعاطفية خفيفة .

وقبل 10 سنوات كاملة، انشغل في تمثيل واحد من أفضل أدواره إلى اليوم . ذاك الذي أخرجه سام منديس (مخرج “جمال أمريكي”) بعنوان “الطريق إلى برديشن” حول قاتل محترف يجد نفسه مهدداً وابنه الصغير بعدما قرر رئيس العصابة التي عمل لها (بول نيومان) قتله فاستأجر خدمات قاتل محترف آخر (غود لو) .

وفي حين أن بعض الممثلين إذا ما انتقلوا من الكوميديا إلى الدراما يحاولون الحفاظ على مفاتيح تعبير لأجل تكرار ما مارسوه من أدوات وتقنيات أدائية ناجحة، حتى ولو لم يكن لها مجال في الفيلم الدرامي، وجدنا هانكس يرفض ذلك وينضوي تماماً تحت رداء الشخصية الداكنة الجديدة التي مثّلها رافضاً كذلك التنازل عن الجدّية المطروحة في الفيلم وذلك بهدف منحها ملكية خاصّة بها . بذلك لم يكسب إعجاب المشاهد المتمعّن، بل كسب تأييده في دور يقدّمه - مبدئياً- كمجرم غير شرير . صحيح أنه قاتل محترف، لكنه الآن يسعى للحفاظ على من تبقّى له من عائلته كلها ألا وهو ابنه الصغير .

حالياً يصوّر فيلماً يستوحي موضوعه من الاعتداء الذي وقع في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول بعنوان “مضج بشدّة وقريب جداً” بجانب ساندرا بولوك وماكس فون سيدو . من المبكر توقّع النتيجة، لكن الممثل والفيلم يحتاجان النجاح لجدّية ما يطرحانه كل ضمن خانته . 

سينما بديلة

أين أبو أسعد الآن؟

ليست هناك أي أخبار عن المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، ذلك الذي كان وصل إلى نطاق ترشيحات الأوسكار النهائية عن فيلمه الجيّد “الجنة الآن” . كان عاد من الولايات المتحدة بعد أن مكث فيها نحو عام ونصف رفض خلالها عروضاً لتحقيق أفلام نمطية أو من الممكن أن تحصره في أعمال لا يرغب بها . لكنه عاد متفائلاً على أساس أنه أوجد لنفسه قاعدة، ولو صغيرة، في هوليوود يستطيع من خلالها التواصل حتى بعد عودته إلى فلسطين . كان ذلك قبل عامين أو ثلاثة ومن وقتها لا أخبار مؤكدة عنه .

“الجنّة الآن”، الذي شرح فيه أبو أسعد للعالم الغربي، وبنجاح، لماذا يجد الفلسطيني نفسه مندفعاً نحو الشهادة ومسؤولية الاحتلال الصهيوني لبلاده وقسوة وضعه في ذلك، لم يكن فيلم أبو أسعد الأول في هذا التوجّه .

قبل ذلك، في سنة 2002 أخرج “عرس هنا” الذي تناول فيه وضع فتاة اسمها رنا تعيش في القدس وتريد الزواج من الشاب الذي تحبّه (مخرج مسرحي) وحتى تفعل ذلك عليها أن تبحث عنه وتأتي به إلى والدها قبل الساعة الرابعة بعد ظهر ذلك النهار . إنه الوقت الذي حدده والدها لها صبيحة ذلك اليوم . فعند تلك الساعة سيتوجه إلى القاهرة في رحلة عمل قد تستمر طويلاً . وهو كان أعطاها قائمة من العرسان المرشّحين لكي تختار واحداً منهم . لكنها تنظر إلى اللائحة ولا تريد منها شيئاً .

في فيلمه يعكس المخرج ثقته في أن المعاناة المفروضة على الشعب الفلسطيني لن تفقد الإنسان هناك رجاحة تفكيره وإقباله على الحياة وتحدي الوضع الجاثم عليه . لكن الفيلم ليس كوميديا . إنه دراما جادة عن وضع خانق وفي وسط هذا الوضع فتاة تبحث عن مستقبلها محاولة صنع مصيرها في زمن يحاول الآخرون القبض على هذا المصير .

المانع الأساسي لإتمام زواج رنا هو تلك الحواجز الإسرائيلية التي تواجهها والممتدة على مداخل مدينة القدس . رنا، كونها من المدينة، عليها أن تجلب عريسها من رام الله، وتعود به من هناك إلى بيتها . أكثر من حاجز . أكثر من سياج وأكثر من محاولة لمنعها من تحقيق ما ترغب به .

من مشاهد داخلية محكمة أدارها المخرج بانضباط وعكس فيها ثقافته الفنية بحدود ما أتيح له، إلى مشاهد خارجية يتركها أبو أسعد تحت تأثير الظرف الذي يحكمها . في وسط تلك المشاهد الخارجية يأتي المخرج بمفارقة يصوّر فيها انعكاس الواقع المعاش في ذات بطلته التي لن تهزمها الحواجز مهما كثرت .

م.ر

merci4404@earthlink.net

http://shadowsandphantoms.blogspot.com

الخليج الإماراتية في

31/07/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)