حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

أحمد وفيق:

ليت يوسف شاهين حيٌّ ليرى الثورة التي حلم بها

كتب: القاهرة - فايزة هنداوي

بدأ مشواره مع السينما بطلاً في فيلم من إخراج الراحل يوسف شاهين، إلا أن غيابه عن الساحة فترة طويلة دفعه الى الانطلاق مجدداً من بداية الطريق.

إنه الفنان أحمد وفيق الذي نجح في أن تكون له بصمته الخاصة عبر ما قدّمه من أدوار كانت وستظلّ تمنحه مكانة مميّزة على الخارطة الفنية.

عن تجربته في فيلم {صرخة نملة» الذي شارك في بطولته والانتقادات التي وُجهت إليه كان اللقاء التالي معه.

·         كيف جاء ترشيحك لفيلم «صرخة نملة»؟

رشّحني الفنان عمرو عبد الجليل، فنحن عملنا معاً سابقاً وتجمعنا صداقة على المستوى الشخصي، وقد اقتنع المخرج سامح عبد العزيز وأسند إلي الدور الذي أعجبني بمجرد قراءته فوافقت عليه، ذلك أن الفيلم يحمل رسالة ضد القهر والظلم، وأنا أعشق هذه النوعية من الأفلام.

·         في البداية كان اسم الفيلم «إلحقنا يا ريس»، فلماذا تغيّر إلى «صرخة نملة»؟

اعترضت الرقابة على اسم الفيلم ففكّرنا في اسم مناسب ووجدنا أن «صرخة نملة» يعبّر عن ملايين المصريين الذين يعانون من التهميش والمشاكل التي تدفعهم إلى الانسحاب من أي مواجهة والسير إلى جوار الحائط مثل النمل.

·         هل واجهتم مشاكل أخرى مع الرقابة؟

وافق جهاز الرقابة على السيناريو كما هو من دون أي تعديل، لكن المشكلة كانت في وزارة الداخلية، التي حوّلته الى جهاز أمن الدولة، ووضعت 21 ملحوظة اشترطت علينا مراعاتها لإعطائنا التصريح بالعرض، ولأن هذه التغييرات كانت ستؤثّر على الفيلم بشكل كبير لم نقم بها، وواصلنا التصوير من دون الحصول على تصريح من الوزارة، وقمنا بالتصوير الخارجي في جو من السرية لدرجة أننا اضطررنا إلى استخدام تصاريح تصوير «إعلانات تجارية».

·         لكن الفيلم اتُّهم بـ{ركوب» موجة الثورة واستغلالها وتغيير النهاية لصالحها.

لم يركب «صرخة نملة» موجة الثورة ولم يستغلّها، بل جاءت متماشية مع أحداثه وكان طبيعياً أن تكون ضمنه، كون الفيلم يعرض المشاكل التي يعيشها المصريون، الأمر الذي يدفعهم الى الخروج في ثورة ضد ما يحدث، فجاءت ثورة الشعب متزامنة درامياً مع ثورة البطل، وهذا ما يُعتير منطقياً تماماً ولا يمكن تجاهله.

·         كذلك اتُّهم الفيلم بأنه وقع في فخ المباشرة.

لم نقدّم فيلماً مباشراً بل بسيطاً، وقد قصدنا تقديم فيلم «شعبي» كي يفهمه البسطاء من دون فلسفة أو تعقيد أو رمزية وتصل الرسالة إلى الجميع على اختلاف ثقافاتهم.

·         لكن كمال الذي جسّدت شخصيته كان طيلة الفيلم يوجّه خطاباً مباشراً بضرورة التمرّد على الأحداث.

هذه ليست مباشرة ولكنها تجسيد للواقع، لأن ثمة شخصيات كثيرة تشبه كمال في الحقيقة، فالمثقف يطالب بالتغيير دائماً بسبب وعيه بما يحدث، إلا أنه لا يملك القدرة على الفعل.

·         هل كلامك هذا إدانة للمثقفين باعتبارهم سلبيين؟

ليست إدانة بقدر ما هي نقل للحقيقة، فبيننا مثقفون سلبيون كثر ليسوا إلا ظواهر صوتية.

·         تبنّى «صرخة نملة» وجهة النظر القائلة بأن المسؤول عن الفساد هو حاشية الرئيس وليس الرئيس.

نسبة كبيرة من الشعب المصري كانت تؤمن بأن الرئيس السابق حسني مبارك لم يكن المسؤول عما يحدث من فساد، إلا أن الفيلم قدّم في المقابل شخصية كمال الذي أكّد طيلة الأحداث أن الرئيس يتحمّل مسؤولية كل ما يجري من ظلم وفقر.

·         عرض الفيلم عدداً كبيراً من قضايا المجتمع المصري ومشاكله التي تستحق كل قضية منها فيلماً كاملاً منفصلاً، ألا ترى أن تحميل «صرخة نملة» بهذه المشاكل كافة أضرّ به؟

كان لا بد من أن يعرض الفيلم جميع مشاكل المجتمع التي تسبّبت في قيام الثورة، فلا يمكن أن نتجاهلها كلّها لأن المواطن المصري البسيط يعاني دوماً منها.

·         كيف تنظر الى مشاركة الفيلم في مهرجان «كان»؟

المشاركة في «كان» ليست جديدة عليَّ، فقد شاركت سابقاً مرتين، لكن هذه المرة تحديداً لم تسعدني، لأن أحد أسباب اختيار الفيلم يرجع الى تمثيله الثورة وليس الى قيمته الفنية.

·         هل ترى أن توقيت عرض «صرخة نملة» بعد الثورة كان مناسباً؟

كنت أتمنى لو عُرض في التوقيت الذي كان محدداً له قبل الثورة، لأنه كان سيُعتبر محرّضاً عليها، إلا أن الثورة هي التي شجّعت عرض الفيلم تجارياً ولولاها لعُرض مشوّها مبتوراً، أو ربما لم يكن ليُعرض من الأساس.

·         هل توافق الرأي القائل بأن عرض الفيلم لأحداث الثورة جعل الإقبال عليه ضعيفاً، بسبب تشبّع الناس منها خصوصاً أنها موثّقة بالكامل؟

رصد الفيلم الحالة التي دفعت إلى قيام الثورة وذلك في إطار درامي كوميدي، بعيداً عن الأفلام التسجيلية وما تعوّد الجمهور على متابعته في الفترة الأخيرة من برامج «توك شو» ونشرات أخبار، إلا أن الظروف التي تمر بها مصر جعلت الإقبال على دور العرض ضعيفاً، ومع ذلك فقد حقّق الفيلم إيرادات معقولة.

·         هل ترى أن «صرخة نملة» تنبأ بالثورة؟

الفيلم لم يتنبأ بالثورة بل عرض أسبابها، إلا أن حظّه الجيّد جعله يتزامن مع قيامها ليرى النور.

·         هل ثمة أفلام تنبأت بالثورة؟

الفن يعرض إرهاصات الثورة التي كان يموج بها المجتمع، وإن كان يوسف شاهين أحد أكثر المخرجين الذين تنبأوا بالثورة وحلموا بها، وكنت أتمنى لو كان ما زال موجوداً بيننا ليشاهد تحقيق ما حلُم به طويلاً.

الجريدة الكويتية في

24/07/2011

 

أفلام موسم الثورة…

من يسقط ومن يستمر؟  

«المفاجأة» عنوان أفلام موسم الثورة التي تعرض راهناً، إذ حقق «سامي أوكسيد الكربون» إيرادات غير متوقعة،  وفشل «الفاجومي» و{صرخة نملة» بشكل أحدث صدمة كونهما يخرجان من صلب الثورة…

لم يتخيّل صناع «سامي أوكسيد الكربون» أن الفيلم سيفتح أفاقا جديدة وسينشط الصناعة بعد فترة توقف، وفوجئوا بتجاوزه  إيرادات أفلام أخرى، سواء تلك التي عرضت في الموسم نفسه أو التي سبق أن عرضت لهاني رمزي، ومع أنها لم تتجاوز العشرة ملايين جنيه لكنها شجعت المنتجين على استكمال مشاريع كانت قد توقفت والبدء بمشاريع أخرى ساهمت جميعها في دفع عجلة الإنتاج السينمائي، ليس كسابق عهدها ولكن بصورة تبعث على الأمل.

في المقابل فاجأ فيلما «الفاجومي» و{صرخة نملة»  الأشخاص الذين توقعوا لهما نجاحاً باهراً بخاصة أنهما على موجة الثورة بما يطرحانه من رؤى، إذ لم تتجاوز إيرادات الأول  النصف مليون جنيه في حين تجاوزت إيرادات الآخر بالكاد الثلاثة ملايين جنيه، وقد يرفع  الفيلمان من دور العرض بعد العيد مباشرة، لفتح المجال أمام أفلام أجنبية حققت إيرادات مجزية في الفترة الماضية، بالإضافة إلى أفلام أخرى مقرر عرضها في العيد.

إذاعة حبّ

خيّب فيلم «إذاعة حب» أمل منتجه هشام عبد الخالق بتحقيقه ثلاثة ملايين جنيه ونصف المليون، يتوقع أن ترتفع في الأسبوع الأخير في الموسم (قبل حلول شهر رمضان) لتصل إلى أربعة ملايين على الأكثر، لكنه، في النهاية، يظل رقماً ضعيفاً بالنسبة إلى منتج حقق آخر أفلامه «أولاد العم» إيرادات تجاوزت العشرين مليون جنيه.

من جهته احتلّ فيلم «المركب» المركز ما قبل الأخير في قائمة الأفلام التي فشلت في تحقيق إيرادات تذكر، بمبلغ لم يتجاوز المليون جنيه وقد لا يتجاوزه حتى نهاية الموسم.

كذلك فشل «الفيل في المنديل» لطلعت زكريا إذ لم  تتجاوز إيراداته الـ 100 ألف جنيه، بعد الحملات لمقاطعته ويبدو أنها حققت نتيجة إيجابية، إذ رفع الفيلم من دور العرض بعد أقل من أسبوع مع ترحيله إلى الحفلات الصباحية فحسب.

الجريدة الكويتية في

24/07/2011

 

ظاهرة الأجزاء الثانية… إفلاس فنّي تحت أسماء مستعارة

كتب: رولا عسران  

في كل مرة يفتقر صناع السينما إلى فكرة جديدة لتقديمها يتّجهون نحو تقديم جزءٍ ثانٍ من فيلم سبق أن حقّق نجاحاً سواء في مصر أو عالمياً بغض النظر عن مدى قدرة الفكرة على إعادة طرحها درامياً في جزء ثانٍ، وبتعبير أدقّ لا يدركون أن الجزء الثاني فنّ له حساباته.

«هاري بوتر» مثلاً أحد الأفلام التي نجحت في أجزائها كافة وحقّقت إيرادات كبيرة في مصر وحول العالم، كونه يتضمّن عناصر النجاح كافة، لذا من الطبيعي أن تمتد أجزاؤه وفق ما يرى المخرج، مع ذلك اختار الأخير إنهاء القصة في الجزء الأخير الذي يُعرض راهناً بتقنية ثلاثية الأبعاد، خشية عدم تحقيق النجاح نفسه مع أجزائه الجديدة، ما قد يؤثر حتماً على شعبيّته.

إلا أن صناع السينما المصرية لا يخشون، في ما يبدو، على شعبية أجزاء أفلامهم، فقرروا تقديم أجزاء جديدة، ربما لأنه لم تكن لها شعبية من الأساس ليخافوا عليها، فأعلنوا عن تقديم أجزاء جديدة من أفلامهم حتى إن لم يكن بشكل صريح تحت اسم جزء ثانٍ.

«عائلة هاني بوتر المصري» هو الجزء الأول من فيلم «سامي أوكسيد الكربون» لكن بمسمّى مختلف، إذ قرّر فريق العمل تمثيلاً وإخراجاً وتأليفاً تقديم فيلم جديد، لكن بعد تغيير اسم البطل من هاني إلى سامي، خشية الوقوع في أزمة الاعتراف بتقديم جزء ثانٍ.

الحبّ كده

يقدّم الفنان حمادة هلال جزءاً ثانياً من فيلم «الحب كده»، استقرّ له على اسم موقت، «مارينا»، ويعدّ استكمالاً للقصة التي بدأها هلال في «الحب كده» وعلاقته بالأطفال، لكن من دون أن يشير المخرج إلى ذلك خوفاً من الانتقادات خصوصاً أن الفيلم الأول لم يحقّق نجاحاً يدفع صناعه إلى تقديم جزء ثانٍ منه.

نفى هلال أن يكون لـ «الحب كده» جزءٌ ثان، مشيراً إلى أن «مارينا» قصة منفصلة لا علاقة لها بالفيلم القديم ولو أراد تقديم أجزاء جديدة سيعلن ذلك على الملأ وبوضوح.

أما عن فكرة الأجزاء الثانية للأفلام، فيؤكد هلال أنه ليس ضدّها لكنه ضد استغلال النجاح عموماً لأنه يؤثر على شعبية العمل الأصلي، لذا يتمسّك بفكرة عدم تقديم أجزاء جديدة من «الحب كده» الذي يعتبره أحد أحب الأعمال إلى قلبه.

ساعة ونصف

يقدّم المخرج وائل إحسان جزءاً جديداً من فيلمَي «كباريه» و{الفرح» وهما من إخراج سامح عبد العزيز، تأليف أحمد عبد الله، إنتاج أحمد السبكي، وذلك تحت اسم «ساعة ونصف»، يشارك فيه الأبطال القدامى مع أسماء جديدة مثل أحمد الفيشاوي ومحمد إمام. تدور الأحداث في مدة زمنية محدودة هي ساعة ونصف الساعة.

لا يرى المنتج أحمد السبكي مشكلة في استغلال النجاح لتحقيق نجاح جديد عبر تقديم تجربة مشابهة، لكنه ينفي، في الوقت نفسه، أن يكون «ساعة ونصف» جزءاً من سلسلة أفلامه القديمة، مؤكداً أن الفيلم مختلف تماماً ولا علاقة له بـ «الفرح» و»كباريه»، مضيفاً أن التجربة لو كانت فشلت لما نجح «الفرح» بعد «كباريه»، وهذا دليل على أن كلاً منهما عمل مستقلّ وله مميزاته.

عمر وسلمى

في مقابل الأجزاء المتخفّية تحت أسماء مستعارة، لجأ بعض صناع السينما إلى الأجزاء الثانية علناً، من بينهم المنتج أحمد السبكي الذي يجهّز راهناً للجزء الثالث من فيلم «عمر وسلمى»، على رغم تراجع إيرادات الجزء الثاني، عملاً بمبدأ البحث عن الإيرادات، فلو حقّق الفيلم مليون جنيه فهو ربح أفضل من لا شيء، خصوصاً أنه يكلّف منتجه أجر تامر حسني وجزءاً من أجر مي عز الدين التي توافق على مبالغ بسيطة، لأن السبكي أملها الوحيد في الظهور على شاشات السينما، بعد تخلّي المنتجين عنها بسبب فشل أفلامها التي أدّت بطولتها مثل «شيكامارا» و»أيظن».

نمس بوند

قرّر النجم هاني رمزي تقديم جزء ثانٍ من «نمس بوند» إخراج أحمد البدري، لكن بعد استبعاد بطلة الفيلم دوللي شاهين على رغم أن الجزء الأول لم يحقق إيرادات تُذكر، إلا أن حالة الإفلاس التي يعيشها الوسط الفني جعلت صناع الفيلم يفتّشون في دفاترهم القديمة وتقديم أجزاء ثانية من الأفلام.

من جهته يرى المخرج أحمد البدري ألا مشكلة في تقديم جزء ثان من فيلم ناجح، بالتالي الإقبال الذي حققه «نمس بوند» شجّعه على تقديم أجزاء أخرى، مضيفاً أن فريق عمل الفيلم من البداية كان ينوي تقديم جزء ثان، لكنه توقّف فترة لأسباب إنتاجية.

الجريدة الكويتية في

24/07/2011

 

محمد ملص: بوح في السينما والثقافة والسياسة

ليلاس حتاحت - دمشق 

عندما يصبح الراهن هو الحاضر الأكبر في وجدان الإنسان السوري، ويوم الجمعة هو اليوم المنتظر، لنرصد ونحلل ونتحاور. يصعب أن نحيد نحو أي موضوع، غير ما يحدث اليوم في سورية. وقد صدف أن ألتقيت مجلة "فاريتي أرابيا" مع المخرج السينمائي محمد ملص للحديث عن كتابه الجديد "مذاق البلح"، وعن أفلامه الروائية الطويلة والقصيرة والوثائقية. إلا أنه وفي ظل ما يحدث تحول الحوار إلى بوح سواء في نظرته النقدية لذاته ولتجربته، أو نقد الحالة الثقافية في منتصف السبعينات حين كان ألق الثقافة النقدية في أوجه، إبتداءاً، من سعد الله ونوس الذي تَصدر الساحة المسرحية، وصولا إلى عمر أميرالاي في السينما، إضافة إلى نظرته لإحتياج الحركة الاحتجاجية اليوم إلى وعي سياسي حقيقي، وغياب المثقفين ككتلة. بل إننا نلاحظ أن الجيل الذي ينتمي له المخرج محمد ملص غائب، فهل هو غياب الخوف أم التجربة المريرة مع القمع وتلاشي الحلم؟ أم هو غياب الرؤية الواضحة لكيفية توعية الشارع وقيادته نحو الأفضل؟

ويقول ملص: "ربما ليس من الضروري أن أحكي عن الأعمال التي تم تحقيقها قبل ثلاثين أو أربعين عاماً، ولا أن أحكي عن المثقفين الذين ساهموا بأعمالهم من أجل أن تبقى للثقافة فعاليتها النقدية تجاه المجتمع والسلطة، قبيل أن يفرخ، النظام السياسي مؤيديه الذين صنعوا له ثقافة تشبهه، وأن يقوم بالإعاقة أو المنع أو القمع المباشر للمثقف. فقد إستطاع هذا النظام عبر السنوات أن يفرخ فعلاً إحتياجه على الصعيد الإعلامي والثقافي لإدارة هذه المؤسسات التي تطبع الكتب وتنتج الأفلام وتعرض المسرحيات، وهي في الغالب للأسف بلا طعم أو رائحة، والتي لابد أن تتقيأها النفس".

كعب أخيل

في يوميات محمد ملص "مذاق البلح" عبارة لا يمكن إلا أن نتساءل حولها "لايحدث للإنسان ما يستحقه بل ما يشبهه" فهل هذا إسقاط أو تقاطع مع ما يجري في الشارع اليوم؟ يعتقد ملص أن الوقت الراهن غير مناسب لانتقاد أو تقييم حركة الشارع اليوم، كما أنه كان قد إستخدم هذه المقولة في محاولة رسم صورة ونموذج لمثقف لديه حلم التغيير كالمسرحي شريف شاكر، كما كان يسعى إلى رسم حال المثقف في هذا المجتمع وهذه السلطة، وبالتالي مايجري يشبهنا أكثر مما نستحقه فعلاً. قالها بألم، فهو يشعر بأن الثقافة يجب أن تماثل بين الاستحقاق والشبه، أي أن نكون أكثر قدرة على الوعي من أجل أن نوازي ما نستحقه.

وعندما سئل عن عبارة أخرى ذكرها في "مذاق البلح" في حوار أجراه معه السينمائي قيس الزبيدي حول التغيير والنظرة إلى الحياة قال "لم نكن نبحث إلا عن كعب أخيل" فهل كان هذا إعترافاً بالفشل أم الهزيمة؟ أجاب:" كتبت مرة بعد تعرفي بشكل تفصيلي على نتاج السينما الإيرانية خلال سنة، حيث شاهدت يومها في منتصف التسعينات، أكثر من ثلاثين فيلما فكتبت تحت عنوان " لقد نجحوا حيث فشلنا"، فأنا أعتقد بأننا مع بداية وعينا، قضينا وقتا طويلا ونحن نراوح بين حالتي الحلم والوهم. يبدو لي اليوم أن إنتفاضة الشبيبة في العالم العربي وتمردها، تأكيد على أوهامنا. لقد إعتقـد الكثيرون منا يوماً ما، أن الثقافة قادرة على تغيير الأنظمة وإسقاطها. فكنا نتصيد الأفكار والمشاريع التي تستطيع واحدة بعد الأخرى على تحقيق هذه المهمة، ودخلنا في مماحكات طويلة مع الأجهزة التي يديرها النظام نفسه الذي توهمنا صدقه مع شعاراته التي يرفعها، لقد أهدرنا السنوات الطويلة في أوهام هذه الشعارات، بينما كانت المهمة الضرورية التي يجب أن نمتلكها، أن التغيير هو مهمة الناس والشعب والمجتمع.

سينمائيو الخارج

لكن هذا النظام بمجرد أن كتب السينمائيون بياناً وطنياً ووقعوا عليه، أطلق عليهم إسم "سينمائيو الخارج"، وأصدر بياناً تنديدياً بإسم سينمائيو الداخل، يرى ملص أن هذا المصطلح الذي ظهر فجأة وهدف إلى قسم السينمائيين بين سينمائي الداخل والخارج، ليس هو إلا تعبير عن حاجة النظام للبحث عن مؤيدين ولو بالإكراه وهو أساساً لم يكن معنيا بهم، وهي مبادرة ممن يسعى لتبييض وجهه أمام النظام كي يبقي على هيمنته على السينما في هذه الظروف الصعبة التي تتطلب من أمثاله أن يمارس بدبابات الكلام والمصطلحات الدور الذي تمارسه الدبابات أمام التظاهرات، فإخترع بسذاجة هذا المصطلح ليضم موظفيه، فلم يجد ممن هم ليسوا بموظفين لديه إلا أن يصمهم بسينمائيي الخارج، فعن أي خارج يتحدث، إن كان لكل سينمائي ما لديه ما يفصح عنه من أفلام ومن مواقف وطنية. فسينمائي سوري مثل نبيل المالح، لديه أفلامه التي تحكي عنه وعن وطنيته، وفيلم " الليل" الذي حققته معشق بفلسطين من أوله إلى آخره. وغيرها من الأفلام التي حققها السينمائيون السوريون الذين أوصلوا السينما السورية وأفلامها إلى أرقى الأماكن السينمائية في العالم، والذين لم يطالبوا إلا بالحرية والديمقراطية لبلدهم. وهنا يحضر سؤال مهم في ظل غياب ومنع أي كاميرا عن الشارع السوري، فمن سيوثق هذه المرحلة وتلك اللحظات، ألا يشتهي محمد ملص الإمساك بالكاميرا والنزول إلى الشارع ؟

يقول ملص: "أشتهي دائما أن أصور، لكني وعلى مدى ثلاثين عاما ربيت نفسي على أن يكون قلبي مصحفاً لبصري، كما قال الإمام علي، فحين اكتشفت، ولو متأخرا، أن الكاميرا هي العدو الأول للقمع. يبدو لي أن هذه رسالة لأبنائنا، كي يدركوا منذ البداية، أنه حين تكون الكاميرا، العدو الأول للقامع، عليك أن تجعل من قلبك مصحفاً لبصرك. التجربة والعيش في واقع فيه هذه الدرجة من القمع والألم أتاح لي الفرصة لعلاقة خاصة بالكاميرا، فهي بالنسبة لي أشبه بالكائن الذي الذي لا يعرف الكذب".

مع إستحالة تحقيق فيلم وثائقي، يعمل ملص حاليا التحضير لفيلم روائي: "المشروع الذي أنوي تحقيقه، كتبته قبل الحركة الراهنة في سورية، لكني عند تأمله اليوم، يبدو لي أنه يجيب على الأسئلة التي قد تفسر بعمق الأسباب التي أدت لما يحدث اليوم . ربما تلك هي إشكالية السينما الروائية وميزتها في الوقت ذاته، إذ تمنح ما يحدث بعداً عضوياً وأساسياً، سواء كانت تبشر أو تفسر ما يحدث."

عند السؤال عن سبب تراجع السينما السورية اليوم وعلى عاتق من تقع المسؤولية؟ أجاب بأن قضية السينما منذ أربعين عاما، تراوح في مكانها، ولم تجد أحدا يهتم بها ممن يملكون القرار، رغم ما عبر عنه الكثير من السينمائيين فيما كتبوه وإقترحوه، بالتالي يجب أن نستنتج أن النظام لا يريد السينما، لأنه يدرك أن السينما حين تكون نتاجاً وطنياً يصل إلى الناس، وينقل لهم رسائلها، والتي لا يمكن أن تكون مبدعة إلا إذا كانت حرة، ويدرك أن السينما وسيلة لعلاقة مع المجتمع والنهوض به، ندرك سبب رفضهم لها، فالسينما واحدة من ألمع مظاهر الحياة المدنية، فمن هو المسؤول عن حال السينما اليوم غير الذين لايريدون للمجتمع أن يستعيد نفسه.

مذاق البلح

ترى هل ما سبق من بوح لأفكار وحقائق ومعطيات ومعاناة، تجسدت مخاوفه في آخر حلم أو ربما كانت رؤية في "مذاق البلح" حين كتب ملص عن حبيبته واصفاً حلمه "نعوم في ماء معدني كالزئبق، وأننا نغوص فيه شيئا فشيئاً"؟ هل يمكن الحديث عنها بمعزل عما يجري؟

"لايمكن لي أن أقرأ هذه العبارة بمعزل عما يجيش في نفوسنا اليوم، ومحاولة إدراك نفسي، فهل كنت غارقا في حلم خاص أم كان ذلك بصيرة ؟ العمل الفني أو الأدبي حين يكون حلما وبصيرة معا يكون إبداعا. يبدو أننا حتى قبل سنوات طويلة من اليوم كنا نغرق في الزئبق، إذ لطالما شعرت أن الزئبق سائل ثقيل وخانق، لذا يجب أن نخرج منه قبل أن يتحول إلى معدن ويطبق على أرواحنا." رغم ثقل الزئبق جعل ملص "مذاق البلح" إسما لكتابه، لأن مذاق البلح وحلاوته تبقى في الفم لا تذوب إلا حين ترسخ في الذاكرة.

فارييتي العربية في

24/07/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)