حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

سينما ظلمتها الثورة..

سياسة.. وجنس.. ومخدرات وأشياء أخري

بقلم : رفيق الصبان

أفلام كثيرة مهمة عرضت علي شاشاتنا في هذه الأيام المشرقة والمضاءة بنار الثورة الشبابية .. مرت مرور الكرام، لم يحس بها أحد، ولم يحتف بها عشاق السينما كما تستحق. وأنا لا ألوم في ذلك أحدا، فالهبة الثورية المباركة كانت أشبه بإعصار رفعنا إلي السماء وجعلنا عاجزين أحيانا عن رؤية ما يجري علي سطح الأرض. من هذه الأفلام فيلم يحمل عنوان «اثنا عشر» أو «تويلف» وهو اسم عقار مخدر شديد المفعول يتركز في نقاط صغيرة يستنشقها أو يبلعها «الضحية» فتحيله بعدها إلي مدمن حقيقي .. لا يتورع عن فعل شيء في سبيل الحصول عليها حتي لو كان ذلك علي حساب كرامته وكرامة جسده وحتي لو أدي به ذلك إلي ارتكاب جريمة قتل. الفيلم أخرجه المخرج المتميز «بول شوماكر» ودخل بواسطته إلي أعماق مجتمع أمريكي مرفه قوامه شُبان وشابات من الطبقة الثرية.. أنه يستعرض من خلال أحداث فيلمه مجموعة متميزة من هذه الفئة يسلط عليها ضوءاً فوسفوريا.. يكشف خفاياها من الداخل بمهارة وقوة عرفناها عنه في أفلامه السابقة. وجوه شابة الفيلم يقوم ببطولته مجموعة من الوجوه الشابة التي تخوض تجربة البطولة السينمائية لأول مرة وخط السرد فيه.. ينطلق من شاب يعاني أزمة نفسية خاصة.. تتعلق بعلاقته بأمه «كما سنكتشف في نهاية الفيلم» وقد كرس نفسه لتجارة هذا المخدر القوي مستعينا بمن يعرفهم من أفراد هذه الطبقة الميسرة، التي تقضي أيامها وسهراتها في صخب ولهو وعبث لا ينتهي. إننا نري هذا الشاب الشديد الوسامة.. والذي تنعكس عليه مظاهر اللامبالاة والرغبة بأن يعيش غريبا عن نفسه محاولا ألا يلقي نظرة علي أعماقه المعذبة .. ويكتفي بتوزيع هذا المخدر والعيش علي المكاسب التي يجنيها منه. ومن خلال خط السرد هذا ومن خلال صوت خارج الشاشة يبدو وكأنه صوت القدر. يتسلل الفيلم إلي شخصيات عدة .. نسائية وشبابية.. يلقي عليها ضوءا كاشفا نستدل منه علي ما وصلت إليه هذه الفئة من ضياع ومن تشرد نفسي وروحي ويأس مغلف بنوع من الهزء بكل ما يقوم عليه المجتمع من قيم وعادات وحدود. جريمة قتل الفيلم يبدأ بجريمة قتل يقوم بها رجل أسود هو المصدر الرئيسي لتوزيع هذا المخدر عندما يهدده مراهقان مدمنان بمسدس لا يعرفان كيف يستعملانه مما يسهل علي الزنجي الإطاحة بواحد منهما بقبضة يده وقتل الثاني بدم بارد. ويتجه الاتهام إلي شاب برئ من هذه الشلة الثرية فيقبض عليه رهن التحقيق ورغم صراخه وتمسكه ببراءته فإن قضبانا قاسية تحيط به، وتعيده إلي أرض واقع يتجاهله ولا ينقذه منه إلا تدخل أبيه لإنقاذه .. دون أن يتأكد هذا الأب حقا من براءته. وهناك هذان الأخوان.. الصغير المعقد منهما والكبير الذي يعشق العنف ويحاول تعلم فنونه عن طريق «الساموراي» الياباني مستخدما السيف التقليدي والمسدس الجاهز الطلقات. الأخوان يعيشان في فيلا فخمة تركها الأهل لهما كي يعيشا بها ويقيمان الحفلات الصاخبة التي تتحول دائما إلي حفلات جنس ومخدرات ولهو عابث لا حدود له. الأخ الأصغر يحاول أن ينخرط حقا في هذه المجموعة التي تعبث في بيته ولكن خجله وعقده يمسكان به .. وهذه الحفلات الماجنة تزيده تعقيدا وتدفعه إلي تناول العقار المخدر. وهناك هذه المراهقة الشابة التي أدمنت هي أيضا هذا العقار واستبد بها الإدمان إلي درجة عرض نفسها علي الزنجي مقابل اعطائها جرعة جديدة. نماذج أخري وهناك أيضا نماذج أخري يستعرضها الفيلم بخبث أحيانا وبحرارة كبيرة أحيانا أخري كالفتيات الثلاث اللواتي يبحثن عن الحب عن طريق الجنس أو هذه الفتاة الشقراء التي تود الاحتفال بعيد ميلادها.. في هذه الفيلا المشئومة محاولة هي أيضا أن تبحث عن الحب الكبير الذي تتمناه ولكن كيف لها أن تجده في غمار هذه الفئة التي ضاع رشدها. ولا أريد أن أدخل أكثر من ذلك في تفاصيل قدمها الفيلم ببراعة وذكاء ورسم فيها صورة لا تنسي لمجتمع مخملي فقد اتزانه تماما وكيف انتهت حفلة عيد الميلاد التي حلمت بها الفتاة الصغيرة في مذبحة دموية سقط فيها عدد كبير من أفراد الشلة .. ضحية جنون الأخ المجنون بالعنف الذي اطلق ناراً عشوائياً علي الشلة كلها.. مدافعا عن أخيه المراهق وكيف ذهب الزنجي الفاجر ضحية لفعلته إلي جانب الكثير من الضحايا الأبرياء مع صرخات الفتاة المراهقة الشقراء التي تحول حلمها إلي كابوس. ويخبرنا الصوت الآتي من وراء الشاشة عن أن الأمور عادت إلي سيرها الطبيعي وأن بطلنا الوسيم الذي مازال يعاني عقدة موت أمه مازال غارقا في مشاكله التي لا تنتهي والتي يحاول أن يغرق نفسه فيها كما لا يواجه حقائقه. اتهام مباشر الفيلم يوجه الاتهام بشكل غير مباشر إلي ضياع الأرضية الروحية والأسرية التي كان بإمكانها أن تحمي كل هؤلاء من الانزلاق الخطر إلي هذه الهاربة. غياب الأهل والفراغ والسأم الروحي والثراء هي الخيوط الشيطانية التي ألتفت حول هؤلاء الشباب الذين يملكون كل شيء المال والقوة والوسامة والأمل ولكنهم رغم ذلك عجزوا عن الخلاص من قبضة الاختناق والموت الرمزي. حاول شوماكر أن يقدم نموذجا رائعا لعرض فيلم عن أزمة شباب من خلال شباب ممثلين انتقاهم بعناية واستطاع أن يدخلنا إلي عالمهم المعقد والفارغ ورغبتهم المجنونة بالوصول إلي نشوة جسدية تبعدهم عن مواجهة أنفسهم حتي لو كان ذلك عن طريق الاستعانة بالمخدر الشهير الذي يحمل الفيلم اسمه. كل الممثلين بدوا لنا في فيلم شوماكر قطعة نابضة بالحياة والتمرد واليأس وقدموا بصورة تستحق الإعجاب صورة عن جيلهم الضائع .. ذكرتنا بالنماذج الشابة التي تعاني الأزمة نفسها والتي قدمها المخرج الفرنسي مارسيل كارنيه في فيلمه «المخادعون» الذي حصد شهرة عالمية عند ظهوره في الستينات. فيلم يخوض في مشكلة ظاهرها أمريكي ولكنها موجهه إلي جميع المجتمعات التي يعيش شبابها أزمة مماثلة.. وتلتف خيوط العنكبوت الدموية حول رقابهم. الفشل الجماهيري الذي واجهه هذا الفيلم البديع لم يواجه فيلما آخر شديد الإثارة بعنوان «المجهول» ويروي قصة مخابرات جاسوسية دولية تسعي إلي اغتيال شخصية أمير عربي ويفضح المؤامرات العجيبة التي تحيط بمؤامرة الاغتيال هذه والتي لا يكشف عنها الفيلم إلا في لحظاته الأخيرة تاركا إيانا نهب تشويق مدهش لرجل أمريكي .. يذهب إلي ألمانيا برفقة زوجته ولكن حادثا مأسويا يصيبه وهو في السيارة التي تنقله مرة أخري إلي المطار ليستعيد حقيبة وضع فيها نقوده وجواز سفره. وتفتح عيناه علي المستشفي الذي نقل إليه بعد الحادث .. ويحاول العودة لزوجته التي تركها في الفندق ليجد أن رجلا آخر تقمص شخصيته وأن زوجته الحبيبة تنكره .. وأن كل الأوراق تثبت أنه ليس «هو» فمن هو اذن!! مؤامرة جهنمية من هذه النقطة التشويقية المدهشة يسير الفيلم بنا ليكشف خيوط مؤامرة جهنمية وتنظيماً دولياً إرهابياً «ليس عربيا هذه المرة لحسن الحظ» يسعي لقتل شخصيات عدة متسلحا بجوازات سفر مزيفة وعلاقات تمتد إلي كل جهة وإلي كل مراكز البث في هذا العالم الأوروبي المشتت. ليام نيسن يلعب دور الرجل الباحث عن هويته أمام الجميلة ديانا كروجر التي تلعب دور سائقة التاكسي الذي تسبب في الحادث الذي لم يكن قدريا بل مرسوما بعناية. وظهور خاص لبرونو جانز الممثل الأوروبي الشهير في دور مخبر سري يلقي حتفه عندما يكتشف خيطا مهما من خيوط المؤامرة. فيلم بوليسي شديد التشويق وشديد المهارة بالسيناريو المكتوب وأحداثه المتلاحقة وأداؤه المتميز ولكنه يخفي وراء ردائه البوليسي .. رؤية سياسية ونقدا حرا لما يحدث في كواليس السياسة العالمية وهؤلاء «المختفون» الذين يمسكون بخيوط الأحداث ويديرونها كيفما يشاءون.

جريدة القاهرة في

12/04/2011

 

"تذكرة للتحرير» امتلاك المستحيل وسقوط الأقنعة

بقلم : د. وفاء كمالو 

كان المشهد في التحرير يبدو اسطوريا والاكتشاف لا يزال مدهشا ومثيرا فقد تمزقت الأقنعة واتخذ الناس قرارا بامتلاك المستحيل، وستظل إيقاعات الزمن تموج بالبحث عن معني الوطن.. وعن بريق الروح واندفاعات الوهج. في هذا السياق يشهد المسرح المصري حاليا ميلادا خصبا للعديد من التجارب الفنية، التي تخترق قيود الصمت، وتنطلق إلي وعي ثائر لتبوح وتروي عن الميدان .. تحكي عن 25 يناير .. تشتبك مع روح الثورة وتلون أحلامها، لتستدعي اللحظات، وتوثق التفاصيل وتعانق الدفء والإرادة والميلاد. إذا كنا نعيش الآن حالة استثنائية من الانفعالات والمشاعر، حيث القلق والتوتر.. القراءات والمشاهدات، والتوقعات الجدلية لمشاهد السياسة وتوجهات الاقتصاد، واندفاعات التاريخ والجغرافيا.. فإن الواقع المسرحي يشهد أيضا وجودا لافتا لتيارات مغايرة تتباعد عن الرؤي التقليدية والقوالب النمطية، وتتخذ مسارات جديدة قد تتجاوز الاتجاهات الفنية السائدة، لتصبح مسكونة بقانونها الخاص، وزمنها المتوتر، وإطارها الانفعالي المتدفق، ومع ذلك تظل ابنة شرعية للفن الجميل، الذي يأتي كرد فعل لتغيرات جذرية ثائرة لا تتكرر كثيرا في حياتنا. في هذا السياق يقدم مسرح الطليعة عرض تذكرة للتحرير، الذي يأتي كنتاج لورشة ارتجالية أشرف عليها «يوسف مسلم»، وتناولها المخرج الفنان «سامح بسيوني» ليبعث بها حالة مسرحية مدهشة تموج بالصدق والحرارة والشفافية، تشاغب الروح وتعانق القلب، تثير الوعي والجدل وتطرح التساؤلات المدهشة حول المسار والمصير ومستقبل الأيام القادمة ويذكر أن الصياغة الجمالية للتجربة تمنحها قابلية هائلة لاستيعاد وطرح الاحداث والمتغيرات اليومية التي تشهدها الثورة لنصبح أمام قراءة جمالية في كتاب عشق الوطن، تفسر الأبعاد وتطرح الرؤي وتظل محتفظة بمرجعية الإصرار علي أن مصر قبل 25 يناير تختلف عن مصر بعد 25 يناير. تأتي البداية الساخنة من الساحة الخارجية للمسرح، حيث الجمهور المأخوذ بالأصوات الهادرة، وجموع الشباب والشابات وهم يحملون اللافتات، يرددون الشعارات، يطالبون بالرحيل ويبحثون عن مسار للضوء وسط ظلام مخيف استلب الروح، ودمر إيقاعات الجسد. تأخذنا جماليات التناقض إلي حالة من الصمت والهدوء، حيث يجلس فريق العمل الضخم علي درجات السلم الخارجي، خطوط الحركة تشتبك مع تيار المشاعر ولغة الجسد، لتثير موجات من الإدانة والتساؤلات الكاشفة، اللافتات المرفوعة والأذرع المشدودة، والعيون الهامسة المفتوحة تبعث رسائل الإصرار والغضب، ويظل الصمت يعزف علي أوتار الجموع والصخب، وفي سياق تلك اللحظات المتوترة ، التي تأخذ المتلقي إلي أعماق حالة مغايرة ، يعيش فيها أصفي حالات الصدق والتفاعل والشفافية يظهر بين الجمهور شخص يحمل الكاميرا، يلتقي بالناس ليسأل: شايف مصر إزاي بعد الثورة؟ وتأتي الإجابات ونتصور أنه تسجيل لقناة تليفزيونية، وننسي الأمر سريعا لنعود إلي فريق العمل وإلي تيار الوعي بأحلام الحرية والعدالة والديمقراطية . تيارات الصمت يتجه الممثلون والجمهور إلي المسرح، الظلام يشاغبنا ويشاغبهم نراهم يجلسون علي الخشبة يرفعون اللافتات.. تيارات الصمت الثائر لا تزال تسكن الأعماق، والشاشة الفضية الضخمة في العمق تضيء، لتفجر المفاجأة الساخنة ، حيث المواجهة الجدلية الإبداعية المدهشة ، عندما نري التسجيلات التي دارت بالخارج ، ليصبح المتلقي أمام نفسه وإجابته وتصوراته التي انطلقت بحرارة في لحظة نادرة تشكلت عبر الوعي بجماليات الدهشة ولغة الإبهار، وخصوصية التجديد والابتكار، والإبحار مع إيقاعات المغامرة. من المؤكد أن هذه الحالة تكشف بوضوح عن ثراء أسلوب المخرج سامح بسيوني، ورؤاه الخصبة واندفاعه إلي امتلاك لحظات نادرة ، ووعيه بحرارة التيارات النفسية للمتلقي، وتوظيفه الساحر لصدامات المشاعر، وذكائه الحاد في العزف علي أوتار الأحلام وعذابات القلق وطبيعة التوقعات. تتخذ الحالة المسرحية مسارها عبر تشكيل سينوغرافي شديد البساطة، عميق الدلالة، حيث علم مصر في العمق وعلي بانوهات اليمين واليسار، يبعث حالة من الانتماء واليقين والإيمان بالثورة، التجسيد الرمزي لمعاني القوة والإصرار يتبلور عبر الرسم البسيط ليدين تلتقيان، هارمونية الجمال تمتد مع تقاطعات الأحمر والأسود والأبيض، تلك الألوان التي ربطت الديكور والملابس بمنظومة الضوء، وتظل رؤي الفنان الجميل «فادي فوكيه» تكشف عن ثراء موهبته وجمالياته الثائرة التي تشتبك بحرارة مع تيار الهتافات ودلالة الشعارات، ويأتي الغناء الساحر والموسيقي الحية التي تعزفها الفرقة الجالسة علي يسار الصالة لتبعث حالة من الشجن والتوحد مع القيم والمثاليات، تلك الحالة التي تتقاطع مع مشاغبات ياسمين ومصطفي وحوارهما المتوتر الذي يدور في مقدمة الصالة، أمام خشبة المسرح التي تثير في أعماقهما تناقضات ثائرة، حيث نعلم أنهما عضوان بهذه الفرقة المسرحية، لكن المخرج اتخذ قرارا بمنعهما من المشاركة لذلك تندفع الشابة المشاغبة العنيدة إلي الهتاف بسقوط المخرج الديكتاتور، وتدعو فتاها المتردد أن يشاركها في تفجير ثورة ضد العرض. أبعاد الشخصية في هذا السياق السريع تأتي مساعدة المخرج ليكشف حوارها عن أبعاد وأعماق شخصية مصطفي المأخوذ بسحر الفتاة، المنقاد إليها بلا وعي ، والباحث عن كيان ورجولة واحترام، تستلبهم ياسمين دائما، وهكذا تظل الحالة المتدفقة في اشتباك ساخن مع وقائع لحظتنا الحالية حيث الخلط العشوائي المخيف بين الحرية والديمقراطية ، والاندفاع إلي تدمير منظومة القيم، والاعتصامات المتكررة، ومحاولة المتاجرة بالثورة لتغييب المعني والدلالة والهدف. وتظل السيدة الجميلة الناضجة تذكر الممثلة الشابة، بأن عليها أن تحترم المخرج وتحترم خشبة المسرح ، وتذكرها بالقانون الذي سيصدر لتجريم بعض الاعتصامات، لذلك تضطر الفتاة للرضوخ وتجلس مع زميلها ليشاهدا العرض. في هذا الإطار يسقط الحائط الرابع وتتردد أصداء بيراندللو، ورؤي بريخت، ونصبح أمام لعبة داخل اللعبة ، حيث تتمزق الأقنعة وتتفجر التناقضات وتمتد التساؤلات، وتنطلق وقائع الوعي وحرارة الإدراك، وحين تعود الهتافات ينطلق الضوء الواضح ويغني فريق العمل «بلادي .. بلادي» .. وتنتقل الحالة إلي الجمهور ليغني الجميع لمصر ويحلموا سويا بالعدالة والحق والخير والجمال ، وتمتد إيقاعات الجدل الثائر بين وقائع الظلم والفساد، والثورة الكبري التي أعلنت التمرد والعصيان لتبحث عن الوجود وعن احترام إنسانية الإنسان. اتخذت خطوط التشكيل مسارا ذهبيا وتحولت خشبة المسرح إلي تظاهرة من الجمال حيث تتقاطع الحركة مع السكون ، والصمت مع الصخب وتبدأ الشخصيات في التعبير عن أعماقها وطرح مبرراتها في الانضمام إلي ميدان التحرير، وتتصاعد الأحداث في رشاقة ، وتكشف لغة الإخراج عن وعي بمفاهيم التكثيف والتدفق والحرارة، حيث يعيش المتلقي أبعاد مظاهرة ثائرة في الصالة مسكونة بالهتافات الرافضة للرئيس السابق ثم يأخذنا هذا الصخب إلي هدوء عقلاني جميل نتفاعل فيه مع الشاعر الذي يدور حول المتظاهرين الجالسين مؤكدا، أنهم يعرفون جيدا ما يريدون يبحثون عن الأبعاد الصحيحة.. عن حروف هجاء جديدة عن مصانع لا تلوث الهواء، وعن الزلزال المهيب الذي يغير وجه الحياة. رؤي درامية اتجه المخرج إلي توظيف المونولوجات القصيرة المشحونة بالرؤي الدرامية ليبعث حالة من التواصل والتفاعل مع عذابات الشخصيات، فنتعرف علي الفتاة التي عرفت معني الحياة يوم 25 يناير حين شاركت في المظاهرة بالصدفة، ولامست جماليات هذا العالم الجديد، حين خرجت من أسر الأنثي، لتدخل الإطار الإنساني مع شباب ورجال لم ينظروا إليها كفريسة ولم يطمعوا في جزء من جسدها وعبر التوظيف المتميز للضوء والموسيقي الناعمة ننتقل إلي ذلك الشاب الذي ظل يحلم بالسفر للخارج كي يحصل علي ثمن الشقة والزواج، لكن الخوف من الإهانة منعه، فالمصري ليس له ثمن في بلاده، أما خريج السياسة والاقتصاد، الذي انهار حلمه في السلك الدبلوماسي لأن أباه فلاح وأمه ست طيبة، فقد اندفع إلي التحرير ليشعر بالعدالة ، فهناك نام الجميع علي الأرض بلا فروق، ولم يجمعهم إلا شيء واحد هو حب مصر . تأتي اللحظة الفاصلة التي شهدت عذابات الميلاد الجديد، حيث يتضافر الضوء الأحمر مع الحركة اللاهثة والمشاعر المتوترة في تجسيد المعركة الحاسمة بين الرصاص والقنابل والغازات وأبرياء يدافعون عن الحياة بالحجارة وعبر جدل الموت والحياة، وتقاطعات الموسيقي والشعر تتبلور اللحظة الملونة بالدماء الحمراء والاكفان البيضاء، والأحزان السوداء، ونتوقف طويلا أمام جماليات الاشتباك المسرحي مع اعتداءات القناصة ودموع عسكري الدبابة ، وتظل أحداث التاريخ وموجات الفن في بحث مستمر عن الحقيقة المسكونة بأحلام شعب مصر. تميزت لغة الإخراج بهارمونية التضافر بين المنظور الوثائقي والتيار الدرامي، وحين ظهرت صورة الرئيس السابق علي شاشة العمق، شهدت خشبة المسرح ثورة عارمة من التساؤلات عن ثلاثين عاما مضت كانت مسكونة بالفساد الذي استلب روح الناس، وحولهم إلي مواطنين مؤقتين يموتون في العبارات ويحترقون في القطارات وتدخل عليهم الخيول والجمال في مظاهرات ميدان التحرير، وعبر امتداد الوثائق التي ستظل شاهدة علي تاريخ مصر نشاهد الفريق عمر سليمان، وهو يعلن تنحي الرئيس ليأتي رد الفعل عبر تشكيلات الضوء والجسد والصوت وجماليات امتلاك الإرادة والذات والكيان، وتمتد موجات الفرح التي تعانق الدموع والأحزان، ونتفتح المسارات أمام الشخصيات التي تبوح بانتفاضات النبض والأعماق وتتعذب مع الفتاة التي مات حبيبها علي صدرها، غارقا في دمه، وكانت آخر همساتها له - أنها الآن فهمت في السياسة، ورغم ذلك لا تزال تنتظر الأمل، وفي السياق نفسه نعايش مأساة الشهيد «أحمد بسيوني» التي تبلورت عبر تقاطعات السرد وجماليات التجسيد، حيث تروي أمه عن حياته، عن عشقه للفن، دخوله عالم بيكاسو وفان جوخ، وسيف وانلي وراغب عياد، وتؤكد أنه فارس من فرسان الحياة والحب والحرية، وعبر الربط بين يوم زواجه ويوم استشهاده ، تتفجر مفارقات العبث المجنون، وتتذكر يوم 28 يناير عندما طلبت منه هي وزوجته، ألا ينزل الميدان بينما أصر طفله الصغير آدم أن يذهب معه .. فقال له بكره لما تكبر .. وسحب الكاميرا ليصور الأحداث.. لكنه مات بالرصاص والقنابل. يتقاطع الضوء والظلام وتأخذنا خطوط الحركة إلي تشكيل جمالي ثابت لفريق العمل الذي شغل العمق واليمين واليسار، يرتدون قمصانا حمراء وبيضاء وسوداء، يتابعون ونحن معهم ما يحدث بين مصطفي وياسمين، التي تظل مندفعة نحو الاحتجاج والاعتصام، بينما يري فتاها الاتجاه إلي العمل والانتظار قليلا، ويشعر الفتي أنه يتغير ،يمتلك صوته ورجولته، ويقرر الخروج من عالم ياسمين، ويندفع إلي الآخرين. حيث تنطلق الموسيقي الحية، وتغني المطربة الجميلة نهاد، ومعها كل الجمهور «متقلش إيه ادتنا مصر» وتمتد إيقاعات الحب والوعي وتظاهرات الجمال وترتفع الأعلام في أيدينا ونردد بقوة وإصرار مصر .. مصر .. مصر. طاقة روحية شارك في هذه التجربة مجموعة من الوجوه الشابة الواعدة مع فناني مسرح الطليعة، وكانت النجمة الجميلة «ولاء فريد» هي الطاقة الروحية الموحية التي منحت العمل فيضا من الخبرة والبريق والبهاء، وقد كشفت مجموعة الشباب عن ميلاد خصب لمواهب متميزة مثل أحمد أبو عمرية، سمر علام، محمد عبدالوهاب، محمد العزايزي، حسن نوح، محمد دياب، أشرف صالح، ياسمين سمير، تامر كرم، إيناس المصري، محمد عبدالخالق، إيمان مسامح، محمود أباظة، مايكل ناجي، آسر علي، أكرم عمران، دينا جميل، شيماء غالب، هيثم مفيد، مصطفي حامد والفنان ممدوح سنجام والجميلة رانيا النجار. كانت الأشعار لمحمد العزايزي والسينوغرافيا المتميزة للفنان فادي فوكيه والموسيقي المبهرة للفنان أحمد حمدي رؤوف .

جريدة القاهرة في

12/04/2011

 

سينما الهواء الطلق تغزو العراق

ميدل ايست أونلاين/ بغداد 

مهرجان للسينما المتنقلة يتيح للمشاهد العراقي التعرف على أفلام حاصلة على جوائز عالمية في ظل غياب صالات العرض السينمائي في البلاد.

حضر جمهور كبير من هواة الافلام عرضا سينمائيا الاسبوع الماضي بحديقة أبو نواس على ضفة نهر دجلة في وسط بغداد ضمن مهرجان السينما المتنقلة.

ومع حالة الاستقرار النسبي التي تشهدها العاصمة العراقية بعد استباب الامن يتزايد اقبال سكان المدينة على الانشطة الترفيهية مثل العروض السينمائية التي كانت قد توقفت منذ ما قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.

تقدم عروض السينما المتنقلة على شاشة تملأ بالهواء ويجلس المشاهدون على مقاعد من البلاستيك في الهواء الطلق.

وذكر عطية الدراجي مدير مهرجان السينما المتنقلة أن المهرجان يهدف الى عرض أحدث الافلام المحلية على الجمهور العراقي الذي لم تتح له فرصة مشاهدتها من قبل.

وقال الدراجي "المشكله في الافلام العراقية التي تم انتاجها بعد 2003 هي الجمهور العربي والاوروبي هو شاهد الفيلم العراقي. لكن بالعراق ماكو (لايوجد) دور عرض سينمائي أو مهرجان حتى يشوفها (يراها) المشاهد العراقي رغم أن بعض المثقفين العراقيين شاهدوا هذه الافلام عندما سافروا خارج العراق لحضور مهرجانات. لكن باقي الناس ما شافوها. فجاءتني فكرة موبايل سينما حتى نعرض للناس لان دور عرض ماكو..( لايوجد) دور عرض سينمائي حتى نعرض الافلام".

وكانت العروض السينمائية قبل الغزو من وسائل الترفيه التي تحظى باقبال من العائلات العراقية. وكانت معظم الافلام التي تعرض من انتاج هوليوود.

وكان في بغداد نحو 60 دارا للعرض السينمائي قبل الغزو وتقلص العدد حاليا الى خمس دور.

وذكر الدراجي الذي يملك أيضا شركة للانتاج السينمائي أن كل الافلام التي تعرض في مهرجان السيتما المتنقلة حصلت على جوائز.

وقال "الافلام التي تعرض بالمهرجان كلها أفلام حاصلة على جوائز عالمية. مثلا فيلم 'ابن بابل' حاصل على 26 جائزة. فيلم 'ضربة البداية' حاصل على خمس جوائز. الغاية من عرض الافلام المنتجة ما بعد السقوط لعرضها هي أفلام لها تأثير في الشارع العراقي وعلى المشاهد العراقي".

وذكر عراقي حضر بعض عروض المهرجان يدعى حيدر علي أنه رغم كثرة الافلام التي تعرض على شاشات قنوات التلفزيون الفضائية المختلفة فان العروض السينمائية الجماهيرية لها مذاق مختلف.

وقال علي "الشاشة الصغيرة (التلفزيون) صحيح تستمتع وحدك. لكن يصير الاستمتاع أكثر وأنت مع الناس في الهواء الطلق. وهي تجربة حلوة طبقت في الدول الغربية وان شاء الله تنجح عندنا".

وأكد علي أن عروض مهرجان السينما المتنقلة دليل اضافي على استقرار الأمن في بغداد.

وقال "الشاشة الصغيرة (التلفزيون) صحيح تستمتع وحدك. لكن يصير الاستمتاع أكثر وأنت مع الناس في الهواء الطلق. وهي تجربة حلوة طبقت في الدول الغربية وان شاء الله تنجح عندنا".

قدم مهرجان السينما المتنقلة عروضه في أربعة مواقع مختلفة في أنحاء بغداد. ومن المقرر أن ينتقل المهرجان في وقت لاحق الى محافظات في جنوب وشمال العراق منها النجف واربيل لتقديم عروضه هناك.

ميدل إيست أنلاين في

13/04/2011

 

بوليساريو تحارب فيلم 'مسروقة'

ميدل ايست أونلاين/ نيويورك 

بوليساريو تحاول إلغاء برمجة فيلم وثائقي حول العبودية بتندوف بمهرجان سينمائي في الولايات المتحدة.

حاولت "البوليساريو" إلغاء برمجة الفيلم الوثائقي "ستولن" (مسروقة) الذي يكشف تفشي ظاهرة العبودية بمخيمات تندوف ضمن مهرجان الفيلم الإفريقي بنيويورك، حسب ما علم لدى المنظمين.

وكان كمال فاضل ممثل ما يسمى ب"البوليساريو" بأستراليا استدعى مخرجي هذا الفيلم الوثائقي، الذي أحرج الانفصاليين، دانييل فالشاو وفيوليتا أيالا، قبل ثلاث سنوات للتوجه إلى مخيمات تندوف وتصوير فيلم دعائي مؤيد لأطروحة الانفصال، غير أنهما اكتشفا خلال فترة وجودهما بالمخيمات تفشي ظاهرة العبودية في العصر الحديث وقررا تقديم شهادتهما في هذا الإطار.

وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، قالت مؤسسة ومديرة مهرجان الفيلم الإفريقي بنيويورك، ماهين بونيتي، عشية الدورة ال18 للمهرجان المنظمة خلال شهر أبريل الجاري، "نتوخى إيصال رسالة قوية من خلال هذا الفيلم الوثائقي".

واختار المهرجان عرض فيلم "ستولن"، أو عبودية العصر الحديث في مخيمات تندوف بالجزائر، الذي تم إنتاجه سنة 2009، والذي يعرض حاليا بمركز لنكولن بنيويورك، إحدى المؤسسات الفنية المرموقة بالولايات المتحدة، في إطار موضوع "حقوق الإنسان".

من جانبها، أبرزت المخرجة إيالا أنه على الرغم من الضغوط التي يمارسها الانفصاليون قصد إلغاء برمجة هذا الفيلم الوثائقي، أن "العديد من الأشخاص السود الذين شاركوا في الفيلم، يرغبون في أن تكون أصواتهم مسموعة"، متسائلة "كيف يمكن أن نسكت كل هذه الأصوات، ومنعها من تقديم شهاداتها"؟

وسبق لفيلم (ستولن) أن حاز على جوائز في العديد من المهرجانات بكندا والولايات المتحدة ونيجيريا ومونتينيغرو وبورتو ريكو والاكوادور ونيوزيلاندا وبولونيا.

ويتضمن برنامج المهرجان الذي يتزامن مع إحياء السنة الدولية للمنحدرين من أصل أفريقي، عرض 15 فيلما طويلا و16 فيلما قصيرا لمبدعين صاعدين من 24 بلدا.

ويشكل مهرجان الفيلم الإفريقي بنيويورك موعدا سنويا يتوخى منذ إحداثه سنة 1993 فتح آفاق جديدة للقارة وأيضا على الجالية الإفريقية بالعالم.

ميدل إيست أنلاين في

12/04/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)