حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

الهولوكوست والأقدار وصعود وسقوط إنسان

أمير العمري

بدأت علاقتي بأفلام المخرج السينمائي الأمريكي التسجيلي إيرول مويس  Errol Morris قبل أكثر من 10 سنوات، وتحديدا بعد ان أخرج فيلمه المثير للجدل "مستر موت: صعود وسقوط فريد لوشتر" Mr Death: The Rise and Fall of Mr Fred Leuchter وكان موريس قد اخرج قبل ذلك فيلمه الشهير "الخط الأزرق الرفيع " The Thin Blue Line بعد ذلك أصبح موريس معروفا بأسلوبه في الفيلم التسجيلي الذي يرفض كل التقاليد القديمة لهذا النوع من السينما، وبدلا من الارتكاز على فكرة أن الفيلم التسجيلي "يصور الحقيقة والواقع كما هو"، يستخدم أسلوبا يقوم أولا على شكل أو بناء فني درامي يحتوي على كل العناصر المثيرة والجذابة التي تجعل أفلامه لا تقل جاذبية عن أي فيلم روائي، كما يعتمد على أسلوب حداثي تجريبي جريء، يقترب من أسلوب التحقيق ولكن مع إضافة عناصر أخرى شكلانية من خارج الموضوع أحيانا لكنه تثري معرفتنا بالموضوع، وهو يطرح قضايا سياسية وأخلاقية وفلسفية في أفلامه بحساسية خاصة ويبتكر في طريقة إجراء المقابلات من خلال التقنية الخاصة التي ابتكرها والتي تكفل له تصوير الشخصية في مكان منعزل تماما (ستديو) بينما تحدق الشخصية في صندوق أمامها تكمن خلفه الكاميرا، لتفادي التحديق المربك في الكاميرا،  في حين يجلس موريس في غرفة أخرى يوجه الاسئلة إلى الشخصية التي لا تراه، لكي يخلق بذلك مسافة ذهنية وموضوعية تتيح له التحكم المطلق في توجيه الأسئلة دون ان يرى الشخص الذي يحاوره ودون أن يراه الأخير، ويتفادى بالتالي نظرات العينين والانفعالات والتاثرات المتبادلة التي قد تنتج عن تلاقي النظر.

وقد طور موريس أسلوبه الخاص في الفيلم التسجيلي، وبلغ ذروته في فيلم "ضباب الحرب" The Fog of War الذي يبحث فيه كيف توسع الدور الأمريكي في فيتنام ووصل إلى انغماس كامل في عمليات حربية موسعة استغرقت سنوات وتركت تأثيرا هائلا على الحياة الأمريكية، ويقارن، بطريقة ما، بين الدور الأمريكي في فيتنام وما يجري في العراق. وكانت شخصية وزير الدفاع الأمريكي إبان حرب فيتنام روبرت ماكنمارا حاضرة بقوة في هذا الفيلم، واستطاع إيرول موريس أن يستخلص منه الكثير من المعلومات التي جاءت بمثابة "كشف" عند ظهور الفيلم في 2003.

أعود إلى تجربتي الشخصية معه عندما شاهدت فيلم "مستر موت" كنت وقتذاك مهتما كثيرا بمراجعة تاريخ الحرب العالمية الثانية وتاريخ ما أصبح يعرف باسم الهولوكوست، او عمليات الابادة الجماعية لليهود على أيدي النازيين، وما يطرحه الباحثو الذين ينتمون إلى ممدرسة "المراجعة التاريخية" الذين يتشككون في نظرية التصفية الجماعية لليهود في غرف الغاز، استنادا إلى أبحاث ودراسات "علمية" تعتمد على الكيمياء والفيزياء، قاموا بها ومنها الدراسات الخاصة التي أجراها البروفيسور الفرنسي ذائع الصيت روبير فوريسون.

وكان فيلم "مستر موت" أول فيلم يسلط الضوء بطريقة ما، على أفكار "المراجعة التاريخية"، وقد ظهر في خضم الجدل الذي كان دائرا وقتها في بريطانيا بمناسبة نظر القضية التي رفعها المؤرخ البريطاني ديفيد إرفنج يتهم فيها استاذة التاريخ الأمريكية ديبرا ليبشتادت بالقذف في حقه، إلا أنه خسر القضية بعد أن تكاتفت ضده المنظمات اليهودية البريطانية والأمريكية،ونجحت في إثبات أن كتاباته عن الهولوكوست "لا تستند الى معايير علمية".

وقد حملت معي فيلم "مستر موت" الى القاهرة، وقمت بعرضه في عام 2000 على جمهور كبير في قاعة جمعية نقاد السينما، وأجريت مناقشة مع الحاضرين بعد عرضه، بهدف لفت الأنظار الىالموضوع، والى الموهبة الخاصة التي يتمتع بها المخرج إيرول موريس. ومن باب التذكر فقط يمكنني القول إن اثارة موضوع مثير للجدل لا يعرف عنه الكثير من اصدقائنا في العالم العربي، أقصد منهج الطرح المراجع في مسألة الهولوكوست، كان صادما للبعض، وأتذكر أن إحدى الحاضرات صرخت في غلظة وتعجرف ودون أي وجه للمقارنة وقتها قائلة: وهل من الممكن القول ايضا ان التصفيات العرقية في لابوسنة لم تقع!

وكان ظهور الفيلم في أواخر 1999 في الولايات المتحدة قد أثار عند عروضه الأولى داخل جامعة هارفارد انشقاقا حادا في الآراء بين المؤيدين والمعارضين. وبعد ما تعرض له في الأوساط اليهودية من هجوم عنيف بلغ حد اتهام موريس بالنازية رغم كونه يهوديا، اضطر مخرجه الى إعادة عمل المونتاج له بعد أن أدخل حوارات جديدة صورها مع مؤرخين مناقضين لفكر المراجعة التاريخية ومؤيدين لنظرية الإبادة الجماعية في غرف الغاز التي استقر في الأدبيات المنشورة في الغرب أنها تسببت في قتل 6 ملايين يهودي.

وكعادته في معظم أفلامه المثيرة للجدل، يتخذ إيرول موريس من شخصية معينة، محورا لفيلمه. هذه الشخصية هنا هي شخصية فريد لوشتر، وهو مهندس أمريكي متخصص في تكنولوجيا الإعدام، أي في تصميم الكراسي الكهربائية وغيره من وسائل الإعدام في الولايات المتحدة. وقد بدأ ظهور هذا الرجل الذي يبدو أقرب الى التلعثم والخجل، بنظاراته السميكة، وتكوين وجهه الطفولي، عندما وقع الاختيار عليه لكي يكون شاهدا في محاكمة رجل من أصل ألماني هو رسام الكاريكاتير إرنست زوندال الذي اتهم في كندا بانكار الهولوكوست.  وقد كلف لوشتر من قبل فريق الدفاع عن زوندال بالذهاب إلى معسكر أوشفتز في بولندا وفحص ما يقال انها غرفة الغاز في ذلك المعسكر وأخذ عينات من التربة ومن جدران هذه الغرفة.

وذهب لوشتر فعلا إلى معكسر أوشفتز في بولندا في رحلة خاصة عام 1988 بصحبة زوجته ومترجم ومصور، وتسلل سرا داخل الغرفة المدمرة أو أطلالها، وتمكن من أخذ عينات سرا أي بعيدا عن أعين الحراس في وقت كان بولندا لاتزال تحت الحكم الشيوعي. وعاد الى أمريكا حيث سلمت العينات الى معمل في كاليفورنيا دون أن يتم اطلاع المتخصصين في المعمل على طبيعة المواد المراد اختبار نسبة وجود غاز السيانور السام فيها.

وجاءت النتيجة تثبت خلو العينات المأخوذة من غرفة الغاز من أي وجود للغاز السام، في حين وجدت نسبة معينة في العينات المأخوذة من غرف تعقيم الملابس!

وظهر لوتشر أمام المحكمة في تورنتو وأفاد بأن من المستحيل أن يكون قد جرى الإعدام بالغاز على أعداد كبيرة من اليهود في تلك المنشىت التي رآها هناك دون أن يؤدي هذا الى انفجارات تقضي على كل سكان المعسكر وحراسه. وقام لوشتر بنشر تقرير في كتاب أصبح شهيرا في العالم كله وترجم إلى لغات متعددة عرف باسم "تقرير لوشتر".

ومنذ تلك اللحظة بدأت رحلة سقوط لوشتر، أو إسقاطه، فضغطت الجماعات والمنظمات اليهودية على زوجته الى ان تخلت عنه وطلقته، وقاموا باثبات أنه غير حاصل على شهادة في الهندسة، فألغيت العقود التي كانت موقعة معه لحساب عدد من السجون الأمريكية، وتم الاعتداء عليه بالضرب، وشوهت سمعته في أجهزة الاعلام، وتم القبض عليهع وترحيله خلال زيارة له الى لندن لإلقاء محاضرة، وهو على منصة قاعة المحاضرات، وجاء مدير معملالتحاليل في كاليفورنيا لكي ينكر ما سبق ان أدلى به من شهادة بدعوى أنه وقع في خطأ ما!

هذه القصة يتناولها إيرول موريس في فيلمه (البالغ 91 دقيقة)، ويمزج تفاصيلها في تقاطع مع المقابلة الطويلة التي استمرت 4 ساعات والتي أجراها مع لوشتر، كما يدخل شهادات بعض المؤرخين ومنهم ديفيد ارفنج نفسه وعدد من باحثي "المراجعة التاريخية"، كما يأتي بمؤرخين من اليهود من أصحاب نظرية "الإبادة" ومن خلال التلاعب في الشكل، وتكرار اظهار لوشتر في علاقته بالكرسي الكهربائي، وكاننا أمام شخصية من عالم الكرتون أقرب الى التجريد، يناقش الدلالات الخاصة لصعود وسقوط هذه الشخصية، ويتساءل هل كان لوشتر يحمل من البداية بذرة سقوطه، ويتوقف أمام المغزى الاخلاقي لما يقوله لوشتر ببساطة، ومن ذلك ما يقوله من أنه كان يرغب دائما الى تحسين وسائل الاعدام، وأن من حق المجرم المدان الذي حكم عليه بالإعدام أن يموت بكرامة، ميتة سهلة دون ألم، ويؤكد انه ينام في الليل مطمئنا إلى أنه يقوم بعمل صالح، ويركز الفيلم على حقيقة أن لوشتر ليس من أصحاب العقول المسيسة ولا المؤدلجة، فليس له أي هدف خاص في الهجوم على اليهود أو اتهامهم بنشر المبالغات والأكاذيب، كما أنه لا ينتمي فكريا الى المراجعين الذين تعتبروهم المنظمات اليهودية من "النازيين الجدد".

في مزيج من المرح والتعليق الساخر الذي يشتهر به موريس، والبحث الدقيق والتنقيب فيما وراء الشخصية، نحن أمام عمل شديد الحيوية والاثارة بل ويعتبر، رغم كل نواقصه، أول فيلم يقدم الرؤية الأخرى في موضوع الهولوكوست للجمهور العريض ومن منظور متوازن الى حد كبير.

ويعرض داخل الفيلم لقطات الفيلم الذي صور بكاميرا فيديو صغيرة سرا لفريد لوشتر داخل أطلال ما يقال إنها "غرف الغاز" في أوشفتز، وهو يحفر في الجدران لكي يستخلص عينات من الأحجار، كما يغافل الحراس ويتخلص عينات من التربة.

إلا أن المصير الذي يلقاه لوشتر في الواقع لا يتم شرحه في الفيلم على أنه "العقاب" الذي تلقاه بالضرورة من جانب المنظمات اليهودية الأمريكية،

بل بسبب عدم كفاءته وانصياعه السهل لأفكار وآراء مسبقة من جانب جماعة المراجعين ومنكري الهولوكوست، بحكم عقله الضيق، ومهنته الحرفية المحدودة. وهي مفارقة يؤكد عليها ويتوقف أمامها طويلا إيرول موريس في الفيلم، مبينا كيف يمكن أن يصبح الإنسان "البسيط" ضحية لبساطته نفسها أو بالأحرى لانسياقه وراء رؤية أحادية لا تجادل ولا تحقق ولا تفحص الاحتمالات الأخرى.

ولأن الفيلم من إخراج مخرج شهير، يهودي أمريكي، يعمل لحساب الشركات الكبيرة في الولايات المتحدة لم يكن من الممكن تجاهل الفيلم، فعرض أولا في مهرجان صندانص ثم وجد طريقه للعرض في كثير من محطات التليفزيون في العالم. وقد وجدت عند إعادة مشاهدته أخيرا أنه لايزال صالحا للمشاهدة بسبب كون الموضوع الذي يطرحه لايزال قائما يفرض نفسه.

الجزيرة الوثائقية في

05/04/2011

 

سينما الثورة تكتب عن نفسها

أسامة صفار  

يلمس مركز الأرض لحقوق الانسان جرحا بليغا في السينما المصرية ويعقد ورشة عمل عن سينما ما بعد 25 يناير وتهدف إلي   النقاش والتحاور حول ملامح سينما ما قبل 25 يناير، وهو ما تفتقده صناعة السينما المصرية التي تعتمد علي الإبداع الفردي والتقييم النابع من إقبال الجمهور علي نجم بعينه دون النظر إلي الموضوع.

والورشة التي بدأت أولي جلساتها أول ابريل الجاري تحاول أن يستشرف المستقبل بمناقشة تطلعات وآراء السينمائيين والمختصين والمهتمين لسينما ما بعد25 يناير.

وتشمل محاور الورشة دراسة علاقة السينما بالريف المصري أما المحور الثاني، الرقابة بعد25  يناير، فهو عبارة عن مناقشة مفتوحة لشكل ووظيفة الرقابة في ما بعد25 يناير، إذ ليس من المنطقي أن تظل حرية التعبير علي ما كانت عليه قبل25 يناير، فلدينا تصور مدير عام الرقابة عن تحويلها لجهة تحديد عمرية، وتصور أحد النقاد الفنيين بتحويلها لجهة تقييم فني، وهناك من يري إلغاءها تماماً.

ويستشرف المحور الثالث آراء السينمائيين والنقاد والمهتمين وتطلعاتهم لسينما ما بعد25 يناير، وكيف يمكن لهذه السينما أن تصحح من وضعها فيما يخص بطرحها وتناولها لقضايا وهموم الوطن والمواطنين ، وما هي ملامح هذا الوضع الجديد، الذي سيكون مختلفاً بكل تأكيد عما قبل 25 يناير والمؤدي لانطلاق المبدعين في معالجة جرائم الماضي والنهوض بأماني المصريين والبشر نحو مستقبل أفضل.. وقد بادر المخرج مجدي أحمد علي بالقيام بتصوير أول فيلم سينمائي روائي طويل عن أحداث ثورة شباب 25 يناير، ويقول إنه بدأ بتسجيل عدد من المشاهد واللقطات التي تعبر عما حدث ويحدث حتي هذه اللحظة.

وعن الأبطال المشاركين في الفيلم يقول : الفيلم سيجمع عدداً من النجوم والأبطال الذين شاركوا في ميدان التحرير وسيكون منهم الفنان أحمد عبد العزيز وسأقوم بكتابة سيناريو هذا الفيلم من منطلق معايشتي لهذه الثورة العظيمة ، وأعتقد أن التصوير للقطات المهمة والتي ترصد أعدادا كبيرة من تواجد الشباب بكل فئاتهم وأطيافهم.

آخر ساعة المصرية في

05/04/2011

 

عبقري الشاشة .. والعندليب في ذكراهما

كانت أفلام أحمد زكي أحد أسباب ثورة 25 يناير

بقلم : إيريس نظمي 

وكأنهما كانا علي موعد.. فالعندليب رحل عنا في شهر مارس  عن عمر يناهز ال 48 عاما.. وبعد 28 عاما شاء القدر  أن يرحل عبقري الشاشة  أحمد ز كي  في أواخر شهر مارس أيضا  ورغم فارق السنين.. فكلاهما عاش عيشة قاسية.. وذاق أنواع الفقر والحرمان والصدر الحنون واليتم المبكر.. فقد ماتت أم عبدالحليم يوم ولادته ليلحقوه بالملجأ الذي تربي فيه.. وعاش يعاني من مرض الكبد ونزيف المعدة  إثر بلهارسيا  كانت سببا في وفاته..

أما  أحمد زكي  فقد مات والده  وهو لايزال  صغيرا.. وتزوجت أمه من أحد الرجال  العرب الذي صحبها معه إلي إحدي الدول العربية ولم يعرف عنها شيئا بعد ذلك.. فرباه جده الذي لم يعش طويلا.. فكان كل واحد  من أقاربه يستضيفه  بعض الوقت كنوع من الشفقة.. ولم يكن له مكان ثابت  ولا خصوصية.. والغريب أن الاثنين  جاءا من محافظة الشرقية .

جاء  حليم من »الحلوات«  شرقية   وجاء أحمد زكي من الزقازيق.. كان حليم يهوي الغناء.. وكان أحمد زكي  يهوي التمثيل.. جاء كل منهما إلي القاهرة يجرب حظه وبإصرار لكن الظروف كانت ضدهما.. لم يكن معهما المال  الكافي ليعيشا أبسط العيش.. فلا مكان يأويان إليه.. فعبدالحليم  عاش مع شقيقه إسماعيل شبانة الذي سبقه إلي الغناء وكان يسكن معه في مكان غير صالح  للسكن الآدمي في بركة الفيل مقابل  أن يطبخ ويكنس ويمسح البلاط.. والتحق كل منهما  حليم بمعهد الموسيقي وزكي بمعهد التمثيل.. وكان أحمد زكي يبيت كل  يوم عند واحد  من أصدقاء المعهد الذي التحق  به.. مثّل أثناء دراسته بالمعهد  دورا صغيرا  في مسرحية »هالو شلبي« ولفت إليه الأنظار.. واختاره سمير خفاجة للمشاركة في مسرحية »مدرسة المشاغبين« التي حققت نجاحا كبيرا علي مستوي الجمهور.. وعندما علم خفاجة بظروفه سمح له أن ينام في كواليس المسرح.

كانت رحلة شاقة بالنسبة  لكليهما فقد صرخ  الجمهور عندما غني حليم في الاسكندرية لأول مرة صائحين إنزل إنزل.. وألقوه بالطماطم والبيض الفاسد.. أما أحمد زكي  فمثل  دور كومبارس  في هالو شلبي.

وبالرغم من أن »مدرسة المشاغبين« كانت  مسرحية كوميدية إلا أن أحمد زكي كان دوره تراجيديا.. ولم لا فهو يمثل حياته علي المسرح.. وكان أبطال  المسرحية وكلهم  مشهورون يشاغبونه ويسخرون منه لسذاجته فالأبيض عنده أبيض والأسود أسود.. وكانوا يسلون أنفسهم بتدبير  مؤامرات كوسيلة  للضحك عليه.

وحين  ذهب عبدالحليم لحضور مسرحية »مدرسة المشاغبين« أعجب جدا بأحمد زكي.. ربما لأنه أحس أنه يمثل حياته هو شخصيا علي المسرح.. فصعد إلي المسرح وفي الكواليس ليهنئ أحمد زكي عن دوره.. وأخذ يطرق  باب غرفته.. لكن أحمد تصور أن زملاءه يسخرون منه فلم يفتح  حتي قال له حليم افتح يا أحمد  أنا عبدالحليم حافظ.. وكم كانت فرحته حين ربت علي كتفه: »إنت كويس قوي.. وحيكون لك مستقبل كبير«.. هذه الجملة التي قالها  العندليب الذي أصبح المطرب الأول  في مصر في ذلك الوقت كوسام علي صدر أحمد زكي.

 كان أحمد زكي  قد تخرج من معهد التمثيل  وكان الأول علي دفعته.. وتأكد كلام حليم.. وذلك بالنسبة  لكل الأفلام التي قدمها أحمد زكي  حوالي 60 فيلما وكل المسلسلات مثل »الأيام« لطه حسين.. أما في نهاية  رحلته مع التمثيل فقد مثل مع السندريللا مسلسل »هو وهي « وبرع في أدائها هو وسعاد التي يعتبر هذا  هو المسلسل الوحيد لها.

كانت أول ضربة  تلقاها أحمد زكي في حياته حينما  اختاره علي بدرخان ليمثل مع سعاد حسني  فيلم »الكرنك« وفعلا أمضي  عقدا معه.. فقد كان علي مقتنعا به تماما.. فرح أحمد فرحا شديدا لأنه سيمثل مع سندريللا  الشاشة.. لكن »يافرحة ماتمت« قيل له كيف يحب سعاد حسني هذا الشاب الأسمر أكرت الشعر الذي لا يتمتع بالوسامة مثل رشدي أباظة أو أنور وجدي أو حسين فهمي أو نور الشريف وغيرهم.

لقد كتبت  مذكرات عبدالحليم حافظ.. وكتبت أيضا  مذكرات أحمد زكي  قال لي أحمد زكي  في مذكراته إنه بدأ يحلم منذ  أن سلم عليه  عبدالحليم وقال له  سيكون لك مستقبل كبير   كان يحلم أن يقدم  فيلما عن حياة العندليب: »لقد أحببته جدا وأحسست أن ظروفه  كانت تشبه  ظروفي تماما.

ويشاء القدر أن يرحل  أحمد زكي  في نفس شهر مارس بعد 28 عاما بعد  صراع مرير مع مرض السرطان الذي احتل مواقعه في جسده.

كانت الضربة  الثانية في حياته هو موت صلاح جاهين الأب الروحي له.. وكان أحمد يعالج في انجلترا من إجراء عملية في المعدة وأذكر حين فتح لي صدره لأري آثار عملية  كبيرة جدا ظلت وقتا طويلا لكي تلتئم.. وحين وقع مريضا بالسرطان الذي احتل كل مواقع جسده.. وكان يحتضر.. أراد صديقه الإعلامي  الكبير عماد الدين أديب أن يحقق له آخر أمنية في حياته عن »العندليب« وكان أحمد زكي يذهب  إلي أماكن التصوير علي كرسي متحرك يصاحبه طبيبه المعالج الذي يتوقع  وقوعه بين لحظة وأخري.. وكان أحمد يجلس بالساعات لعمل ماكياج يشبه عبدالحليم  حافظ.. وقد مثل ابنه هيثم دوره وهو صغير.

وكيف ننسي فيلم »أبناء الصمت« في البداية.. وهو  عبارة عن ملحمة  من ملاحم النضال سنة 1967.. حينما أغرق المصريون المدمرة الإسرائيلية إيلات.. وكان ذلك أيام حرب  الاستنزاف  حين  حوصرت مدينة السويس وانفصلت عن القاهرة.. والتي يستشهد  فيها أحمد زكي  أحد أبطال  الفيلم في النهاية.

من أهم الأفلام التي قدمها أحمد زكي  والتي تعكس  الممارسات التي  يقوم بها رجل المخابرات أحد رجال أمن الدولة الذي يهوي تعذيب  الأبرياء وهو يستعذب آلام الناس  ويمارس هذا السلوك مع أقرب  الناس إليه زوجته الرومانسية علي النقيض منه   لتجلب له معلومات عن الطلبةوهي لاتعرف ذلك.. وتبلغ أعماله المستفزة ذروتها في أحداث 17، 18 يناير.. حين يلفق الاتهامات للذين ليس  لهم علاقة  بالسياسة.. ثم يفاجأ بإحالته للمعاش  ليبدأ الصراع بينه وبين نفسه.. فيقتل الأب وينتحر وهذا بالضبط ماكان يمارسه رجال  أمن الدولة  ليكون الفيلم أحد أسباب ثورة 25 يناير.

ومن ينسي فيلم »البريء« الذي أخرجه عاطف الطيب  وما  كان يفعله رجال  الأمن المركزي  في المواطنين  من تعذيب وبطش في المعتقلات السياسية.. حين يقنع  الجنود الحراس  بأن هؤلاء هم أعداء الوطن.. ليزيدوا في تعذيبهم.. وماكان من الصديق الوطني  إلا أن أطلق الرصاص علي هؤلاء الضباط.. وهذا أيضا  أحد أسباب  قيام ثورة 25 يناير.

ومن الأفلام  التي عكست مايحدث في الوطن من صعود وهبوط  فيلم »البيه  البواب« »حين انقلب الهرم« من فوق إلي تحت ويتحول النصابون  والبلطجية إلي رجال أعمال   يكسبون الألوف.. كما قدم أحمد زكي  الفوارق الكبيرة بين الطبقات.. فالسائق  هو الذي  يتصرف  في  قصر واحدة من هوانم الزمن الماضي.. حين يحس بالتفسخ العائلي  ويصبح هو سيد  القصر يأمر وينهي.

أما أفلام السير الذاتية للزعماء فقد قدم »ناصر 56« عن شهور من حكمه خلال عام 1956.. وتعتبر أهم مرحلة  في فترة قيادته وإنجازاته لمصر قبل وبعد تأميم  القناة حين رفض البنك الدولي تمويل  السد العالي فأعلن  تأميم قناة السويس في يوليو 56 مما أدي  إلي العدوان الثلاثي علي مصر.. كما يتناول الفيلم   الحياة العائلية  للزعيم.. وقدم  »أيام السادات« الذي استطاع أن يتقمص  شخصيته تماما.. منذ بداياته علي مدي أربعين  عاما نضال  ضد الاحتلال  البريطاني.. وضرب خط بارليف  وعودة سيناء لمصر وانتصاره في حرب أكتوبر  ليغتال في نفس  يوم الاحتفال  في المنصة.

عزيزي أحمد زكي:

ما كل هذه الثروة التي  تركتها لنا.. لقد أحببناك.. واشتقنا إليك كثيرا.. لم تتنازل يوما لكي تقدم  أي نوع من الأفلام الرخيصة  رغم أنك كنت تحتاج إلي المال.. وكانت أفلامك ضمن الأسباب  التي مهدت لثورة  25 يناير.

آخر ساعة المصرية في

05/04/2011

 

العثور علي »هتلر في هوليوود« في مهرجان أفلام الحب ببلجيكا

مونز ـ خاص آخر ساعة نعمة الله حسين 

مع نهاية الحرب العالمية الثانية  وقعت فرنسا اتفاقية  مع الولايات المتحدة وبالتحديد  في 26 مايو 1946 للمساهمة  في رفع المستوي  السينمائي ودعم  صناعة الأفلام علي شرط أن تعرض الأفلام الأمريكية  لمدة ثلاثة أسابيع في دور العرض.. وأن يكون الأسبوع الرابع مخصصا للأفلام المحلية.. وقد سميت تلك  الاتفاقية  »بلوم بيرن«.

وفي يناير 1948 تظاهر عشرة آلاف  من المشاركين في صناعة  السينما بفرنسا مع كبار نجوم وفناني فرنسا في ذلك الوقت.. »چاك بيكر«، »سيمون سينوريه«، »إيف إليجريه« ونتيجة لهذه  المظاهرات صدر  أول قانون في سبتمبر 1948 لدعم صناعة السينما في فرنسا.. لتكون اليوم واحدة  من أكبر سينما العالم خاصة في أوروبا إن لم تكن الأولي  في الكم.. والكيف.

والحديث عن هذا  الماضي يقودنا  لفيلم »هتلر في هوليوود« الذي عرض في المهرجان.. وخدع الكثيرين من الجمهور..  بينما هو في الحقيقة يروي  حكاية فيلم  ضائع وهو »أنا لا أحبك أبدا« لمخرجه »لويس أران نيك«  وهو يهودي  الديانة بلچيكي  الجنسية  وكانت بطلة  الفيلم هي »ميشلين بريل« وقد أرادت  الفنانة الشابة »ماريا ميداورس« ان تقابل »ميشلين« لعمل فيلم تسجيلي عنها والبحث  عن هذا الفيلم الذي قامت ببطولته.

وأثناء البحث في  أرشيف السينما تم العثور  علي شريط الدعاية  لفيلم »هتلر في هوليوود« لنفس المخرج والذي لايعرف  أحد من العاملين في  السينما عنه شيئا.. الشريط الذي تم العثور عليه يحوي صورا لهتلر مع ماك بريدچ وهو سيناتور أمريكي كان ذا نفوذ شديد في ذلك الوقت.. وكان هذا اللقاء في أوروبا لدعم السينما الأوروبية  في ذلك الوقت.

الفيلم  التسجيلي قام بإخراجه »فريد  سوچير« وفي حوار الفنانة  البرتغالية .. ماريا ميداروس.. والتي عاشت  فترة طويلة  في طفولتها في فيينا.. وقبل أن تدرس  في الكونسرفتوار في باريس..

قالت لي ماريا إنها لابد أن تعترف بأن شهرتها الحقيقية تعود لاشتراكها مع »بروس ويليس« في فيلم »PULP FICTION« الذي أخرجه كونتيني تارانتينو.

وماريا تتحدث بطلاقة ست لغات.. وهي تتمتع  بصوت جميل ولديها  مشروع غنائي كبير أطلقت عليه »Alittle more Blues« وهي لم  تكتف بنجاحها كممثلة.. ومطربة بل  اتجهت لمجال الإخراج خاصة في مجال  الأفلام  التسجيلية  بالإضافة  لفيلم روائي  طويل سنة 1999.

وعن لقائها بالفنانة العظيمة»ميشلين بريل« التي احتفلت مؤخرا بعيد ميلادها الخامس والسبعين  تقول ماريا »لقد أدهشتني بحضورها  القوي.

مهرجان مونز السينمائي الدولي لأفلام الحب مازال  يحرص علي الفيلم الروائي القصير والتسجيلي  وهو يخصص لهما قسما  خاصا وجوائزه تصل لنفس قيمة جائزة الأفلام الروائية.. ومن الأفلام  التي عرضت في هذا  الإطار ويعد من أجمل  الأفلام الوثائقية  بما يحمله  من صور أرشيفية  نادرة فيلم »حكاية بورندي« للمخرج ليوانس نجابو.

وقد قدم »نجابو« تاريخ بوروندي من الناحية العرقية.. وذلك في سنة 1867 إلي سنة 1962 عندما حصلت »بوروندي « علي استقلالها  وكيفية توالي العديد من المستكشفين علي هذه القارة الذين حاولوا استغلال هذه القارة أسوأ استغلال.

استراليا هذه القارة البعيدة جدا.. كثيرا ما تفاجئنا بأفلام جميلة ومثيرة ذات قيمة فنية عالية.. وقد شاركت هذا العام من خلال برنامج وجهات نظر بفيلم  يوم جديد إخراج راشيل بيركنز وبمشاركتها في كتابة السيناريو مع كل من ريج كريب وجيمي شيش أولم وبطولة كل من روكي ماكينزي .. جيسكا موبوا.. إيرني دينجو.

ولعل قيمة هذا الفيلم أنه يتعرض لحياة  سكان البلاد الأصليين ووضعيتهم الاجتماعية في سنوات الستينيات وكيف كان كثير من حقوقهم ضائعا ولايتمتعون بخيرات بلادهم.. ويعيشون في مستوي اجتماعي أقرب للفقر منه إلي الطبقة ما تحت المتوسطة.. إن هؤلاء هم السكان الأصليون للبلاد والذين كانوا لايتمتعون بأي حقوق علي الإطلاق.. وكان أقصي طموح أي أسرة أن يصبح ابنها قسيسا أو راعيا لإحدي الكنائس ليعيش في مستوي محترم وميسور.

بيرث امرأة متوسطة العمر قررت أن تضع ابنها الشاب ويللي في أحد الأديرة المتشددة ليدرس ويصبح قسا.. لكن الفتي يحب روزي ولايريد أن يدخل في إطار العمل الديني.. لذلك يقرر الهرب من هذا الدير الصارم ليعود إلي بلدته التي تبعد مسافة ثلاثة آلاف كيلو متر .. ليعيش حياته مع الفتاة التي أحبها وفي طريقه للهرب يلتقي بمجموعة من العجائز الذين لاهم لهم سوي شرب الخمر والإقامة في الشوارع.. فينجذب إلي أحدهم ليكتشف أنه عمه ويقرر مصاحبته إلي البلدة.. وفي سبيل الوصول إلي ذلك يحتال علي أحد السائحين ويوهمه بأنه أصابه بسيارته وعليه أن ينتقل به إلي حيث يريد الذهاب..  لتبدأ سلسلة من الأحداث تتداخل فيما بينها.. كل ذلك يدور في إطار موسيقي غنائي جميل دون أن يخل بالطرح الدرامي والمأساوي الذي عاشه سكان البلاد الأصليون لاستراليا ومدي العنصرية والاضطهاد من قبل المستكشفين حتي لو كانوا من قبل رجال الدين.

آخر ساعة المصرية في

05/04/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)