حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

المودوفار في سينما الرغبات.. مشاغب مجنون يعشق المكان المظلم

فراس الشاروط

(الألوان الضاجة في أفلامه هي أسبانية 100%، هي مبالغة في إسبانيتها، لكنها لا تستخدم في إسبانيا، وهي تقدم صورة عن المكان الذي وفد منه، ذلك أن الثقافة الاسبانية باروكية جدا،  حيوية ألوانه في الصورة طريقة لمصارعة اليباس في جذوره، فالأم أرتدت الاسود طوال حياتها، كانت محكومة بصورة الحداد على موتى كثـر من العائلة وبعضهم قتل في غابر الزمن، ألوانه كانت بمثابة جواب طبيعي انطلق من حزن الأم ليتحول الى حزم ضوئية، ووحدها الطبيعة الآدمية تقرر في العتمة، بما أن الأم وضعته طفلا بوسعه التعاطي مع السواد، وفيما هو ولد في (لامانش) المعروفة بقسوتها وعنفها،  فان وعيه تشكل خلال الستينات وقت انفجار (البوب)، وهذا لوحظ بخصوص علاقته اللاواعية مع ألوان الكاريبي كما لو أنه يحمل جزءا من ذاكرة أجداده المقاتلين الافذاذ وهم ينطلقون الى عالم جديد.

ميوله الطبيعية لاستخدام اللون تجيب عن صفات شخصية تخص أبطاله وهم زخرفيون في سلوكهم وفيما يحضر الاحمر بقوة في ألوانه دائما دون أن يعرف لماذا يرى فيه لونا أنسانيا لان كل المخلوقات الانسانية محكومة بان تموت)

هكذا يلخص الناقد السينمائي والمترجم (فجر يعقوب) في نهاية مقدمته لترجمة كتاب (سينما الرغبات) المخرج الاسباني بيدرو المودوفار،  والذي أطلقت عليه مجلة (الفيلم) الامريكية قبل سنوات حين كان يخرج فيلمه (الكعوب العالية) اسم (ملك إسبانيا)، قبل أن يتركنا المترجم لحوارات (فردريك ستروس) الممتعة مع المخرج الاسباني.

بيدرو المودوفار، مشاغب، مجنون، يعشق ذلك المكان المظلم الصاخب بالحركة، يعشقه حتى بدخان السكائر المتصاعد من الصالة المعتمة ليخترق حزمة الضوء الساحرة تلك، مثل رجل يتسلق عاليا جبلا جليديا وبين الفينة والاخرى تكاد حبال التسلق أن تفلت ليسقط وقبل ان تكسر رقبته (يشدها عالياً)،  يصرح (حتى أتعلم تقنيات السينما تعذبت كثيراً)،  فعندما يبدأ بإخراج فيلم يكون أشبه بالشيطان، بل مجنون مسكون بمس، هذا المس هو القوة الوحيدة التي يعرفها (لا أعرف فأنا مسحور بأصوات الممثلين، وأحيانا آخذ بعين الاعتبار أن الأشياء التي أريدها منهم لا تكون فقط في الطريقة التي أطمح فيها للوصول الى بغيتي، أعايش العمل على شكل دفقات شعورية ولا افكر بالطبع أن هذا هو خياري الممكن والوحيد، مع أنني أحياناً أعتقد أنه بوسعنا أن نقبل السير في الطريق المعاكس، فيما لو كانت الطريقة التي أعمل بها هي الأسوأ لانها تنغص الحياة، لا يمكنك ضبطها، وانا استطيع أن أعمل فقط عندما أصبح ضحية للوثتي الخاصة بي)، رغم هذا المس الجنوني (اللوثة) لكنه يعشق بجنون ممثلاته كما يعشق السينما، ألسن هن من يجسدن حكاياته الغريبة بكوميديتها الرقيقة السوداء، وهي الطرقة المناسبة التي تحل ضيفة على عقل المشاهد بلا عناء وبوعي فائق (عندما يكونون مدهشين يجعلونني أنسى أنني مخرج وسيناريست، فأنا أشعر بالسعادة، أعترف بعد (14) فيلما عملتها انني التقيت بممثلات جيدات أكثر من ممثلين جيدين، صحيح أنني كتبت أدوارا نسائية أكثر من أدوار رجالية أو حيادية، فاذا ما طلب إلَي أن أقوم الحالة فبوسعي القول أن النساء يلهمنني الكوميديا فيما الرجال يلهمونني التراجيديا).

ولد بيدرو المودوفار في مدينة دون كيخوته (لا مانش) الاسبانية عام 1949، لكن بعد ذلك استقرت العائلة قرب الحدود البرتغالية، منذ صغره عشق (سرد الحكايا) وعمل أفلاماً في مخيلته قبل أن يحمل الكاميرا، في الثامنة من عمره عندما كانت العائلة ترسله لجلب أحد أحتياجاتها من السوق يعرج في طريقه على إحدى دور العرض السينمائي، عند عودته يسرد أحداث الفيلم على شقيقتيه اللتين كانتا أول مشاهد بالنسبة له، واحيانا (كنت أكذب فأضيف مشاهد وتفاصيل كثيرة على الافلام التي أشاهدها، وأحياناً أكتشف أنني رويت فيلما آخر بعيدا عن الفيلم الذي شاهدته، كنت أروي الفيلم الذي في مخيلتي) يقول (أنا أعتبر نفسي مشاهدا كبيرا وأذهب الى السينما بشكل منتظم، كما أنني أحب اكتشاف الأفلام الجديدة ) هذه الاستعارات من الافلام حين كان صغيرا والمواضبة على المشاهدة الفاحصة المتأنية حتى وهو مخرج كبير جعلته يصرح بمقولته الجميلة (أن تسرق لصا ليس خطيئة، وأن تقليد المقلد لا يبدو لي أيضا أنه مخالف للاخلاق، أن تسرق فكرة من مخرج شيء قانوني لانه هو نفسه سرق أفكارا كثيرة من مخرجين آخرين) أليست هذه هي السينما، أليست هكذا هي الحياة!!

بدأ المودوفار بالكتابة لأفلام كوميدية قصيرة مثلما ساهم بالكتابة للصحف والمجلات قبل أن يلتحق بالمسرح، فعندما تسلل الى السينما العظيمة فأنه (فعل ذلك بقوة الانسان الذي كان يعد العدة لذلك منذ زمن طويل، الافلام القصيرة هي من أقتادته للدخول إلى وقع ذلك الايقاع الاحتفالي، والذي سبق عودة الديمقراطية والحياة الى مدريد، ولسنوات خلت ظل المخرج الشاب أسير العزلة والمشاكل، بعد أن استبعدته المدرسة في سني طفولته ووضعته في موقع المشاهد، وهذه السنين التي كافأته بسلطة الخيال لم تكن تعرف الحيرة أبداً، وبغض النظر عما أذا كان يمر عبر القراءة،الكتابة، مشاهدة الأفلام، فإن هذه السلطة كانت تحرره وتعصرنه في نفس الوقت، وبقدر ما هو بعيد عن الواقع ظل قريبا من جوهره الحقيقي) مثلما كان قارئا جيدا للأدب الروائي (لا أستطيع أن أنسى (صباح الخير أيها الحزن) رواية فرانسواز ساغان، وكيف أنني اصبحت عدميا بعد ان شاهدت الفيلم وقد القيت تربيتي الدينية جانبا وأيقنت منذ البداية أن الرهبان والقساوسة لن يغيروا من حياتي شيئا، في (قطة على سطح صفيح ساخن) قلت لنفسي أنا انتمي لعالم الخطايا... عالم المسوخ، كنت في الثانية عشرة من عمري عندما أجبت على سؤال حول هويتي بالقول إنني عدمي) و(لم أقرأ أدبا اسبانيا في تلك الايام ولكنني بدأت أقرا أدب الواقعيين من نهايات القرن التاسع عشر وانا في العشرين من عمري، أما في الجامعة فقد قالوا القليل عن رامبو وجينييه، واستطعت أن أفهم ان هنالك اشياء تهمني فيهما وبدأت أقرأهما بنهم مثلما قرات بعض الشعراء الملعونين، منذ هذه اللحظة اصبحت علاقتي بالادب اكثر اثارة، وقبل كل شيء من خلال الادباء الفرنسيين) مع هذا هو يحدد وجهة نظره من الرواية والسينما (الرواية تقدم لك أمكانية لا يستطيع الفيلم أن يقدمها لك، في الرواية تستطيع أن تقول أشياء كثيرة عن نفسك، عن أبطالك، فيما الفيلم بعد أن تبدأ تصويره يفرض أيقاعا خاصاً يجب ان تتابعه بحذافيره، هو يزعجك عندما تريد العودة للوراء أو أن تطوره متوازيا مع القصة الاخرى بالرغم من أنك مؤلف السيناريو وتفكر بإدارة الأحداث كلها، الأدب شيء مختلف تكمن الصعوبة فيه بالأسلوب، يجب بأن نعترف ان الكتابة فن يتجاوز السينما).

أخرج المودوفار أول الامر أفلاماً قصيرة على أشرطة (8)ملم كما كتب سيناريوهات لافلام أباحية لواحدة من أكثر المجلات شهرة (القمرla luna) لكن شهرته العالمية جاءت يوم ترشح عام 1989 لجائزة الاوسكار عن فيلمه (نساء على حافة الانهيار العصبي) وخسر الجائزة امام المخرج بيل أوغست وفيلمه (بيلي الفاتح)، بعد كل هذه المسيرة الطويلة والجوائز العديدة بدأ عشاق السينما ومحبوها بإعادة اكتشاف أفلام المودوفار الاولى، وبعد أن توج رحلته بجوائز (كان والاوسكار) عن فيلمه (كل شيء عن أمي) عام 1999، ليصبح بلا منازع (ماركة إسبانيا المسجلة) وليرد على ذلك (عرفت معنى أن تحمل أسم بلادك أنها مسؤولية كبيرة)، نعم لقد أصبح ماركة مسجلة، ودخل تاريخ بلاده مثل كولومبس مستكشف العالم الجديد، ومثل بيكاسو وسلفادور دالي، ومثل لويس بونويل وكارلوس ساورا، ومثل نادي برشلونه حاصد ألقاب العالم كرويا.

 المودوفار شغوف بكل شيء له علاقة بالحياة مثلما هو شغوف بكل شيء إنساني، لذلك عندما يتحدث عن شخصيات أفلامه فانه يتحدث عنهم بحب وكأنهم حقيقة أناس من لحم ودم، تنطق وتتألم، تحب وتبكي وتكره، فكل شخصياته هم أبناؤه (اعرف عنهم كل شيء، عن مشاعرهم، وكل ما يقولونه وما يفعلونه).

رحلة ممتعة ترجمها لنا بامتياز فجر يعقوب على مدى 250 صفحة في حوار يسحب آخر لندخل عميقا في روح وافلام هذا المودوفار التي اصبحت افلامه بمثابة علامة إسبانيا حتى ولو كانت (أفلامي شخصية للغاية وأنا متفاجئ كثيراً ذلك أنها تصبح بمثابة علامات معروفة) إنها سينما الرغبات، رغبات المودوفار ولاتنسوا آن المودوفار اسم عربي –كما صرح- ربما من هنا حمل كل التناقضات، حمل روح الشرق ومعرفة الغرب، حمل روح المرأة بكل قسوتها ورقتها، ولكن الرجال عنده يبكون أيضا.

سينما الرغبات: فردريك ستروس، ترجمة فجر يعقوب، منشورات الفن السابع سوريا، 2005

المدى العراقية في

31/03/2011

 

مسألة حياة وموت لمايكل باول وإميرك برسبرغر – 1946

تيموثي سبول

ترجمة: نجاح الجبيلي  

كان باستطاعتي أن أشاهد هذا الفيلم يومياً. إنه ساحر. ثمة القليل من السحر في العلم إن سألتني. رأيته لأول مرة حين كنت صبياً وأتذكر أنه سحرني. ولم أر فيلماً يمتلك مثل هذا الحدث الوافر والشغف الكثير: إنه مضحك وفاجع.

إن ما أدهشني هو المشهد الأول فيه. يبدأ الفيلم بشابة أميركية تعمل مشغلة تلفون تؤدي الدور "كيم هنتر" تحاول أن تكلم قائد طائرة قاصفة على وشك الاحتراق يؤدي الدور "ديفيد نيفين". إنه هستيري لأنه يعرف بأنه على وشك أن يفقد حياته. لكنها تحاول أن تهدئه. إنه مشهد مؤثر. على أية حال فهو يتحطم لكنه يمشي على ساحل. لا تستطيع أن تخمن ما يجري. ويحتفظ الفيلم بقطع إلى بيت أبيض إذ جميع الناس الذين قتلوا في الحروب يدخلون خلال عمية ليرسلوا إلى الجنة. ونتيجة لخطأ ما يجري استبعاد نيفين. لكن بما أنه ميت بشكل رسمي فإنهم يرسلون أحداً من الجنة كي يحصلوا عليه. لكن الهدف هو أن مشغلة التلفون تلتقيه على الساحل وسرعان ما يقعان في الغرام. لكن يحدث أنه مصاب بمرض عقلي، لذا لا تستطيع أن تعرف حقاً ما الذي يحدث في الواقع وماذا يدور في ذهنه

هناك العديد من الأمور التي تجعل من هذا الفيلم فنتازياً. إن المخرجين باول وبرسبرغر موهوبان. ففي الفيلم جعلا من الحاضر بالألوان لكنهما صورا الجنة بالأسود والأبيض.

إنها قصة حب في الحرب العالمية الثانية مع هذا المزج بين السحر والافتداء- فذكاؤه والجانب السايكولوجي هما في غاية الإدهاش. وهو جميل من ناحية العاطفة. لقد غير فكرتي عن الأفلام. إن مزجه بين الصقل والذكاء جعلني أدرك كم هو فيلم مدهش.

تيموثي سبول : ممثل إنكليزي أحدث أدواره في فيلم "خطاب الملك" بدور تشرتشل

المدى العراقية في

31/03/2011

 

المكان حينما يتحوّل فكراً

حسين السلمان 

تقف في مقدمة أهمية المكان قدرته الكبيرة في التحول الى أبعاد فكرية متنوعة تضيف معاني جديدة للحدث وتحريك وتفعيل كا ما هو ساكن وثابت المعنى ونقل الدلالات التعبيرية من موقعها الثانوي الى المواقع المتقدمة في البناء الفكري للعمل الإبداعي.

ولأن السينما فن شمولي استطاع ان يستوعب كل منجزات ومكونات العملية الإبداعية للفنون القديمة الأخرى مثل  المسرح والموسيقى والشعر ، فانه ـ الفن السينمائي ـ استطاع ان يتألق في ذات الوقت متخذاً لذاته شكلاً جمالياً خاصاً به جعله ينتج مسارات حديثة أعطت الكثير من الإمكانات التي لم تستطع بقية الفنون الأخرى الارتقاء إليها،وفي ذات الوقت دفعت السينما الفنون الأخرى للبحث عن صيغ جديدة تتلاءم مع نهوضها وتطور أساليبها الخاصة.ويكفي ان نستذكر الاحتدامات التي حصلت ما بين الفنون في منتصف القرن الماضي، التي اراها ضرورة حضارية خدمت الحركة الجمالية لكل الفنون وأعطتها زخماً كبيراً من التقدم والابتكار ، ولولا ذلك لما وصلت اليه كل هذه الإبداعات الرائعة للفن والأدب معاً.

فإذا كنا قد فهمنا السينما بقدرتيها الذاتية والموضوعية بأنها قادرة كل الاقتدار على تصوير ( البعد في الزمن مع البعد في المكان) فانها بهذا المنجز جسدت خصوصيتها وتفردها عن المتطلبات الإبداعية للفنون الأخرى .فهي أكدت عبر تفاعلها التطبيقي بانها لا تقف عند حد ثابت كما انها لا يمكن ان تعيش عند حد المطلق، لان كل تلك العلاقات القائمة بين البعدين تكون متغيرة في الكثير من الحالات الطبيعية والتجريبية. فالسينما قادرة ،عبر أشكال متنوعة ،ان تجعل من الزمن بعداً من أبعاد المكان ، كما هو الحال عندما نؤكد  ان المونتاج يتصف بالجمالية الإبداعية فهو أيضاً ينتقل من الوصف الى التأكيد على التعبير، وهذا يوصلنا الى فهم جديد هو ان المكان يتجه في الكثير من الحالات الى التعبير عن انماط نفسية عديدة مثل الخوف،الشك، التحفظ ،مثلما تشير الدراسات السايكولوجية والانثروبولوجية الى ان الكائنات الحية ضمن بقعة معينة (مكان) تشعر بامتلاك الفضاء وفقا لنظام قدرتها في القوة .لذا نجد ان تجاورية المكان وأهمية أنماطه تكشف المسافات القائمة بين الفضاء والشخصيات. ولأجل وصول الاستنتاجات الى النظرية الوضعية يتوجب تقريب الأشياء المشار إليها  وحل الألغاز والرموز.ولنأخذ على سبيل المثال نوعا من المسافات التي نطلق عليها تسمية المسافات الصميمية المتجسدة عبر اللقطة الأكثر قرباً من المكان والشخصية ،او انها تتحرك نحوها بسلاسة (هنا ليس المقصود اللقطة الذاتية ، بل هي لقطة موضوعية يراها المخرج بعين المشاهد)، بمعنى ينتقل شعور الكاميرا الى شعور المشاهد . وقامت هذه الدراسات بتحديد مسافات معينة خصصت لتلك الانماط التي يمكن تحديدها على الشكل الآتي:أنماط صميمية، أنماط شخصية، أنماط اجتماعية، أنماط عمومية.وقد أشارت الدراسات أيضاً إلى ان هذه الأنماط  بحسب مسافاتها تختلف من حضارة الى أخرى ومن شعب الى شعب آخر اعتماداً على تطورها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وعلى تقدمها الحضاري، وملخص ذلك انه كلما اتسعت المسافة ما بين الموضوع(المكان المراد تصويره)ويسمى موقع التصوير والكاميرا( المسافة ما بينهما) تصبح الأفكار الناتجة من هذا التفاعل هي نتائج حيادية ،اي ان المكان يحمل معنى استقلال عاطفي إضافة الى وجود تحفظ ذهني. لهذا وضعت السينما عبر مراحل تطورها مجموعة من المبادئ والقوانين للمكان،ويمكن ان ندرج بعضاً من مستوياته وهي : المستوى الدرامي، المستوى الفكري، المستوى التشكيلي  ،نستنتج من ذلك  إن للمكان أبعاده المادية والنفسية والاجتماعية باعتباره شخصية قائمة بذاتها، ولأنها بناء تحتي للأحداث إضافة إلى شكل المكان وموقعه، يصح على ضوء تلك الاستنتاجات ان نقول ان المكان وسط تعبيري رمزي، كما هو الحال مع الفضاء فهو وسيلة تعبيرية( تستجيب بها الى الموجودات والاجسام ضمن مساحة معلومة وهي مصدر ثابت للمعلومات في الحياة العامة وكذلك في الفن. فالسينما (التي تعد فن المكان)تنظر الى طبيعة المكان والى حجمه وحركته ، وهذه عناصر يتفاعل معها الممثل في اي مكان معلوم يمكنه ان يشكل أفكاراً إنسانية تعالج الكثير من الإشكاليات التي تتناولها السينما.

تنظر السينما للمكان من زاوية خاصة بها التي يمكن ان نطلق عليها تسمية عمق الميدان للصورة . ان هذا الجانب الإبداعي كثيراً ما تهتم به السينما واستطاعت عبر تحولاتها الكثيرة والمتلاحقة ان تجعل منه إضافة جديدة للأنماط الفكرية التي يتمتع بها، لان عمق ميدان الصورة وحركة الكاميرا يتبادلان المواقع مع المونتاج،  حيث تمت معالجة المكان بأشكال متعددة ، وقد ظهر هذا جلياً في إعادة بنائه أو ربطه بمجمل حركة الحدث وتتابع اماكن ثانوية يتم توظيفها مونتاجيا لتعطي للصورة ابعادها المكانية من الناحيتين الجمالية والتركيبية.

إن تركيب تلك الكتل والخطوط والاحجام والاشكال وخلق العلاقات المكانية تنتج لنا صورة قادرة على دعم المستويات الدرامية والنفسية والاجتماعية بأفكار تدفع نحو الامام بالحدث والشخصيات  ولتجعل المشاهد عنصراً فعالاً وحيوياً في المشاركة بكل التنويعات الفعلية التي تقدمها الشاشة وان كانت الاحجام والمساحات نسبية، الا انها قادرة على خلق تنويعات في ايصال المعلومات عبر العلاقات المكانية وان كانت متغيرة ما بين لقطة ولقطة .وهذا ما نطلق عليه تطويق المشاهد وسحبه إرادياً ولا إرادياً إلى عالم المكان وجعله يتحرك طبقاً لحركة الفيلم حتى يصبح المشاهد جزء من واقعية المكان وان كانت تحيطه جماليات التكوين والميزانسين والعناصر الاخرى الداخلة في صناعة اللقطة، وفي تصوري الخاص ان هذه السمات الإخراجية تختلف من مخرج لآخر وكذلك من أسلوب إلى أسلوب آخر، فلا يمكن أبداً أن تنطبق هذه السمات على الأسلوب الانطباعي والواقعي ، لان لكل منهما ما يميزه عن الآخر.

ولتوضيح عمق ميدان الصورة الذي يدخل ضمن العملية الإبداعية للإخراج من الضروري الإشارة إلى أسلوبين في هذا المجال: الأسلوب الأول  وهو يعمل على تداخل ضمني ملحوظ ما بين الشخصيات والديكور وذلك عبر استخدام لقطات طويلة زمنيا، مصحوبة بثبات الكاميرا. والهدف من وراء ذلك إعطاء مجال أوسع للمشاهد لاستقراء الصورة والدخول الى عوالمها الخفية وتحليل رموزها وأهدافها من اجل خلق صلة ما بينه وبين الصورة بجميع محتوياتها، هذا يظهر لنا ميل هذا الأسلوب الى تقوية وتمتين الدراما السايكولوجية لأجل خلق أحاسيس الوحدة و الكآبة والاحتباس . يتصف هذا الأسلوب بشكل واضح بصفات الأسلوب المسرحي ، حيث يظل الميزانسين ثابتا ، غير متحرك بسبب الاعتماد على زاوية واحدة وحجم واحد لكل اللقطات، لان المشاهد مستقر في مكان رؤية ثابتة غير متحركة وعلى مستوى واحد من حيث المسافة القائمة ما بين الصالة والخشبة .أما الأسلوب الثاني فهو يعالج ابعاد عمق الميدان حيث يكون العمل اقرب الى المنظور في اللوحة التشكيلية .والهدف الأساس الذي ينطلق منه المخرج هو تصعيد العمق الدرامي ، فالإخراج يكون هنا تركيبياً يعتمد على التنقلات من لقطة إلى اخرى طبقاً لأحجامها ولحركة الكاميرا وجعل المسافة محسوسة وتحديد علاقاتها مع الشخصيات ، حتى ان الكثير من المخرجين قاموا باستخدام عمق الميدان وحركة الكاميرا تعويضاً فعالاً عن المونتاج.

المدى العراقية في

31/03/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)