حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

تجربة مايك لي السينمائية (1)

أمير العمري

عندما عاد المخرج السينمائي البريطاني مايك لي Mike Leigh بقوة إلى الأضواء عام 1987 بفيلم "آمال كبيرة" High Hopes كانت السينما البريطانية تواجه أسوأ أزماتها، بتأثير ما تعرضت له من إهمال كبير خلال سنوات حكم حزب المحافظين بزعامة "السيدة الحديدية" مرجريت تاتشر.

كانت هذه السينما العريقة قد فقدت جمهورها، واتجهت، خلال محاولتها استعادة ذلك الجمهور، إلى انتاج الأفلام الهروبية والبوليسية وأفلام الجاسوسية المحكمة الصنع على طريقة أفلام جيمس بوند.

وكان ظهور فيلمين هما "الأصوات البعيدة" Distant Voices للمخرج تيرنس دافيز، و"آمال كبيرة" لمايك لي بمثابة عودة الروح الى تلك السينما العجوز التي لم تعرف التألق خلال الثمانينيات سوى مرة واحدة من خلال الفيلم الشهير "غرفة تطل على منظر طبيعي" A Room With A View لجيمس إيفوري.

أما "آمال كبيرة" فهو أول ما يخرجه مايك لي من أفلام سينمائية منذ عام 1971 بعد أن انتقل للعمل في التليفزيون.

ينتمي مايك لي إلى  جيل من المخرجين البريطانيين الذين يمكن وصفهم بـ"جيل الالتزام بالقضايا الكبرى" مثل كن لوتش وبيتر جريناواي ونيكولاس روج وستيفن فريرز وآلان باركر ورولاند جوفي، سواء كانت هذه "القضايا الكبرى" على الصعيد الاجتماعي- السياسي، أم الفلسفي- الفكري. أما من ناحية الأسلوب فيلتزم مايك لي بالواقعية مع بعض اللمحات الكوميدية التي لا تخلو منها أفلامه، وأحيانا أيضا بعض الميلودراما، لكن الكوميديا تتفجر من التناقضات القائمة بين الشخصيات، وتبدو الميلودراما دائما محكومة ويمكن قبولها والاستمتاع بها في إطار اكتشاف تلك الحالة "الذهنية" من "العصاب" الاجتماعي التي يتناولها مايك لي عادة في معظم أفلامه عن الواقع البريطاني المعاصر.

كان معظم المخرجين البريطانيين في الثمانينيات، يفضلون ترك السينما من أجل العمل لحساب التليفزيون الذي كان يدعم إنتاج أفلام "طليعية" تتحرر من الشروط المعقدة لشركات الانتاج السينمائي، وهي شروط "تجارية" عادة تحاول أن تخضع الجماليات لمقتضيات السوق، إلا أن مايك لي قطع الطريق العكسي، أي أنه بعد أن أخرج أول أفلامه السينمائية عام 1971 وهو فيلم "لحظات تشاؤمية" Bleak Moments اتجه للعمل في التليفزيون لسنوات طويلة، لكنه آثر العودة إلى السينما عام 1988 بفيلمه الذي حفر ملامح أسلوبه، "آمال كبيرة"، قبل أن يمد تجربته على استقامتها بعد ذلك ويواصل العمل في الاخراج السينمائي فيقدم فيلمه الشهير "الحياة حلوة" Life is Sweet (1990) ثم "تعرية" Naked  (1993) ثم "أسرار وأكاذيب" Secrets and Lies (1996) ثم تتوالى أفلامه وصولا إلى التحفة الكبرى التي يصل فيها الى ذروة أعماله كمخرج وفنان متميز في التعامل مع الممثلين بوجه خاص، أي فيلم "عام آخر" Another Year (2010).

كان "لحظات تشاؤمية" (1971) فيلما يقوم، مثل معظم أفلام لي، على ما يمكن تسميته "دراما المشاعر الداخلية"، التي تتصارع فيها الشخصيات طبقا لمنطق الصراع في الدراما التشيكوفية (نسبة إلى الكاتب الروسي العظيم أنطون تشيكوف)، أي دراما عائلية تتجه فيها الصراعات إلى الكشف عن مكنون الشخصيات، وصولا إلى لحظة المواجهة ثم الاستنارة. وهنا، لا تعود بعدها الشخصيات أبدا إلى ما كانت عليه من قبل.

وفي "آمال كبيرة" يبحث لي في تلك التناقضات الكامنة تحت قشرة المجتمع البريطاني في ذروة سنوات التاتشرية، ويصور كيف تم تشويه تقاليد الطبقة العاملة وأفكارها وأصبحت أكثر اغترابا، وكيف بدأت القيم الجديدة للأثرياء الجدد (أثرياء حقبة تاتشر) في الزحف تدريجيا، تهدد الفقراء وتدفع بهم الى الهامش أكثر فأكثر، وكيف تتبدى حالة الحرمان، ويلوح التطلع اليائس بحثا عن مكان ما على خريطة المجتمع، كيف ينعكس هذا التشتت على التماسك النفسي والاجتماعي في مواجهة الضغوط، كيف يكون البحث عن الحب الحقيقي هنا معادلا للتماسك النفسي واليقين الروحي، وكيف ينعكس ضياع الحلم الاشتراكي القديم في اقامة الجنة العادلة بعد غروب "الماركسية"، ولكن دون فقدان الأمل في التغيير المنشود.

إن مايك لي في فيلمه هذا الذي يعد المرجعية الأولى لكل أفلامه من الزاوية الفكرية على الأقل، يتوقف أمام الذاتي والاجتماعي، ولكن على صعيد يتجاوز محاولة سينمائي رفيع آخر هو برناردو برتولوتشي في التوفيق بين الفرويدية والماركسية. فمايك لي هنا يبحث فيما بعد الفرويدية والماركسية معا، فهو يبحث في فكر اليسار الأوروبي الجديد بعد 1968، أي بعد انتحار الأفكار الماركسية التقليدية الجامدة القديمة، بعد أن برزت الحاجة الملحة إلى البدء من الداخل أولا، من الذات ومن الفرد ومن النفس البشرية بمكوناتها الأولية في علاقتها بمحيطها البسيط، أي الأسرة. وجوهر فكرة الأسرة هو ما سيعود لكي يشغل لي في أفلامه التالية وأبرزها "أسرار وأكاذيب" الذي حصل على السعفة الذهبية في مهرجان كان عام 1996.

في فيلم "آمال كبيرة" سبع شخصيات رئيسية هي سيريل وشيرلي وأم سيريل وشقيقته وزوجها وجار الأم وزوجته.

سيريل وشيرلي ثنائي يقيم معا بإحدى شقق البلدية الباردة العارية من الأثاث تقريبا في أحد أحياء لندن التي كانت تعد من الأحياء العمالية الشهيرة تاريخيا. لكن الاثنان يشعرات بالدفء بفضل الحب الكبير الذي يجمعهما.

والاثنان ينتميان إلى جيل الهامشيين الجدد في المجتمع البريطاني، أي ذلك الجيل الذي استيقظ فجأة ليجد ثورته قد توقفت أو سرقت منه، وأن حلمه قد أصبح في مهب الريح بعد أن أًصبح محاصرا من قبل أولئك الذين صعدوا بفضل السياسات التاتشرية الشرسة التي تمثلت في تدمير نقابات العمال والحركة العمالية، ورسخت فكرة المتلك بأي وسيلة، وقلصت دور الدولة في حماية الفرد.

الزوجان يفترشان الأرض في منزلهما الفقير ورغم ذلك يحاولان التماسك بالحب. وهما يناضلان في صفوف منظمة مناهضة التسلح النووي CNC التي أصبحت في تلك الفترة رمزا للنضال ضد شراسة النظام وضمت الكثير من العناصر العمالية واليسارية وتميزت مظاهراتها بالعنف البالغ وتعرضت لقمع لا مثيل له.

يرفض الاثنان قيم الطبقة الوسطى، لكنهما يرفضان أيضا الماركسية التقليدية وتعاليمها. يتحفظان على فكرة الحزبية التقليدية، ويبحثان عن التحقق من خلال اشكال أخرى من التماسك الاجتماعي والحفاظ على الهوية الطبقية.

في أحد المشاهد الأساسية في الفيلم يذهب الاثنان للتجول بالقرب من مقبرة كارل ماركس في ضاحية "هاي جيت" في شمال مدينة لندن. وهناك يلتقيان بفتاة تعمل ضمن صفوف أحد الأحزاب العمالية الراديكالية. وتكشف المناقشة العابرة مع الفتاة عن جهلها الفاضح بالأوضاع الجارية في المجتمع البريطاني. إنها تعمل مثل آلة صماء في خدمة الحزب، هدفها كما تقول هو المجموع، لكنها لا تعرف شيئا عن نفسها ولا عن ذلك المجموع ومشاكله الحقيقية. ويعكس المشهد بوضوح وجهة نظر مايك لي السياسية، كما أنه يترجم على نحو واضح، ترحمه على أفكار ماركس التي انتهت إلى مجموعة من "الدوجما" تتردد دون معنى حقيقي كما يرى لي.

والدة سيريل العجوز تعيش بمفردها في منزلها القديم في وسط لندن. هذا المنزل مستأجر من البلدية، ولكن زحف الطبقة الجديدة بالقرب من منطقة وسط المدينة يبدو جليا. ذات يوم تترك المرأة مفاتيح منزلها داخل المنزل، فتضطر لطرق باب جيرانها الجدد لكي تفاجأ بزوجين انتقلا حديثا للمنزل بعد شرائه من أصحابه. إنه ثنائي من الذين صنعوا ثروة من المضاربة في البورصة ويرغبون في الزحف على منطقة وسط المدينة.

تعامل الزوجة المرأة العجوز بازدراء ولا تفهم لماذا تصر على البقاء بمفردها في هذا المنزل الكبير وترفض التخلي عنه مقابل الحصول على ما يجعلها تعيش باقي حياتها في ثراء وتنتقل إلى إحدى الشقق الصغيرة في الضواحي.

أما شقيقة سيريل "فاليري" فهي متزوجة من مارتن الذي يمتلك جراجا للسيارات، وهي ضائعة ومتمزقة بين جذورها الشعبية وبين القيم الجديدة التي تسعى إلى التشبث بها. إنها تحاول الانسلاخ عن أسرتها وطبقتها وجذورها، توهم نفسها بالسعادة عن طريق التشبه بقيم الطبقة الجديدة، أي طبقة أثرياء مجتمع تاتشر، مجتمع الملكية الخاصة و"البيزنس". ةلعل الجاراج هنا رمزا لهذا النوع من الأعمال التي تدغدغ مشاعر بعض الراكضين وراء أوهام مجتمع الملكية الخاصة. إنه بؤرة تتجمع فيها رموز الطبقة من السيارات الفارهة.

فاليري ترتدي الملابس الصارخة التي تعكس سوء الاختيار دائما، تتشنج وترتبك وتشعر بالضآلة أمام شيريل رغم كل ما تستحوذ عليه من مظاهر جوفاء خارجية للثراء في بيتها. ورغم ما تبذله من جهد للفت الأنظار يبدو زوجها مشغولا عنها باشباع نزواته العابرة. تريد أن تقيم حفلا بمناسبة عيد ميلاد والدتها على طريقة الطبقة الوسطى، لكن الحفل ينتهي الى كارثة تدفع هي ثمنها.

غير أن المشهد الأخير في الفيلم يجسد روح التفاؤل التي تغلف معظم أفلام مايك لي رغم مأساويتها وقتامة ما تصوره في الواقع، بل إن عنوان الفيلم نفسه يعكس تفاؤلا ما، ويبتعد تماما عن السخرية. ففي المشهد الأخير نرى سيريل وشيريل يصعدان للجلوس فوق سطح المنزل مع الأم العجوز، حيث يطل الجميع من أعلى كما لو كانوا يمتلكون العالم. الأم تجلس في هدوء وصمت. الضوء يغمر المكان.. إنه الاحساس بالثقة والأمل والتماسك مجددا في أشد لحظات القسوة والألم، أي في اللحظة التي يتسلل الينا الاحساس بأن الأسرة تتمزق بسبب سوء اخيتارات بعض أفرادها ووقوعهم في الوهم.

فيلم "آمال كبيرة" من نوع "الكوميديا السوداء"، أي تلك التي تفجر الضحكات من عمق اللحظات المأساوية الكامنة وراء كل موقف وكل ايماءة وحركة، وهذا النوع بالتالي من أصعب أنواع النصوص السينمائية. ولولا التجربة العريضة لمخرجه في مجال المسرح ما أمكنه كتابته بكل هذا التألق وتلك الدقة. ولذلك أيضا يأتي الأداء في الفيلم على مستوى رفيع كما في كل أفلام لي.

ولعل أهم ما يميز الفيلم أنه رغم كونه ينفذ داخل تضاريس الواقع الاجتماعي البريطاني المعاصر، إلا أنه لا يغرق في اليأس والتشاؤم بل يمتلك القدرة على الوصول بنا الى لحظة الأمل، وأن يشيع روح الحب والتساند الانساني، ولذا لقي استقبالا إيجابيا من جانب الجمهور.

الجزيرة الوثائقية في

15/03/2011

 

تجربة مايك لي السينمائية 2/2

أمير العمري

في 1990 يفاجئنا مايك لي بفيلم آخر يعتبر من أكثر الأفلام البريطانية التي ظهرت خلال العام، شجاعة وجرأة وتميزا في الأسلوب والأداء. والفيلم الجديد يحمل عنوانا لاشك أنه يتضمن مغزى آخر يتناسب مع أجواء الموضوع الذي يتناوله، وهو "الحياة حلوة" Life is Sweet وهو عنوان مترجم حرفيا عن إسم فيلم المخرج الايطالي الشهير فيلليني "لادولشي فيتا" الذي كان قد ظهر قبل نحو ثلاثين عاما من ظهور فيلم مايك لي، وتأثرت به أجيال من المخرجين الأوروبيين.

ولكن على حين كان فيلليني يقصد حرفيا حياة اللهو والمجون والعبث التي يعيشها أفراد الطبقة الثرية، وينغمس فيها المثقفون الناطقون بلسانها، يدور فيلم مايك لي في أوساط الطبقة العاملة التي تقاوم كل أشكال الهدم التي فرضت عليها فرضا في مجتمع كان يتجه خلال الحقبة الطويلة التي سيطر فيها المحافظون على الحكم، نحو تمجيد القيم الفردية والاعلاء من شأنها، وتكريس فكرة الكسب بشتى الطرق، والتملك بأي ثمن، والبقاء للأقوى ماديا، وشحن أفكار الناس بأحلام الصعود من خلال "المشروع الخاص" أو "البيزنس"، وإهمال التعليم، وتجاهل الجيل الجديد الذي بلغ بالفعل أعتاب اليأس المطلق.

هذاهو الإطار العام الذي صاغ فيه مايك لي رؤيته لمجتمعه من خلال السيناريو الذي كتبه بنفسه لفيلمه. وهو يختار أسرة كادحة مكونة من زوج وزوجة وابنتين مراهقتين (توأم). الزوج "آندي" يكدح في العمل لأكثر من 12 ساعة يوميا، فهو يعمل رئيسا للطباخين في احدى الشركات. أما الزوجة "ويندي" فهي تعمل في بيع ملابس الأطفال. والابنة الأولى "نتالي" تعمل في السباكة وتركيب أنظمة التدفئة المركزية، أما الابنة الثانية "نيكولا" فهي لا تفعل شيئا على الإطلاق بل تكتفي بالجلوس داخل غرفتها التي وضعت على بابها لافتة تقول "ممنوع الدخول"، وانزوت، ترفض مشاركة الأسرة الطعام، مكتفية باطلاق شعارات التمرد المعروفة لدى الحركة النسوية feminism المعادية للمجتمع الرأسمالي، والمعادية للسيطرة الذكورية بشكل عام مع درجة من الحدة والمبالغة في رفض الرجل.

يجيد المخرج- المؤلف رسم الصراعات التي تحيط بحياة أفراد الأسرة، وتناقضاتها الداخلية، وصراعها من أجل السيطرة على تلك التناقضات والاستمرار في الحياة بشكل أو آخر. وهو يحيط الشخصيات التي يقدمها بتفاصيل كثيرة مذهلة في واقعيتها وحميميتها وبساطتها الآسرة.

ولكن ليس من الممكن اعتبار فيلم "الحياة حلوة" فيلما من أفلام نسخ الواقع فالفيلم يمتليء بالتصوير الكاريكاتوري والمبالغات الملحوظة في رسم الشخصيات بما يجعله يخلق نوعا من "التغريب" يسمح لنا بتأمل تلك الشخصيات أو "الحالات" الإنسانية رغم الكوميديا التي تتفجر في الكثير من المشاهد من خلال المواقف المحكمة والمفارقات. وهي ليست كوميديا يمكن العبور عليها ونسيانها سريعا بل كوميديا سوداء قاسية تجعل المشاهدين يضحكون على أنفسهم، فكل منهم يجد من ذاته شيئا في شخصية أو أخرى من شخصيات الفيلم، أو في أحد مواقفها وتصرفاتها الطريفة.

ورغم القسوة الشديدة التي يتناول من خلالها المخرج واقع أسرة من الطبقة العاملة البريطانية في الزمن المعاصر ويوجه لها نقدا حادا، إلا أنه يبدي تعاطفا واضحا مع شخصيتي الزوج والزوجة، خاصة الزوجة التي يرمز من خلالها إلى بقايا القيم الأصيلة التي تميز الطبقة العاملة، فهي أم وعاملة شديدة الجلد والصبر، تتسم شخصيتها بالمرح، ترغب في مساعدة زوجها وأبنائها والآخرين بشتى الطرق. وهي تبذل كل ما تستطيع من جهد من أجل إحاطة المنزل الصغير الذي تعيش فيه الأسرة بجو من الدفء والمرح، ولكن المرح الذي يحيط بالشخصيات هو مرح من النوع الهستيري الذي يخفي هنا قلقا عميقا وخوفا من المستقبل وإحساسا عبثيا بسخف الحاضر وهشاشته.

الطابع الكاريكاتيري الذي يلجأ إليه مايك لي في بنائه للشخصيات يبرز على نحو خاص في شخصية "ستيف" البدين الذي يبدو أقرب إلى البلاهة، والذي يمتلك حلما خاصا يتمثل في الصعود إلى طبقة أرقى اقتصاديا عندما يفتتح مطعمه الغريب الذي يستأجر له طاهية من طراز فريد تبدو هي الأخرى وكأنها دمية أو مجرد جارية لا حول لها ولا قوة. ويجسد لي شخصية تلك الطاهية من خلال ما تتصف به من استكانة وسلبية وملابس تنتمي للقرون الوسطى إلى حد ما!

أما شخصية الابنة السلبية "نيكولا" التي تعتبر من أكثر الشخصيات غرابة في السينما البريطانية، فهي تجسيد كاريكاتيري كامل لما انتهى اليه قطاع كبير من الفتية والفتيات في بريطانيا التسعينيات: هوس بالشعارات الفارغة المتطرفة التي ترفض الكثير من القيم والتقاليد، سلبية مطلقة في التعامل مع الواقع ومع الآخرين، قلق نفسي عميق يؤدي إلى المرض، غرائبية في السلوك والمظهر وفي طريقة الحديث بل وحتى في شكل العلاقة مع الجنس الآخر.

ورغم الطابع المسرحي للفيلم الذي يتمثل في الاعتماد على الديكورات المغلقة وعلى المشاهد الطويلة والحوارات والأداء التمثيلي بدرجة أساسية، إلا أن مايك لي بمهارته المعهودة، ينجح في خلق ايقاع سريع داخل كل مشهد على حدة، وعبر أجزاء ومشاهد الفيلم ككل، كما ينجح في كسر أي شعور بالملل قد يتسرب الى المشاهدين بل ويجذبنا كثيرا إلى متابعة المصائر التي تنتهي اليها تلك "الحالة الإنسانية" اأصيلة التي يصورها.

نيكولا تعود الى وعيها بأهمية الأسرة، وتدرك أنها يجب أن تمد يدها الى الآخرين لكي تشعر بمقدار ما يحملونه لها من حب.

الأب يصاب في حادث أثناء العمل، مما يتيح أمامه ماحة زمنية للتأمل في علاقته مع أسرته ويحاول استعادة دفء الاحساس بالأسرة.

"ستيف" البدين ينتهي نهاية عبثية بعد انهيار حلمه في افتتاح مطعم لا يجد له زبائن سوى نفسه، حيث يملأ معدته بالطعام والشراب إلى أن يفقد الوعي.

الإبنة الثانية لا تكف عن الأحلام القاسية وتتحلى ببرود ظاهر يتناقض مع القلق الداخلي العميق تفيق أخيرا بعد أن تدرك حجم المأساة لتحاول أن تصنع شيئا من أجل الأسرة.

الأم تبقى محافظة على نوع من التوازن الوهمي على أمل واحد هو الاستمرار في الحياة رغم كل المصاعب.

إن فيلم "الحياة حلوة" ليس بالتأكيد فيلما من أفلام التفاؤل الكاذب، ورغم ما يمتليء به من لحظات ومواقف مرحة إلا أنه يعكس تشاؤما وسوداوية في المزاج قد تصيب بعض المشاهدين بالاحباط. إنه لا ينتهي بانفراج أزمة الشخصيات بل بما يوحي باستمرار الفشل في مجتمع فقد البوصلة وفقد اليقين بالحاضر. إنه بهذا المعنى نقيض للتفاؤل الذي كان كامنا في فيلم مايك لي السابق "آمال كبيرة" High Hopes ولكن أليس الواقع نفسه مليئا بالاحباطات؟

وربما كان من أكثر البيانات التي أصدرها السينمائيون غرابة ذلك البيان الذي أصدره مايك لي ووزعه على الصحفيين عند ظهور الفيلم لكي يصف فيه تجربة فيلم "الحياة حلوة" أو بالأحرى، يلخص مغزاها.

يقول مايك لي:

"بالترتيب الأبجدي، وضمن أشياء أخرى، هذا فيلم عن العاطفة، عن الحكول، عن الاغتراب، عن فقدان الشهية" ملابس الأطفال، الباليه، الحمامات، الميلاد، الأولاد، البراز، الشموع، الرأسمالية، السيارات، الكرفانات، التساند، الطهي، التدفئة المركزية، الشيكولاتة، شرائح البطاطس، القهوة، قبعات رعاة البقر، البنات، نظام فقدان الوزن، رقص الديسكو، كيف تساعد نفسك، الطبول، الموت، الأكل، الطاقة، المتعة، أوروبا، الوجود، العائلة، الأبوة، الأمن الصناعي، الضحك، الكذب، الثوم، أسماك الزينة، الجيتارات، الآمال الكبيرة، العطلات، الاحتياج، الأمومة، التغذية، أسرة مرضى العظام، الآباء، باريس، بياف، السباكة، السياسة، الجمبري، الاغتصاب، الأسف، المطاعم، لحم الهروف، المشويات، السلع المستعملة، الجنس، الملاعق، الكلاب الشبعانة، السكر، الأملاح، البقاء، المخاطرة، الشاي، الدموي، الألسنة، التوائم، الولايات المتحدة، العنف، الدفء، الويسكي والخمر، الحرب العالمية الثانية، هدايا الكريسماس، الشباب، التعصب، والغضب.

وياله من بيان يلخص الحياة: الحلوة والمرة معا!

الجزيرة الوثائقية في

22/03/2011

 

أن تمتلكَ روحاً ديمُقراطية بثورةٍ، أو بدونها

صلاح سرميني ـ باريس  

"صوت، وصورة"، هي عنوان زاويةٍ يومية يكتبها الناقد السينمائيّ "سمير فريد" في صحيفة "المصري اليوم"، وقبل أن يتهمّني أحذُ بانتحال العنوان، أنتهزها فرصةً للتأكيد بأنه يُشرّفني القراءة، والتعلم منه، هو الذي التقيتُ معه لأول مرة بعد ندوةٍ أسبوعية حضرتها في "جمعية نقاد السينما المصريين" خلال سنتي الدراسية الأولى في "المعهد العالي للسينما" بالقاهرة، وأمام مدخل غرفةٍ تحولت إلى صالة عرضٍ سينمائية صغيرة، عرّفته على نفسي:

ـ أنا هو القارئ السوريّ الذي أشرتَ إليه في "جريدة السينما"(ولم أعد أتذكر الأسباب لضياع أرشيفي الورقيّ مابين سورية، القاهرة، وباريس).

تبادلنا بعض كلمات الترحيب (وهو بالمُناسبة يتعامل مع الصغير، والكبير، الهاوي، والمُحترف، بنفس التواضع)، قال لي:

ـ طب ما تيجي معانا يا صلاح،..

في الثواني الأولى التي لحقت كلماته، فكرتُ بأنه يدعوني إلى جلسةٍ في مقهى، فقلتُ له بتردد، وبنفس لهجته المصرية التي أتقنتها سريعاً، ولازمتني سنواتٍ طويلة قبل أن أستعيد لهجتي السورية المُختلطة بلهجاتٍ عربية أخرى.

ـ أجي معاكو فين يا أستاذ سمير ؟

ـ في الجمعية طبعاً.

وبكثيرٍ من انبهار مقيم جديد في القاهرة يكتشف، يوماً بعد يوم، خبايا مصادر الثقافة السينمائية فيها، قلتُ له:

ـ إزاي ؟

ـ مش إنتَ بتكتب، وطالب في معهد السينما، خلاص، يبقى من حقك تنضمّ للجمعية، إبقى شوف الأستاذ "فتحي فرج"، وادفع الاشتراك عشان يسجلك، ويديلك الكارنيه (ومازلتُ أحتفظ ببطاقة الجمعية حتى اليوم).

وقتذاكَ، لم أكن أعرف معنى جمعية، وكنتُ أحسبها واحدةً من مؤسّسات الدولة الرسمية، خاصةً، وأنها واحدة من جمعياتٍ سينمائية اجتمعت مكاتبها في مقرٍ واحدٍ يُسمّى "مركز الثقافة السينمائية".

لم أستوعب ذلك الانتقال السريع في مسيرتي المهنية النقدية، ولم أصدق بأنني في جمعيةٍ واحدة مع:

سمير فريد، أحمد رأفت بهجت، سامي السلاموني، علي أبو شادي، فتحي فرج، يسري نصر الله، محمد كامل القليوبي، أمير العمري، كمال رمزي، محمد خان، داود عبد السيد، خيري بشارة، عادل عبد العال، أحمد عبد العال، محسن ويفي، أحمد قاسم، خيرية البشلاوي، أحمد الحضري، د.سيد سعيد، يوسف شريف رزق الله، ...

باختصار، كلّ أولئك الذين كنتُ أقرأ لهم قبل إقامتي الدراسية، وأكثر من ذلك، كان البعض منهم أساتذةً في معهد السينما(د.مدكور ثابت، هشام أبو النصر، د.محمد بسيوني).

وأصبحت السابعة مساءً من كلّ يوم أحد موعداً مقدساً لا أتخلى عنه إلاّ في حالة غيابي عن القاهرة لبعض أسابيع عطلة كنتُ أقضيها في سورية لإنجاز إجراءاتٍ إدارية.

ولكن، مازلتُ أسأل نفسي، وأتساءل، كيف قرأ "سمير فريد" مقالاتٍ كتبها "مجهولٌ" في صحيفة "الثورة" السورية (كان الناقد السينمائي "رفيق الأتاسي" يشرف على صفحاتها الثقافية)، ولم تكن تُوزع أصلاً في مصر، ولهذا السبب، كنتُ أنتهز فرصة أيّ زيارةٍ قصيرة لمدينة دمشق للذهاب إلى مقرّ الصحيفة، والجلوس في مخزنها لساعاتٍ أتصفح مجلداتها باحثاً فيها عن مقالاتي التي كنتُ أرسلها بريدياً من القاهرة، واكتشفتُ بعضها منشوراً باسم موظفة في القسم الثقافي، وهي بفعلتها، كانت تسرقني مادياً، ومعنوياً، ومنذ تلك الأيام وضعتُ نفسي في مواجهةٍ علنية، وحادّة مع لصوص الثقافة السينمائية.

***

وعلى النقيض تماماً من الروح الديمُقراطية التي يتحلى بها "سمير فريد"، مازلتُ أتذكر سلوكيّات ديكتاتورية عادية (أيّ تأقلمنا معها تماماً بلغة التحليل النفسي) كان يُمارسها أحد النقاد القدامى، وتلك الكلمات القاسية جداً التي سمعتُها منه في أكثر من مناسبة:

ـ بعد شهورٍ، ورُبما سنة، أو أكثر، وفي نفس المكان، جمعية نقاد السينما المصريين، 36 شارع شريف بالقاهرة، ونفس الموعد الأسبوعيّ، سمعتُ ذاك الناقد السينمائيّ يعبّر عن امتعاضه من قبول عضوية طلبة "المعهد العالي للسينما" في الجمعية، ورُبما كان ذاك الخلاف يثير نقاشاً في جلسات الأعضاء القدامى، أو مجلس الإدارة، ولم تكن تعنيني إطلاقاً، حيث كنتُ أعتبر نفسي عابر سبيل.

ـ في إحدى المرات، سافرتُ ـ على حسابي الشخصي ـ إلى دمشق لمُتابعة الدورة الثالثة لمهرجانها السينمائي، وكانت، بالنسبة لي، تجربةً، مفيدةً، وثرية، حيث تعرفتُ خلال فترةٍ قياسية قصيرة على عددٍ كبير من العاملين في الوسط السينمائي العربي، وانخرطتُ تماماً في فعاليات المهرجان (الكتابة التطوعيّة في النشرة اليومية، حضور الأفلام)، وفي الندوات، واللقاءات، كنتُ أذكر اسمي متبوعاً بعضو "جمعية نقاد السينما المصريين"، (ورُبما أشير أيضاً إلى دراستي في معهد السينما)، ومع أنني لم أخترع تلك الصفات، وجدتُ ناقداً مصريّاً (قبل أن يتحول إلى الإخراج) يطلب مني بأن لا أقدّم نفسي عن طريق الجمعية، لأنها لم تفوضني رسميّاً، وبالفعل التزمتُ بتعليماته بدون نقاش.

ولكن، المُثير للدهشة، عندما رجعتُ إلى قواعدي السينمائية المصرية، أدرج "سمير فريد" في برنامج النشاطات الشهرية لجمعية النقاد العتيدة ندوةً تحدثتُ فيها عن مهرجان دمشق،..

وكالعادة، التقيتُ بذاك الناقد السينمائي(الذي كان يعترضُ على عضوية طلبة معهد السينما)، ولا أعرف حقاً ما الذي دفعني للحديث معه عن المهرجان، وتعداد أسماء النقاد المصريين الذين حضروه، وعندما وصلتُ إلى اسم "سمير فريد"، انتفض مُنزعجاً، وردد غاضباً:

ـ إيه ده، "سمير فريد"، "سمير فريد"، هو ما فيش ناقد في مصر غير "سمير فريد" عشان يتعزم في كلّ المهرجانات، حاجة غريبة ؟

في تلك اللحظات الغريبة فعلاً (بالنسبة لي على الأقلّ)، تخيرتُ الصمت (تماماً كما فعلتُ مع الناقد الذي أصبح مخرجاً)، وقررتُ تحاشي التورط معه لاحقاً في أيّ نقاش.

ـ كان "سمير فريد" نشيطاً في إصدار الكتب، والمجلات (السينما والتاريخ، السينما والعالم،..)، يوزعها بسخاءٍ على الأعضاء، وكنتُ أحصل على نصيبي منها بدون معاناة.

بدوره، كان ذاك الناقد يُصدر أيضاً، بين الحين، والآخر، كتاباً، مجلة، أو نشرة، وفي إحدى المرات وجدت واحدةً منها بين أيدي بعض النقاد.

جمعتُ قوايّ، وطلبتُ منه نسخةً، وأتذكر بأنني تلقيتُ رداً لا يقلّ انفعالاً عن ردوده السابقة:

ـ النسخ موجودة عند "عم حسن" (أحد الموظفين في المركز)، دي تمنها كذا،..

وبسذاجةٍ زائدة قلت له:

ـ قصدي ما فيش نسخ مجانية للنقاد،..

وبنفس العدوانية التي عهدتها منه، انفجر غاضباً:

ـ هو يعني عشان نقاد لازم ياخدوها ببلاش ؟

خلال سنوات دراستي، كنتُ أنفقُ الكثير من مصروفي الشهريّ المحدود جداً في اقتناء الكتب، المجلات، والنشرات من "سور الأزبكية"، و"عم حسن" نفسه، ولم أكن أبخل عليه بشراء مطبوعاتٍ يتمّ تخزينها في "المركز"، ومن المُفترض بأنها مجانية.

ولكن، مع تلك السلوكيات المُتكررة، فهمتُ متأخراً بأنه يعاني من أزمةٍ وجودية مع الآخرين، وحالما أكملتُ دراستي، غادرتُ القاهرة إلى باريس مباشرة، وتركت عند "عم حسن" صناديق مليئة بمئات الكتب (التي اشتريتُ معظمها منه) على أمل العودة مرةً أخرى، واستعادتها، ولكن أحداث الثمانينيّات حالت دون عودتي الفورية إلى مصر، وخلال إقامتي الباريسية، وصلني نبأ الرحيل المُبكر لذاك الناقد، وعندما سنحت لي الظروف بزيارة القاهرة، ذهبتُ في يوم أحدٍ إلى "جمعية نقاد السينما المصريين"، وتبيّن لي بأنّ كتبي، ووثائقي الدراسية، والشخصية قد اختفت، وفهمتُ من البعض بأنّ "عم حسن" أصابه اليأس من عودتي، وباع كلّ ما اشتريته منه ماضياً.

بعد سنواتٍ أخرى، وخلال زيارة مهرجاناتية قصيرة للقاهرة، التقيتُ بناقدةٍ سينمائية مصرية، وخلال حديثنا الوديّ تماماً، يبدو بأنني أشرتُ إلى سورية، وباستغرابٍ شديد قالت لي :

ـ إيه يا صلاح، إنتَ سوري، ولا مصري ؟

 في مثل تلك الحالات، كنت أقول، ومازلت:

ـ أنا سوري، بس قلبي مصري .

ولكنها نسيت قلبي، وتساءلت كيف كنتُ عضواً في "جمعية نقاد السينما المصريين" ؟، وأجبتها، لأنني درستُ في معهد السينما.

ـ ولكن، هل كان يحق لك الانضمام إلى الجمعية ؟

شعرتُ بعدم براءة استفساراتها، وببرودةٍ أعصابٍ تعلمتها من إقامتي الباريسية، قلتُ لها :

ـ لا أعرف، من الأفضل سؤال "سمير فريد" نفسه،...

وأضيف اليوم، ...ورُبما كلّ الأعضاء القدامى الذين لم يتذمروا من عضويتي في جمعيةٍ تخضع لقوانين "الشئون الاجتماعية" التي تلتزم بها جمعياتٍ أخرى كنت عضواً فيها أيضاً، مثل جمعية الفيلم، ونادي السينما، وأكثر من ذلك، كتبتُ في نشرتيهّما بانتظام، بالإضافة لكتاباتي المُتفرقة، والمُتباعدة في صحيفتيّ المساء (بمُساعدة يعقوب وهبي)، والسياسي، وبانتظام في مجلة الفنون (بمُساعدة أحمد رأفت بهجت).

ولم يتذمر أحدٌ منهم عندما مثلتُ "جمعية نقاد السينما المصريين" في لجنة تحكيم "الفيبريسي"(الإتحاد الدولي للصحافة السينمائية) في بعض المهرجانات الدولية، قبل أن أحصل على عضويةٍ فردية، ومن ثمّ التحق بالنقابة الفرنسية لنقاد السينما التي تستقبل أعضاء من جنسياتٍ مختلفة.

وأنتهزُ هذه القراءة الاسترجاعية للاعتراف بالجميل للناقد المصري "سمير فريد"، وبدون دعوته لي للانضمام إلى الجمعية، لما واظبتُ ـ ربما ـ على الكتابة بنفس الحماس، والشغف، والأهمّ، لما فكرتُ يوماً بالمجيء إلى فرنسا في زيارةٍ قصيرة، تحولت سريعاً إلى إقامةٍ دائمة، ولو كان ذلك الناقد، أو تلك الناقدة، أو غيرهما، أصحاب قرار، أو تأثير في ذلك الوقت لما تمكنتُ من الانضمام إلى الجمعية أيضاً بسبب رفض الأول عضوية طلبة معهد السينما، وتساؤلات الثانية عن جنسيتي السورية.

كان "سمير فريد"، وما يزال، يمتلك سلوكاً حضارياً، مُتفتحاً، مُنفتحاً، وديمُقراطياً، حتى وإن لم تسنح له سنوات عمره المديدة بالمُشاركة في اعتصام، مظاهرة، أو احتجاج، وفي زمنٍ تسقط فيه الأنظمة العربية تباعاً، أجد بأنّ الوقت قد حان أيضاً كي يثور كلّ واحدٍ منا على نفسه، ويتخلص من الطاغية الذي يسكن في داخله.

الجزيرة الوثائقية في

22/03/2011

 

الفيلم التركي "شجرة السنار": لم يستطع تكريم الأم

عاصم الجرادات 

قبل أن أبدأ بتقديم قراءتي للفيلم التركي "شجرة السنار" المُعد لعيد الأم أتقدم بالتهاني لكل أمهات الشهداءالأمة العربية، وإلى أمي التي أغيب عنها للمرة الأولى في عيدها ... كل عام وأنتن المطر ونحن الأرض...

بعد حضور الفيلم نقف عند سؤال جوهري هل هذا الفيلم استطاع تكريم الأم في عيدها أم قدم الأم كسلعة لابد من استغلالها في هكذا يوم.. فالإجابة جاءت أن الفيلم لم يخرج من المألوف، ولم يقدم سوى قصة عادية لكن تميز برمزية شجرة السنار حيث شبهها بالأم التي يجتمع تحت ظلها جميع الأولاد والعائلات، حتى من الناحية الإخراجية لم يستطع المُخرج تقديم صورة جمالية سوى في تلك المشاهد عند شجرة السنار حيث أبدعت كاميرا المخرج من خلال وضعنا في معايشة تلك الطبيعة لكن المشاهد العامة الآخرى فشلت عندما أترف المخرج في تقديم المنازل الفخمة ومعداتها وربما حاول كسر تلك الحالة من خلال عرض مقتنيات الأم القديمة وكأنه يرمز إلى أن الأم على الرغم من الرفاهية التي تعيشها لاتتخلى عند الماضي من هنا يدخل الفيلم في معالجة الشيخوخة التي يفشل المجتمع في استيعابها حيث تصل الأم إلى مرحلة التصرف مثل الأطفال لكن المجتمع لا يستطيع التعامل معها مثلهم وهنا تخرج تلك المشاكل التي يبني عليها الفيلم أساسياته.

واستطاع الفيلم على الرغم من رتابة الأحداث من تقديم بعض المشاهد الرائعة التي تسجل للمخرج وأهمها هي لقطة وفاة الأم حيث في لحظة الموت ينام حفيدها الصغير على صدرها ويعد هذا المشهد منقذ حقيقي للفيلم من حالة فشل فلن أستطيع استيعاب فيلم كهذا ينتهي بحالة درامية طبيعية لكنه لا بد من إيجاد صدمة هادئة ومؤثرة في نفس الوقت ولكن قدم الفيلم في مشهده  الأخيرة عبارة غير مكتوبة حيث يقول بها حتى لو غابت الأم فإن ذكراها يجمعنا من خلال مشهد للأسر الأربع وهم يجلسون في ظل شجرة السنار التي طالما عشقت أمهم تلك الشجرة وجعلتها بداية لأي طريق جديد أو حياة جديدة تخوضها.

ومن العوامل التي أنقذت الفيلم هي الأداء الرائع لذاك الطفل (سلام)  حفيد البطلة الأم فقدم دوره بطبيعية غريبة وبقوة افتقدها بعض الممثلين الرئيسيين في الفيلم.

لم يستطع المخرج استغلال بعض الأحداث في التأثير على المشاهد وخاصة مشاهد دخول الأم إلى المستشفى لكن كما ذكرت سابقت أن الطفل هو الوحيد الذي قدم المتعة والجذب وصنع التأثير للمشاهد لما يحمله من عفوية.

لقطات:

- الفيلم بدأ عرضه في دور السينما التركية بتاريخ 18 - 3 - 2011 لكن المُلفت للنظر أن تركيا لا تحتفل بعيد الأم بيوم 21-3 من كل عام بل تحتفل به في الأسبوع الثاني من شهر أيار مايو من كل عام.

- لم يلق الفيلم في عرضه الأول الكثير من المشاهدين لأسباب عديدة منها أنه صادف عرضه الأول وجود مباراة في الدوري المحلي بين أكبر ناديين في تركيا.

بطاقة الفيلم:

سيناريو وإخراج:هاندان ابكتشه

الممثلين:نورغون يشيلتشاي

نيجانت إيشلار

سيتار تانروين

حسين أفني دانيال

دينيز ديها لوستر

الجزيرة الوثائقية في

22/03/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)