حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

عمرو يوسف:

الجمهور سئم الأفلام الكوميديّة

القاهرة – فايزة هنداوي

ينتهي الممثل عمرو يوسف قريباً من تصوير فيلم «رد فعل»، مع المخرج حسام الجوهري، ويؤدي فيه دور ضابط شرطة للمرة الثانية بعد مسلسل «هانم بنت باشا».

عن الفرق بين الدورين ورؤيته لهذه الشخصية في ظل الأحداث التي تمر بها مصر من احتقان تجاه جهاز الشرطة، كان اللقاء التالي مع يوسف.

·         حدّثنا عن دورك في فيلم «رد فعل».

أؤدي شخصية ضابط مباحث يُعهد له التحقيق في جرائم قتل غامضة يقوم بها مجرم شديد الذكاء، فيؤدي هذا الأمر الى حدوث مفاجآت كثيرة خلال الأحداث التي تنتهي بالقبض على القاتل.

·         هل يعني هذا أن الفيلم سيكون من نوع «الأكشن» التقليدي؟

نُفّذت جرائم القتل بشكل جديد ومختلف في التكنيك، خصوصاً على مستوى الصورة، فالفيلم ليس تقليدياً إذ إن هذه الجرائم مجرد خلفية لرصد قضايا الفساد من خلال مجموعة من أصحاب النفوذ الذين عانينا منهم كثيراً قبل ثورة 25 يناير.

·         لكنك قدّمت شخصية الضابط سابقاً في مسلسل «هانم بنت باشا».

ثمة اختلاف بين الدورين، فشخصية الضابط التي جسّدتها في «هانم بنت باشا» كانت مختلفة، إذ اضطرته الظروف الى إخفاء حقيقته وظروفه والعيش داخل «زنقة الستات» بحثاً عن الحقيقة.

·         ألم تخشَ أن يلاقي الدور رد فعل سلبياً من الجمهور، ذلك لأن شخصية ضابط الشرطة أصابت الكثير من المصريين بالاستياء عقب ثورة يناير؟

بالفعل ثمة غضب شديد لدى المصريين من ضباط الشرطة، إلا أن الجمهور على درجة كبيرة من الوعي تمكّنه من التفرقة بين الجيد والرديء. شخصية الضابط التي أجسّدها ليست ملائكية إنما يؤدي واجبه بكفاءة ودأب ويتعرّض للتهديد بالفصل من رئيسه في العمل لتعدّد جرائم القتل في المنطقة التابعة له.

·         كيف ترى تصرّفات الشرطة خلال الفترة الماضية؟

ما قام به بعض رجال الشرطة أصاب المصريين بالغضب، وهذا أمر غير مقبول تماماً لأنه لا يجب قمع المصريين ومنعهم من التعبير عن آرائهم بحرية. كذلك، كان الانسحاب الأمني خيانة للشعب المصري ولا بد من إجراء مصالحة بين المواطنين وجهاز الشرطة لأننا بحاجة الى عودتهم ولكن بشروط جديدة وتعامل مختلف.

·         كيف وجدت العمل مع المخرج حسام الجوهري في «رد فعل»؟

الحماسة التي يعمل فيها حسام الجوهري أجبرت جميع العاملين في الفيلم من فنانين وفنيين على تقديم أقصى ما لديهم، لأنه مخرج أبدع في تقديم هذه النوعية من الأفلام وبإمكانات محدودة كما حدث في فيلم «شارع 18»، ما يؤكد امتلاكه لأدواته وقدرته على تنفيذ وجهة نظره مهما كانت المعوقات.

·         ما الذي حمسك للذهاب الى ميدان التحرير والمشاركة في ثورة 25 يناير؟

إيماني بضرورة التغيير خصوصاً في ظلّ ما وصلنا إليه من تردٍّ على المستويات كافة، فخرجت يوم «جمعة الغضب» الى الشارع وتعرّضت للضرب والقنابل المسيّلة للدموع ورأيت بعيني الشهداء يسقطون أمامي، ما دفعني الى الاستمرار في التظاهر والتوجّه الى الميدان يومياً للمساهمة في إصلاح أحوال البلاد، لا سيما بعدما تأكد لي من خلال مناقشاتي مع الجمهور أن وجود الفنانين في الميدان أعطاهم ثقة، فتأكدت من أهمية دور الفنان في التغيير.

·         اندهش البعض من وجود الفنانين في الميدان على رغم أنهم لا يتعرّضون لما يتعرّض له المواطن البسيط من فقر وظلم؟

هذا الكلام غير صحيح فالفنان جزء من الشعب، وقد تعرّض كل منا بشكل أو بآخر لظلم هذا النظام، أنا مثلاً توفيت جدتي متأثرة بمرض السرطان الذي نتج من الأغذية المسرطنة التي فُرضت علينا لسنوات طويلة.

·         لكنّ ثمة فنانين كثراً تبنوا مواقف مناهضة للثورة.

شخصياً، لا أعترض على من أيّد الرئيس السابق وأبدى رأيه بشكل لائق، إلا أنني لن أسامح كل من أساء الى الثوار وحرّض ضدّهم، وأوافق تماماً على ما قام به الصحافيون من عمل قوائم سوداء لكل من هاجموا الثورة وأساؤوا إليها.

·         أخبرنا عن فيلم «برتيتة» الذي توقّف تصويره بسبب الثورة.

إخراج شريف مندور ويشاركني بطولته أحمد صفوت وكنده علوش ودينا فؤاد وأحمد السعدني. أجسّد فيه شخصية شاب بوهيمي يكره التطوّر والتكنولوجيا ويعشق الفوضى ويعيش على مركب في وسط البحر فيقابل فتاة تؤدي دورها كندة علوش ويقع في غرامها وتحدث له مشاكل عدة. ألفت الى أنه لم يتحدّد بعد موعد لاستئناف التصوير.

·         لماذا تغيّر اسم الفيلم من «حكاية بنت» إلى «برتيتة»؟

لأن ثمة أعمالاً عدة قُدمت بأسماء قريبة منه مثل «ولد وبنت» و{بنتين من مصر»، فبحثنا عن اسم مختلف يناسب أحداث الفيلم.

·         حدّثنا عن تجربة العمل مع المخرج شريف مندور.

مندور أحد المخرجين الذين يهتمون بالنقاش مع الممثلين والتفاعل مع وجهات نظرهم، وهذا برأيي يفيد العمل ويطوّره ويساعد الممثل على تقديم أفضل ما لديه من خلال التفاصيل التي يستقر عليها الجميع. كذلك، يعمل مندور بتأنٍّ وهذا ما لمسته أثناء تصوير المشاهد تحت الماء مع مدير التصوير مصطفى فهمي.

·         ما توقّعك للأعمال السينمائية التي ستقدَّم خلال الفترة المقبلة؟

أنا متفائل جداً وواثق في أن السينما ستتغيّر نحو الأفضل، ذلك لأنها جزء من المجتمع الذي بدوره سيتأثر إيجاباً بعد ثورة «25 يناير»، وسيكون الباب مفتوحاً أمام كل الأفكار، خصوصاً أن الجمهور سئم الأفلام الكوميدية لضعف مستواها وبدأ يبحث عن أنواع جديدة، كذلك أتوقّع أن تجذب السينما استثمارات كبيرة ما يساهم في نهضتها.

الجريدة الكويتية في

18/03/2011

 

ثورة يناير تزيل الخلافات

بين جهتي الإنتاج والتوزيع في مصر

رولا عسران 

هل تكون ثورة 25 يناير سبباً في عودة المياه إلى مجاريها بين جهتي الإنتاج السينمائي في مصر بعد سنوات من الصراعات، وهل تسهم هذه «المصالحة» بين «الشركة العربية» و{المجموعة العربية المتحدة» في إعادة الحياة إلى الصناعة السينمائية؟

بعد خلاف على مدى سنوات ترك آثاره على الإنتاج عموماً، قررت جهتا الإنتاج والتوزيع الأكبر في مصر، التعاون سوياً لإيجاد حلول حاسمة كفيلة بإعادة الحياة إلى صناعة السينما التي توقّفت مرحلياً بعد الأزمة الاقتصادية العالمية وكلياً بعد أحداث ثورة 25 يناير.

جاء ذلك خلال الاجتماع الذي عقده أخيراً منيب شافعي، رئيس غرفة صناعة السينما، وحضره ممثلون عن شركات الإنتاج في مصر ومنتجون وأعضاء في الغرفة. للمرة الأولى، تقاربت وجهات النظر بين المنتجة إسعاد يونس والمنتج محمد حسن رمزي المتحدّث باسم {المجموعة الفنية المتحدة}، وهذا حدث تاريخي ما كان ليتمّ لولا الثورة.

خسائر فادحة

تناول الطرفان أزمة الصناعة وحجم الخسائر التي قدرها رمزي بـ 30 مليون جنيه، على أثر توقّف إيرادات الأفلام خلال الثورة، ثم عودتها بشكل ضعيف بعد انتصار الثورة. لم تعترض إسعاد يونس على هذا الرقم على رغم أنها لم تتضرر لأن أفلامها لم تشارك في هذا الموسم الذي صادفت انطلاقته مع اندلاع الثورة.

بدوره، تحدّث المنتج فاروق صبري عن الخسائر التي لحقت به بعد هجوم «البلطجية» على مجمّع الهرم الذي يملكه، يضم دوراً للعرض ومسرح الزعيم، وتدميره بالكامل. في نهاية الاجتماع، اتفق الجميع على تقديم بيانات بالخسائر لوزارة المالية لرصد حجمها والوصول إلى حلّ مبدئي.

إصلاح البلد

يرى المنتج وليد صبري أن الأمر لا علاقة له بالاتفاق أو الاختلاف، بل بالرغبة في إصلاح حال البلد، «في وقت الأزمة يجب أن نكون كلنا يداً واحدة، فنحن مصريون ولدينا هم وطني مشترك»، ويضيف «أن صناعة السينما إحدى أهم الصناعات في مصر وعلينا أن نتكاتف وندعمها لتخرج من كبوتها».

من جهته، يرى المنتج هشام عبد الخالق أن الوقت ليس مناسباً للحديث عن عودة التحالف بين الجهتين، «لأن لا خلاف بيننا من الأساس» على حد تعبيره.

الغريب أن عبد الخالق يرى أن عودة التحالف بين الشركتين قد لا يكون في مصلحة صناعة السينما لأنه سيشكل جبهة ضد الجمهور.

عودة التحالف

أما المنتج أحمد السبكي فيرى أن عودة التحالف بين الجهتين سيكون في صالح صناعة السينما عموماً لأنه سيوفر على المنتجين مشاكل كثيرة، لكنه لا يتوقع أن يتمّ ذلك في الوقت الحالي في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، إلا أنه يتمنى والعاملون في صناعة السينما عودة هذا التحالف، «لعل ثورة يناير تكون سبباً في إتمامه» على حدّ تعبيره.

أخيراً، يؤكّد المخرج وائل إحسان أن الأوضاع تبشّر بعودة التحالف، وهذا أمر يجب أخذه في الاعتبار لأنه قد يغيّر مسار صناعة السينما كلها، ويشدد على ضرورة «أن يتفق الجميع على الصالح العام كي نعبر بالسينما إلى بر الأمان».

الجريدة الكويتية في

18/03/2011

 

بريق جديد مختلف... للنجوم

محمد بدر الدين 

لنجوم السينما، عادة، بريقهم في هذا الفن الفاتن والساحر، فيعيش المتفرّج مع الأطياف والخيال ويشرد بخواطره إلى البعيد، ويستبدّ به الإعجاب بهذه الكائنات السابحة في عوالم الأفلام، حتى لكأن هؤلاء النجوم ليسوا بشراً عاديين ولا يعيشون على الأرض في دنيا الناس.

هذا ما عرفته السينما في كل مكان في العالم، منذ نشأتها لغاية اليوم، وأصبح معتاداً أن يكون لكل متفرّج نجمه المفضّل ونجمته المفضّلة.

في خلال الثورة الشعبية الكبرى التي اندلعت في مصر، الثلاثاء 25 يناير 2011 والأيام التي أعقبتها، اكتشف الناس أن ثمة أموراً أخرى تدعو إلى الإعجاب بالفنانين، غير جاذبية الشكل أو إتقان الأداء، في مقدّمها موقفهم السياسي، فقد أعجب المشاهد المصري بالفنانين الذين شاركوا في الثورة كجزء لا يتجزأ من الملايين الذين خرجوا ينشدون الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، وهي أهداف الثورة وأول شعاراتها.

احتضنت الجماهير المصرية هؤلاء الفنانين وسط أمواجها الهادرة، في ميدان التحرير وسواه، وبقدر ما اقتربت من هؤلاء وقرّبتهم أكثر إلى قلوبها وعاطفتها، بقدر ما ابتعدت نفسياً ـ حتى على نحو تلقائي ـ عن الفنانين الآخرين الذين هاجموا الثورة منذ البداية أو الذين تقلّبوا في مواقفهم بين الهجوم والتأرجح والمغازلة، وأكثر من ذلك لم يعد الناس في مصر يستريحون حتى للفنانين الذين لاذوا بالصمت المطبق ولم ينبسوا ببنت شفة.

الإحساس ذاته حدث مع لاعبي الكرة والرياضيين والشخصيات العامة في المجالات كافة.

تراوح فنانو السينما المصرية، الذين وقفوا في صف الثورة وجماهيرها، بين مخرجين وكتاب وممثلين وعاملين في حقول السينما كافة.

من المخرجين الذين شاركوا جماهير الثورة في ميدان التحرير والساحات: داود عبد السيد، علي بدرخان، خالد يوسف، محمد أمين، هالة خليل، زكي فطين عبد الوهاب، محمد دياب وغيرهم.

ومن الممثلين: خالد الصاوي، خالد أبو النجا، خالد النبوي، أحمد عيد، عمرو واكد، آسر ياسين، حسن العدل وغيرهم.

ومن الممثلات: شريهان، تيسير فهمي، سهير المرشدي، حنان مطاوع، بسمة، جيهان فاضل، يسرا اللوزي، فرح يوسف، منى هلا وغيرهن.

هؤلاء جميعاً يعبّرون عن أكثر من جيل، بعضهم كان معروفاً قبل الثورة بموقفه السياسي مثل: داود عبد السيد، علي بدرخان، خالد يوسف، خالد الصاوي، خالد أبو النجا، بسمة... وبعضهم فاجأ الناس بمدى اهتمامه بالشأن العام إلى حدّ الانخراط في التظاهر والاعتصام والتعرّض للمخاطر مثل: أحمد عيد، جيهان فاضل...

عموماً، يتعامل الجمهور مع هؤلاء بأنهم أعزاء أكثر من نجوم لامعين فقدوا بريقهم بمواقفهم المنددة بالثورة مثل طلعت زكريا وسماح أنور وغيرهما، أو بمحاولة «مسك العصا من النصف» مثل عادل إمام، أو بالصمت الرهيب مثل نور الشريف...

قد يسامح الجمهور الفنان الذي لم يُعرف عنه اهتمامه بالشأن العام، لكن نور الشريف، مثلاً، عُرف باهتمامه وثقافته، لذا حسابه لدى الجمهور أكبر، أو إحساس الجمهور تجاهه أكثر غضباً.

على الفنانين الذين شاركوا الجماهير الثورة والحلم بوطن جديد وفتح آفاق على مستقبل مختلف وعلى مشروع تحرّر وعدالة ونهوض، أن يضعوا تصوّرهم لصنع إبداع فني جديد مختلف، يساهمون به في مشروع الوطن الجديد المختلف.

وربما بدأت في السينما إرهاصات، قبيل الحدث الثوري الكبير في يناير 2011، بولادة ما أُطلق عليه «السينما المستقلة»، وهي عبارة عن أفلام شارك السينمائيون الشباب في إنتاجها للتعبير عن آرائهم بحرية بواسطة كاميرا ديجيتال وكلفة إنتاجية قليلة مقارنة بأفلام الشركات الكبيرة.

صنع منظومة جديدة ومناخ صحي ومشاريع للإنتاج والتعبير أمر يستحق البحث من فناني الثورة... ويستحق منا معاودة الحديث.

الجريدة الكويتية في

18/03/2011

 

حوارات النهضة الثانية لإبراهيم العريس...

شخصيّات بين الأحلام والخيبات

بيروت – عبدالله أحمد 

صدر حديثاً عن «منتدى المعارف» كتاب «حوارات النهضة الثانية»، ويتضمّن حوارات عدة أجراها المفكر اللبناني ابراهيم العريس في بيروت والقاهرة ودمشق وباريس والرباط وغيرها، في نهاية القرن الماضي وبدايات القرن الراهن مع عدد من أبرز المفكرين العرب.

نوَّع العريس المسائل التي يعالجها بحسب تنوّع اختصاص المفكرين الذين حاورهم، فقد طرح عليهم معضلات تواجه المجتمع العربي، والفكر العربي خصوصاً مع نهاية القرن الفائت وآفاق احتمالات القرن التالي.

شملت الأسئلة المطروحة قضايا اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية وتراثية، وكانت الغاية منها، ليس الوصول إلى إجابات أو إلى حلول للمشاكل التي تجابه الإنسان العربي عموماً، والمفكر العربي خصوصاً، بل رسم صورة للطريقة التي يفكر بها العقل العربي في الوقت الحاضر، والطريقة التي تُطرح بها على هذا العقل جملة الإشكاليات والمعضلات المتعلقة بمسائل مثل العولمة والتنمية وسيطرة عصر الصورة ومفهوم الدولة والديمقراطية والأصولية وصراع الأجيال، ومصير أفكار مثل التقدم والأيديولوجيا والإرهاب وما إلى ذلك.

وراح المؤلف يستشف وضعية الفكر العربي الراهنة، عند نهاية قرن كان المفكرون العرب في بداياته يحلمون بأن يكون قرناً عربياً، وراحوا عند نهايته يعلنون خيبتهم، ويرسمون المحصلة. والمحصلة قد لا تكون سلبية بالنسبة إلى كثيرين، وربما وجدها البعض إيجابية إلى حد ما، باعتبار أن ما هو كائن كان لا يمكن أن يكون ما هو أفضل منه في ضوء مقدمات لم تكن في الأصل مشجّعة.

المفكّر العربي

رأى العريس أن المثقّف، والمفكّر خصوصاً، أُخذ على حين غرة، ووجد نفسه في كماشة بين سلطات ينظر إليها باستخفاف ويدرك افتقارها ولو إلى الحد الأدنى للمشروعية وغيابها عن أية ممارسات ديمقراطية حقيقية، وبين معارضات جديدة وصلت، بعد كل شيء، إلى إفلاس يدفعها إما إلى الانتحار أو إلى نحر المجتمع لعجزها عن نحر السلطة، وإما إلى الإثنين. ومن هنا هذا التخبّط الملحوظ في ممارسات المثقفين وكتاباتهم، تخبط يجعل الكثرة منهم تؤثر الصمت. وإذا ما تركته لشيء من الكلام، تتخذ لنفسها ألف حيطة وحيطة، ما يعيدنا ثانيةً، وعلى رغم مأزق السلطات التي تحاول أن تشرك المفكرين معها في تحمل المسؤولية العامة، إلى وضعية يستنكف فيها الفكر عن أداء دوره.

كذلك، لفت الكاتب إلى أننا على مشارف القرن الجديد، في وقت تسيطر فيه على العالم كله حضارة «الميديا» ويتوحد العالم أمام سلطان التلفزة وهيمنة الإنترنت وملحقاته، ويكاد العالم يكون فيه أحادي البعد، ويرمى فيه التاريخ كله في متاحف العتائق. في وقت مثل هذا، ربما كنا بحاجة إلى أن نصيغ أسئلتنا ونعيد النظر في كثير من مسلماتنا القديمة، أكثر مما نحن بحاجة إلى أن نطلق شعارات جديدة ونتسرّع في أحكامنا. وما موقف الفكر العربي عموماً من قضايا مثل «العولمة» و{نهاية التاريخ» و{وسائل الإعلام» واستخفافه الشديد بها، أو في أحسن الأحوال محاولته التعامل معها انطلاقاً من أفكار جاهزة مسبقة تعود إلى الستينات والسبعينات، وما محاولات الفكر العربي العثور على كامل مرجعياته حيناً في التراث وحيناً في تراث عصر النهضة، سوى إشارتين إلى الأسلوب الذي ما زلنا نتعامل به مع مسائل جديدة مطروحة على الفكر العربي.

ومن القضايا التي يعالجها المؤلف في كتابه «مسألة التربية والتراجع الذي تعرفه القيم في مجتمعاتنا»، وهي مسألة تشمل صراع الأجيال والأمية عموماً وأمية المثقفين، وصولاً إلى سؤال أساسي هو، من يصيغ اليوم ثقافة الإنسان العربي؟

كذلك، طرح العريس مسألة التلفزيون والكتاب والمدرسة والإنترنت، متسائلاً حول التفاعل في ما بينها، ودور الصحافة والكلام المطبوع عموماً، وحول هذه الفورة التلفزيونية التي تتخذ، مع الفضائيات، طابعاً عربياً شاملاً، هل هي طريق إلى وحدة عربية ما، وحدة في الذهنيات العربية على الأقل، وماذا عن الإنترنت والحريات التي يعدنا بها؟

ناقش العريس أيضاً صنوف «الوحدة العربية» نفسها، هل ما زالت لها ديناميتها السابقة، وهل ما زالت تشغل حيزاً في الفكر العربي؟ وهل ما زالت لمصطلحاتها قيمة، في وقت تتوحد فيه سوق الاستهلاك العربية، وتحديداً بمساعدة التلفزة والكثير من وسائل الإعلام الأخرى؟

وتساءل العريس عن المضمون العام للعصرنة العربية، خصوصاً تلك الآتية عن طريق التلفزيون والإنترنت: هل لهذا علاقة بمفهوم «قديم» مثل مفهوم التقدم؟ أي بكلمات أخرى: أين صار مشروع التقدم نفسه؟ هل انتهى إلى المتحف مع سقوط الأيديولوجيات، والإيمان الأعمى والمتسرع بمفهوم هجين مثل مفهوم نهاية التاريخ؟

ومن «نهاية التاريخ» إلى «العولمة» خطوة في السؤال لا بد من قطعها، خصوصاً أن هاتين الكلمتين شكلتا ولا تزال ثانيتهما تشكل، حيزاً في انشغال المثقف العربي، وفهمتا غالباً بشكل خطأ. واستدل العريس على ذلك من غالبية المداخلات التي قدمت في مؤتمر عن «العرب والعولمة» عقد قبل سنوات في بيروت ندر فيه أن بُحثت المسألة بشكل جدي، ووزن بين «العولمة» و{الإمبريالية» القديمة، واعتبر الأمر كله أشبه بمؤامرة أميركية للسيطرة على العالم، تذكر بإيماننا «العميق القديم» بصواب «بروتوكولات حكماء صهيون».

إلى ذلك، تحدث العريس مع من يحاورهم عن مسألة العلاقة بالآخر، هذه المسألة التي تبدو بالنسبة إلينا شائكة إلى حد مرعب. فالعرب الذين لا يكفون عن الشكوى من التعامل العنصري الأوروبي ضدهم وضد أبنائهم في الخارج، هل توقفوا ليتساءلوا عن نظرتهم إلى الآخر، سواءً أكان غريباً أجنبياً، آسيوياً، أو إفريقياً أو غير ذلك، أو كان داخلياً (المرأة، الشباب، الطبقات المسوقة، حاملو الجنسيات الأخرى التي تقودهم أقدارهم إلى العمل في بلدان عربية غير بلدانهم، وما إلى ذلك)؟ هل ثمة بحوث عربية جدية، تحمل إحصائيات واضحة وشهادات دالة، تبحث في هذا الأمر؟

وإحدى أبرز القضايا التي تناولها العريس، قضية المرأة العربية والمسلمة، وتساءل: أي مصير رسم لها؟ وهل بإمكانها بعد عشرات السنين من موت قاسم أمين وهدى شعراوي، أن تزعم أن بإمكانها أن ترسم مصيرها بنفسها؟ وهنا أشار العريس «بحزن» إلى أن جزءاً كبيراً من الصراع الذي يدور في العالم العربي، والإسلامي، منذ عقود، على الأقل، إنما يدور حول قضية المرأة، بين أطراف تريد أن تعيدها إلى البيت وإلى الحجاب وإلى السجون الأخرى كافة، وأطراف عاجزة عن العثور على رد ترد به على ذلك الطرح. وسأل الكاتب أيضاً عن أي مجتمع هو ذاك الذي نوعد به وقد خلا من إمكان تحريك طاقة النساء، تلك الطاقة التي أثبتت غالباً، ليس فحسب أساسيتها بالنسبة إلى المجتمع بل أيضاً كونها الأكثر قدرة على أن تكون فاعلة فيه؟

وأشار العريس إلى النخبة المثقفة ذاتها وتواجدها في المكانة نفسها في حركية المجتمع، التي كانت لها على مدى قرن، منذ رفاعة رافع الطهطاوي إلى عبد الله العروي ومحمد عابد الجابري مروراً بأمين الريحاني وطه حسين وأحمد لطفي السيد وغيرهم؟ وهل لا يزال بإمكاننا أن نحلم بنهضة جديدة؟ لا يطرح العريس هذا السؤال لرسم وضعية المثقف، لكن من اللافت أن معظم المفكرين العرب قد تحولوا إلى أساتذة أكاديميين، وإلى كتاب يدورون في حلقات مفرغة، من يبرز منهم، إنما يبرز في الخارج، لأنه في الخارج، أكثر قدرة على أن يكون حراً في التعبير عما يريد.

الجريدة الكويتية في

18/03/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)