حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«هذه صورتي وأنا ميت» لمحمود المساد:

الفكرة تسبق المشاهدة

نديم جرجورة

لا يُغادر المخرج الوثائقي محمود المساد حيّزه الخاصّ به. لا يخرج منه. هذا دليل ثبات في العنوان العام، بينما التفاصيل تذهب في اتّجاهات عدّة. أقول الحيّز، وأعني به الحفر البصري في التاريخ الفردي طريقاً إلى معاينة الحكايات والأزمنة والجماعات. أقول الحيّز، وأعني به التوغّل الوثائقي المتين الصنعة في جذور النصّ المختار، درباً إلى كشف الهوامش والمتن معاً. أو محاولة كشفها، على الأقلّ. هذا ما جذبني إلى سينماه منذ مشاهدتي للمرّة الأولى فيلماً له. قبل أعوام طويلة، بدا لي «الشاطر حسن» مساراً سينمائياً لمعنى التزام الفرد وعيشه، بدلاً من التلهّي بأخبار عامّة لا تغني ولا تُسمن. «إعادة خلق» بدا أعمق. بدا أقدر على تفكيك الحبكة الأصلية وإعادة رسم ملامحها، وفقاً للمسار الدرامي الذي أراده المساد مرآة شفّافة للأفراد وسياقات يومياتهم.

حيلة

في «الشاطر حسن»، توغّل محمود المساد في حكاية متشرّد مقيم في الحدّ الفاصل بين الوهم والواقع. الحيلة البصرية أفضت، من بين أمور أخرى، إلى التماهي بالاحتيال الدرامي على معنى الصورة ومتاهاتها الجمّة. الحيلة خلاصة فنية للقول إن السينما، باختيارها الأفراد وحكاياتهم، تعين من يتجرّأ على العبور إلى الإبداع. أي أن الحيلة ليست تحايلاً على الفرد لاستدراجه إلى الأمكنة التي يشاء المخرج الذهاب إليها فقط، بل هي جزء من صناعة الصورة، ومقاربة الحكاية، وفهم التفاصيل. هذا ما بدا واضحاً في «إعادة خلق». الفيلم الأول مقيمٌ في هولندا. في الاغتراب الفردي للشخصية الأساسية، كما للمخرج. الفيلم الثاني متوغّل في بنية المجتمع الأردني، انطلاقاً من السياسة والأمن والثقافة والحياة اليومية. «إعادة خلق» مرتبطٌ بفرد واحد، هو الشخص الباحث عن خلاصه الفردي والعائلي من قهر العيش داخل نقطة اللاعودة إلى الحياة الهانئة. مرتبطٌ أيضاً بمعنى الخروج إلى المتاهة الأكبر، أي إلى كسر القيد، والتوجّه إلى الذات أكثر فأكثر.

هذا اختصار نقدي لمعالم الاشتغال الوثائقي في سينما محمود المساد. هذان فيلمان جميلان، لأنهما جعلا النص الفردي مفتوحاً على القراءات المتفرّقة للمسار الحياتي الخاصّ بهذا الفرد أو ذاك، وللمعنى الإبداعي في تظهير الحكاية وفقاً للهوس الإخراجيّ بتشكيل المساحات الفنية الأجمل داخل حقول ألغام عدّة. أميل إلى هذين الفيلمين، لكونهما محمّلين بتفسيرات أكبر من أن يُختصرا بفقرة نقدية واحدة، لكونهما مرتكزين على فهم جمالي متواضع إزاء براعة الصورة في استنباط المعاني من العمق المبطّن للحكاية.

هذا الفهم نقطة البداية الرئيسة للفيلم الأخير لمحمود المساد «هذه صورتي وأنا ميت» (إنتاج مشترك بين هولندا والولايات المتحدّة الأميركية والإمارات العربية المتحدّة، 2010، «أتش دي كام»، 81 دقيقة)، الذي عُرض للمرّة الأولى في الدورة السابعة (12 ـ 19 كانون الأول 2010) لـ«مهرجان دبي السينمائي الدولي»: النبش في التاريخ المخفي، أو المختفي لألف سبب وسبب، الخاصّ بأفراد محدّدين، تمهيداً لإعادة صوغ المشهد التاريخي والاجتماعي والإنساني والآنيّ في وقت واحد. النبش في الماضي ميزة الاشتغال الوثائقي للمساد منذ بداياته السينمائية. فالماضي يعني الانطلاق إلى الراهن، لفهمه أو تصويره، أو لجعله متَّكَأً للغوص في تداعيات مرحلة، أو في أوهام حاضر. «هذه صورتي وأنا ميت» عاد إلى العام 1983، من خلال ذاكرة مثقوبة، وتفاصيل مغيّبة، ورغبة حقيقية في تدوير الزوايا، وفهم المخفي. العودة إلى ذاك العام مُصورة بتقنية المزج المعروف بين الوثائقي والمتخيّل، بغية إكمال المشهد برمّته، قبل البدء بعملية التفكيك وإعادة البناء: تفكيك التفاصيل المعروفة، وبناء الحكاية وفقاً للمُكتَشف.

ترميم

في أحد أيام ذاك العام، اغتيل قياديٌّ في «منظّمة التحرير الفلسطينية» اسمه مأمون مريش. تمّت العملية في أثينا. جلس القياديٌّ إلى جانب السائق. كان يلعب مع ابنه البالغ من العمر، حينها، أربعة أعوام فقط. أمام إشارة حمراء، قُتل الرجل. القاتل جلس وراء سائق درّاجة نارية. تردّد يومها أن الطفل، واسمه بشير، قُتل مع والده. لكن بشير ظلّ حيّاً (أم هو وهم السينما وحيلة المخرج؟). وها هو اليوم، أمام كاميرا محمود المساد ومع المخرج، يعيد رسم التفاصيل، كي تكتمل الحكاية. الوالدة. صديق الوالد. قياديون هنا وهناك. أسماء وخبريات. هذا كلّه جزء من اللعبة. واللعبة هادفةٌ إلى فهم ما جرى. أو بالأحرى إلى رسم صورة أوضح لوالد لم يعرفه الابن جيّداً. بل لم يعرفه أبداً، إلاّ كملامح أولى لا تزال محفورة في ذاكرة طفل في الرابعة من عمره. هنا، يُمكن القول إن المساد أعاد خلق حكاية العلاقة المفقودة بين أب وابنه، من خلال الثقوب الواضحة في تلك الذاكرة.

غير أن «هذه صورتي وأنا ميت» لم يرتق إلى مصاف الاشتغال الوثائقي الجميل، الذي صنعه محمود المساد في فيلميه السابقين. بل في «إعادة خلق»، الأجمل والأمتن والأقوى تعبيراً عن حالة ومرحلة وأناس وتفاصيل. الفيلم الأخير للمساد ظلّ ضائعاً في أزقّة البحث ومتاهته غير المنتهية. الرحلة بدت منقوصة. البحث عن التفاصيل أيضاً. ترميم الحكاية. هناك نقص واضح في اختبار التجربة مرّة جديدة. والنقص لا يتعلّق بالركائز الأصلية المعتمدة في صناعة الصورة الوثائقية الخاصّة بالمساد، بل بالترجمة البصرية لها. في التعريف بالفيلم، كُتب ما يلي: «المأساة الحقيقية تكمن في التساؤل عمّا إذا كان موت الصبي ليس نهاية رحلته؟ لو أنه عاش، فسيبلغ اليوم عامه التاسع والعشرين، وسيكون عليه أن ينبش أوراق ماضيه ليتعرّف إلى الحياة التي كان ليعيشها». هناك إضافة مفادها أن إمكانية العيش كان يُمكن لها أن تجعل الصبي «يشهد حلم قيام دولة فلسطين، الذي ضحّى والده بحياته من أجله، يتحوّل إلى غبار تذروه الرياح». بعيداً عن فلسطين والحلم الموؤود، اختار المساد لعبة الحيلة لقراءة الذاكرة والتاريخ والراهن. موت الصبي أم حياته؟ حقائق البحث أم أوهامه؟ اللعبة هنا جميلة. لكن مفرداتها في «هذه صورتي وأنا ميت» ظلّت عاجزة عن بلوغ متعة المُشاهدة، والتنقيب في المخفيّ من أمور الفرد وجماعته الأوسع.  

كلاكيت

لائحة العار

نديم جرجورة

إذا صحّ الخبر، فهذا يعني أن ثوّار 25 يناير المصريين مستمرّون في حماية إنجازاتهم الأولى. إذا صحّ الخبر، فهذا يعني أن لا مكان لمن دافع عن نظام بائد في ميدانٍ صار المدخل الشرعي الوحيد لانبثاق فجر جديد، ولتأسيس دولة جديدة. إذا صحّ الخبر، فهذا يعني أن «ميدان التحرير» في القاهرة بات السمة الوطنية الأولى، والمكان الوحيد لمعمودية الانتماء إلى الوطن الجديد.

تداعيات المواقف السياسية السلبية لفنانين مصريين إزاء «ثورة 25 يناير» مستمرّة في محاكمة «أبطال» لوائح العار. ذلك أن من تطاول على أولئك الذين قارعوا التنين في عقر داره للخلاص منه، لن ينجو من المحاكمة الشعبية، التي تطارد السحرة في الأمكنة كلّها. والسخرية من دماء الشهداء لا يمرّ أبداً على من فتح صدره أمام التنين لصدّه ودفعه إلى الهاوية، لأن الدماء صنعت فجراً جديداً، والصدور العارية كتبت حكاية الانتصار على الطاغية.

ما حصل في ميدان التحرير أثناء المواجهات الحادّة بين شعب أعزل إلاّ من كرامته ونظام أخرق مدجّج بالمال والأمن والفلتان الأخلاقي، تكرّر في لندن، وربما سيتكرّر في الأمكنة كلّها. الفنانون الذين ظنّوا أنهم قادرون على اللحاق بالثورة في اللحظة الأخيرة، طُردوا من ساحة الشرف، وهي مختلفة تماماً عن تلك الساحة اللبنانية التي ظنّ البعض أنها «أقوى سلاح»، فإذا بها امتدادٌ لجنون الطوائف وحماقة الشحن المذهبي. الفنانون الذين اعتقدوا أن مشاركة فردية في احتفال بانتصار الثورة خارج الميدان، وجدوا أنفسهم في عزلة قاتلة، قبل أن يُحاكَموا سريعاً على غباء ارتمائهم في حضن التنين، وهروبهم الوقح من صرخة الغضب الشعبي. الفنانون الذين كُتبت أسماؤهم في اللائحة السوداء (لائحة العار)، سيبقون حاضرين في أذهان الملايين الذين أصرّوا على موقف وطني جامع، متمثِّل بإسقاط رأس النظام وجسده وروحه، والإتيان بأقرب الناس إلى أحلامهم وهواجسهم وحراكهم.

لم تستطع الممثلة يُسرا والمخرجة إيناس الدغيدي أن تعثرا على مكان لهما في احتفال الجالية المصرية في بريطانيا بانتصار الثورة. أصلاً، لم تعثرا على مكان لهما في بلدهما الناهض من غفوة سنين طويلة من القهر والألم والتمزّق، لأنهما ارتمتا في حضن التنين، ودافعتا عن رأس نظام بائد، وفضّلتا التزام الجهة الذاهبة إلى حتفها على الحراك الميداني الذي صنع يقظة النهوض من الركام، والانتصار للحقّ والعدالة. لم تستطيعا أن تكونا صوتاً لشعب ثائر، لأنهما نطقتا باسم نظام العنف والفساد والشبق والعفن والجنون. لم تستطيعا أن تكونا غطاءً فنياً شرعياً لشعب راغب في الخبز والحرية والكرامة، لأنهما حصّنتا سلطة تسميم الخبز وقتل الحرية وإهانة الكرامة.

من حقّ كل فرد اختيار الجهة التي يريد. لكن ثمن التطاول على شعب منتفض من أجل الخبز والحرية والكرامة لن يكون زهيداً. تُرى، هل كانت تدرك سماح أنور أن مفردتها «احرقوهم» قد تنقلب على أمثالها من فناني السلطة؟

السفير اللبنانية في

10/03/2011

 

السينما التسجيلية السورية في تظاهرة «أيام سينما الواقع»

أفلام منسية ومنفية.. فراغ المدينة وذاكرتها الجميلة

راشد عيسى 

من يتابع اليوم مهرجان «أيام سينما الواقع، دوكس بوكس»، يبدُ له أن السينما التسجيلية السورية مقطوعة السياق. لا أحد هنا يعرف شيئاً عن تسجيليين سوريين أو عن سواهم ممن كرّس نفسه للفيلم الروائي، وصنع على هامش ذلك فيلماً تسجيلياً أو فيلمين. لا ذكر لهؤلاء ولا لأفلامهم، ولا مطالبة من أحد لفض ختم المنع الذي وضع أحياناً حتى قبل أن يكتمل إنجاز تلك الأفلام. لا بدّ إذاً من أن يكون للمهرجان الدمشقي أرشيفه الخاص، ومطالبه بخصوص الكشف عن تلك الأفلام، واستعادة تلك التجارب، بمعنى الكشف عن حكايات تلك الأفلام: كيف اشتُغلت ولماذا مُنعت. بل كيف أُعدم بعضها أو أُخفي، أو كيف اقتُطعت منه أجزاء، ولماذا جرت المطالبة بمحاكمة بعض السينمائيين.

من يتذكّر اليوم فيلماً جميلاً لمأمون البني بعنوان «المرأة الريفية»، ومن يظّنه أساساً أنه عمل في السينما التسجيلية؟ من يعرف عن تجربة فيلم نبيل المالح «المدرسة»، الذي قال عنه مخرجه إنه أُعدم؟ من يعرف الأفلام التسجيلية لمحمد ملص وأسامة محمد وعبد اللطيف عبد الحميد وهيثم حقّي وهالا محمد ومحمد الرومي وعدنان مدانات وسواهم، وصولاً إلى المشتغلين حديثاً في السينما التسجيلية مثل عمار البيك؟ أو أولئك المنفية أفلامهم، أمثال هالة العبد الله ورامي فرح وريم علي وغيرهم؟ ليس صعباً أن يأخذ المهرجان على عاتقه تسليط الضوء على تلك الأفلام والتجارب. فإذا كان القصد التأسيس لذاكرة، فهي جزء كبير منها. وإذا كانت المعرفة هي الهدف، فتلك دروس لا تنسى.

اقتصرت تظاهرة «أصوات من سوريا» على ستة أفلام، أبرزها فيلم سؤدد كعدان بعنوان «سقف دمشق وحكايات الجنة»، وهو العمل الأكثر حرفية بينها. فيه تبدأ كعدان من تجربة شخصية، حين تروي حكاية ذلك السقف الجميل في سوق مدحت باشا، الذي بناه والد جدّها. ومع اختفاء ذلك السقف، يختفي ذلك الجدّ البعيد للسينمائية الدمشقية. تروح كعدان تدور في بيوت المدينة القديمة، وتستكشف حكاياتها وأساطيرها، وتأخذنا إلى فضاءات معمارية وحنان تفاصيل، بل إلى بقايا تفاصيل في مكان يختفي فتختفي الحكايات، التي تكون التفسير الوحيد لهذا الاطمئنان التي تعيشه المدينة. لعبة كعدان هنا هي التنقّل بين الحكايات الجميلة لأهل المدينة، والأماكن التي انقرضت أو تسير إلى الانقراض. الحكاية تتحدّث عن بردى، نهر الذهب، الذي صنع مجراه غوطة دمشق، فيما الكاميرا تظلّ تعود إلى زحام على باب الفرن. تزحف الكاميرا على الجدران لتتبع التزيينات والزخارف، لكنها تروي في المقابل حكاية تلك الخوازيق التي زرعتها البلدية في غرف النوم، في تلك الأمكنة القديمة. تقول المخرجة في آخر الفيلم، وهي تصوّر مشهد الزحام في شارع ملاصق لأسوار دمشق، إنها كانت تريد أن تختم هنا بمشهد الزحام والضوضاء، لكنها أرادت، كأبطال فيلمها، أن تحكي حكايتها الخاصة، فتخرج الذكريات والصوَر من الصندوق، وتختم بصورة جدّها الذي بنى ذلك السقف، كما لو أنها بفيلمها استعادت ذكرى الجدّ، الذي اختفى باختفاء ذلك السقف الدمشقي الجميل.

لا يبتعد فيلم علي الشيخ خضر (مواليد 1987) «مدينة الفراغ» (7 د.) عن بحث كعدان من حيث موضوع الفيلم. فالسينمائي الشاب يعود إلى مدينته سلمية ليصوّر الشوارع الفارغة، التي تكاد تخلو فعلاً من الناس. وإذا عثر الشاب على الناس يُصوّرهم كأفراد وحيدين: رجل عجوز ومتعب على طريق طويل مثلاً. كذلك يصوّر الطريق الطويلة الصاعدة إلى قلعة دارسة. لكنه لا يصوّر الوحشة والفراغ في تلك المدينة، بل بشاعتها، ويختم بصورة فوتوغرافية بالأبيض والأسود، تأكيداً منه على أن ذلك المكان (الرهيب) هو أيضاً مكان الطفولة والذكريات. أما فيلم إياس المقداد فيصوّر رحلة مجموعة من الراقصين العرب والأوروبيين إلى بيروت للمشاركة في مسابقة «الموجة السابعة» للرقص مع المصمّمة السويدية ماري برولين تاني. الفيلم يبدو أشبه بيوميات للبروفات والتدريبات، التي ربما تخصّ صاحبها. ولعلّه أدرك كم هي خالية من المعنى، فحاور راقصين تحدّثوا عن بعض مشاكلهم الشخصية، من قبيل مشكلة الفيزا لراقصة، أو مشكلة الخدمة الإلزامية لراقص في بلده. لكن تقديم تلك المشاكل بدا مفتعلاً، ومحاولة لابتكار معضلة ما تليق بفيلم تسجيلي. ويروي فيلم «الشعراني» لحازم حموي سيرة فنان الخطّ العربي المعروف منير الشعراني، راصداً سيرة الاغتراب والمنفى، ثم العودة إلى دمشق. غير أن السيرة الساخنة للشعراني بدت في الفيلم باردة وعلى السطح، بل بفائض من الشخصيات التي ثرثرت أشياء لا يحتملها الفيلم. ومثله، خلا فيلم أديب الصفدي «صفقة مع السرطان»، عن السجين السوري المحرّر من السجون الإسرائيلية سيطان الولي بسبب إصابته بالسرطان، من كشف جوانب مخفية، تلك الأشياء التي يصعب رؤيتها بكاميرا تلفزيونية عابرة.

أما فيلم «في انتظار أبو زيد» لمحمد علي أتاسي، فقدّم بورتريه ممتعاً وموجزاً ورشيقاً عن فكر الراحل المصري نصر حامد أبو زيد. لكن اللافت للانتباه أن الفيلم، الذي يأخذ مقاطع مطوّلة من محاضرات الرجل وندواته في غير جامعة ومركز ثقافي، بدا من بطولة أتاسي نفسه، إذ من غير المفهوم هذا الحضور الكثيف للمخرج في العمل، وتلك الوصاية التي يفرضها المخرج على المفكر، حتى لو كان صديقاً. فأثناء التحضير للّقاء مع الـ«بي. بي. سي.»، يسأل أتاسي المعدّ والمذيع أن يُري الأسئلة للضيف أبو زيد قبل البدء. أقلّ ما يقال هنا هل كان أتاسي الصحافي ليقبل أن يُري أسئلته لمن يحاوره؟ ماذا كان سيقول لو كان في وضع مشابه؟ فيلم أتاسي ممتع فعلاً، لا لشيء إلاّ لأن أبو زيد نفسه شخصية ممتعة، وفيها خفّة الدم المصرية المعتادة.

)دمشق(

السفير اللبنانية في

10/03/2011

 

بعد الثورة.. من حقك تضرب رئيسك!

علا الشافعى 

فى مكالمة بينى وبين أحد الزملاء فوجئت به يسألنى متهللا هل شاهدت كليب «كرم جبر»؟ أجبته أى كليب تقصد؟ قال لى بحماس لا يقل عن سابقه: ادخلى على اليوتيوب وأنتى تشوفى بنفسك وابقى كلمينى.

وما كان منى إلا أن أسرعت بفتح الكمبيوتر، وبعد البحث وجدت آلاف المواقع الإلكترونية والمنتديات التى تبث الكليب تحت عنوان طرد كرم جبر من «روزاليوسف»، وأعترف بأننى صدمت من كم المشاهدات والتعليقات التى جاءت على الفيديو، وتحمل فى جزء كبير منها حالة من التشفى والإساءة لشخص الرجل بدعوى أنه كان جزءا من النظام الفاسد والذى روج إعلاميا لأشخاص فاسدين ومفسدين، ولذلك يجب بتره فهو ذيل من ذيول الفساد التى يجب القضاء عليها ويتواجد بعضها فى المؤسسات الصحفية وغيرها من مؤسسات الدولة والكلام يبدو جميلا ومنطقياً، ومن حق الصحفيين وغيرهم من العاملين فى باقى مؤسسات الدولة أن يشعروا بأن الفساد رحل، وأن العديد من المؤسسات يتم تطهيرها.

ولكن من قال إن المطالب يجب أن تؤخذ بإهانة الطرف الآخر والتعدى عليه بالضرب وشتمه ووصفه بأقذع الألفاظ، وإذا كانت هذه الحالة تحدث فى الشارع أو فى بعض المؤسسات فإنه لا يصح بحال من الأحوال أن يقوم بها صحفيون فى مؤسسة إعلامية ومن المفترض أنهم قادة رأى ويوجهون الرأى العام، وما داموا قد برروا لأنفسهم محاولات ضرب رئيسهم وإهانته، فكأنهم بذلك يوجهون رسالة إلى كل العاملين فى الدولة باتباع نفس الطريقة مع رؤسائهم واعتماد منهج الضرب والإهانة وسيلة لاسترداد ما هو من المفترض أنه حق.

كان من المفترض أن يقدم الصحفيون طريقة أكثر رقيا فى التعامل مع رؤسائهم، تبدأ من الاحتجاج، ثم صياغة بيان يطالبون من لا يرغبون فيه بالرحيل أو التهديد باعتصام وإلى آخره من الإجراءات التصعيدية، وأرجو ألا يفهم من كلامى أننى أدافع عن الأستاذ كرم جبر أو غيره من رؤساء المؤسسات القومية، فأنا لم ألتقِ به سوى مرات قليلة منذ بداية عملى فى الصحافة حيث التقيته فى جريدة العالم اليوم، وكل ما أذكره أنه كان رجلا شديد الخلق والتهذيب، ولكننى أدافع عن ثقافة الاختلاف، وديمقراطية الرأى والرأى الآخر والأستاذ كرم وأصر على وصفه بالأستاذ لأن هذا حقه الأدبى مثله مثل الكثيرين على مر التاريخ اختار أن ينحاز للنظام وأن يكون أحد كتبته وكل ما صاغه بحق هذا النظام والترويج له سيحسب لاسمه وللعهد الذى أدار فيه مؤسسته، وسيحاكمه التاريخ مثلما فعل مع الكثيرين من الصحفيين والإعلامين الذين ارتضوا أن يكونوا أبواقا لنظام ظلم شعبه.

وأرجو من كل الذين يختلفون معى أن يفكروا ولو قليلا فى شريعة خد حقك بإيدك، التى بتنا نتعامل بها وأخلاق الفوضى، تخيلوا معى صورة المجتمع لو كل إنسان فى مكانه قرر أن يأخذ حقه بيده ويعتدى على رئيسه وقتها علينا أن نقول وداعا للدولة ومؤسساتها وابقى سلملى على سيادة القانون. > >

الييوم السابع المصرية في

10/03/2011

 

إيهاب التركي يكتب: فلتذهب أخبار النجوم إلى الجحيم!

إيهاب التركي  

لم أحب فى يوم من الأيام أخبار النجوم، سواء تلك الأخبار الصحفية التى تهتم بالأمور الشخصية للنجوم، أو المجلة الفنية التى تحمل نفس الاسم، والتى أرى رغم ورقها المصقول وطباعتها الأنيقة نموذج لما يجب ألا تكون عليه المجلة الفنية، ونموذج لاهدار المال العام فيما لا يفيد، ورغم انها مجلة أقرب الى النميمة الفنية والأخبار السطحية والحوارات الضحلة مع الفنانين الا انها تقحم نفسها من حين لأخر فى السياسة بشكل فج لا علاقة له بالمضمون المتهافت الذى تقدمه، وكانت أخر تحف هذه المجلة مقال العدد الاخير لرئيسة التحرير الذى حمل عنوان "فلتذهب الثورة الى الجحيم" وهو مقال لا يستحق التعليق أو التحليل لركاكته الشديدة، ولكنه يدل من أعلى المانشيت حتى أخمس سطوره على مدى توتر رؤساء تحرير الصحف القومية بعد الثورة. أصبح البعض ينافقها صراحة وبعضها قرر مهاجمتها من الباب الخلفى الذى يلبس فيه الصحفى ثوب مؤيد الثورة الذى يتحدث عن شباب الثورة الأنقياء ثم يهدم أى شىء ينادون به من باب انها ثورة ديمقراطية ويحق لهم اهانتها ونقدها، وهذه "الهرتلة" السياسية أصبحت نظرية سياسية لبعض الصحفيين الذين تتهاوى امبراطوريتهم يوماً بعض يوم .

وبعيداً عن "الهرتلة" السياسية الذى يمارسها كتاب الأعمدة السياسية فقد اعتمدت كثير من الصفحات الفنية خلال سنوات نظام مبارك النفاق أسلوباً ووسيلة وغاية، وهذا النفاق لا يقل عن النفاق السياسى والتضليل الذى يقوم به كتاب الشؤون السياسية ونجوم التوك شو المزيفين، وتحولت الصفحات الفنية فى أغلب هذه الصحف الى نوع من التصفيق والتهليل لكل فنان ينافق السلطة، فاذا غنت المطربة جميلة الصوت شيرين للرئيس السابق حسنى مبارك بعد اجراءه جراحة، وانتقدت صفحة الفن بالدستور الاصلى هذا النفاق الصريح تطوعت تلك الصحف بمنح شيرين صفحات طويلة لتجرى حوارات صحفية تدافع عن نفسها وتهاجم كل من هاجمها من صحفيين، وتهاجم كل منافسيها فى الفن والحياة والفضاء الخارجى !

 وقد ظلت صفحة الفن فى الدستور الأصلى قبل اغتيالها على يد رئيس حزب الوفد برعاية نظام حسنى مبارك تنطلق من مبدأ الاحتفاء بالفن الجميل والراقى والشجاع، وأيضاً من ضرورة قول الحق فى وجه كل فنان ينافق سلطان جائر، قد تهاجم الصفحة شيرين لنفاقها لرئيس الجمهورية ولكنها تحتفى بأغنية أو ألبوم جيد صنعته، وهو نفس ما حدث مع عادل امام الذى صدق انه زعيم سياسى بجد فصار يطلق أراءه السياسية التى تنافق حسنى مبارك وابنه بلا حساب، وظن أن تاريخه الطويل فى التمثيل يمثل له حصانة من النقد، بينما هو للأسف سخر هذا التاريخ الطويل لدعم مشروع التوريث فخسر قيمة تاريخه الفنى وفقد مصداقيته، فهو لم يكن يرى فى هذا النظام أى سوء على الاطلاق، وكان يتباهى فى حواراته بان الرئيس هو الذى اتصل به ليخبره بموافقته على استكمال فيلم (السفارة فى العمارة) الذى كان يعانى من صعوبات رقابية، ولم يكن عادل امام يدرك انه بهذا الاعلان يعلن أنه يؤيد ديكتاتورية الرئيس الذى ينصب نفسه رقيباً على الفن يمنح الموافقة لم يشاء ويمنعها عمن يشاء، وكانت الدستور تنتقد ذلك وتهاجمه بكل شدة ولم تكن تشتم عادل امام كما كان يردد على كل من انتقده وسار خلفه قطيع من الفنانين يعتبرون كل نقد لهم حتى لو كان لسوء أدائهم الفنى فى عمل ما على انه شتيمة، وبالطبع لم تكن أى صفحة فنية فى أى صحيفة قومية وبعض الصحف الخاصة تستطيع نقد عمل لعادل امام أو كلمة يصرح بها، فهو الرجل المبارك الذى يتصل به الرئيس مبارك تليفونياً، وبالغت صحف أخرى فى منحه الصفحات ليقول فيها أراءه فى الفن والسياسة والاقتصاد، ولست هنا فى مجال تفنيد سطحية أغلب ما كان يقوله مقارنة بهذا الاحتفاء الغير مبرر به من هذه الصحف والمجلات.

نوع أخر من الصحفيين فى هذه الصحف من المتلونين انقلبوا على النجوم الذين نافقوهم وأفردوا الصفحات الكثيرة لنشر حواراتهم العبيطة ليستغلوا مسألة القوائم السوداء للفنانين الذين نافقوا النظام، بل وزايدوا على من وضع هذه القوائم بالسادية فى التعامل مع بعض النجوم الذين ترددوا فى الاعلان عن موقفهم من الثورة أو من لم يستوعبوا قيمة وزخم الثورة فى نفس القوائم وهى مزايدة لا محل له من الاعراب، فهؤلاء الصحفيين الذين نافقوا هؤلاء النجوم لصالح منافقة النظام لا يحق لهم الأن ممارسة دور الجلاد بهذه العشوائية، ولا أتفهم أن يقوم أخرون بدور معاكس فى تلميع صورة من هاجموا الثورة حيث أصبح طلعت ذكريا وسماح أنور وتامر حسنى وغادة عبد الرازق هم نجوم الحوار فى اغلب الصحفات الفنية، يكررون مبرراتهم التى أصبحت مثيرة للشفقة من فرط سذاجتها.

الثورة على الديكتاتورية هى ثورة على النفاق والمنافقين، لان النفاق هو وقود الديكتاتورية، ولن يصلح أصحاب محطات بنزين النفاق الصحفى للمرحلة القادمة، فبعد أن تحول بعض الصحفيين من نفاق النظام السابق الى نفاق أحمد شفيق جائت اقالة أحمد شفيق وتعيين عصام شرف رئيساً للوزراء لتضعهم فى حالة انفلات نفسى، فتلونهم السريع المتكرر لن يكون مقبولاً من القارىء مهما كان متسامحاً معهم، ووجود أحمد شفيق كان يعطيهم الامل فى طمس ماضيهم والاستمرار فى مواقعهم التى لا يستحقونها، ولهذا قرر بعضهم مهاجمة الثورة بعد أن برزت فوق رأس كل منهم بطحة ما من الماضى.

جزء من أهمية الثورة أن تنتقل الصفحات الفنية والصحف الفنية من خلال صحفيين شرفاء الى اعلاء قيمة التحليل الفنى والنقد الجاد للأعمال الفنية، ولتتطهر الصفحات الفنية السطحية بشكلها الحالى من أثار النفاق والتجميل الذى مارسته طوال السنوات الماضية .. ولتذهب مجلة أخبار النجوم الى الجحيم.

الدستور المصرية في

10/03/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)