حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

منة شلبي:

الثورة شجعتني علي الاهتمام بالسياسة

محمد خضير

تعترف الفنانة منة شلبي أن الثورة فتحت الباب  علي مصراعيه للتخلص من جميع القيود علي حرية الإبداع، وتؤكد  أن الفترة القادمة ستشهد طفرة حقيقية في التنوع الفني.

لحظة انطلاق الثورة وبدء المظاهرات إلي أن اختفت الشرطة من الشوارع أين كانت منة؟

خلال الثلاثة أيام الأولي كنت مع والدتي في المنزل ولم يكن عندي مشاهد تصوير في فيلمي الجديد »بيبو وبشير« وكنت أتابع الأخبار من خلال التليفزيون والاتصال بأصدقائي الموجودين في  المظاهرات وكنت أسمع منهم كلاما عن الأحداث وعمليات العنف والقتلي والجرحي لم أشاهدها في تليفزيون بلدي، فالقناة الأولي والقنوات  الإخبارية المصرية كانت تعرض لنا الاتوبيس النهري والنيل وتناست المجازر الدامية في قلب ميدان التحرير.

كيف قابلت حالة التعتيم هذه؟

جميعنا كفنانين ومن البلد دي أصابنا الاستياء الشديد مما يحدث ومايصدره لنا إعلامنا المصري وكنا نحاول أن نتعرف علي الأخبار من القنوات الإخبارية الأخري حتي وإن كانت مضادة وتنقل صورة سلبية وعكسية لكنها كانت تنقل الصورة الحية والحقيقية من قلب الأحداث.

وماذا عن قناة الجزيرة؟

الشعب المصري من أذكي شعوب العالم ويستطيع أن يميز بين الإعلام  المزيف والمضروب والإعلام الموجه الذي ينقل الحدث بشفافية دون تزييف ولكننا كنا نحاول أن نشاهد ميدان التحرير ومايحدث فيه مباشرة دون النظر أو الانتباه إلي مايقوله المذيعون والمحللون.

بعد سقوط النظام وتنحي الرئيس كيف كان رد فعلك؟

بالطبع كنا جميعا في حالة توهان لأن البلد بدون رئيس يحكمها ويرعي مصالحها خاصة في ظل هذه الثورة، وحالة الفوضي التي استمرت لأكثر من عشرة أيام، وقرار التنحي أحزننا بشكل أبوي لأنني ليست مع أو ضد لكن يهمني مصلحتي ومصلحة مصر والتغيير بدأ بأيد شبابية والنتيجة  كانت إيجابية بشكل كبير.

أنا من جيل مبارك .. كان  أحد تصريحاتك في حواراتك السابقة فماذا تقصدين بها؟

أقصد بها أني أتولدت فوجدت مبارك هو رئيس بلدي حتي قرار التنحي بمعني أنني لم أعش أيا من عصور الرؤساء السابقين،  فتربيت مع جيل بأكمله تحت قيادة الرئيس السابق مبارك وصرحت بها أثناء تكريمي مع عدد كبير من الفنانين من قبل السيد الرئيس.

هناك قائمة سوداء ضمت عددا كبيرا من النجوم فما تعليقك عليها؟

ليس من حقي أن أقوم بتقييم زملاء المهنة لأنهم نجوم كبار ولهم تاريخ فني حافل بكثير من الأعمال والصمت حكمة لكن ليس بشكل سلبي ولكل فنان وجهة نظره ومن حق الفنان أن يكون مع النظام أو ضده.

وكيف استفدت علي المستوي الشخصي من هذه الثورة؟

أول مرة أعرف دستور بلدي وقمت بقراءته أكثر من مرة لمعرفة البنود والمواد التي ينص عليها الدستور وقمت بمقارنتها بالتعديلات الدستورية الجديدة، فالثورة كانت سببا للاطلاع والمعرفة أكثر من ذي قبل وأن تكون السياسة محورا هاما في حياتنا وهو ما استفدته بشكل كبير من الثورة وعلي المستوي العام كشف كمية الفساد والفاسدين الذين كانوا يحتكرون البلد لحسابهم الخاص وتمت تصفيتهم أمنيا ومصادرة أموالهم بعد محاكمتهم.

آخر ساعة المصرية في

08/03/2011

 

لم تكشف المستور... فقط

موقعة سينمائية في نادي دمشق السينمائي

يامن محمد 

بدأ النادي السينمائي مطلع العام الحالي خطته الجديدة، ببرنامج جديد يقوم على إدارته كل من المخرج السينمائي أسامة محمد والناقد د.حسان عباس، حيث أصبح من الممكن تسميته: نادي دمشق السينمائي، إذا نظرنا إلى الخارطة الثقافية وفعالياتها في دمشق الآن.

يستحق تلك التسمية كونه نجح وحده، حتى الآن، في التصدي لهذه المهمة الشائكة في مدينة كدمشق محاولاً أن يستوفي الشروط، في مناخ يصعب فيه نمو الظواهر المدنية عامة؛ فغير العواقب المتوقعة من جراء أي "تجمع"، هناك شرط "إمكانية الحوار" والنقاش القائم عليه –أساساً- مفهوم النادي السينمائي. والحوار يعني التكلم بحرية. يعني الاختلاف. قد يعني المعارضة. الإحساس بالذات، احترامها، وبكل تأكيد احترام الآخر.

أما الحوار هنا؛ أي الحوار حول قضية فنية، فيمكننا أن نسبغ عليه، إذا ما أردنا الإسهاب، الكثير والكثير من المعاني الإضافية المرتقية بالفرد فوق ارتباكه الإنساني بشروط وجوده المادية، والتي تفتح له المجال واسعاً نحو إمكانيات أخرى للوجود، فكرية وروحية، يسمح بها تشغيل المخيلة والتلقي/الاستقبال.. ومن ثم معاناة عملية "انتاج" الرأي، أو إعادة إنتاجه من جديد، مع ما يرافق ذلك من تفعيل للحس النقدي بما يشبه العملية الإبداعية، وقد وضع المرء موضع مقاربة عمل إبداعي أصلاً، خطرة ومسؤولة في الوقت عينه، لأنه حوار يتم ضمن جماعة يفترض فيها المساواة في "الحقوق"... والمقدرة على المساءلة المباشرة بما يشبه لعبة ديمقراطية مصغرة.

إذاً، كل ذلك يتطلب شروطاً لدى المحاور، كما الشروط الواجب توافرها في المناخ العام للوصول إلى نتيجة مجدية مرجوة لمن يهمه الحضور.. وهو ما يصارع النادي السينمائي لتحقيقه بجهود القائمين على إدارته وبجهود جمهوره (في الطرف المقابل) منذ بداية النادي قبل ثلاث سنوات.
ضمن هذا الإطار يمكننا ربما تناول وفهم ما جرى في الموقعة التي كادت البوصلة فيها تفقد اتجاهها في ندوة نظمها النادي الأسبوع الماضي حول "السيناريو" كان ضيفاها كل من المخرج السينمائي سمير ذكرى والسيناريست نجيب نصير.

لعبة جديدة

كيف لنا ألا نرى في تلك المساحة "المحدودة" في صالة المركز الثقافي الفرنسي، انعكاساً صارخاً لحالة مجتمع بأسره وقد جرى ماجرى في فترة زمنية قصيرة بدأت باضطراب وتوازن قلق وانتهت بانفجار وصراخ بعض الجمهور والمخرج أسامة محمد (أحد مديرَيّ النادي)، الذي عرفه جمهور النادي منذ افتتاحه مكافحاً داعياً إلى خلق الحالة الجديدة المشار إليها أعلاه في ظرف عسير، لتختتم الجلسة أخيراً بشكل مفاجئ وقطعي لتوخي مالا تحمد عقباه "كضرب البوكس" مثلاً، كما صرح لنا د.حسان عباس فيما بعد.
صراخ ورفض كان لا بد سيأتي كنتيجة حتمية - لتغيير قواعد اللعبة وقد بلغت التناقضات ذروتها-  في وجه المخرج سمير ذكرى الذي امتطى "المنصة" وراح يلوّح بسلطته "الثقافية" منذ البداية في وجه "الحالة الجديدة".

لقد رفض ذكرى في أول جملة قالها طلب أسامة بأن يتقيد بالإطار العملي والاحترافي والمدة الزمنية لمداخلته بما يشبه تمرد "ديمقراطي" على "سلطوية" مفترضة من قبل أسامة، متجاوزاً أيضاً لمنظم ومدير الحوار د.حسان عباس، ومن ثم ما كان من صاحب فيلم "حراس الصمت": من إنتاج المؤسسة العامة للسينما، الفيلم الذي لقي إجماعاً هائلاً من قبل الجمهور السوري بمن فيهم غالبية الممثلين وطاقم العاملين فيه على تدني مستواه الفني، إلا أن أشبع الحضور جلداً، برغم مباهاته وحديثه عن فيلمه "تراب الغرباء" وشرحه للكواكبي وفكره "وليس شرح فيلمه" وتذكير الحضور برفض الكواكبي للاستبداد والتسلط وكأن جمهور النادي لم يسمع بالكواكبي قبل الآن.

فمن مقاطعة لمديرَيّ الجلسة إلى مقاطعة وملاسنة مع من خطر له من الجمهور أن يدلي برأيه ليعارض سمير، وأفلامه... إلى تعسفٍ وتعسفٍ.. خارجاً عن موضوع الندوة بل خارجاً عن أي موضوع سينمائي، ناعتاً مراراً وتكراراً الجمهور المحلي بالجهل والتخلف والأمية، والقصور عن فهم أعماله التي وصفها بالعظيمة.

سمير ذكرى لم يسمح حتى لشريكه في الجلسة "نجيب نصير" بحصته من الوقت للكلام، للرد، للحوار.... للمعارضة.

ربما بوصفه من المرحبين بهم في المؤسسة العامة للسينما ولعلاقته الوطيدة بمديرها محمد الأحمد الذي "طلّع" عين السينمائيين السوريين، لم يستطع وقد خذلته السينما على ما يبدو وداهمه الاشمئزاز العام (من قبل جمهور عريض) من سياسات المؤسسة وفيلمه في آن، أن يحتمل مجرد احتمالية قول رأي "قد" يغير في "قواعد اللعبة" غير المتفق عليها، والموجودة في ذهنه فقط دون الحضور أجمعين.

لكن مالم يعلمه ذكرى، ما لم يره وهو أمام عينيه، أو ما لم يرد أن يراه رغم صراخ أسامة في وجهه "خلي غيرك يحكي" غير ترقي ذائقة الشباب وقابلياته السينمائية وتجاوزها لكل ما تقدمه المؤسسة السينمائية الرسمية التي أصبحت وراء ظهورهم، هو الرفض العظيم من قبل الجمهور المتواجد في الصالة، لكل ما قاله متشبثاً بـ "مايكرفونه" فوق المنصة العالية.. والضحك والسخرية من قبل الغالبية الذين لم يستطيعوا منع أنفسهم من المقارنة الرهيبة بين ما يسمعونه ويرونه أمامهم وبين ما نشاهده كلنا على شاشات الفضائيات هذه الأيام.

الجزيرة الوثائقية في

08/03/2011

 

غوسمان شاهد على أحلام الشيلي..

يامن محمد 

"ما أنا إلا رئيس واحد، ولن أكون الأخير، ومن بعدي لن يضطر الرؤساء إلى الانتحار، لن يكون ذلك ضرورياً... لن يكون ضرورياً" هذا ما قاله الرئيس "سلفادور إللندي" قبل أن يوجه فوهة الرشاش إلى عنقه مردياً نفسه بعد الحصار، كي لا يحظى به دكتاتور تشيلي القادم "بينوشيه" في 11 أيلول 1973.

قبل ذلك بربع قرن، قال الأب الروحي لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA "وليام دونو نوفان" إنه يجب أن تكون لوكالة المخابرات المركزية سلطة القيام بعمليات تخريبية في الخارج.

واليوم يقول المخرج "باتريسيو غوسمان" إن ثلاثية معركة تشيلي عاشت لأكثر من ثلاثين عاماً حتى الآن؛ بسبب شهرة إللندي والملحمة التي قام بها، في العالم، وبسبب طريقة بناء الفيلم.

ليس من المستبعد، بل إنه من الواجب ربما، وللأمانة لغوسمان نفسه، أن تختلط السياسة مع التاريخ بل والجغرافيا وفن الفيلم التسجيلي عند الحديث عن رائعته ثلاثية معركة تشيلي، أو عند إجراء حوار شخصي معه.

ربما لولا ما أسس له عراب المخابرات المركزية الأمريكية، ما كانت مأثرة سلفادور إللندي وما كانت ملحمة غوسمان، ولربما نهضت تشيلي وانتصر فيها خيار الشعب في الأصقاع التي كانت تدعى "بلاد نهاية الأرض" الممتدة على جزء من الشريط الساحلي الغربي لأمريكا الجنوبية.

منظورات وذاكرة

هل تغير الإقبال الجماهيري على ثلاثية غوسمان عبر العقود الثلاثة الماضية في العروض والمهرجانات حول العالم تبعاً للتغيرات السياسية العظيمة ونكبات شعوب أخرى، وهو الفيلم السياسي بامتياز؟... يجيب غوسمان بسرعة وكأنه سؤل هذا السؤال عشرات المرات "لا فرق، الإقبال كان دائماً بمستوى واحد، بسبب شهرة اللندي وما قام به في تشيلي، وبسبب طبيعة بناء الفيلم. صُنعتْ أفلام كثيرة عن تشلي ولم تلقَ الإقبال عينه.. تشيلي كان فيها تصادم بين طبقتين البورجوازيون من جهة، وبقية الشعب من جهة أخرى الذين هم مع إللندي بشكل عام.. وأنا أدرت الفيلم بين الطرفين ما جعله ديناميكياً مظهراً الآراء المتناقضة"

ربما هي الديناميكية ذاتها التي المبتغاة من إللندي، الذي أصر على الديمقراطية، نابذاً كل خيارات العنف لإنجاز الانتقال إلى الاشتراكية، وهو التوجه الفذ في حينه والمثير للجدل حتى يومنا هذا.

في فيلم "إللندي" لغوسمان المنتج في العام 2004 ومن خلال مشهد نرى فيه إزالة الدهان عن جدار قديم بحكه ليظهر لونه الأصلي، يؤكد المخرج على إيقاظ الذاكرة لاسترجاع ماضٍ تم طمسه. هل كان الفريق الذي أنجز ثلاثية معركة تشيلي أثناء حكم إللندي (1970-1973) يخزن ذاكرة للمستقبل، هل كانوا يعون ذلك؟ "لا، مطلقاً، كنا مولعين بما يحدث، كان شيئاً عظيماً جداً وفريداً على مستوى العالم، كأنه الحدث الوحيد.. كيف يمكن ألا أصور في هذه الظروف، إنها الغريزة السينمائية البحتة! لذلك كنا نعمل عشر ساعات يومياً لمدة عام ونصف حتى في أيام الآحاد. كانت المرة الأولى التي يقوم فيها فريق سينمائي بالتصوير يوماً وراء يوم.. لا الكوبيين قاموا بذلك ولا حدث في نيكاراغوا على سبيل المثال.. أثناء قيامي بمونتاج الفيلم في كوبا، دهش الكوبيون لأنهم لم يقوموا بشيء  مماثل أثناء ثورتهم، أنا فخور بذلك، لكنني في وقتها لم أكن أدرك أهمية ما أقوم به للمستقبل، لم أكن أعرف أنه سيحصل انقلاب، ثورة أو حرب أهلية... لكن وبمرور السنوات أدركت أنني حفظتُ في "قرص" ذاكرة شعب بأكمله".

أكثر ما يلفت الانتباه على الأقل في الجزأين الأول والثاني القضية التالية: في تلك الأيام كان الصراع محتدماً على المستوى العالمي كما على مستوى تشيلي "الخاص" وفي مثل هذه الظروف يصعب الحفاظ على مسافات متساوية من الأطراف، وهو ربما أهم ما حققه الفيلم، والذي زاد هذه المفارقة وهجاً، تعرض فريق الفيلم للأذى، ومقتل المصور الأرجنتيني من قبل أفراد من الجيش في المحاولة الانقلابية الأولى 29 تموز 1973، وفوق ذلك عرضْ هذه اللقطة في نهاية الفيلم (الجزء الأول) المعنون بثورة البورجوازية.. ما خلفية بنية غوسمان الفكرية؟ المختلفة عن عقلية تحزب يساريي الماضي؟ من أي الطبقات أتى؟ ما الذي كان يجري؟

"أنا من طبقة بورجوازية، الطبقة الوسطى، درست الفلسفة والتاريخ.. فريق العمل المؤلف من خمسة أشخاص كان من الاشتراكين متنوعي الانتماءات: مثلاً من حزب "المير" اليسار المتطرف، وآخرون شيوعيون... ومع أنني متفق مع اليسار بشكل عام، إلا أنني لست مناضلاً. ومع أنني كنت مولعاً بإللندي والثورة، إلا أنني رفضت الدخول في حزب بأجندة محددة، كانت لدي شكوك. الكل كانوا متفقين، والمناخ العام مع الثورة مع وجود فروقات صغيرة، ولكن تلك الفروق لم تكن مهمة.. المهم هو المستقبل، نهضة تشيلي، وهكذا وجدت داخل فريق العمل فروقات صغيرة أيضاً ودارت نقاشات، وفي النتيجة نجحت في فرض رأيي ووجهة نظري أخيراً؛ وبالمناسبة كانت نصف الطبقة المتوسطة من اليسار.. أمر غريب.. لكن الأغرب، أن نصف الكنيسة كانت مع إللندي، وصادف وجود بابا تقدمي في الفاتيكان قام بثورة إصلاحية أثر تأثيراً كبيراً في الناس... جبهة متعددة بشكل غريب كانت تدعم إللندي! وهي حالة استثنائية في التاريخ"

إذاً وتبعاً لكل ذلك يبدو أن لغوسمان رأي حاسم حول الموضوعية في الفيلم التسجيلي وهي قضية تثير الكثير من الجدل؛ عند البعض الموضوعية تعني شبح طمس الرأي الشخصي وتقييد لحرية السينمائي، وهو ما وجدنا نتائجه في التجارب الأقل نضجاً. "إنها نقطة أساسية" يقول غوسمان "لقد أخذت موقفاً حيادياً، وفي المقابل أخذ علي الكثيرون من الأصدقاء الحياد كتهمة، إن فيلمي مع إللندي، ولكن ما الذي كان سيحصل لو أنني أخذت رأياً واحداً فقط، وماذا حصل من جهة أخرى عندما أعطيت الكلام لليمين... ليست المسألة أن تكون موضوعياً أو ذاتياً، بل هو مدى قربك من الحقيقة... الأفلام ذاتية دائماً"
هل انعدام الموضوعية بهذا المعنى يقيد ويفقد الفيلم التسجيلي "الفنية" ويحد من أبعاده الجمالية ؟

"بل أكثر من ذلك، هو في النتيجة تقييد وتحييد للسينما المناضلة، يجب أن نتجاوز هذا الأمر لنعمل فيلم يستمر عبر الزمن... لذلك ترى فيلماً يعيش أربع أو خمس سنوات فقط.. ولذلك منع فيلمي في تشيلي.. بل منعت أفلامي جميعها هناك حتى الآن".

غوسمان
إذاً لنعد ونبحث عن غوسمان في كل ذلك الصخب متعدد الأوجه، ماذا بقي من المخرج، والكاميرا ترصد كل شيء لتدع الناس يقولون كل ما عندهم في ذروة توتر متشابك ومعقد، ابتداءً من القاعدة وانتهاءً بالقمة؟... ربما هي لقطة ساحرة في الجزء الثالث (قوة الشعب) لعامل يكاد يطير راكضاً وهو يجر عربة مترعة بالأغراض المتراكمة فوق بعضها يجلس فوقها كلها رجل آخر اللقطة "البطيئة" تطول وتطول وكأنها بلا نهاية... ربما أكثر من ذلك: في الجزء/الفيلم الأول؛ اللقطة الأكثر تأثيراً في الأجزاء الثلاثة... مقتل المصور.. المأخوذ بما يصوره.. الرصاصة الموجهة إليه هي مصوبة إلينا.. إنها اللقطة الأخيرة في الفيلم... ولكن كيف بدأه غوسمان؟ لقد قرر أن يبدأ فيلمه بلقطات قصف البرلمان، نهاية الحكاية التي بدأت بانتصار الإرادة الشعبية المناصرة لإللندي في الانتخابات البرلمانية آذار 1973 ، ونهاية "كل شيء" يبدو أنه بدأ من القمة، من الظاهر، والمعلن، القضاء على اللندي مادياً، إذاً هذا التأطير، وتناظريته، المرآة، لا بد ربط بين ما جرى في قمة الهرم (اللندي وسلطته السياسية المنتخبة ديمقراطياً) بتعارضها مع قيادة الجيش "المنتصر" المدعوم من واشنطن وCIA وبين ما جرى في الشارع في اللقطة الأخيرة، والمعنى: إللندي يمثل الشارع. والطعنة موجهة إلى كليهما.. ما الدور الذي لعبه المونتاج؟ لا سيما وأن الأجزاء الثلاثة أخذت من مادة فيلمية أصلية (التي هرّبت إلى خارج تشيلي بعد الإنقلاب) لا تتجاوز مدتها 18 ساعة فقط؟ "إنه احترام طبيعة المادة الأصلية" يوضح غوسمان "انطلاقاً من هذا الأمر نستطيع القيام بأشياء كثيرة، هكذا تم العمل على المونتاج لسنوات طويلة من العام 1972 إلى العام 1979" ولكن المصور؟! لماذا بقي "يسجل" مصوباً الكاميرا نحو الجندي المصوب سلاحه إليه مطلقاً النار مرة تلو الأخرى... بينما الناس يهربون؟ "كل المصورين يشعرون أن الكاميرا حاجز بينهم وبين الحقيقة، المصور يرى كل شيء من خلال الكاميرا كالمتلصص، وكأنه في عالم وما يجري في عالم آخر، شعور خادع، وبكاميرا تلك الأيام كان يضع سماعاتٍ على أذنيه منشغلاً في نفس الوقت بضبط جهاز تسجيل الصوت المعلق عند خصره ومؤشراته، كأنه رجل من المريخ، يقوم بمعركة مع البوليس، ويسجل الصورة، ويعد الصوت... كان رفيقه إلى جواره يقول له: انتبه نحن مكشوفون، ويشدّه، لكنه مفصول عن العالم.. ولكن في المقابل، ربما أدى كل ذلك إلى (وجسد) تماهٍ دمجَ المصور مع ما يجري، بأكثر مما حصل مع الآخرين".

طوباوية من يتحدث عنها غوسمان؟

في الجزء الثاني "الانقلاب" عُرضتْ لقطة طويلة لعامل يلقي خطاباً بشكل محموم في اجتماع للعمال، يلوم فيه الرئيس إللندي والحكومة لعدم السماح للعمال بالمواجهة، مشككاً بثقة القيادة بقدرة العمال على الحسم، تنتهي اللقطة بتصفيق محموم من قبل العمال الآخرين، مثلما ينتاب الحضور في صالة السينما رغبة في التصفيق أيضاً... يبدو أن هذا هو رأي غوسمان الضمني، هل يلوم القيادة على عدم التحرك وتسليح الشعب؟ هل يلوم تلك الطوباوية التي طالما نعت بها ذاك الحراك؟ "لا.. كنت ومازلت مع رأي إللندي" يفاجؤنا غوسمان مجدداً "الثورات طوباوية، إذا حللنا الثورة الكوبية مثلاً، كان هناك حفنة من الناجين من مجموعة أبحرت على قارب لأن جيش باتيستا قضى على الباقين، وبعد ثلاث سنوات ربحوا المعركة.. كيف يمكن أن نتخيل ذلك!! هل من الممكن الجزم بانتصار ثورة أكتوبر في روسيا بعد الثورة1905 الأولى؟ إللندي فتح آفاقاً للحماس كبيرة جداً".

"في ذلك الوقت كنت قريباً من العامل الذي يخطب في الاجتماع، وشعورنا أننا يجب أن نحقق شيئاً، لكن إللندي كان في وضع مغلق، ومحاطاً بمشاكل كثيرة جداً، ولو أمر –فرضاً- بتدريبات عسكرية في بعض المصانع أو الريف، فإن سلطات الجيش كانت ستتهم إللندي بتشكيل جيش موازٍ وفي اليوم التالي ستقوم بانقلاب.. ما الحل؟" واسترسل غوسمان "...اللندي لم يكن يريد الحرب الأهلية، كان يقول: هذا ليس طريقي. ناضل أربعين سنة وخاض الانتخابات ثلاث مرات في الخمسينات والستينات ليفوز في المرة الرابعة 1970، لكنه ليس مسلحاً، هذا لا يعني أنه لم يكن شجاعاً. هو رجل –بقياس طبيعي- عادي، لكنه شامخ وشجاع وصاحب قرار. حتى نهايته في القصر الرئاسي. فضل الصمود مع ثلاثين شخصاً، وعندما عرف نهاية مصيره، صرفهم جميعاً وانتحر بالرشاش كيلا يقدم نفسه هدية لبينوشيه.. الديكتاتور الذي يدعي أنه حرر البلد.. آخر كلام لإللندي غير معقول، لا يصدق، كالشعر، كان محاصراً والخوذة على رأسه مع رشاش ويتكلم عبر الهاتف مودعاً الناس.. لم أرَ مثل ذلك، بطل تراجيدي، إنه كالإسكندر الكبير.. بل هوَ بطل من أي زاوية نظرت إليه منها.. ليس له مثيل.. هل هو انتحر أم مات مناضلاً إنه تناقض يدعو إلى السخرية! دفعناه إلى الموت! ....."

الترجمة الفورية عن الفرنسية: د.منتجب صقر

ساعدت في الترجمة الآنسة مايا المالكي

الجزيرة الوثائقية في

08/03/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)