حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

تامر عزت: شخصياتي بعيدة من النمطية

القاهرة - نيرمين سامي

ضمن المسابقة العربية في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ34، عرض فيلم «الطريق الدائري»، الذي يعد أول تجربة روائية طويلة للمخرج والمؤلف تامر عزت بعد سنوات من إنتاج وإخراج الأفلام التسجيلية، أبرزها «مكان اسمه الوطن» الذي حصل على جوائز عدة في مهرجانات عربية ودولية. مهرجان القاهرة هو باكورة مشاركات الفيلم في المهرجانات السينمائية الدولية، ومن المنتظر مشاركته في مهرجانات أخرى عام 2011.

ينتمي «الطريق الدائري» إلى نوعية الأفلام التي تتحدى المعايير السينمائية السائدة حالياً، إذ يناقش ملف الاتجار بالأعضاء البشرية عبر حكاية رجل الأعمال الحاضن للفساد والصحافي المحارب له في قالب بعيد من الإثارة والعري والكوميديا والسطحية. وقد أسندت بطولة الفيلم إلى وجوه لا تحمل لقب «نجوم صف أول» (كما يطلق على الفنانين أصحاب الإيرادات والأجور المليونية)، وهم: نضال الشافعي في أولى بطولاته المطلقة، وفيدرا، وسامية أسعد، وعبدالعزيز مخيون. استوحى عزت محاور فيلمه من فكرة فيلم تسجيلي كان ينوي إنتاجه عن قضية تجارة الأعضاء إلا أن فكرة سيناريو روائي تطورت تدريجياً في ذهن المخرج حتى أصبح سيناريو فيلم «الطريق الدائري».

تدور قصة الفيلم حول عصام نور الدين الصحافي اللامع الذي يمر بأزمة زوجية ناتجة من إصابة ابنته بمرض الفشل الكلوي، وبعد حدوث بعض حالات الوفاة في أحد مراكز غسيل الكلي، يبدأ عصام البحث للوصول إلى معلومات تشير إلى وجود عيوب صناعية بفلاتر غسيل الكلى. يقع عصام تحت ضغوط للتخلي عن حملاته ضد صاحب مصانع الفلاتر، لكن عندما تصبح ابنته بين الحياة والموت، يصبح في مأزق لا يعرف كيف يخرج منه، ومن هنا تبدأ صراعات الشخصية الداخلية والخارجية.

صحافي بالصدفة

عن الآراء النقدية التي تناولت الفيلم، يقول عزت لـ «الحياة»: «انطباعي من واقع الندوة التي أقيمت بعد عرض الفيلم في مهرجان القاهرة أنه كان هناك شبه إجماع على جودة الفيلم ككل وكان المدح من نصيب الإخراج والتصوير وأداء الممثلين والموسيقى، بينما انتقد البعض السيناريو. ويؤكد عزت أن الفيلم لا يدين للصحافة بتاتاً، «الصحافة هي خط الدفاع الأخير الباقي لنا كمجتمع ضد الفساد، ولكن القصة تدور أحداثها حول شخصية صحافي يجب أن ينقذ حياة ابنته فماذا يفعل؟ وجهة نظري أن شخصية البطل يجب ألا تكون مثالية أو نمطية فالتنميط هو الذي يعتبر استهانة بالصحافة أو بأي مهنة أخرى. الشخصيات في الفيلم عموماً هي أبعد ما تكون عن الأبيض والأسود فهي شخصيات من لحم ودم لها نقاط قوة وضعف تصيب وتخطئ، أي أنها شخصيات إنسانية حاولت كمخرج أن تكون بعيدة من النمطية. ولذلك لا يمكن القول إن الفيلم فيه إدانة لمهنة الصحافة وانتقاصاً من دورها بل بالعكس». ويرى عزت أن حظه حسن لتعاونه مع المنتج إيهاب أيوب الذي «يقدر الأفكار المختلفة» و «مهنة الإخراج»، خصوصاً أنه الإنتاج الأول لأيوب.

أما عن النظرة الشائعة عن عدم تحقيق مثل هذه الأفلام عائداً مادياً كبيراً في شباك التذاكر، فيعتبر عزت أن الفصل في تلك التجربة من الناحية التجارية هو عندما يطرح الفيلم في دور العرض والحكم الأخير للجمهور. وعن فترة الإعداد التي سبقت الفيلم، واختياره أبطاله، يجيب: «اختيار الفنانين في الفيلم جاء على أساس القدرة الفنية واقتناعي بموهبتهم، ولم يكن موضوعاً في الاعتبار طبعاً شباك التذاكر لأن شباك التذاكر هو من نصيب قلة قليلة من الفنانين فقط، وذلك أعطاني قدراً من الحرية في الاختيار. وأنا ممتن لأبطال الفيلم لأن العمل معهم جميعاً كان ممتعاً ومثرياً على المستوى الفني والإنساني.

أما فترة الإعداد فكانت كافية، إذ انخرطنا في بروفات عدة على النص، ما سهّل من عملي مع الممثلين أثناء مرحلة التصوير، وأيضاً كانت مرحلة الإعداد هي المرحلة التي تم فيها الاتفاق مع فريق العمل على شكل الشخصيات وملابسها وألوانها وتنسيق ذلك كله مع مواقع التصوير ومع الشكل العام لصورة الفيلم من خلال إجراء اجتماعات مكثفة بين مدير التصوير ومهندس الديكور ومصممة الملابس للوصول لشكل متناسق يخدم الدراما».

لا تنازل

ويشدد عزت على أنه لا يتنازل فنياً من أجل ما يسمى «الجمهور عايز كده»، إذ لم يضع إيهاب أيوب أي ضغوط عليّ من هذا النوع. ويضيف: «أحاول قدر الإمكان أداء واجبي الفني من أول مرحلة السيناريو مروراً بالإعداد والتصوير والمونتاج من أجل فيلم يحترم المتلقي. لا أعتقد أن المشاهد شغوف بالأفلام البعيدة من المنطق، بل أعتقد أن المشاهد شديد الواقعية ودائماً ما يقارن أحداث الأفلام بما يمكن أن يحدث منطقياً في الواقع. كما أن المشاهد له عين ثاقبة تبحث في التفاصيل ودائماً ما يشكو المشاهدون من الأفلام التي لم يهتم صانعوها بالتفاصيل الصغيرة لحياة أبطالها». ويعمل عزت حالياً على إيجاد تمويل لفيلم روائي طويل بعنوان «لما بنتولد» الذي استوحى أحداثه من فيلمه التسجيلي «مكان اسمه الوطن»، وذلك بالتعاون مع السيناريست نادين شمس.

الحياة اللندنية في

31/12/2010

 

«الشوق»: حياة البسطاء المزيفة

أمل الجمل

يستحق فيلم «الشوق» لمخرجه «خالد الحجر»، الحاصل على ذهبية مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الرابع والثلاثين، في تقديري، جائزة أسوأ فيلم مصري؛ لأسباب كثيرة ليس من بينها أنه فيلم سوداوي وقاتم يقدم شخصيات انهزامية مصيرها مسدود؛ فالسينما المصرية على مدار تاريخها قدمت مئات من الأفلام الأشد قتامة مثل «البريء»، و «بداية ونهاية»، و «الحرام»، و «القاهرة 30»، و «سرقات صيفية»، و «الأبواب المغلقة»، ولا تزال السينما المصرية تنتج أفلاماً أكثر سوداوية أحدثها فيلم «بنتين من مصر» للمخرج «محمد أمين» 2010، مع ذلك تظل الأفلام السابقة الذكر علامات مهمة في تاريخ السينما المصرية والعربية لما تتمتع به من مستوى فني وفكري راق.

سعادة ما...

أما فيلم «الشوق» ففيلم لا يحرك المشاعر أو الوجدان، فيلم بارد على رغم سوداويته ومأسويته، إنه عمل تجاري رديء وميلودراما فجة، ليس فيه شيء صادم أو جريء، وليس صحيحاً أن سبب الهجوم عليه كونه نتاج التعاون المشترك مع فرنسا وحصوله على دعم من جهات كثيرة، أو لأنه يُظهر الوجه القبيح من مصر ويُسيء إلى سمعتها، كما زعم البعض، لأن هناك أفلاماً مصرية كثيرة أكثر جرأة وواقعية ومأسوية أُنتجت من طريق التعاون السينمائي المشترك وحطمت التابوهات الثلاثة للجنس والدين والسياسة وتناولت العشوائيات والفقر والمرض الذي يُعانيه أفراد الشعب المصري، لكنها جاءت على مستوى فني عال وحققت متعة بصرية وفكرية، ما أهلها لأن تحصد الكثير من الجوائز المصرية والعربية والدولية مثل أفلام يوسف شاهين ويسري نصرالله وعاطف حتاتة.

يتحدث الشريط السينمائي الجديد للمخرج خالد الحجر وكاتب السيناريو سيد رجب عن بعض مشاكل المجتمع مثل الفقر والمرض والاحتياج الجنسي. وهي مشاكل لا ننكر وجودها في شكل أكثر قسوة ووطأة على أرض الواقع المصري، لكن خطأ فيلم «الشوق» أنه يتناولها عبر حبكة غير محكمة وسيناريو ضعيف، شخصياته سطحية مفتعلة متشابهة في أغلبها غير مقنعة. وهي تتصرف وفق منطق الكاتب والمخرج وليس وفق منطقها الخاص. فمثلاً الفتاتان «شوق» و «عواطف» اللتان جسدت دوريهما روبي وشقيقتها كوكي، تعلمان مدى خطورة مرض أخيهما المُصاب بفشل كلوي ومع ذلك ترقصان، وتُغنيان في سعادة وبهجة. وحتى الأم «فاطمة» لديها قدرة على أن تتناول طعامها بشهية، على أن تضحك وتحكي وتبتسم في سعادة أثناء وجودها في القاهرة للتسول وكأنها لم تترك وراءها في الأسكندرية ابناً يحتضر، ويتمزق من الألم؟ ثم نراها في مشهد آخر مفتعل لا يخضع لأي منطق عندما تسافر إلى طنطا مقر عائلتها التي هربت منهم للزواج من حبيبها، وها هي تعود إليهم بعد غياب سنوات لتطلب مساعدتهم في علاج ابنها. لكنها بمجرد أن تلمح أختها تهرب بسرعة على رغم أن الأخت ظلت تجري وراءها وتنادي عليها بلهفة وفرح. تهرب «فاطمة» من أختها خجلاً ثم تفضل أن تقوم بالتسول فهل يُصبح التسول والفضيحة أمام العالم أكثر احتراماً للذات من شماتة الأهل؟ إلى جانب ذلك فإن أداء سوسن بدر، الحاصلة على جائزة أحسن ممثلة مناصفة مع إيزابيل هوبير، بطلة الفيلم الفرنسي «كوباكابانا» جاء مسرحياً ومبالغاً فيه، كما أنها تأثرت كثيراً بالشخصية التي قدمتها في مسلسل «الرحايا» منذ عامين. وجاءت ملابس ابنتيها وتحديداً «روبي» غير مناسبة للحارة الشعبية، وتميز أداء الأختين بالفتور مقارنة بالحالة النفسية والضغوط المادية والمجتمعية التي يمران بها.

ضد الجنسين

«الشوق» فيلم ضد الرجال والنساء على حد سواء على رغم مزاعم صنّاعه بأنه ينتصر للمرأة. شخصيات الرجال بلا هوية أو شخصية، جميعهم عاجزون انتهازيون ليس لديهم أي قدر من الإنسانية، فأحدهم رائحته «كيروسين» مما يجعل زوجته تنفر منه وترفض إقامة علاقة جنسية معه، في حين تُغوي مراهقاً وترتكب الخطيئة معه، وآخر أصبح عاجزاً جنسياً بعد إصابته في الحرب، وثالث فاقد الوعي معظم الوقت جراء السكر، وآخر متعلم لكنه لا يمتلك تسديد نفقات أسرته ولا يتمكن من إعالتها، وشباب آخر ضائع ليس لديه القدرة على تحقيق أحلامه وعاجز عن امتلاك زمام أموره. أما النساء فيتسمن بالسيطرة والقوة لكنها قوة قهرية سلبية فاسدة منحرفة. جميع النماذج إما عاهرات أو متسولات، أو منحرفات، أو عاملات نظافة أمام المرحاض العمومي تأكل بنهم وشراهة بشعة حتى تكاد تنفجر، معظمهن تُقمن علاقات غير شرعية وتُعانين من الكبت الجنسي.

اتسم تصوير الأحداث وحياة الناس البسطاء في المنطقة الشعبية بعدم الواقعية، واستخدم الجنس بلا مبرر، وأتت الموسيقى زاعقة معظم الوقت غير موظفة فنياً. وجاء الفيلم مثقلاً بالإيقاع البطيء الناجم عن التكرار والمط والتطويل الذي لم يكن متماشياً مع الأحداث أو الشخصيات. وفيه مشاهد زائدة تتجاوز نصف الساعة على الأقل، منها تكرار مشاهد التسول في شكل ممل فج، إذ لم ينجح المخرج في أن يستفيد من حيل التسول وتعبيرات وجوه المتسولين الحقيقين، إلى جانب تكرار مشاهد الضرب وعدم إتقانها فجاءت مفتعلة هزيلة، وزادت جرعة ضرب البطلة لرأسها في الجدران بطريقة مقززة وغير فنية الى درجة أن إحدى المشاهدات أُغمي عليها في قاعة العرض. كما أن المُشاهد كان يتوقع معظم الأحداث قبل وقوعها، مثل وفاة الابن وصدمة الأم عقب عودتها من رحلة التسول، وفضيحة البنات، وقتل الأم لنفسها وأشياء أخرى كثيرة.

لكل ما سبق جاء الفيلم مباشراً لا يحمل قيمة ثقافية، أو فكرية، لا يُثير تساؤلاً، خالياً من أي رمزية أو جماليات فنية. حتى التصوير لم يكن فيه شيء مبهر أو غير عادي، بالعكس كان مستواه ضعيفاً، ولم يتمكن مدير التصوير الأجنبي نيستور كالفو الذي استعان به المخرج من إضافة أي لمسة فنية يكشف بها جماليات القبح القابع في تلك المناطق العشوائية أو ذلك الحي الشعبي في الإسكندرية، في حين أن هناك مديري تصوير مصريين نجحوا في إعادة إنتاج جماليات هذا القبح في شكل رائع فنياً وجمالياً.

الحياة اللندنية في

31/12/2010

 

السينما الإيرانية بداية عهد ثقافي جديد!

ندى الأزهري

أرخت الأجواء السياسية بظلالها على الإنتاج السينمائي في إيران، وساهم الوضع الاقتصادي بدوره في التأثير في الفن السابع وشهدت السينما الإيرانية هذا العام أزمات متتالية وتراجعاً لم ينكره أحد من الأطراف وفسّره كل على طريقته.

يمكن اعتبار أحداث ما بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2009 منعطفاً في تاريخ السينما الإيرانية، فهي فرضت أسلوباً جديداً في التعامل ما بين المسؤولين والسينمائيين أخذ يتبلور بوضوح في السنة التالية. فالفنانون المستقلون والمعروفون عالمياً، كانوا في السنوات السابقة على مسافة من السلطة، من دون أن تكون هناك قطيعة معلنة معها، بمعنى أن علاقة شد وجذب اعتمدت ين الطرفين، علاقة قبول على مضض يسمح فيها كل فريق للآخر بالوجود مرغماً. لكن قد يمكن القول اليوم، ان ثمة قطيعة أعلنت رسمياً بينهما. وما حدث من توقيف المخرج جعفر بناهي، وتصريحات كياروستامي بأنه على عتبة النهاية ولا يرغب بلقاء مسؤولي السينما الإيرانية الذين يأملون باختفاء السينما المستقلة في إيران، وهجرة آخرين مثل بهمن قبادي، ومقاطعة مهرجان فجر (شباط - فبراير2010) من جانب الكثير من السينمائيين الإيرانيين بسبب مواقف الحكومة من المعارضة... دليل على ذلك.

نفور

ولا ينكر المسؤولون نفورهم من هؤلاء السينمائيين «المتأثرين» بالخارج والمتعاملين معه. فوزير الثقافة والإرشاد الإسلامي صرح أخيراً في لقاء جمعه مع الصحافيين أن «السينما الإيرانية متأثرة بالنفس الغربي منذ عشر سنوات، وما التراجع الاقتصادي للسينما في البلاد إلا دليل على ذلك»، كما قال إنه يأمل من كل السينمائيين الإيرانيين «العمل في إيران»، لكن «لا نستطيع شيئاً لهؤلاء الذين يتعاونون مع أعدائنا». وهذا التوجه له من يسانده في إيران، فثمة من يدين هؤلاء «السائرين في ركاب الغرب» في أسلوب تحقيقهم للأفلام معتبرينهم «أكثر من أساء الى السينما الإيرانية» (صحيفة «إيران» المتشددة مثلاً). كما بات الهجوم على بعض رموز السينما الإيرانية أكثر حدة، فوصف مخملباف مثلاً بأنه «ليس إيرانياً ويمكن تسميته بائع الوطن»، وحين يتطرق مخرج مثل مسعود ده نمكي الى الأمر في خطاب أمام طلاب جامعة، حيث حذر من الأخطار المتعلقة بتصوير الأفلام بطريقة غير مشروعة، إلى مخملباف فالهجوم يتخذ أبعاداً أخرى «مخملباف بدأ المهنة بأيديولوجية مسلمة ثم تغير مع السنوات»...

أما على صعيد السينمائيين بعامة، فيشير الخلاف الذي انفجر علناً بين هيئة دار السينما (النقابة) ممثلة برئيسها وبين وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، إلى خلل في العلاقة التي تربط بين معظم السينمائيين والمسؤولين. حيت اتُهمت الوزارة بالقيام بمحاولات للتغلغل في النقابة، التي وصف معاون الوزير لشؤون السينما مكتب رئيسها بأنه «خلية حرب ومكان لتجاوز الفشل السياسي لبعض المجموعات»، فيما اتهم رئيس النقابة الذي يحظى بدعم كبير من معظم السينمائيين، المسؤولين بأنهم «يحولون المشاكل النقابية إلى مشاكل سياسية بسبب عدم كفاءتهم». مضيفاً انه ومنذ توليه منصبه قبل سنتين «لم تقدم الحكومة حلولاً للمطالب المشروعة للسينمائيين وأولها الضمان الصحي الذي يشكل القضية الرئيسة».

هذا الخلاف بين النقابة والوزارة، أعاد النقاش حول قضايا عدة تعاني منها السينما الإيرانية، فخلال هذه السنة مثلاً لم يستطع أي فيلم إيراني (من الداخل) الوصول إلى المهرجانات المعروفة حيث لم يعتبر «نسخة طبق الأصل» لكياروستامي عملاً إيرانياً، وهذا ما دعا سامان سالور صاحب «بضعة كيلوغرامات من التمر من اجل جنازة» إلى التصريح بأن المخرجين الجيدين «لا يصنعون الأفلام الآن وأن معظمهم يعيش في الخارج وأن السينما الإيرانية تختزل حالياً بمجموعة من بعض الأفلام الهزلية العادية». وتابعت الرقابة عملها وإن أحياناً على نحو جزئي كما حصل مع «يرجى عدم الإزعاج» لمحسن عبدالوهاب (الحائز فضية مهرجان دمشق) الذي تعرض لاحتجاجات من بعض علماء الدين بعد عرضه في إيران، فأزالت الرقابة الأفيشات من الشوارع أولاً في اصفهان (مدينة محافظة) ومن ثم في طهران، ولكنها لم توقف عرضه وبخاصة بعد ارتفاع إيراداته.

رسالة

ولخصت رسالة وجهها المنتجون، بمناسبة اندلاع الخلاف الوضع الخطير للسينما الإيرانية بالقول: «تدخلون في خلاف، فيما قاعات السينما خالية، والمستثمرون غائبون، والجمهور ينجذب أكثر فأكثر إلى الفضائيات وإلى شراء الأفلام على أقراص مدمجة، والفيلم الأجنبي يغزو السوق». أما مالكو دور العرض فأرجعوا أزمة السينما الإيرانية إلى انخفاض أعداد مرتادي الصالات «حتى لو كان الدخول مجاناً لما ذهب أحد إلى السينما»، واعتبروا أن جذور المشكلة تكمن في «الدعم الحكومي وغياب المخرجين الجيدين والمؤلفين».

الحكومة الإيرانية التي رفعت اخيراً الدعم عن الفن السابع معتبرة أن ذلك سيشكل «مساعدة كبرى للسينما»، وهذا على رغم ارتفاع تكلفة الإنتاج السينمائي بنسبة عشرين إلى ثلاثين في المئة، تعتبر أن دورها هو «حماية» السينما كما صرح وزير الثقافة، الذي كان بدأ العام بإجازة بعض الأفلام التي كانت ممنوعة من العرض لتقدم ضمن مهرجان فجر السينمائي في دورته الـ 18، معتبراً مهرجان عام ألفين «بداية عهد ثقافي جديد»...

الحياة اللندنية في

31/12/2010

 

المهرجانات الخليجية ترسم مستقبل السينما العربية؟

فيكي حبيب

لم يعد ممكناً قراءة المشهد السينمائي العربي من دون التوقف عند المهرجانات الخليجية. لا لأن لكل جديد بريقه، ولا بسبب موازناتها الضخمة، ولا حتى لأنها تُقام في بيئات غريبة عن ثقافة الصورة... ولكن ببساطة، لأن العام 2010 كرّسها اللاعب الأبرز في رسم مستقبل السينما العربية.

قد لا يُعجِب هذا الاستنتاج كثراً، وقد يجده آخرون مبالغاً فيه، فيما يرى فريق ثالث أنه كسب الرهان بوقوفه الى جانب هذه المهرجانات. وفي الأحوال كافة، يبقى السؤال الذي يؤرق السينمائيين، سواء انجرفوا مع هذه الموجة أم أنها لم تطلهم بعد: هل تخدم المهرجانات الخليجية المتكاثرة السينما، أم تسيء إليها؟

سؤال قديم جديد طرحه كثر من المثقفين والمبدعين مع ظهور مهرجان دبي وسَحْبِه البساط من تحت مهرجانات عريقة في المنطقة، بتسخير الملايين وإنفاقها على النجوم وتكريم الضيوف وكل ما له علاقة بصنوف البهرجة والضوضاء.

يومها، خرجت أصوات كثيرة تسأل: أين السينما العربية من كل هذا؟ لكنّ الجواب لم يُسمع. وراح الطابع الاحتفالي السياحي يتصاعد مع تصاعد تصفيق المستفيدين. فإذا سأل أحدهم: كيف يمكن بلداً ان يقيم مهرجاناً للسينما في وقت لا إنتاج سينمائياً فيه؟ كان الجواب يأتي سلفاً: إنها قصة البيضة والدجاجة... أيهما أتت قبل الأخرى؟ وإذا ذكّر أحدهم بأن السينما لا تتواءم والبيئات المحافظة، كان الجواب: وهل هناك ما هو أفضل من الفن السابع لإحداث تغيير تدريجي في النفوس؟

جوابان بدا وكأنهما بعيدا المنال بالنسبة الى كثر، من الذين يعتقدون أن الهدف من تلك المهرجانات لا علاقة له بالفن السابع لا من قريب ولا من بعيد... وأتى مهرجان «الشرق الأوسط السينمائي» (تحوّل اسمه الى مهرجان أبو ظبي)، ليؤكد نظريتهم، بسلوكه الدرب السياحي ذاتها... الى ان أتت الأزمة المالية العالمية وغيّرت كثيراً من التوجهات، وأحدثت جزءاً من الفرق.

التفات الى السينما

واللافت، انه خلافاً لسيرورة الأحداث المنطقية، وعلى رغم التقشف الذي فرضته التطورات المالية، نجحت دورة مهرجان دبي التي تزامنت والأزمة نجاحاً لافتاً، وسبقت بأشواط الدورات الماضية... ولم يكن السبب خافياً على أحد، فالإدارة إذ وجدت نفسها عاجزة عن استقطاب نجوم عالميين كبار، ارتأت ان تعوّض عن هذا التقصير من خلال الالتفات الى الوجه الآخر من وجهي العملة المهرجانية، السينما هذه المرة، بعد سنوات من ترجيح الكفة الأخرى (الطابع الاحتفالي). وهكذا، رحنا نسمع أصوات سينمائيين ممن شاركوا في هذه الدورة، يتمنون لو تطول الأزمة كي يطول الاهتمام بالسينما... وسرعان ما قطف مهرجان أبو ظبي في دورته الماضية هذا النجاح. وعلى رغم أن الأزمة لم تطله، إلا ان تغيير إدارته كان لا بد ان يصاحبه تغيير في التوجه، فكان الاهتمام بالسينما قبل أي شيء آخر... ثم أتى الإعلان عن صندوق «سند» ليؤكد هذا الاتجاه ويحدث كل الفرق، مشكلاً نقلة محورية في عالم المهرجانات الخليجية... إن لم نقل نقلة في السينما العربية. ولم يكن في غير محله تكرار مدير البرنامج العربي في مهرجان أبو ظبي انتشال التميمي بأن هذا الصندوق الذي يمنح 500 ألف دولار سنوياً لتمويل الإنتاجات السينمائية في مرحلتي التطوير والإنتاج النهائية، سيفتح شهية المهرجانات العربية الأخرى، لسلوك الدرب ذاته... ما سيصبّ في النهاية في خدمة السينما العربية.

على الخطى نفسها

وبالفعل، لم يكن ممكناً أمام المهرجانات الخليجية الأخرى تجاهل هذا الصندوق، إن وضعت نصب عينيها الاستمرار في المستقبل كي لا يؤول مصيرها الى ما آل إليه مصير مهرجانات عربية عريقة وجدت نفسها غير قادرة على المنافسة. إذ سرعان ما كانت ستصطدم بتدفق الأفلام الى مهرجان أبو ظبي الذي عرف كيف يجذبها بصنارته، خصوصاً إذا عرفنا انه ساهم هذا العام في مساعدة 28 فيلماً عربياً. ما يعني ان المهرجانات الأخرى إن لم تحذُ حذوه لن تجد خلال الدورات المقبلة ما تعرضه على شاشاتها الا فُتات أبو ظبي. من هنا، صار ضرورياً ان يدعم «مهرجان دبي» برنامج «إنجاز» الذي أطلقه «سوق دبي السينمائي» لتمويل المشاريع السينمائية قيد الإنجاز. وهكذا صار. أما قطر، آخر الدول الخليجية التي دخلت على خط المهرجانات، بدءاً من العام الماضي من خلال «مهرجان الدوحة - ترايبيكا»، فبدا انها استفادت من تجربة جيرانها، بإطلاقها «مؤسسة الدوحة للأفلام» التي موّلت خمسة أفلام عربية، بين مشاريع أخرى لتطوير القدرات السينمائية العربية منذ إطلاقها في أيار (مايو) الماضي.

أمام هذا الواقع، لم يعد هناك شك في ان جزءاً أساسياً من مستقبل السينما العربية بات في يد المهرجانات الخليجية التي تستحدث صناديق دعم وتفتح مؤسسات لـ «نشر الوعي السينمائي» وتدعم برامج لـ «إنجاز» أفلام، وتقدم جوائز سخية للفائزين... ومع هذا الواقع الجديد لم يعد السؤال: هل تخدم المهرجانات السينما العربية، إنما صار: هل تخدم جوائز المهرجانات السينما العربية ام تسيء إليها؟

لطالما، شكا السينمائيون في بلادنا من غياب الدعم العربي وانسداد الآفاق الإنتاجية أمامهم، ما يدفعهم الى التوجه الى الخارج، وخصوصاً الى أوروبا، لإنجاز مشاريعهم بما تيسر.

اليوم، وإذ أخذت المهرجانات الخليجية المبادرة، لم ينجل المشهد تماماً، فالصورة لا تزال ضبابية، والأسئلة القلقة حول مستقبل السينما تضاعفت: سؤال الحرية لا يمكن إغفاله، وسؤال الهوية في الواجهة، والخوف كل الخوف في ان يتحوّل سينمائيونا الى مخرجي مهرجانات!

الحياة اللندنية في

31/12/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)