حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

سوسن بدر:

مهرجان القاهرة السينمائي لم يجاملني وأستحق الجائزة

كتب غادة طلعت

سعادة بالغة تعيشها حاليًا الفنانة سوسن بدر بعد أن نالت لقب أفضل ممثلة في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عن فيلم «الشوق» وبالرغم من الهجوم الذي طال الفيلم إلا أن الجميع اتفق علي الأداء الرائع للفنانة «سوسن بدر» في دور السيدة «المسكونة بالعفاريت» التي تضطر للشحاذة من أجل إنقاذ حياة ابنها المريض وستر بناتها، وعن هذا العمل ونشاطها القادم تحدثت «بدر» في هذا الحوار:

·         < في البداية صفي لنا شعورك لحظة سماع اسمك كأحسن ممثلة في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي؟

من الصعب أن أصف هذا الشعور بالكلمات ولكن ما أريد لفت النظر له أنني لم أسمع اسمي ولكن فوجئت بالفنان خالد أبو النجا يشير لي ويقول لي «قومي» وقتها كنت مازلت مندمجة في التصفيق للممثلة الفرنسية إيزابيل خاصة أنهم لم يشيروا في البداية إلي أن الجائزة مناصفة لذلك ظن الجميع أنها الوحيدة التي حصلت علي الجائزة كأحسن ممثلة، ولكنني كنت أسعد إنسانة في الدنيا بهذه الجائزة.

·         < وهل توقعت الفوز بالجائزة؟

- وقت تصوير الفيلم لم يلتفت فريق العمل لفكرة إمكانية مشاركة الفيلم في مهرجانات دولية أو غيره وكان المطلوب هو أن يخرج الفيلم بالشكل المرسوم علي الورق أي بصدق وواقعية تتناسب مع الأحداث التي ينقلها كل مشهد أو جملة في هذا الفيلم. ولكن حصولي علي الجائزة يدل علي أنني استحقها.

·         < لكن تردد أن إدارة المهرجان وبالتحديد رئيس المهرجان عزت أبو عوف لم يكن راضيًا عن الفيلم، وكان يريد فيلمًا آخر؟

- لا أعرف ما السر وراء هذا الكلام فهو ليس منطقيا فكيف لا تكون الإدارة راضية عنه وتسعي لضمه للمشاركة في المسابقة الدولية.

·     < البعض انتقد تمثيل «الشوق» لمصر في المسابقة الرسمية والعربية للمهرجان واعتبرها محاولة للتحايل من أجل الحصول علي جوائز؟

- هذه مسألة تنظيمية ولا استطيع الحديث في تفاصيلها لأن إدارة المهرجان هي التي قررت أن يشارك في المسابقتين ومع ذلك هو لم يحصل علي أي جوائز في المسابقة العربية وحصل علي الجائزة فيلم «ميكروفون» وهذا شيء مشرف وشعرت بسعادة كبيرة لفوزه.

·         < وما ردك علي الهجوم الذي تعرض له الفيلم قبل وبعد الجائزة؟

- أري أنه هجوم ليس له أهمية لأنه لا يقوم علي أي أساس فكيف تهاجم عملا وأنت لم تره من الأساس وحتي بعد أن فاز بأهم جائزة جاء من يشكك في مصداقية الجائزة بالرغم من أنها جاءت بشهادة لجنة تحكيم مؤلفة من سينمائيين عالميين ليس لهم أي مصلحة في مجاملة فيلم بعينه، وحتي المصريين المشاركين في اللجنة مشهود لهم بالاحترام ومن بينهم المخرج علي بدرخان وهو رجل يدافع عن الحق دائمًا. فأتمني من المهاجمين أن يكفوا عن ذلك ويعترفوا بالأمر الواقع وهو أننا قدمنا فيلمًا مشرفًا استحق جوائز مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

·         < البعض رأي أن الفيلم يشوه الشعب المصري ويصوره أنه مؤمن بالخرافات والعفاريت؟

- أهم ما يميز هذا الفيلم هو أنه يتحدث عن المصريين وأعتقد أن محلية هذا الفيلم هي التي دفعت لجنة التحكيم للاحتفاء به وإعطائه هذه الجوائز ومن قبلها لجنة المشاهدة التي اختارت الفيلم وحرصت علي أن يمثل مصر في المسابقتين الدولية والعربية، كما أننا لا يمكن أن ننكر أن المصريين مازالوا يصدقون السحر والشعوذة وهي من بين موروثاتهم الثقافية.

·         < وكيف جسدت دور الشحاذة؟

- كنت دائمًا أتساءل عن هذا العالم وأتعجب منه، خاصة أن للشحاذين قصصًا كثيرة نسمعها جميعا إلي أن دخلت هذا العالم واكتشفت فيه أسرارًا كثيرة وأستطيع أن أقول لك إن الشعب المصري طيب وعاطفي جدا وتمكنت في أول يوم في مهنة الشحاذة أن أجمع «52 جنيهًا» في فترة زمنية قصيرة جدا في أول يوم تصوير لهذه المشاهد وفي اليوم الثاني تمكنت من جمع ضعف المبلغ.

·         < وهل شاهدت من قبل شخصية السيدة «الملبوسة» بالعفاريت؟

- بالطبع شاهدتها عندما كنت صغيرة في الريف، وبالمناسبة نحن قمنا بتصوير مشاهد الفيلم في الأماكن الحقيقية لها والتي يسكنها الفقراء ومع ذلك لن نطلق عليه فيلم عن العشوائيات.

·         < عدد من النقاد قال إن الفيلم يحتفي بنماذج سلبية وقاتمة، ما تعليقك؟

- وما العيب في ذلك نحن بالفعل قدمنا فيلمًا عن المقهورين والممزقين وهذه ليست جريمة فلابد أن نتحدث عن هؤلاء البشر لأنهم جزء من المجتمع ولا أعتبر ما قدمناه تشويهًا، ولكنه فيلم يحمل قضية مهمة عن بشر يعيشون في الفقر والخوف والجهل.

·         < البعض وجد أن المخرج خالد الحجر تعمد المط في كثير من المشاهد، ما رأيك؟

- لم أر هذا، بل أعتقد أن الفيلم كان يحتاج لتوضيح بعض المشاهد وزيادة عددها وبالرغم من أنني أعرف أن خالد الحجر كوميدي بطبيعته، لكن في هذه التجربة كان جادا وحزينا طوال الوقت حتي يساعدنا في الدخول في عمق الحالة التي تنقلها الأحداث والواقع الصعب الذي يعيشه أبطال الفيلم.

·         < هل تتوقعين أن يحقق «الشوق» النجاح في دور العرض؟

- أتمني أن يحقق نجاحا كبيرا ولست قلقة علي استقبال الناس له لأنه فيلم متماسك ويضم أبطالاً موهوبين وقضية تعبر عن شريحة كبيرة من المصريين وتجسد أحزانهم وأحلامهم الضائعة ومع ذلك التوفيق من عند الله ولكن جوائز المهرجان جعلتني متفائلة جدًا.

·         < وما هو مشروعك المقبل؟

- أستعد لتجسيد دور مميز في مسلسل بعنوان «شبرا» وأعتقد أن الاسم له دلالة كبيرة ليس مقصودا بها فقط إنها منطقة شعبية، بل هي منطقة مصرية ما زالت شاهدة علي الترابط بين المسلمين والمسيحيين وأجسد فيه دور سيدة مسلمة تجسد نموذجًا للاندماج مع جارتها المسيحية وأشعر بسعادة لتجسيدي هذا الدور لأن الموضوع مهم جدا ويلمسني شخصيا، خاصة أن من قامت بتربيتي كانت سيدة مسيحية اسمها «أم وليم» وما زلت أتذكر العلاقة الرائعة التي كانت تربط الأسرتين.

 

خالد الحجر:

لو فازت مصر بكأس العالم سيخرج من يقول إنها لا تستحق

خالد الحجر مخرج فيلم «الشوق» الحاصل علي جائزة الهرم الذهبي في مهرجان القاهرة السينمائي خلال دورته الـ34 يواجه حملة هجومية غير مبررة حيث وصف الكثيرون الفيلم بأنه دون المستوي وشكك الآخر في مدي استحقاقه لجائزة الهرم الذهبي، الحجر وصف ذلك الهجوم بأنه ليس وليد اليوم ولكنه هجوم علي كل ما هو جيد منذ أفلام يوسف شاهين ومنها «باب الحديد» وطالب من يشكك في مدي استحقاقه للجائزة بأن يصنع أفلاما تستحق الجوائز.. «روزاليوسف» حاورته عن الفيلم وهذا الهجوم في السطور التالية..

·     < العديد من النقاد وصف الفيلم بالضعيف وأنه لا يستحق الجائزة بل وصل الأمر لأن تكون الجوائز معلبة من أجل فوز مصر في مهرجان بلدها ما ردك؟

- هذا كلام فارغ وهؤلاء ناس لا تستطيع تحقيق ما حققته من نجاح كما أنني مندهش من هذا الهجوم بل الطبيعي أن يفخروا أن الفيلم حصل علي الهرم الذهبي منذ 14 عاماً غياباً عن الفيلم المصري خاصة أن لجنة التحكيم مكونة من 10 أشخاص وجميعهم أجمعوا علي مدي استحقاق الفيلم.

·     < تردد أن إدارة المهرجان وافقت علي الفيلم لأنهم لم يجدوا بديلاً له يمثل مصر أيضا صرح رئيس المهرجان عزت أبوعوف قبل إعلان الجوائز بأن الفيلم إذا حصل علي الهرم الذهبي سيكون «عاراً» علي مصر وفضيحة عالمية.. ما هو تعليقك؟

- وأنا اتساءل هل الأعمال التي ناقشت قضايا مهمة مثل «الحرام» و«بداية ونهاية» و«القاهرة 30» كانت عاراً علي مصر وهل الأفلام التي تناقش قضايا مهمة عار علي مصر أم الأفلام الهايفة التي لا تستطيع أن تمثل مصر في أي مهرجان هي العار الحقيقي.. أنا مندهش من الحالة السوداوية لدي النقاد وأعتقد أنه لو فازت مصر بكأس العالم سوف يخرج من يقول أن مصر لا تستحق الفوز.

·         < وما تفسيرك الشخصي لهذا الهجوم؟

- يكفيني أن اللجنة الفنية لاختيار الأفلام أعجبوا بالفيلم واختارته لتمثيل مصر في المسابقة الدولية ثم إجماع لجنة التحكيم علي اختياره كأفضل فيلم كما أن الصحف العالمية اهتمت بالجائزة ولكن أعتقد أن هؤلاء النقاد لا يحبون الخير لمصر.. وهذا ليس حديثا لأن موضة «الشتيمة» موجودة منذ وقت بعيد والدليل أن أفلاماً مثل «باب الحديد» و«الخوف» و«الناصر صلاح الدين» تم مهاجمتها رغم أنها من أفضل أفلام السينما في المائة عام الأخيرة.

·     < هل لجوؤك لفكرة الإنتاج المشترك مع فرنسا كان بسبب تخوف داخلي من عدم إيجاد منتج مصري يؤمن بهذه النوعية من الأفلام؟

- بالطبع هناك صعوبة في إيجاد إنتاج مصري كامل للفيلم في ظل الأزمة الاقتصادية الموجودة وقد بدأت في البحث عن إنتاج مشترك وقد وجدت تحمساً شديداً للفيلم بالخارج وهذا شجع المنتج محمد يس للمشاركة في الفيلم ويعتبر «الشوق» الفيلم الرابع الذي استعين فيه بالإنتاج المشترك.

·     < قدمت نموذجاً للمرأة «الملبوسة» ورغم ذلك لم يفهم الجمهور.. هل كنت تقصد ذلك الغموض أم أن ما رأيناه في فاطمة «سوسن بدر» كان مجرد حالة هيستيرية بسبب ما تعانيه من ظروف قاسية؟

- الفكرة أنني قلت لسوسن أن الشخصية التي تؤديها من الممكن أن تكون «ملبوسة» أو أنها تستغل هذا الشعور من أجل إيجاد قوة ما بداخلها تجعلها تسيطر علي الحارة كلها وتقهر بناتها وهذه القوة هي التي تؤدي لقتلها في نهاية الفيلم.

·     < ولماذا لم تقدم «شوق» و«عواطف» بأنهما تعملان في أي وظيفة من أجل المساعدة في مصاريف علاج شقيقهما «سعد» خاصة أنه كان غير منطقي يكتفين بالبكاء علي مرض أخيهما؟

- كانت لدي وجهة نظر وهي أنه يوجد الكثير من العائلات الفقيرة التي ترفض عمل بناتهم والاكتفاء بمساعدتهم في شئون المنزل لأن البنات في هذه السن يكون كل همهن هو الزواج فقط.

·     < البعض رأي أن ذهاب «فاطمة» إلي أختها لطلب المال ثم الهروب منها غير منطقي في ظل الظروف القاسية التي كانت تعانيها.. كيف تري هذا التناقض في الشخصية؟

- لأنها ذهبت بالفعل لكي تطلب المساعدة المالية ولكن بعد أن رأتها وسط أسرتها تراجعت عن فكرة المواجهة لأن «فاطمة» في الفيلم شخصية هشة ولذلك قررت الهروب إلي القاهرة لكي تبحث عن أي وظيفة.

·     < وهل كنت تريد أن تصل بالمشاهد إلي حالة التعاطف مع فاطمة لأنها تقاتل من أجل إنقاذ أسرتها أم يكرهها باعتبارها السبب في تدمير حياة ابنتيها؟

- كنت أريد أن أوضح للمشاهد كيف تحولت المرأة المقهورة في بداية الفيلم لشخصية متجبرة وتقهر بناتها بسبب المال الذي حصلت عليه من «الشحاذة» والتي رأت فيها مصدر قوة رغم أنها امرأة هشة من الداخل ولذلك عندما تموت في نهاية الفيلم لا يساعدها أحد بل يتركها بناتها وأيضا ينظر أهل الحارة لها دون أي شفقة أو رحمة.

·         < أليس من الطبيعي أن تتوقف «فاطمة» عن «الشحاذة» بمجرد وفاة ابنها؟

- فاطمة قررت ألا تترك الفقر يقتل بناتها بعد أن قتل ابنها لذلك قررت أن تستمر في «الشحاذة» التي اكسبتها قوة وسلطة واكتشفت أن «الشحاذة» هي الوسيلة الوحيدة لانتشال أسرتها منه.

·         < ما ردك علي الاتهام الموجه بالمط والتطويل في أحداث الفيلم خصوصا مشاهد «الشحاذة» ومشاهد مرض الطفل «سعد»؟

- كنت أقصد أن أقوم بتكرار المشاهد لخلق حالة من الصدق لدي المشاهد والتعاطف معها وهذا ظهر في نهاية الفيلم عندما أخرجت «شوال» مليئاً بالأموال التي جمعتها من «الشحاذة» وبدون ذلك المط في هذه المشاهد لن يقتنع المشاهد بذلك.

·         < هل كنت تقصد هذه النهاية السوداوية للفيلم؟

- تعمدت أن تستمر القسوة والألم لنهاية الأحداث لكي أظهر «شوق» و«عواطف» بلا مشاعر وبلا شرف وأن تموت أمهما من جراء ما فعلتاه.

·     < ما تفسيرك لقرار «شوق» و«عواطف» أن تتنازلا عن شرفهما دون سبب منطقي ضمن أحداث الفيلم خصوصا أنه لا توجد قصة عاطفية جمعت بينهما وبين هاذين الشابين؟

- لأنني أردت أن أظهر أنهما قررتا الانتقام من الحارة وأمهما التي قهرتهما عن طريق التنازل عن أغلي ما تملك البنت وهو شرفها وأيضا لكي تنتقما من حبيبهما.

روز اليوسف اليومية في

22/12/2010

 

«محترم إلا ربع».. الخلطة شغالة والحسابة بتحسب

كتب محمود عبد الشكور

كتبت أكثر من مرة عن «الخلطة السبكية» في الأفلام التي تتكون من غنوة ورقصة وضحكة.. و«حسن حسني»، وفيلم «محترم إلا ربع» الذي كتب قصته وقام ببطولته «محمد رجب»، وأخرجه «محمد حمدي»، يؤكد بوضوح أن «الخلطة» مازالت «شغالة» مع بعض الرتوش والحذف والاضافة حسب ظروف الإنتاج، لدينا غنوة ورقصة وضحكات، ولكن ليس لدينا «حسن حسني»، ربما لأنه كان مشغولاً بفيلم آخر، وعندنا بطل يفعل كل شيء: يرقص ويغني ويحب ويضرب ويضرب ويقاوم الفساد والمفسدين ويسكر ويتحرش بالفتيات.

فوق ذلك عندنا مغزي أخلاقي أو مورال علي البيعة حيث يبدو الشاب البطل واعيا بمتطلبات نفسه ونزواته، ومدركًا في نفس الوقت لقضايا أمته وخاصة الحرب ضد الفساد، ولدينا أخيرًا طفلة صغيرة اسمها «ليلي أحمد زاهر» لطيفة وظريفة وموهوبة ولكنها تتحدث وتعلق مثل الكبار مثل كل الأطفال في السينما المصرية منذ أيام خالدة الذكر «فيروز هانم»!

من الصعب أن تتحدث عن خطوط درامية متداخلة، وإنما هناك أحداث، وأشخاص يروحون ويجيئون وقد يختفون، ولدينا علاقات بطل الفيلم الأوحد «هشام» «محمد رجب» العاطفية المتعددة، وصدامه مع رجل الأعمال «عادل نصحي» «أحمد راتب» الذي يتضرر من الكاريكاتير الذي يرسمه «هشام» في إحدي الصحف، لو كان هذان الرجلان هما طرفا الصراع - بافتراض وجوده - فإن ما نشاهده أمامنا أشبه بدوامة من التفاصيل التي لا تستطيع معها أن تفهم بالضبط هل «هشام شخص جاد في مواجهة الفساد أم أنه شخص «هلاّس» يعشق النساء والخمور والمخدرات، أم أنه - «محترم إلاّ رُبع» كما يشير اسم الفيلم دون أن يخطر في بال صُنّاعه للحظة واحدة أنهم يسيئون إلي بطلهم، ولا يساعدون أبدًا علي التعاطف معه.

ومن عجائب هذا الفيلم أيضًا أنك لو شاهدت مواجهة «هشام» مع «عادل نصحي» في مكتبه، ثم شاهدت تحرش «هشام» بالفتيات أو تناوله الخمور لما صدقت أنك أمام فيلم واحد، وكأن «الخلطة السبكية» - والفيلم من إنتاج «أحمد السبكي» - أدت إلي انقسام البطل إلي شخصيتين مثل دكتور چيكل ومستر هايد، أحدهما تافه و«هلاّس» والثاني مناضل و«ثورجي» قديم، والمدهش فعلاً أن «محمد رجب» كان يقدم شخصيتين فعليا أيضًا في فيلمه السابق «المش مهندس حسن» عن قصة «محمد سمير مبروك» في هذه المرة! كل الشخصيات من الأعاجيب ومقدمة بصورة «نمطية» وكأنك أخذت «بوبينات» عدة أفلام عربية ووضعتها في الخلاط، «هشام» مثلاً - وبصرف النظر عن ازدواجية شخصيته - يفترض أنه رسام كاريكاتير، وفجأة يتحول إلي مهندس ديكور بعد فصله من الجريدة لمحاربته الفساد بالرسم (؟!)، ونراه في مشاهد أخري وهو يرسم البورتريه، بل نجده في أحد المشاهد وهو يتحدث في ندوة عن حقوق الحيوان، ويلقي خطبة عصماء عن أولوية البشر بالرعاية، وزميلته في الجريدة «حنان» (روچينا) لا تعرف بالضبط هل هي صحفية أم سكرتيرة، ثم نراها في منزل «هشام» وهي تقوم بالتدريس لابنة أخته «چنا»، وفي مشهد آخر نراها تساهم في توضيب ديكورات أحد المطاعم مع «هشام»، ماذا تعمل بالضبط هذه السيدة الخارقة؟ مش مهم.

المهم أن «الخلطة شغالة.. والحسابة بتحسب»، وخُذِ عندك شخصية «لمي» (اللبنانية لاميتا فرنجية) الفتاة التي تذوب عشقًا - مثل كل نساء الفيلم في «هشام» بك، فجأة نراها وقد وقعت في غرام بطل اسكواش قابلته في حفل إقامة والدها رجل الأعمال «عادل نصحي» ولذلك ستترك «هشام» وتتزوج البطل، وينسي صناع الفيلم أن يعرف «هشام» بطبيعة القرابة بين «لمي» ومحاول «نصحي» علي طريقة صدمة «عادل إمام» عندما عرف أن «نيللي» هي ابنة الحوت الذي يحاربه (فريد شوقي) في أحداث فيلم «الغول».

ويبدو أن هذا الخط كان موجودا في القصة ثم دخل خط لاعب الاسكواش، وهكذا أصبحت القرابة بين «لمي» ورجل الأعمال «عادل نُصحي» بلا أي هدف لأنها كان يمكن أن تتعرف بحبها الجديد في أي حفل آخر!

مرة أخري، كل ذلك لا يهم لأن الخلطة «شغّالة»، و«هشام» مع صديقه المصور الصحفي (إدوارد) يثرثران طوال الوقت ثم يقوم «هشام» بالثرثرة مع أمه (ميمي جمال) ومع ابنة أخته فيما يشبه الفواصل أو الاسكتشات.

ويذهب «هشام» إلي الجريدة فيثرثر قليلاً مع «حنان» المُغرمة به، والتي تريد أن تتزوجه، ثم يلتقي مع «لمي» التي تنبهر به فيثرثران طويلاً، ويتجولان في رحلات علي الكورنيش وفي الكافيتريا وفي مركب بالنيل، وفجأة ينزعج «عادل نصحي» من رسومات الاخ هشام وكأنه أمام رخا أو صاروخان أو صلاح جاهين مع أن رسوماته متواضعة جداً وتكون فرصة لكي يغير هشام المود ويتحدي الفساد وعمليات تسقيع الأراضي ولا أعرف بالضبط ما الذي يخشاه رجل أعمال من رسوم كاريكاتورية فلا هشام يمتلك مستندات تدين عادل نصحي ولا هو صاحب مصداقية لدرجة أن رئيسة تحريره إيناس مكي تقول له إنه متورط في مخالفات تستدعي إحالته للشئون القانونية.

والأعجب أن هذا الصراع مع رجل الأعمال لا يستمر معنا طوال الأحداث إذ سننسي عادل نصحي ومجموعة البودي جاردات المحيطين به والقادمين من أقرب فيلم عربي لننشغل بهجر لمي لحبيبها لنسمع أغنية تقول أنا مخنوق ثم تتوالي لقطات صعود وثراء هشام ربما من مهنة الديكور التي انتقل إليها من مهنة رسم الكاريكاتير «؟!» وتتوالي فواصل جديدة لمغامرة عاطفية لهشام مع فتاة لبنانية وفواصل لمغامرة مع فتاتين توءم بل إنه يواجه والدة لمي التي تلعب دورها مادلين طبر وزوجها الشاب أحمد زاهر ويلقنهما درساً في الأسلوب الملائم لمعاملته وبعد كل ذلك يتذكر هشام أن لديه حساباً لم يتم تصفيته مع عادل نصحي وأنت تعرف طبعاً أن مواجهة رجل الأعمال الفاسد تحتاج إلي مستندات وتعرف أن رجل الأعمال سيرد باختطاف حنان وجنا وتعلم بالتأكيد أن الأمر سينتهي إلي شوية أكشن تضاف إلي الخلطة الأصلية قبل أن ينتصر البطل ويتزوج من حنان وتغني لهما ولكل العرايس الطفلة جنا بالاشتراك مع المصور المطرب إدوارد.

يعطيك هذا التلخيص فكرة عامة عن الطريقة التي تكتب بها الأفلام القادمة من مصنع السبكي ولكن المهم هذه المرة أن محمد رجب وهو ممثل موهوب وظريف فعلاً يريد الخلطة كاملة وكأنه يقول للمنتجين إنه يستطيع أن يقدم كل شيء الأكشن والكوميديا والرومانسية ومواجهة الفساد وقضايا المجتمع الكبري، الحقيقة إنه فعلاً ممثل جيد.

وقد أضحكني في كلاشنكوف وفي بعض مشاهد تمن دستة أشرار وفي بعض مشاهد محترم إلا ربع ومازلت اعتقد بالفعل أنه موهبة حقيقية وله حضور جيد جداً علي الشاشة ولكن استمراره في الاستسهال سيجعله يقف محلك سر ليخرج من فخ أدوار الفتي الشرير إلي فخ الخلطة السبكية.

لم تعد القضية الآن أن تكون بطلا لفيلم أو اثنين ولكن القضية هي أن تتقدم وأن تختار الوقت الذي تتقدم فيه طبعا لن أحدثك عن روجينا التي تلعب شخصية كان يمكن أن تلعبها منذ 15 عاماً فنصدقها ولا عن لاميتا فرنجية التي تحاول الاجتهاد ثم تكمل الباقي حضوراً جسدياً ولا عن إدوارد تقدم ثم عاد إلي الوراء ولا عن أحمد راتب الذي وقع في فخ النمطية ولا عن الجميلة الصغيرة ليلي التي أخشي عليها من استغلال المنتجين ولكني أريد أن أتوقف قليلاً عند المونتير عمرو عاصم الذي أعتقد أنه بذل مجهوداً كبيراً لجعل الخلطة متماسكة نسبيا رغم أنك تشعر بوجود مشاهد تم إقحامها (مشاهد إفيهات بين محمد رجب والصغيرة ليلي).

كما توجد ثلاث اغنيات في الفيلم، ومع ذلك تجد أن الفيلم أقل ترهلاً مما هو معتاد في أفلام الخلطة السبكية، وهناك تتابعات جيدة فعلاً مثل مشهد معركة النهاية، ومشهد مطاردة «هشام» في الشوارع، كان واضحًا أن المونتير يرفع نفس الشعار الذي يكرره هشام.

عندما يقول «الإيقاع أهم من الحدث»، الحقيقة أنه لم تكن هناك أصلا أحداث بالمعني الدرامي وإنما هي خلطة شغالة لاستكمال مدة فيلم روائي طويل يأخذ رقمًا في موسوعة الأفلام المصرية في الألفية الثالثة.

روز اليوسف اليومية في

22/12/2010

 

678

بقلم: كمال رمزي

محمد دياب، كاتب ومخرج الفيلم، عالج موضوعه بمبضع جراح وليس بسكين جزار. القضية هنا، بطبيعتها، شائكة ومحرجة ومثيرة للغضب، تغرى بارتفاع الصوت والمطالبة بتطبيق أقصى العقوبات، وربما بتجسيد تفاصيلها على نحو يفتح شباك التذاكر على مصراعيه، كى ينغمس قطاع من جمهور معين فى معاودة مشاهدة الفيلم ولو سرا، ليهاجمه علنا.. «678»، تجاوز كل هذا وحاول الاقتراب، بنعومة، من ظاهرة «التحرش الجنسى» فنجح فى مسعاه بفضل أسلوبه الفنى فضلا عن نضج رؤيته.

فيما يشبه الأفلام التسجيلية، نزلت الكاميرا إلى الشوارع، وتوغلت فى أحراش الأتوبيسات، دخلت إلى المدارس ونقط الشرطة والبيوت المتواضعة وملاعب كرة القدم، وقدمت أناسا حقيقيين، يتحركون ويتصرفون ويتكلمون من دون «تمثيل»: ابتعاد تام عن المغالاة فى الانفعالات، والاعتماد على درجة عالية من الصدق الداخلى، يتبدى بجلاء فى مجرد لفتة أو نظرة عين، بالإضافة إلى ذلك التجانس فى الأداء بين الأبطال جميعا، الذين تنظمهم معزوفة متناغمة، ذات طابع واقعى مقنع.

وزع الفيلم بطولته على ثلاث شخصيات نسائية، مختلفات اجتماعيا ونفسيا، تؤدى أدوارهن «بشرى»، الموظفة البسيطة بالشهر العقارى، تتعرض للتحرش يوميا، فى الذهاب والإياب من العمل، داخل أتوبيس مكتظ بالركاب، يرتسم على وجهها ذلك الشعور الدفين بالقهر الممتزج بالغضب المكتوم، وبالضرورة، تبدو غير مهيأة للتجاوب مع رغبات زوجها الغلبان «باسم سمرة»، المنهك اقتصاديا على الرغم من أنه يعمل فى مهنتين.. ثم «ناهد السباعى»، ابنة الطبقة الوسطى، القادمة من قلب الحياة، الواقفة على أرض نفسية صلبة، الشجاعة التى تتعرض لألوان شتى من التحرش، فثمة سائق عربة نقل يخطف حقيبتها، تطارده داخل الشارع الضيق، المزدحم، فى مشهد مفعم بالحيوية، إلى أن تمسك بتلابيبه.

وفى موقف آخر، يحاول عميل للشركة التى تعمل بها، أن يستدرجها، تليفونيا إلى موعد خاص فتثور ثورة عارمة، تغلق الخط بعد توبيخه، لكن مديرها «كريم كوجاك» يؤنبها ويهددها بالطرد.. إن الفيلم يوسع من رؤيته للتحرش، ولا يجعله قاصرا على الجنس.

أما المرأة الثالثة، التى قام جمهور كرة القدم الوحشى بانتهاك آدميتها، أمام زوجها الضعيف نفسيا «أحمد الفيشاوى»، فتؤدى دورها «نيللى كريم»، المستقرة ماليا، التى تعقد اجتماعات للنساء الخجولات، وتطالبهن بالصراخ بدلا من الصمت، والوقوف بقوة فى وجه من يتحرش بهن.

ينسج الفيلم علاقة بين النساء الثلاث، تتوالى حلقاتها كضفيرة جميلة، وتتحول نصائح «نيللى» إلى سلوك فعلى، فها هى «بشرى» تطعن المتحرشين بها، بدبوس ثم مدية، الأمر الذى يحير ضابط المباحث، بأداء هادئ وسلس من الموهوب «ماجد الكدوانى»، المتفهم لمسار الأمور، والذى يفرج عنهن عقب القبض عليهن.. لكن الفيلم الناعم يقع فى قبضة «الميلودراما» مرة، حين تموت زوجة الضابط أثناء وضعها لمولودة كانت تتمناها، ويقع فى ثرثرة سخيفة، مفتعلة، بين «بشرى» المحجبة و«نيللى كريم» السافرة، تنتهى بأن تقص «نيللى» شعرها الجميل، مما لا يتمشى مع شخصيتها القوية.

«678» لا يفوته فى إدانته وهجائه للمتحرشين، أن ينظر لهم بنوع من الشفقة، فمعظمهم، ممن ضاقت بهم سبل الحياة، عاطلين، مكبوتين، جهلة.. إنه فيلم يستحق الترحيب، به وبمخرجه الجديد، الموهوب، محمد دياب.

الشروق المصرية في

22/12/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)