حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

متابعات

رمسيس مرزوق : تمنيت ان اكون عالم ذرة

حوار: سميرة المزاحى 

السينما المعاصرة تعتمد على الصورة كلغة سينمائية تحتل مرتبة هامة جدا فى العمل الفنى،ونحن بصدد شخصية فنية متميزة ،أعماله جعلت الصورة هى الرسالة التى لايمكن للكلمات أن تقولها أو تصفها ،الوثائقية التقته بمناسبة تكريمه في مهرجان القاهرة في دورته الحالية وكان هذا الحوار:

·         ماذا يمثل لك التكريم ؟

التكريم الحقيقى للفنان ليس مجرد درع واحتفالية وضجة مؤقتة ،ولكن يكفينى أن التكريم جاء من بلدى مصر ومن مهرجان دولى كبير مثل مهرجان القاهرة الدولى  ،وهذا سر سعادتى التى أعيشها هذه الأيام.

·         خلال 40 عاما تم تكريمك فى عدة مهرجانات دولية ،ماذا تتذكر منها؟

بالفعل فقد حصلت على مايقرب من 26 جائزة دولية ومحلية ،وأكثر تكريم أسعدنى هو ذكر أعمالى فى الكتاب الفرنسى المشهور "قاموس السينما العربية" ،الذى أعده الناقد السينمائى الفرنسى "كلود ميشيل كلونى"، وكذلك تم تكريمى فى كتاب خاص أصدرته أكاديمية الفنون البريطانية فى لندن بالإشتراك مع أكاديمية الفنون بأمريكا بمناسبة المئوية السينمائية فى العالم تحت إسم "100 سنة سينما فى العالم"،وأفردت صفحتين من هذا الكتاب عن أعمالى كمدير تصوير من ضمن مجموعة من أهم السينمائيين فى العالم.

·         هل إنتابتك لحظات خوف من تصوير عمل ما؟

الخوف دائما بداخلى عند كل عمل أقوم به ،فالوصول للقمة سهل ولكن الحفاظ عليها هو الأمر الصعب، فالقمة ليس لها نهاية ،وبمجرد الوصول إليها يبدأ السباق.

·         هل ترى فى جيل اليوم عشق للإبداع فى التصوير أم تغلب عليهم السطحية؟

جيل اليوم على وعى تام بما يدور من حولهم ،وقد عمل معى عدد من خريجى قسم التصوير السينمائى كمصورين وآخرين كمساعدى مصورين،وبالفعل وجدت لديهم الإستعداد للتعلم والاستفادة بخبرات كل من سبقوهم.

·         من هو أكثر المخرجين وجدت صعوبة فى التعامل معه؟

يوسف شاهين ،فمن عادتى قبل تصوير أى عمل أن أقوم بقراءة السيناريو عدة مرات ،فاالإضاءة هى التى تؤكد وحدة القصة والسيناريو والحوار وكذلك وحدة المكان ،وكانت تحدث بيننا مناقشات كثيرة ويحتد كل منا منحازا لرأيه ولكن فى النهاية كان يقتنع بوجهة نظرى ويسمع الكلام (رحمه الله) .

·         كانت لك تجارب إخراجية قليلة، فلماذا لم تحترف العمل الإخراجى ؟

تجاربى فى الإخراج لم تكن بهدف الإحتراف ،ولكن لكى أقوم بالسيطرة على المادة الفيلمية بإعتبارها بحث علمى ،وأذكر أول فيلم قمت بإخراجه هو الفيلم التسجيلى القصير (الرهبنة فى مصر)،وقمت بتصويره فى الصحراء ،وبالمناسبة كانت أمنيتى وأنا طفل أن أصبح مطرانا فقد كنت أراه دائما يلقى الحب والإحترام من جميع الناس.

·         وماذا عن ظهورك فى لقطات من أفلامك ؟

ظهورى فى بعض اللقطات للأفلام التى أقوم بتصويرها يعطينى نوعا من الراحة النفسية ويحقق رغبة بداخلى وهى أن أقف تحت الضوء وأن تنتقل صورتى من خلال هذا الضوء إلى الشاشة.

·         من وجهة نظرك..ماهى الأسباب الحقيقية لأزمة السينما فى مصر؟

أزمة السينما هى أزمة مركبة فهناك عدة عوامل ساعدت على تضخمها أهمها الأجور الباهظة المبالغ فيها للفنانين ، كذلك دور العرض فقد جاء وقت أغلقت فيه دور العرض التى كانت قد وصلت لحالة سيئة نتيجة إهمالها ،وقتها كان هناك 50 مليون مصرى فى مقابل 200 دور عرض ولكن الآن وبعد ظهور الشركات الجديدة التى قامت بتقسيم دور العرض إلى صالات صغيرة تحوى 5 أو 6 شاشات عرض ،كان من المفترض أن تحل الأزمة.. ولكن .. حل محل ذلك حرية الفيلم الأمريكى ،فأصبحت تلك الصالات تعرض الفيلم الأميركى ولاتعرض المصرى ، كذلك عامل التوزيع فقد أثرت العلاقات السياسية بين البلاد العربية على نسبة التوزيع حتى أن بعض البلاد العربية لم تسمح بدخول الفيلم المصرى لأراضيها .

ويضيف د/مرزوق متأسفا:"ومما زاد من أزمة السينما ظهور القناصة وسرقة الفيلم قبل عرضه وقبل توزيعه ".

·         وماهى اقتراحاتك لحل أزمة السينما فى مصر؟

لحل هذه الأزمة علينا الاستفادة من تجارب الآخرين مثل التجربة الفرنسية والتجربة الإيطالية،فقد مرت السينما الأوروبية بأزمة نتيجة هجوم الفيلم الأميركي على الجمهور الأوروبى ،فأدى ذلك لإنكماش الفيلم الأوروبى ،فقامت فرنسا بإتخاذ قرار الإعفاء من جميع أنواع الضرائب على الأفلام التى تحمل معانى الفن والتجربة وكذلك سمحت بالإعفاء الضريبى لصالات العرض التى ستقوم بعرض تلك الأفلام ،وبذلك حدثت الزيادة فى إيرادات الأفلام.

إضافة لذلك أقامت فرنسا "مركز قومى للسينما"فى كل بلدة ليقوم هذا المركز بالمساهمة مع المنتجين فى إنتاج أفلامهم وإعطائهم منح ليقوموا بإنتاج أفلام على مستوى جيد ،وساهم أيضا التليفزيون الفرنسى بإنتاج مشترك ، وبذلك أصبح المنتج لايخاف الخسارة.

·         ومارأيك فى سيطرة أفلام الكوميديا اليوم على سوق السينما؟

أفلام الكوميديا فى هذه الأيام جعلت "السنيد"بطلا يربح الملايين ، إضافة إلى أن تلك الأفلام لاتوجد بها صورة أو حركة أو ديكور ،عكس الأفلام القديمة لم نكن نرى فيها فكرة البطل الأوحد وكانت تحمل مضمون ثرى،وأنا أرى أنه لابد من عمل محاولات جدية للسيطرة على سوق السينما فى مصر .

·         فى الفترة الأخيرة إتجه معظم السينمائيين للدراما التليفزيزنية،لماذا لانرى لك أعمالا فى الدراما التليفزيونية؟

تجربتى الأولى فى التليفزيون كانت من أجل الفنانة القديرة فاتن حمامة التى لم أرى فى حياتى فنانة فى مثل إلتزامها وطاعتها التى لانهاية لها،فالممثل هو مركز الاهتمام الرئيسي فى المنظر السينمائي لذلك أقوم بتوزيع وضبط الإضاءة بالنسبة للممثل بما يتماشى مع الجو العام للعمل ،ومهما أستغرق ذلك من وقت تظل هى واقفة وترفض الاستعانة بدوبليرة لضبط الإضاءة كما يفعل الكثيرين.

·         إذا لم يكن دكتور رمسيس مدير تصوير فماذا كان يحب أن يكون؟

كان حلمى الدائم قبل الدخول للجامعة أن أكون "عالم ذرة" وأن يكون لى معملى الخاص بالصحراء ولكن الثانوية العامة تسببت فى تحطيم هذا الحلم لرسوبى فى اللغات ،ويعود الفضل فى صمودى وإثباتى لذاتى للدكتور عثمان أمين أستاذ الفلسفة الذى قال لى :"النجاح ليس بالدراسة ولكن النجاح بإتقان العمل الذى تقوم به".

وعندما كبرت علمت أن تلك الأحلام تنحصر فى رغبتى الدائمة أن أكون مشهورا.

الجزيرة الوثائقية في

02/12/2010

 

متابعات

رائحة الكافور ..موت المثقف في السينما الإيرانية

د.فاطمة الصمادي 

كما في المجتمع كان المثقف في السينما الإيرانية يعاني غربة ، فهو المصاب بداء التغريب الذي يسعى لزعزعة هدوء المجتمع ، ولعل هذه النظرة قد وجدت انعكاسها في الأفلام من خلال تصوير سلبي لشخصية المثقف. وهو على الأغلب تلك الشخصية التي تمتلك صفات متشابهة و هوية خاصة ، فهو في الغالب أناني ،منفعل و عاطل عن العمل، وعند تقديم تعريف لشخصية المثقف نجد كما يقول الناقد أحمد طالبي نجاد نوعا من الكناية التي تحمل الإهانة و تعكس العدائية .

ويلاحظ وجود خلاف منذ القدم حول ماهية الإستنارة وفيما يتعلق بعلاقتها أصحابها بالسياسية ويطلق البعض على معارضي النظام صفة و لقب المثقف والبعض الآخر يرى عكس ذلك تماما فأهل الفكر والثقافة لاتعنيهم السياسية و لاتستوقفهم وهناك فريق ثالث لاتهمه السياسة و يدعي الفكر وهو مايلقب ب"شبه المثقف".وفي التاريخ الإجتماعي لإيران ومنذ مايقرب من 150 نجد هذه الفئات الثلاث وفي مقاله الشهير " في خدمة و خيانة المثقفين" يحمل المفكر جلال آل أحمد المثقفين مسؤولية كل المصائب التي تواجهها الأمة . وبشكل عام فهذا الفريق المنبوذ وجد هوية مخدوشة في السينما الإيرانية سواء تلك التي كانت قبل الثورة أو تلك التي جاءت عقبها.

انحياز ضد المثقف

وارتبط هذا العداء في الغالب بالإحساس المعادي للأجنبي و الغريب، وفي وقت مبكر من تاريخ السينما الإيرانية إنحاز المخرجون إلى شخصية "السوقي"  البسيط والجاهل مقابل المثقف الذي نال حظا كبيرا من العلم و الأدب في أغلب الأوقات.

يعد فيلم "حاجي آقا آكتور سينما" ( الحاج ممثل سينما )  1309من الأفلام النادرة التي قدمت صورة مضيئة للمثقف، لكنه أيضا دافع عن المثقف المستغرب، ويميل باحثون في شؤون السينما إلى الربط بين هذا الفيلم والرواية التي نشرها المستشرق جيمس مورير، وحملت عنوان"مغامرات حاج بابا في اصفهان" وهي الرواية التي تم حظرها في إيران بعد الثورة لما فيه من نقد ساخر للمجتمع الإيراني.

وجاء أبطال أفلام السينما الإيرانية في الخمسينيات و الستينيات من القرن العشرين لتصوير شخصيات من الطبقات الدنيا ، يقفون بثبات ضد أي محاولات للتحديث و التمدن، بحجة أن مجتمعاتهم لاعلاقة لها بذلك. كان المخرج ابراهيم جلستان من بين عدد قليل من المخرجين ذوي الميول التنويرية في تلك الفترة ، في فيلمه "خشت و آينه" (الطوبة و المرآة) يقدم جلستان مشهدا لعدد من المثقفين يتحلقون حول طاولة و يغرقون في بحث فكري دون طائل و لاينتهي ،في فيلمه هذا يجعل جلستان مشاهده يحس بأنه أقرب إلى سائق التكسي .وفي العام 1349 يقدم كيمائي فيلمه "رضا موتوري" (رضا صاحب الدراجة) وفيه نشاهد شابين يتشابهان في الشكل و يتقمصان تبادل الأدوار ،أحدهما "قبضاي" و الاخر كاتب، وينحاز المخرج بلا تردد للأول.

في فيلم "رگبار" (المطر الشديد) لبهرام بيضايي کان المشاهد على موعد للمرة الأولى على المثقف الذي لايضعه المخرج في معرض السخرية،في هذا الفيلم نشاهد السيد حكمتي معلم المدرسة الذي يدخل في تنافس مع قصاب الحي للفوز بقلب إمرأة، يضعهما المخرج في مواجهة تتعاظم عندما يقرر المعلم أن ينفض الغبار عن صالة العرض المهملة في المدرسة ، في الفيلم يتعرض المعلم المستنير للضرب على يد القصاب و العزل و المقاطعة من قبل المدرسين الآخرين، ورغم أنه ينجح في إعادة الحياة لصالة العرض ويحظى بإعجاب الطلبة و الأهالي في المسرحية الأخيرة،لكن "المعلم المصلح" يجد نفسه مجبرا على مغادرة الحي. والإنزواء أيضا يكون مصير معلم الخط في فيلم "خواستگاري" (الخطبة).

شکلت شخصية المعلم رمزا للتنوير في السينما الإيرانية و استمر ذلك في سينما مابعد الثورة الإسلامية ، ففي فيلمه المعروف حرب اطهر"جنگ اطهر" (حرب أطهر)عام 1980 يقدم محمد علي نجفي المعلم أطهر المحبوب من قبل طلابه ، والذي يحاول أن يقدم الواقع الإجتماعي و السياسي للمجتمع من خلال مسرح يؤدي الشخصيات فيه طلابه ويقدم حياته من أجل هذا الهدف. ونجد الشخصية النقية المخلصة للمعلم في العديد من الأفلام الإيرانية و منها "جاده هاي سرد" (الطرق الباردة)لمسعود جوزاني عام 1990 و الرابطة لبوران درخشنده عام 1991،و السباحة في الشتاء "شنا در زمستان" للمخرج محمد كاسبي عام 1993.

ويمارس المخرج المعروف داريوش مهرجويي نوعا من السخرية و الإستهزاء من الشخصيات المثقفة والكتاب وأهل الفن ، و ذلك مانجده في فيلميه "هامون "عام 1993 و المستأجرون"اجاره نشين ها"، فحميد هامون كما يقدمه مهرجويي هو ممثل للمثقف الإيراني بعد الثورة : بلا وظيفة واضحة، مضطرب، ومنسي، هو رجل غارق بين الحلم و الواقع ويسعى لحل اللغز الفلسفي الكامن وراء قرار إبراهيم عليه السلام بالإمتثال للرؤية التي رآها و تقديم اسماعيل قربانا، ويرى حميد رضا صدر أن النسل المهزوم في سوق العمل، المليء بإحساس عدم الأمن، والفاقد للثقة بالنفس و بالأفكار السياسية كله نجده مجتمعا في شخصية هامون، في فترة وصفت الإستنارة بأنها ليبرالية، و وصف الليبرالي بأنه من باع نفسه للغرب، ولذلك فحميد هامون لايدري من هو بالضبط و لا في أي إتجاه يمضي.

ونرى تعارف الرجل الجاهل بالرجل الكاتب في فيلم اللص و الكاتب "دزد و نويسنده" للمخرج كاظم معصومي، في الفيلم يقوم اللص بسرقة حقيبة الكاتب، وفي الوقت الذي تمثل الكتابات أهمية قصوى لصاحبها تكون هذه الأوراق بلا قيمة بالنسبة للص. وهذا التجاهل نشاهده أيضا في فيلم ايران قصري أنا"ايرن سراي من است" لبرويز كيمياوي عام 2001 حيث يفشل كاتب شاب في الحصول على إذن بنشر كتابه حول شعراء الشعر الكلاسيكي في إيران.

المرأة المستنيرة

مع نهاية عقد التسعينيات وبداية العام 2000 كانت المرأة المثقفة تدخل كشخصية أساسية في السينما الإيرانية،لكن دون أن تأتي خالية من المشاكل و الإحباطات، ففي فيلمها سيدة أيار"بانوي ارديبهشت" تقدم المخرجة رخشان بني إعتماد قصتها الشخصية من خلال فيلم يزاوج بين الوثائقي والروائي. في الفيلم تقوم مينو فرشجي بتقديم شخصية المخرجة التي تجد نفسها أمام الرغبة في الزواج مجددا على الرغم من أن لديها ابنا على أعتاب مرحلة الشباب لايقبل مجرد التفكير في أن أمه ستقدم على هذه الخطوة، تقدم بني اعتماد هذه الشخصية أو شخصيتها من خلال اضاءة جوانب عديدة من حياتها الخاصة و المهنية ، وأثناء عملها لعمل فيلم عن الأم النموذجية تقابل العديد من النساء الفاعلات على ساحة العمل السياسي و الإجتماعي في إيران .

فيلم عن الأم النموذجية تقابل العديد من النساء الفاعلات على ساحة العمل السياسي و الإجتماعي في إيران .

وفي فيلمها شمعة في مهب الريح"شمعي در باد" تقدم المخرجة بوران درخشنده إمرأة كاتبة تطرح أسئلة نسوية لاتجد لها إجابات، وتعيش ازمة في علاقتها مع الرجل الزوج و الرجل الإبن . و المرأة الكاتبة تقدم في موقع هو الأكثر ايلاما في كلب للقتل"سگ کشي" للمخرج بهرام بيضايي ، أزمة تقود إلى الجنون في مجتمع يلقي العنف و الطمع ظلا ثقيلا عليه. ولا يعيش الكاتب الرجل في أفلام مهرجويي حالا أفضل فالغربة هي مصيره، کما في فيلمه شجرة الأجاص "درخت گلابي" عام 1997.

رائحة الموت

وإن كان بعض المخرجين قد تناولوا غربة المثقف في المجتمع فقد إختار البعض الأخر موته كما نشاهد في فيلم عباس كيارستمي طعم الكرز "طعم گيلاس" » فمثقف کيارستمي و دون آن يخبرنا عن السبب يقرر قتل نفسه و يبدأ في البحث عن شخص يقبل أن يهيل على جسده التراب . أما المخرج بهمن فرمان آرا  و من خلال فيلمه رائحة الكافور عطر الياسمين "بوي كافور عطر ياس" يقدم شخصية مخرج بعد سنوات من العيش خارج إيران يعود عام 1999 ليصنع فيلما وثائقيا حول مراسم الدفن في إيران، وبينما هو يحضر فيلمه يقوم بشراء قبر له ، و الفيلم هو مواجهة صارخة بين الحياة "عطر الياسمين" والموت "رائحة الكافور" ، يحاول فرمان أرا تضخيمها من خلال عدد من المشاهد السياسية، وتنتقل الكاميرا من تصوير لوجه الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي و هو يتحدث حول الحرية إلى وجه المخرج آرا صامتا متعبا. يطرح هذا الفيلم سؤال الحرية و الموت الذي يواجهه المثقف و الكاتب في إيران مع ربط واضح لما جرى في عهد خاتمي من حوادث القتل المتسلسل التي طالت عددا من المثقفين الإيرانيين. وهي الحوادث التي قدم عدد من المخرجين أفلاما وثائقية حولها .

وفي فيلم "يك بوس كوچولو"( قبلة صغيرة)، للمخرج آراء تبقى رائحة الموت وان كان أحد ابطال الفيلم يعرفه بأنه قبلة صغيرة ، نلمح في  قبلة صغيرة اشارة لحياة واحد من أهم المثقفين الإيرانيين وهو ابراهيم جلستان، والمثقف في هذا الفيلم يقدم عائلته قربانا للوصول إلى أهدافه .وفي بحثه عن الزمان المفقود تنتشر رائحة الموت، وكما هو الزمن ضائع كذلك الذاكرة تتلاشى شيئا فشيئا بفعل مرض الزهايمر.

الجزيرة الوثائقية في

01/12/2010

 

متابعات

موسيقى، أصواتٌ، إيماءاتٌ، وممثلون

كريستيان فيفيّاني... ترجمة : صلاح سرميني 

فقط، جهلٌ عنيدٌ ما زال يواصل الاعتقاد بأنّ الجانب الموسيقيّ في فيلمٍ هنديّ ليس أكثر من كرزةٍ تُزين قطعة الحلوى، ثقيلٌ، مُثيرٌ للقرف، وعسير الهضم بالنسبة للبعض.

في الحقيقة، إنه يقدم مادةً موسيقيةً ثرية، تخضعُ لاختباراتٍ جريئة أحياناً (المزج الذي قدمه "أ.ر. رحمان" أغلى مؤلفٍ موسيقيّ هنديّ، وفيلم "جودا أكبر" يمنحنا نشوة الاستمتاع بإبداعيته)، استمرارية الشعرية الغنائية، التي تشهد عليها أعمال "جافيد أختار"، وحيوية تقاليد راقصة من الضروري معرفة فصلها عن التأثير الغربيّ.

الجانب الراقص ليس مجرد غناءً سطحياً: إنه المساحة التي تتجسّدُ فيها الهوية بأفضل وجه، وهذه الخصوصية الثقافية ليست مرتبطة فقط بصفة "بوليوود" التي يرتكزُ خلفها وجهات نظرٍ تضع فيها كلّ شيء، وأيّ شيءٍ، ونقيضهما.

حيث نجد هذا الجانب الموسيقيّ في جميع سينمات الولايات الهندية، ولا يهرب منها إلاّ الأفلام التي تستوحي عمداً النموذج الغربي، مثل الأعمال الكلاسيكية لـ"ساتياجيات راي"، والأحدث منها، أفلام"ريتوبارنو غوش"، بنغاليّ مثل "راي"(Chokher Bali/2003، Raincoat/2004)، أو"ديبا ميهتا" في ثلاثية (نار/1996، أرض/1998، ماء/2005)، أو بعض الأفلام المعزولة، مثل : (Black/2004 لمُخرجه سانجاي ليلا بانسالي).

كما يجب الإشارة، بأنه، حتى وإن تخلى هؤلاء عن الطقس الغنائيّ/الراقص، إلاّ أنهم لم يتخلوا عن الموسيقى، وهي منذ تعاون "ساتياجيت راي" مع "رافي شانكار"، وحتى "ديبا ميهتا" مع "أ.ر. رحمان"  تبقى عاملاً جوهرياً لخصوصية السينمات الهندية.

إذاً، لا يردّ الجانب الموسيقيّ على صيغةٍ واحدة، حتى وإن تواجدت في معظم الأحيان، ولكنها تتأقلم مع تقاليد هذا، أو ذاك.

"أشوتوش غواريكر"، وفيلمه "جودا أكبر" الذي يُعتبر بضخامته قمةً ثقافية، هو نموذجٌ لكثيرٍ من التحديات، ومستويات القراءة، كما الحال في  Lagaan/2001، وبنسبةٍ أقلّ في Swades/2004، إنه يُعَشّقُ إخراجه الديناميكيّ جداً بعروقٍ موسيقية، نادراً ما يُعالجها بطريقةٍ تقليدية وُفق النموذج الهوليوودي، مع أنها مُسيطرةً على أيّ قادمٍ جديدٍ إلى السينما البوليوودية.

في"جودا أكبر" ، وخلال ثلاث ساعاتٍ، ونصفٍ من العرض، لا يحتوي الفيلم أكثر من خمسة أغاني فقط، واحدةٌ منها )عظيمُ الشأن شاهنشاه،... عندما تتوافد الرعية لتحية الزوجيّن الإمبراطورييّن) خُصص لها معالجةً راقصة طويلة : ومن ثمّ، ينقطع المشهد في منتصفه عن طريق تبادل حوارٍ بين"جودا"، و "أكبر"، وفي النوتات الأخيرة لتلك الاحتفالية، يستعدّ مجرمٌ لاغتيال الإمبراطور.

كما أن المشهد الموسيقيّ الأكثر بريقاً، رقصة الدراويش، قصيرٌ بشكلٍ واضح، ولا يتخلى عن إطاره الواقعي.

أخيراً، يمكن أن تتوقف الأغاني بطريقةٍ مفاجئة، أو تنحلّ في الحدث.

يستمتعُ المتفرج بمُعالجةٍ موسيقية، غنائية، و/أو راقصة قابلة للانحلال في المُحتوى الدرامي في أيّ لحظة: لا يوجد أيّ نهايةٍ تقليدية، ولكن، يتداخل الغناء، والرقص في الحوار.

تأرجحٌ متواصلٌ بين العالم الخارجي، والداخلي، الظاهريّ، والحميميّ، الاندفاع، والتأمل، يؤكد التدفق الكبير للصياغة الدرامية الهندية.

من وجهة نظرٍ جمالية، يُعتبر الجانب الموسيقيّ عنصراً بنائياً لا غنى عنه، يجلب إلى السينمات الهندية المُتنوعة سمة تميّيزها بسهولة : الجانب الزمانيّ، التضاريس الجغرافية، وأداء المُمثل موزعة بمُقتضى منطقٍ عقليّ، وشعريّ، يستطيع أحياناً أن يتجاهل بروعةٍ الواقعية التي لم يتعوّد المتفرج الغربي عليها كثيرا.ً

الفيلم الأخير للمخرج" سانجاي ليلا بانسالي" بعنوان Saawariya/2007 هو اقتباسٌ من "الليالي البيضاء" لـ"دويستوفسكي"، والذي يدفع الأسلوبية إلى درجة مسح أيّ مؤشراتٍ واقعية (ويقترب نوعاً ما من اقتباس "لوكينو فيسكونتي" 1957)، ولا يقترح إلا ديكوراً حُلمياً، وهو، بلا شكّ، لا يوجد إلا في ذهن الشخصيات.

راديكالية هذا المبدأ الجمالي هو السبب ـ رُبما ـ في نصف الفشل التجاري، والفني للفيلم، والذي يخسر هكذا جزءاً مهماً من مؤشراته الثقافية.

وتؤثر هذه الخصوصية الموسيقية على جمالية السينمات الهندية، وبشكلٍ خاص، أداء الممثل..
الترميز الصوتي، والراقص، يجعل من الصعب الاستغناء عنها، ولكن، لا يمكن أن تُنفذ بطريقةٍ متواضعة، وتفترض إذاً استخدام الممثل، والعمل حول شخصيته، وهو أمرٌ لا يتوافق مع ما هو متعارف عليه لدينا.

بداية، تنفيذ الجانب الموسيقيّ يمكن أن يُزيح الشخصية الرئيسية تاركةً مكانها لأخرى ثانوية، ونجد مثالاً على ذلك في المشهد الكلاسيكيّ من فيلم Dil Se/1998  لمُخرجه "ماني راتنام"، وبالتحديد الرقص فوق سطح عربة قطارٍ يشقّ طريقه وسط الحقول :

أغنية"chaya chaya"التي يؤديها" شاروخان"، الشخصية الرئيسية، ومغنية/راقصة مجهولة تختفي في المشاهد اللاحقة .

عدم استطاعة الشخصيتيّن النسائيتيّن الرئيسيتيّن في الفيلم" مانيشا كوارالا"، و"بريتا زينتا" إمكانية تنفيذ تعقيد التصميم الراقص في تلك اللحظة، لا يقدم إلاّ جزءاً من الجواب (فقد ظهرت "مانيشا كوارالا" في المشهد السابق، وكان بمقدورها أن تكون شريكة "شاروخان" في ذلك المشهد) : الراقصة، بدون اسم، ولكنها كانت حاضرة بقوة، تشير إلى الاستعداد العاطفي للشخصية الذكرية.

في"جودا أكبر"، يُجسّد غناء الدراويش التوائم مهمة التنفيس عن الحالة الروحية للإمبراطور "أكبر"  والذي لا يشارك في الرقص إلاّ متأخراً، ويؤدي ـ بالكاد ـ بعض الخطوات بحركةٍ سينمائية بطيئة.

إذاً، يتأكد لنا بأنّ الغرض هو إنشاء عنصر بسيكولوجي حميميّ بمُقتضى صياغةٍ درامية مختلفة، وليس مجرد احتراماً تجارياً لموقع النجومية.

ولكن، هناك أهمّ من تلك الظاهرة التبادلية، أو الاستعاضة، فالممثل الهندي هو بنفسه موضوع تشكيل: عندما ينتقل من مرحلة ممثلٍ بسيط، وتتحقق له شهرةً واسعة، يصبح مخلوقاً سينمائياً.

وقد منهجَ السينمائيّون الغربيّون نادراً هذا السياق، ويُعتبر "فيدريكو فلليني" حالةً خاصة، جسّدها في معظم الأحيان، على سبيل المثال، تشكيل "كازانوفا" بدءاً من "دونالد سوثرلاند"، وبمُساعدة جبهة، وذقناً، وأنفاً مُصطنعة، وصوتاً مُستعاراً من الممثل الإيطالي "لويجي برويّتي".
في الهند، هي طريقةٌ مُعتادة، بعد أن أصبحت ضرورية لمُحصلةٍ مُرضية للصياغة الدرامية الخاصة بهذه السينما.

ولنتحدث عن التفاصيل الأكثر اصطناعية، استخدام، أو عدم استخدام الشوارب، أو النظارات للرجال، أو أيضاً عينيّ "أشواريا رايّ"، مرةً كستنائية، ومرةً أخرى زرقاء فاتحة بمُقتضى الأدوار.

ومن المعروف بأنّ الصوت يخصّ البديلة، وهي في بعض الأحيان مشهورة بما يكفي، وحتى أكثر من الممثل الذي تُعيره صوتها.

وهكذا، فإنّ الأسطورة" نرجس" (Mother India/1957 لمُخرجه" محبوب خان") كانت، ومنذ نجاحاتها الأولى في نهاية الأربعينيّات، تستعير الأسطورة أيضاً "لاتا مانغشكار" : جسدٌ (يتشكل غالباً عن طريق الإكسّسوار)، وصوتٌ، مرتبطان مباشرةً، خالقان شخصية سينمائية لا يقتصر وجودها على دورٍ، أو فيلم واحد.

في بعض الأحيان، يُفضي تكوين المخلوق السينمائي إلى منزلقاتٍ مُدوّخة في اللاوعيّ : في Pyaasa/1957 لمخرحه" غورو دوت"، فإنّ "غيتا دوت" زوجة المخرج، والشخصية الرئيسية للفيلم، تدبلج بصوتها الدور النسائي "وحيدة رحمان" والتي أحبها المخرج خلال التصوير .

وقد دبلجت "غيتا دوت" نفس الممثلة في الأعمال الذاتية المُتفردة لـ"غورو دوت"، "أزهار من الورق"(Kaagaz Ke Phool)/1959، ولكنها رفضت  دبلجة "وحيدة رحمان" في Sahib Bibi Aur Ghulam /1962 والمُوقع باسم "أبرار ألفي"، ولكنه عملياً من إخراج"غورو دوت") عندما أصبحت علاقة زوجها مع الممثلة معروفة.

الأسلوبية الخاصة بالسينمات الهندية، والاستعانة الدائمة بالاستعارة، تجعل الممثل الهندي يُولي أهمية خاصة للوضعيات الجسدية، والحركات الراقصة.

ولا يقتصر هذا الأسلوب المُنمّق على الجانب الموسيقيّ فقط، ولكن، ينتشر بشكلٍ مُوحد في المراحل المُختلفة للبناء القصصي.

يمكن الإشارة إلى مقارنةٍ بليغة، من جهةٍ لتجسيد نموذجنا الغربي، عملية التزيين تحت ضوء القمر لـ "أوغ جاكمان" في "أوستراليا" (باز لورمان2008)، ومن جهةٍ أخرى، من أجل النموذج الهندي، التدريب على المُبارزة بالسيف لـ "هيرتيك روشان" في فيلم "جودا أكبر"  .

"باز لورمان"، و"أوغ جاكمان" يمنحان المشهد، عن طريق الحركة السينمائية البطيئة، انكفاءً هزلياً بمُسحةٍ جادة، بينما "أشوتوش غواريكر"، و"هيرتيك روشان" يلعبانها في المستوى الأول، حول الشهوانية الجسدية، بدون أن ينشغلا حقاً بردود الأفعال المُحتملة للمتفرج الغربي الذي ملّ من ملذاتٍ كهذه.

نقطة إبطاءٍ هزلية عندهما، ولكن تشظي جسداً ثابتاً في سلسلةٍ من الأوضاع عن طريق المونتاج، و"أشواريا راي" الزوجة العاشقة تختلس النظر إليه، بينما في "أوستراليا" هناك إشارةٌ إلى الجماليات الإعلانية.

في"جودا أكبر"المشهد بدون موسيقى (لا يوجد غير مؤثرات التدريب) تمّ معالجته، وأدائه بمُقتضى المبادئ المعمول بها في المشاهد الغنائية، والراقصة.

القدرات الإيمائية، والأوضاع الجسدية للممثل، يمكن دعمها عن طريق المونتاج، بشكلٍ عام، "شاروخان"، و"هيرتيك روشان" يهتمان جيداً بهذا الجانب من شخصيّتهما السينمائية، أكان ذلك في الرقص، أو الحركة البسيطة، كما كان يفعل قبلهما "راج كابور"، والذي استخدم غالباً الإيماءات الحركية لـ"شارلي شابلن" كنموذجٍ له.

ولكن، في الفترة الكلاسيكية لسنوات الخمسينيّات- السبعينيّات، اعتمد "ديليب كومار"، وفيما بعد "أميتاب باشان" على إمكانيات المونتاج ليُشاركا بنشاطٍ أكثر في المشاهد الراقصة.

عملية التشكيل، ووضعية الجسد تشغل الممثلات أيضاً، وعلى سبيل المثال، في الفيلم الغير الموسيقي Chokher Bali،  نجد "أشواريا راي"، ومن وقتٍ لآخر، تُعدّل طرف الساري الذي ينزلق من فوق كتفها بمزيجٍ من التلقائية، والفخامة المدروسة التي يشير إليهما ديكوباج الفيلم.

وتصفعنا "نرجس" بجمالها المنحوت لحركاتها (طريقتها في السموّ على صعوبة الأعمال التي تؤديها في زراعة الأرض من خلال تركيز صوري في فيلم  Mother India يتسجل في قلب مشهدٍ يجمع بين واقعية الحالة، وأسلوبية الفقرة الغنائية)، ومع ذلك، تنمحي أمام جسد راقصة باليه خلال مشاهد رقص خالصة.

البعض أصبحن ممثلاتٍ بفضل إمكانياتهنّ الاستثنائية على الرقص، مثل"مادوبالا" في الفيلم الرائع Mughal-e-Azam (من إنتاج عام 1960، وإخراج K. Asif حيث الموضوع، والعظمة الملحمية تُذكرنا بفيلم "جودا أكبر").

ولكن، أقلّ تواضعٍ في التصميم الراقص لا يؤدي إلى نتيجةٍ على مستوى عالٍ، فإنّ براعة الإخراج تُوازنه، وتجعله مقبولاً، كما الحال في مشهد الرقص المُنفرد لـ"نيمي" وسط أجراس المعبد من فيلم  Amar/1955لمُخرجه"محبوب خان".

ويمكن الإشارة إلى حالةٍ متطرفة، تلك الخاصة بالحلوة جداً "مينا كوماري" : كانت الذروة عاطفية أكثر منها درامية في  Pakeezah/1971لمُخرجه "كمال أمروحي"، هي رقصة معقدة، ومنجزة عن طريق الخليلة التي تؤدي دورها.

كانت الممثلة تُعاني من مرضٍ خطير، وغير قادرة على مواجهة تصوير ذلك المشهد الصعب، وأُستعيض عنها ببديلةٍ غطت وجهها بحجابٍ يرتبط بمُحتوى المشهد، وماتت "مينا كوماري" بعد فترةٍ قصيرة من العرض التجاري للفيلم، ولكنّ ذكراها ظلت مرتبطةً عند المتفرج بتلك الرقصة التي لم تؤديها بنفسها.

بدلاً من عزل الجوانب الموسيقية الخاصة بالسينما الهندية، سوف يكون ـ بلا شك ـ أكثر دقةً الحديث عن البُعد الموسيقيّ، من خلالها، فإن أشكالاً سينمائيةً متنوعةً تجد وحدتها في استخدام الغنائية، والأسلوبية.

فقد تمّ التفكير بالديكورات، الملابس، المونتاج، وأداء الممثلين،.. في علاقتها مع هذا البعد.

وهو ليس مجرد ثقلاً إضافياً، أو زخرفة باروكية، ولكنه عنصرٌ جوهريّ ضروريّ.

*عن مجلة  Positif الفرنسية، العدد577- مارس 2009(صفحة 98-100).

* كريستيان فيفياني :  ناقدٌ سينمائيّ فرنسيّ.

 

الجزيرة الوثائقية في

01/12/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)