حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

سعيد صالح:

مشهدى فى «زهايمر» أفضل من ٣٠٠ مشهد فى مسلسل

كتب   محسن حسنى 

«خير الكلام ما قل ودل، والممثل المحترف لا تعنيه مساحة الدور أو عدد المشاهد بقدر ما يعنيه التأثير فى دراما العمل ككل».. بهذه الكلمات تحدث الفنان سعيد صالح عن دور مريض الزهايمر الذى قدمه فى فيلم «زهايمر» مع صديق عمره عادل إمام وهو دور من مشهد واحد فقط!

وعلى الرغم من جرعة الكوميديا فى الفيلم فإن هذا المشهد الميلودرامى أثار مشاعر تعاطف وأبكى المشاهدين، حيث يتحدث سعيد خلاله بذاكرة تبدو ضعيفة للغاية ثم يتبول بشكل لا إرادى.

سعيد صالح سبق أن قدم دورا من مشهد واحد فقط مع عادل إمام فى فيلم «أمير الظلام» ولاقى استحسان النقاد والجمهور وقتها.

يقول سعيد صالح: هناك دافعان لقبولى تلك الأدوار، الأول قوة وتأثير هذا المشهد الواحد فى دراما العمل ككل، والثانى صداقة العمر التى تجمعنى بعادل إمام، على الرغم من محاولة بعض الزملاء التفريق بيننا.

أضاف: هذا المشهد شدنى لأنه مكتوب بحرفية بالغة، فبدايته كوميدية ونهايته ميلودراما، الكوميديا فيه بناها المؤلف على نسيان معلومات شخصية ومعلومات عامة، فالشخصية كانت تتصور أن الرئيس جمال العبدالناصر يحكم مصر حتى الآن، والنهاية الميلودرامية بناها المؤلف على أعراض شيخوخة مريض الزهايمر المتمثلة فى إهماله لمظهره ليصبح أقرب إلى المجذوب فضلا عن تبوله بشكل لا إرادى فى ملابسه أثناء حديثه مع صديق قديم.

وأكد سعيد: لم أقابل مريض الزهايمر فى حياتى من قبل، كما لم استشر طبيباً أو متخصصاً فى علاج المخ والأعصاب، وإنما قدمت المشهد طبقا لقراءتى له واتباعا لتوجيهات المخرج، بينما تركت مهمة الاطلاع والاستشارة للمخرج والمؤلف وأعتقد أنهما استعانا بطبيب متخصص وأمدهما بالمعلومات الكافية.

وقال سعيد صالح إن علاقته بهذا الفيلم لا تتعدى ٣ ساعات هى المدة التى قضاها فى التحضير للمشهد ثم تصويره فى دار مسنين، وأضاف: لم نضطر لإعادة التصوير لأننى استمعت جيدا للمخرج وفهمت سياق الفيلم والشخصية، ونجحنا فى تصويرها فى المرة الأولى دون إعادات على الرغم من تركيبة المشهد الجامعة بين الكوميديا والميلودراما.

وعن علاقته بعادل إمام قال سعيد: صداقتنا مستمرة، وهو يزورنى باستمرار، وأعتبر نفسى مقصرا فى حقه أحيانا لأن سكنه بعيد، فى الماضى كنا جيراناً فى شارع البطل أحمد بن عبدالعزيز أما الآن فالمسافات بيننا طويلة لكن صداقتنا لم تتأثر، لذا لم أرفض له طلبا وبمجرد أن رشحنى للدور ومعه المخرج عمرو عرفة كنت متأكدا من أن الدور مناسب لى لأن عادل يعرفنى جيدا ويعرف أننى لا أهتم بعدد المشاهد، وأكره «الدش عمال على بطال»، كما يحدث فى بعض المسلسلات، وقد كرهت العمل فى التليفزيون بسبب «الرغى» واتخذت قرارا بعدم العمل فى التليفزيون بدءاً من الآن، لأن الممثل أصبح «يدش ٤٠٠ صفحة» أمام الكاميرا وإذا فحصتها لا تجد فيها جملة واحدة ذات قيمة، وفى رأيى مشهد واحد «زهايمر» أفضل من ٣٠٠ مشهد دراما بلا قيمة، كما أننى أرفض أدواراً كثيرة فى السينما رغم زيادة عدد مشاهدها ورغم أجرها الكبير، لكننى أبحث عن القيمة، خاصة أننى فى سن لا أحتاج فيها للمال أو الشهرة، ولا يهمنى سوى قيمة الدور.

المصري اليوم في

01/12/2010

 

٢٠ دقيقة تسجيلية تؤكد توصل الفراعنة لأصول الفن السينمائى

كتب   محسن حسنى 

عرض قصر الثقافة السينمائية منذ أيام الفيلم التسجيلى القصير «اللغة السينمائية عند قدماء المصريين» للمخرجة «جين بقطر» الشهيرة بـ«فايزة»، ونال الفيلم استحسان النقاد الذين تابعوه طوال مدة عرضه التى وصلت إلى ٢٠ دقيقة دون أن يشعروا بملل، ربما لأن موضوعه جديد، حيث يسوق الفيلم الدلائل المصورة التى تدل على أن المصريين القدماء عرفوا مبادئ وأصول الفن السينمائى وطبقوها فى جدارياتهم التى وصفت مشاهد مهمة من حياتهم وفق تسلسل وبناء درامى واضح.

اللافت للنظر أن مخرجة الفيلم، البالغ عمرها ٨٥ عاماً، درست فن الإخراج السينمائى حين كان عمرها ٧٣ سنة فى قصر السينما، وتحولت من عملها الأساسى فى السياحة والآثار إلى العمل فى السينما، وأخرجت طوال الاثنى عشر عاما فيلمين تسجيليين فقط كليهما عن الحضارة المصرية القديمة،

الأول عنوانه «الحضارة المصرية القديمة نبلا وسموا وخلوداً» وفاز بجائزة أحسن فيلم فى مهرجان المركز الكاثوليكى، كما عرض فى سويسرا وإيطاليا ضمن احتفاليات ثقافية عن الحضارة المصرية،

وفيلمها الثانى هو «اللغة السينمائية عند قدماء المصريين» الذى تستعد للمشاركة به فى عدة مهرجانات دولية.

تقول جين بقطر: دخلت مجال الإخراج السينمائى وأنا فى هذه السن ليس طلباً للمال أو حباً للشهرة، وإنما من أجل توصيل رسالة أؤمن بها من عملى الأول وهى إظهار عبقرية المصريين القدماء، وفى الفيلم الأخير أوضح كيف أنهم توصلوا للفن السينمائى، لدرجة أنهم كانوا يسخرون من الملك إخناتون وزوجته نفرتيتى بتصويرهما على جدارية راكبين عربة يقودها قرد، وهذا يتشابه مع الأفلام التى تنتقد الحكومة حاليا،

وقد عرف الفراعنة فن المونتاج وبدا هذا واضحاً فى جدارية سبائك الذهب بمقبرة ميرى روكا، حيث صنعوا تسلسلاً من ٦ جداريات متتالية تحكى خطوات صناعة الذهب، بدءاً من وزن الذهب فى أول جدارية، وصهره فى الجدارية الثانية، ثم صبه فى قوالب بجدارية ثالثة، وتشكيله فى سلاسل بجدارية رابعة ثم عمل قلائد للصدر بجدارية خامسة ثم قلادة من نوع آخر فى الجدارية السادسة.

تحدثت جين عن صعوبات التصوير فقالت: المشكلة إننا صورنا فى أماكن أثرية من الصعب جدا الحصول على تصاريح للتصوير بها مثل المتحف المصرى ومعبد أبوسمبل وأماكن أثرية أخرى فى سقارة والأقصر وأسوان، لكن من حسن حظى أن عملى السابق بالسياحة والآثار وإدراكى لحساسية تلك الأماكن لآلات التصوير جعلنى أتعامل برفق مع هذه الآثار،

 ولهذا السبب حظيت بتدعيم الدكتور عبدالحليم نورالدين، رئيس المجلس الأعلى للآثار السابق، وخلافاً لصعوبة الحصول على التصاريح واجهتنا صعوبة فى التصوير داخل المقابر، بسبب ضيق المساحة وصعوبة حركة الكاميرا، وبسبب تلك الصعوبات استغرق التصوير فترة طويلة وصورنا مادة خام كثيرة اخترنا منها ٢٠ دقيقة فقط ليكون الإيقاع سريعاً.

المصري اليوم في

01/12/2010

 

رحلة «جوليا روبرتس» بين «الطعام والصلاة والحب»

كتب   فاطمة ناعوت 

يحدث أن نخاصمَ «أرواحَنا» على مدى سنوات عمرنا، نغاضبها، نشاكسها، نُحبطها، نجهضُ أحلامَها، نخيّب توقعاتِها فينا.. ثم يحدث فجأة، عند منتصف العمر غالبًا، أن ننتبه إلى أن الوقت قد حان لمصالحة تلك الروح التى عذّبناها عقودًا طوالا، فنمضى بقية أعمارنا فى التودد لها، وتدليلها، ورأب صدوعها والمحاولة للوصول، بها، ومعها، إلى حال اتزان وسلام، وفق معاهدة، قد تستمر إلى نهاية الحياة.

رحلةُ البحث عن ذلك السلام هى الرحلةُ التى قطعها عمر الحمزاوى فى رواية «الشحّاذ» لنجيب محفوظ. وهى الرحلةُ ذاتها التى قطعتها إليزابيث جيلبرت فى روايتها «Eat, Pray, Love» لتؤديها جوليا روبرتس على الشاشة فى فيلمها الأخير.

الرواية التى تصدّرت قائمة Best Seller فى أمريكا، وبيع منها ستة ملايين نسخة، قصّت فيها جيلبرت ١٠٨ حكايات ذاتية، بعدد حبّات خرز المسبحة الهندية، مقسّمة على ثلاثة فصول: الطعام، الصلاة، الحب، يحمل كلُّ فصل ٣٦ حكاية، مما ينتمى لأدب الرحلات، قطعتها من نيويورك، مدينتها، متجهة نحو الشرق، حيث روما الإيطالية، لتجرّب متعة تناول الطعام دون حساب السعرات الحرارية والخوف من شبح البدانة،

ثم تنزل جنوبًا نحو الشرق الأقصى حيث الهند، لتجرّب متعة الصلاة، والاعتكاف فى هيكل التأمل، وممارسة اليوجا وصولا إلى صفاء الذهن والروح. ثم تتوجه نحو جزيرة بالى الإندونيسية، لتجرب بهجة الحبّ وجنونه.

فيلمٌ ثرىٌّ بتعدد المشاهد فى أمكنة مختلفة من العالم، ومئات البشر من أعراق وجنسيات متباينة، ينتمون إلى حضارات وثقافات متنوعة، كان الرابط بينهم، جوليا روبرتس، ليزا، التى قطعت آلاف الأميال، بحثًا عن الاتزان الروحى، لتؤديها على أجمل ما يكون الأداء، بعينيها المشرقتين، كطفلة تتعرف على العالم، وعمق امرأة أربعينية وصلت إلى ذروة النضوج الوجودى، وشقاوة هِرّة لا تشبعُ من الحياة.

غريزة الطعام، تحقق التوازن الجسدى لدى الإنسان. متعةُ الصلاة، تحقق التوازن الروحانى. ثم عاطفة الحب تأتى لتجاور ما بين التوازنين معًا، فتصالح الجسد مع الروح، فيتحقق التوازن الكامل، المعادلة الوجودية الفريدة التى تزاوج ما بين الفضيلة والجمال.

ليز جيلبرت امرأة أربعينية من مدينة نيويورك، اكتشفت أن الزواج لم يصنع اتزانها، كما كانت تراهن، فقررت أن تهجر الزوج وتهيم شرقًا، بحثًا عن مصالحة «الروح» التى أحزنتها السنوات وشرّختها التجارب.

بدأ الأمر حينما تذكرت نكتة إيطالية قديمة تقول: «إن رجلا ذهب إلى كنيسة ووقف أمام تمثال قديس،

وقال له: أرجوك أرجوك أرجوك أريد أن أدخل الجنة. فعادت الروح إلى التمثال وقال: أرجوك أرجوك أرجوك إشترِ تذكرة». ففكرت ليز لنفسها: معى ثلاث تذاكر، لا واحدة.

ذهبت إلى روما، لتختبر متعة التهام طبق المكرونة الإسباجتى دون محاذير خبراء الرشاقة. فالحلّ بسيط، مجرد أن تنزل السوق وتشترى بنطلون جينز بمقاس أكبر.

راحت تتأمل كيف يعيش الإيطاليون بملء طاقاتهم، ويحركون أياديهم أثناء الكلام، وجربت مذهبهم الشهير: «متعة ألا تفعل شيئًا» وسرعان ما هجرت متعة الطعام، ونزحت للهند لتجرّب مباهج أخرى: متعة التأمل، ومتعة «الصمت» حيث يعلّق الشخص ورقة فوق صدره تقول: I am in silence، أنا فى حالة صمت، فيحترم الناس صمتَه ولا يلحّون فى الحديث.

وهناك تعلّمت الدرس الوجودى الأرقى: أن تتقبّل كلَّ إنسان تقابله، كمعلّم لك. ثم كانت على موعد فى جزيرة بالى للقاء العرّاف الإندونيسى الذى تنبأ لها قبل عام بأنها عائدةٌ إليه. تعرفت هناك على واين، المطلقة الفقيرة التى تربى ابنتها. فأرسلت ليز إيميلا جماعيًّا لأصدقائها فى نيويورك تخبرهم فيه بأنها تود أن تكون هدية عيد ميلادها الوشيك هى التبرع لتلك المرأة لتشترى منزلاً يقيها وابنتها «توتى» عذاب التشرد، وهو ما كان.

فكان كأنما تبرعوا لكل البشر، حيث اسم «توتى» بالإيطالية يعنى «كل الناس».

 وحين كان لقاؤها مع الحب الحقيقى الذى تجسد فى رجل من إندونيسيا، وقتها فقط أخبرها العراف بأنها نجحت فى تحقيق التوازن الداخلى، لأن ضحكتها لم تعد تخرج من الوجه. بل من الكبد. وكذلك وجدت الإجابة عن سؤال عمرها الوجودى الذى ظل يحوّم دون إجابة أربعين سنة: ما الذى تريده ليز؟

ريفيو

الاسم الأصلى: Eat, Pray, Love

بطولة: جوليا روبرتس

قصة: إليزابيث جيلبرت

إخراج: ريان ميرفى، ٢٠١٠

المصري اليوم في

01/12/2010

 

 

الهجرة إلى أمريكا في فيلم فلسطيني

د. سعادة خليل  

فاز الفيلم الأمريكي 'أمريكا' من إخراج شيرين دعبس، بجائزة 'فيبريسي' لأحسن فيلم في برنامج النقاد وبرنامج المخرجين، وهو أول فيلم روائي طويل لمخرجته الأمريكية الفلسطينية الأصل، الذي فاز عن جدارة، حيث أضاف موهبة جديدة إلى السينما الفلسطينية في المنفى.

وكان العرض العالمي الأول للفيلم في مهرجان 'صاندانس' في كانون الثاني/يناير، ثم عرض في 'ملتقى الشباب' في مهرجان برلين في شباط/فبراير، ثم في 'برنامج المخرجين' في مهرجان كان، ويندر أن يعرض فيلم مجرد عرض في مهرجان برلين.

حاول الفيلم الإجابة على مجموعة من أسئلة صعبة مثل: لماذا تهاجر؟ ماذا تترك وراءك؟ ماذا ينتظرك في بلد الهجرة؟ كيف يمكنك العيش ضمن البناء الاجتماعي لموطنك الأصلي؟

يروي الفيلم قصة أم وحيدة منى (نسرين فاعور) وابنها فادي (ملكار المعلم) في سن المراهقة. هي موظفة في أحد البنوك في رام الله تعاني في حياتها حيث هي مطلقة ومسؤولة عن ابنها المراهق فادي . تعمل في رام الله وتسكن في بيت لحم. تقطع الطريق جيئة وذهابا كل يوم مع ابنها ويعانيان معا من إذلال الاحتلال الصهيوني لهما على الحواجز ونقاط التفتيش المتعددة، كما هي حال الشعب الفلسطيني.

في أحد الأيام وفي أثناء عودتها إلى المنزل وجدت رسالة من الحكومة الأمريكية مدسوسة بين حبات البندورة مع الرسائل الأخرى. اكتشفت أنها فازت بيانصيب البطاقة الخضراء Green Card الأمريكية. وكان عليها اتخاذ قرار السفر من عدمه في خضم حياتها الأسرية المضطربة. وكانت فكرة السفر تطرح تحديا كبيرا عليها، حيث سيؤدي سفرها إلى ترك أمها وأخيها، بالإضافة إلى القلق على ابنها فادي بخصوص المدرسة والجامعة. وبعد تردد كبير وتحت إصرار ابنها تقرر السفر إلى الولايات المتحدة فذلك أفضل من بقائها كسجينة في وطنها.

ويشاء سوء حظهما أن يتزامن وصولهما إلى مطار أوهير شيكاغو بعد بدء الحرب على العراق، حيث كانت مشاعر الكراهية والغضب والعنصرية ضد العرب ومن يشبههم في أوجها. وكان ما كان من موظف الهجرة والجمارك من غلظة عند توجيه الأسئلة وكانت إجابتها لجهلها في اللغة غريبة ومضحكة أحيانا. عندما سألها، مثلا، عن الوظيفة Occupation أجابت نعم جئنا من المناطق المحتلة. وكذلك تمت مصادرة مدخرات حياتها المخبأة في علبة الحلويات.

تنتقل للعيش مع شقيقتها رغدة (هيام عباس) وزوجها الدكتور نبيل (يوسف أبو وردة) في بلدة صغيرة في ولاية إلينوي، حالمة بحياة أفضل. ولكنها تصاب بخيبة أمل مريرة حيث لم تتمكن من أن تجد عملا مناسبا لخبرتها كمحاسبة في بنك. وقبلت بوظيفة في مطعم للوجبات السريعة (القلعة البيضاء) ، حاولت إخفاء ذلك عن أفراد أسرتها وادعت أنها تعمل في البنك المجاور للمطعم. وتقوم بانتظار شقيقتها يوميا لتقلها إلى المنزل قبالة ذلك البنك. وجدت نفسها في دوامة العمل الشاق والمرهق والمذل في آن لتوفير لقمة العيش لها ولابنها. ويتتبع الفيلم المصاعب التي مرت بها منى وفادي والمفارقات والتلميحات العنصرية في المطعم والمدرسة على السواء. وفي خضم هذه المصاعب والمواقف التي مر بها فادي، وجدت في مدير المدرسة Joseph Ziegler (المهاجر اليهودي) التفهم والمساعدة على حل مشاكل ابنها. واستطاعت أن تتجاوز كل الصعوبات إلى حد أنها استطاعت أن تمد يد العون إلى عائلة شقيقتها في سداد أقساط البيت.

يتسم الفيلم بالأداء الممتاز واستطاع أن يبرز طاقة الفنانة نسرين فاعور باعتبارها العنصر الأساسي فيه. ويظهر أداؤها الصادق السلس من دون تكلف أو تصنع.

أما من الناحية السياسية فليس هناك من جدل حول هذا الفيلم. اللهم من أطراف صهيونية متطرفة أو من اشخاص عنصريين حاقدين. فيلم يمكن أن يقال عنه (الملهاة المأساة) معا، لأنه مليء بالمفارقات المضحكة المحزنة في آن.

كاتب وباحث من فلسطين

القدس العربي في

01/12/2010

 

فيلم يطرح قضية وجودية بقالب كوميدي رومانسي

'قريب منك': حين نفقد البصيرة ونستردها بالحب

محمود عبد الرحيم  

يمكن اعتبار فيلم المخرج الألماني الموت جيتو 'قريب منك' درسا في الكوميديا الراقية لصناع الأفلام المصريين، الذين يتصورون أن الاضحاك هدف في حد ذاته، حتى لو كان بلا قيمة أو رسالة ما تقف وراءه، ويرون أن الكوميديا مجرد نكات وعبارات محملة بإيحاءات جنسية أو حركات جسدية بهلوانية، على نحو يحمل الكثير من السطحية والإسفاف والانحدار بالذوق العام.

وهذا الفيلم المميز لا تتوقف جاذبيته عند المعالجة الكوميدية، بل تمتد أيضا إلى الحس الرومانسي، اللذين ينطلق منهما المخرج لمناقشة قضية وجودية في غاية العمق والجدية، بشكل يوفر فرصة التأمل الفكري ذي المنحى الفلسفي، إن جاز التعبير، مع الاستمتاع بحالة رومانسية مرحة.

فالفيلم يثير بشكل غير مباشر تساؤلات حول معنى الحياة وتشيؤ الإنسان في المجتمع الرأسمالي، ومدى إمكانية الهروب من سجن الماديات والتمرد على روتينية النظام الآلي الباعث على السأم والقلق النفسي، وفي ذات الوقت، يضعنا أمام مرآة أنفسنا لنتأملها، وندرك أننا في زحام الحياة وإيقاعها اللاهث نتحول لآلات بليدة الحس والإدراك، فاقدة القدرة على الرؤية واكتشاف مواطن السعادة في ما حولنا، التي ليست بالضرورة أن يكون مصدرها الماديات، أو أن يتم التعبير عنها بشكل مادي، بالإضافة إلى التساؤل المهم.. عن أي منا العاجز أو بالأحرى الأعمى.. فاقد البصر أو البصيرة؟ وهل العجز مجرد تعطل عضو من أعضاء الجسد أم شلل الإرادة؟

وربما الإجابات عن هذه التساؤلات والمعالجة التي قام بها مخرج هذا العمل، تصلح كمعادلة للسعادة، أو وصفة سحرية لكيفية عيش حياة مفعمة بالتحقق الإنساني، الذي يوقف زحف القيم المادية وتوغلها إلى داخل الإنسان، وينهي اغترابه عن ذاته، وحالة الخواء الروحي شديدة الوطأة.

وقد أجاد المخرج توصيل رسالته من خلال الاتكاء على شخصيتي الموظف الروتيني المضطرب نفسيا، والفتاة العمياء، التي بدت كل منهما ذات طابع رمزي، تصلح لطرح الكثير من الرؤى والأفكار، وفي ذات الوقت تتيح الفرصة للمفارقات وصنع كوميديا موقف بشكل عفوي ناعم.

فهذا الموظف تحول إلى كائن آلي، تتمحور حياته حول العمل الذي يبدو رمزا مجسدا للمادية، بحكم أنه يعمل في بنك، ولا هم له إلا الحسابات وعد النقود وتفحصها، فيما الفتاة عازفة موسيقية، بكل ما ترمز إليه الموسيقى من السمو والإشباع الروحيين.

وحين يلتقي الاثنان مصادفة يحدث الصدام الطبيعي، نتيجة أن كلا منهما ينتمي إلى عالم آخر، غير أن 'سهم كيوبيد' انطلق، وحدث الانجذاب الذي سرعان ما حول سوء التفاهم إلى إعجاب واهتمام متبادل، أكدت عليه الفتاة التي يحركها إحساسها الداخلي، بمبادرتها إلى دعوة الشاب لتوصيلها إلى منزلها.

وعند باب البيت يتركها، ليعود إلى شقته ليجد الكهرباء مقطوعة، فيصيبه الارتباك الشديد، وتزداد حالته سوءا مع اكتشاف سرقة الأثاث، وسيطرة القلق والأرق عليه، لدرجة لا يحتملها، وسط حالة من الخواء ذي الدلالة الرمزية وليست المادية فقط، متمثلا في فراغ الشقة، وفراغ الحديقة، وفراغ حتى محطة الباص ليلا، حين يقرر الهروب من هذا الإحساس داخل البيت، يلاحقه في الشارع، إلى أن يذهب إلى بيت عازفة التشيلو التي تستقبله بحفاوة وتسعى للتخفيف عنه.

وكأن المخرج أراد بهذه المشاهد الأولية سريعة الإيقاع أن يدخلنا سريعا في أجواء الحدث، ويعرفنا على بطلي حكايته والسمات النفسية لكل منها، ويؤكد منذ البداية على التناقض بين شخصية الشاب المستمد طاقته من الخارج، والفتاة التي تحركها طاقتها الداخلية، فإذا ما انطفأ الضوء الخارجي (الصناعي) ارتبك وتوتر، فيما الفتاة التي تعيش الظلام الدائم تتصرف بسكينة وهدوء نفسي، تتلمسهما من نور البصيرة.

وقد سعى المخرج إلى توضيح أن هذا الاضطراب الذي يعانيه الشاب، ليس فقط مبعثه 'فوبيا الأماكن المظلمة'، بجعله يتردد على عيادة طبيب نفسي، كلما مر بموقف طارئ أو تجربة تستدعي اتخاذ قرار أو الخروج عن الخط المرسوم والبرمجة الآلية لحياته، فحين يدعو الفتاة الى مطعم فاخر غير معتاد على ارتياده، تعبيرا عن إعجابه بها، وردا على استضافتها له في بيتها، يصيبه التوتر والارتباك، وحين تدعوه الفتاة الى العشاء، يذهب متأخرا، ثم يتردد في الدخول للمطعم، وقد جرى تجسيد هذا المعنى بحرفية بتوظيف المرآة لتظهر أكثر من صورة له، على نحو يوحي بالصراع الداخلي، فيما يقطع المخرج على وجه الفتاة المتأنقة، ويعميه تردده ومخاوفه عن الاستمتاع بمجالستها، فيفر هاربا إلى بيته، وتلحقه الفتاة هناك وهي غاضبة، فيما يحاول التهرب منها للمرة الثانية، لكنها تراه بإحساسها وتواجهه.

كما سعى المخرج إلى تأكيد أن هذا الشخص المضطرب الآلي، في حقيقة الأمر هو عاجز وفاقد للحس الإنساني والإدراك، فحين يحاول استرضاء الفتاة بعد إغضابها، يعرض عليها أن يقدم لها عرض 'بانتوميم' (تمثيل صامت)، وكأنه لا يدرك أنها عمياء، وحين يسعى للتعبير عن مشاعره، ويقدم لها هدية يحضر لها نظارة عميان، بشكل يجرح مشاعرها.

وبعد أن يتصالحا، وتطلب منه أن يعاملها كإنسانة عادية وليست عاجزة، ينفذ طلبها بدون تفكير أو تمييز، لدرجة أنه يتركها تصطدم بحاجز على الرصيف، ما يجعلها تقرر الإبتعاد عنه.

وربما قرارها الحاسم هذا بدا أشبه بنقطة التحول في حياته على وقع الصدمة، وهو ما جسده المخرج بقوة في اللقطة، التي يظهره فيها يعد النقود ويصنفها وهو مغمض العينين، كما لو كان يبدي استعدادا للدخول إلى عالم حبيبته، الذي لم يستوعبه من قبل، رغم محاولاتها العديدة لتقريبه منه.

وأيضا في لقطة إخفاء مبلغ من النقود من عهدة زميله، الذي يستغل طيبته وعشقه للعمل، ويجعله يقوم بمهامه، ملتمسا الأعذار ليتهرب من مسؤولياته، وبدا هذا الموقف، كما لو كان تمردا على القهر والاستغلال الوظيفي الذي أدمنهما، وعقابا لزميله الذي يستغفله ولرئيسه الذي يقهره.

ولكي يؤكد المخرج ان الكل مأزوم في هذا النظام، وأن أزمة الإنسان حلها من داخله، وليس من خارجه، يجعل الموظف يذهب كالمعتاد إلى طبيبه النفسي، فيجده هو نفسه يعاني من مشكلة مع زوجته، لدرجة أنه راح يواجه مأزقه بالكحول، وحين يخرجان معا للهواء الطلق ويسعيان من خلال اللهو بطائرة بـ'الريموت كونترول' إلى تفريغ شحناتهما السلبية، تسقط على الأرض وتتحطم، ويخرج عن شعوره، ويعنف مريضه، ويتهمه بالضعف والفشل في اتخاذ قرار، أو القيام بمواجهة ما ومن حوله، بشكل يعكس أنه حتى الطبيب مضطرب نفسيا وغير متحقق.

وربما كان هذا الموقف تأكيدا آخر لحالة الإفاقة، جراء الصدمة، لذا نرى البطل يخرج عن تردده، ويبحث عن البطلة حتى يلقاها في حفل.

وقد حرص المخرج على التركيز على وجه البطلة وعلى يديها، بلقطات 'كلوز آب'، ليبرز جديتها ومهارتها في العزف كأي إنسان طبيعي، ثم على وجه البطل، وكأن حوارا صامتا يدور بين الشاب وحبيبته، 'إنني أنا العاجز ولست أنت، وانه آن الأوان للخروج من دائرة الخوف والتردد واستردادك'.

وحين يعاود الاتصال بها، تهرول لبيته، وكأنها كانت في انتظاره بلهفة، ويبدو اللقاء مفعما بالمشاعر، خاصة حين تحتضنه وتربت على ظهره، كما لو كانت أما تحتوي صغيرها الغائب أو المفقود.

ومثلما كان حبها له محرضا له على التمرد على روتينية الحياة وإيقاعها الآلي، فإن عودتها إليه مثلت له ليس التحقق الجسدي ولا العاطفي فحسب، وأنما أيضا، الإنقاذ من مصير مجهول، لو استمر في تملك المادة أو بالأحرى تملكته، وذلك حين جمعت المال الذي سرقه، وقامت بإعطائه كله للسيدة المقطوعة اليد، التي تمر بضائقة مالية دفعتها إلى رهن شقتها، بعد بيع كل ما فيها، حتى إذا جاء رجال الشرطة، الذين يحققون في قضية سرقة شقته لا يجدون شيئا ولا يتعرض للمساءلة القانونية.

وهذا الموقف في حد ذاته يحمل أكثر من دلالة، من حيث التأكيد على معنى أن المال ليس غاية في حد ذاته، وأنما وسيلة، وقيمته في إسعاد من حولنا، وحصول العازفة العمياء على التشيلو مقابل هذا المبلغ الضخم من المال، يعني أن ثمة أشياء في حياتنا أغلى من المادة وتجلب لنا السعادة أكثر.

وهذا المعنى وصل في النهاية إلى البطل الذي لم يتذمر ولم يغضب على هذا التصرف، بل بدا أنه كافأ البطلة عليه بأن دعاها إلى العشاء، ليشكرها على إعادته إلى نفسه، والوصول إلى التحقق الإنساني ورؤية ما كان قريبا منه، ولا يراه.

وقد حفل الفيلم بالمواقف الكوميدية، التي صيغت بمهارة، مثل موقف الاشتباك بين البطل والنادل في المطعم، حين يفشل في التعامل مع قائمة الطعام الفاخر، أو حين اشترى طاقم نظارات عميان له ولحبيبته وارتداها ليعبر عن توحده معها، أو حين جرب أن يغمض ويسير حتى اصطدم بدراجة على الرصيف، أو حين سرق النقود وقام بغسلها ومحاولة تجفيفها على السخان، الذي وجده عاطلا، فاضطر إلى تعليقها على الحبال، كما لو كانت غسيلا أو زينة تزين لحظة لقائه الدافئ بحبيبته.

أو حين جاءه المحققون، فأغلق عليهم المصعد، وسارع إلى شقته مهرولا ليجد الحبال خاوية، وسط دهشة المحققين من هذا المنظر الغريب، الأقرب إلى لهو الأطفال.

وقد استغل المخرج كون البطلة عازفة موسيقى لشغل مساحة لا بأس بها من شريط الصوت بالمقطوعات الموسيقية، التي تتيح فرصة للاستمتاع بالموسيقى ذاتها، وتملأ لحظات الصمت، التي تستدعي التأمل في بعض اللقطات، أو تجسد حالة وجدانية معينة، حتى الأغنية الحية التي كان يغنيها المطرب في النادي الليلي في المشهد الأخير، جرى توظيفها لتعبر عن حالة البطل في هذه اللحظة 'أعيش الآن وقتا طيبا'، بينما تقف الكاميرا على وجه البطل والبطلة، وهما في حالة نشوة، ويداهما تتشابكان كالعشاق، ثم يجريان في الشارع الطويل بمرح، وهما مغمضا العينين، بينما نسمع في الخلفية تصفيقا، يبدو أنه ليس موجها فقط للمطرب، وأنما للحبيبين أيضا، لأنهما نجحا فيما يفشل فيه الكثيرون من تلمس الطريق الصحيح.

كاتب صحافي وناقد مصري

mabdelreheem@hotmail.com

القدس العربي في

01/12/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)