حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

اعترافات صباح

في مذكراتها الشخصية تكشف الحزن سيطر علي عائلتي يوم مولدي

بقلم: إيريس نظمي

كتبت هذه المذكرات علي مراحل.. المرحلة الأولي في القاهرة حيث عاشت فترة في أحد الفنادق الكبري.. وكنت التقي بها كل يوم.. كانت تتمتع بحضور طاغي.. كنت أجلس معها بالساعات فحياتها مليئة بالأحداث والشخصيات البارزة المعروفة.. تحدثت فيها عن أزواجها وعن هذه الشخصيات بكل صراحة.
أما المرحلة الثانية فكانت في بيتها بلبنان في عليا فوق الجبل الذي يطل علي أجمل مكان في العالم.

أما المرحلة الأخيرة ففي دمشق ثم لبنان حيث تركت منزلها بعد أن انفض من حولها المعجبون لتقيم في أحد الفنادق لشعورها بالوحدة. كانت صباح تعيش لصباح.. تزوجت  مرات كثيرة.. لكنها أحبت من أزواجها الملياردير »چو حمود« وقد ظلا أصدقاء بعد انفصالهما. كما أحبت ايضا أحد كبار الكتاب المعروفين.. لكن الزواج لم يتحقق!

لماذا يتخوف بعض الفنانين من فكرة كتابة مذكراتهم؟

هل يشعرون انها نذير شؤم.. أم انها كلمة النهاية في شريط حياتهم.. وأن المذكرات هي الحصاد الأخير للرحلة الطويلة.. نظرة الوداع الأخيرة التي يلقيها علي هذه الدنيا الفانية.. تعمدت أن أبحث عن ذكريات ومذكرات نجوم مازالوا يتمتعون بالصحة والشباب وتألقهم الفني لكي ينزعوا هذا التفكير من عقولهم. فاخترت الفنان نور الشريف الذي تألق في هذه الفترة بين نجمين منافسين.. ولإحساسي بأنه سيكون أهم نجم.. وبمجرد أن فاتحته في أمر المذكرات.. فوجئت بانه متحمس للغاية. ثم اكتشفت سر هذا التعجل والتجاوب السريع.. ان في أعماقه احساسا قويا غامضا بأنه سيموت مبكرا وقبل ان يبلغ  خريف العمر.. وربما كان الاستثناء الوحيد هو عبدالحليم حافظ.. فعندما اتصلت به فوجئت به يوافق قبل سفره مباشرة الي لندن للمرة الأخيرة ويجلس معي لساعات طويلة رغم مرضه الشديد.. ربما كان احساسه الخاص بأنه سيودع الحياة..

هذه مقدمة لابد منها قبل ان نبدأ رحلة حياة واحدة من أهم النجوم.. هي الفنانة صباح أو »الشحرورة« كما اطلق عليها فهي من بلدة اسمها »الشحرورة« وترويها بكل بساطة وتحاول ان ترسم من خلالها الطريق الصعب الذي قطعته الي القمة بالجهد والإصرار والعمل الشاق. ان متابعها يلحظ دموعها التي حفرت بها صخور هذا الطريق تختفي وراء ابتسامتها الدائمة وضحكتها المشرقة.. لتعيش بالحب والأمل.. وهذه المذكرات تحوي رصيدا كبيرا من الأحداث والشخصيات الفنية المعروفة ولا تحاول أن تخفي شيئا منها.. فهي مثيرة.. وصريحة.. وجريئة.

البداية

لم يكن يوم مولدي يوما سعيدا.. لم تنطلق الزغاريد في بيتنا.. فرحا بالمولودة الجديدة كما يحدث دائما في مثل هذه المناسبات.. بل سيطر الحزن علي بيتنا.. وظلت الوجوه عابسة خصوصا وجه أمي.. فقد كانت تتوقع ولدا.. وانجاب الأولاد الذكور في بلدتنا -بدادون- الواقعة في منطقة وادي شحرور.. كان شيئا يستحق اطلاق الزغاريد ودق الطبول.

وضاعف من أحزان أمي أني كنت البنت الثالثة.. فجاءت أختي »چوليت« ولم يأت الولد. ثم قالوا في المرة الثانية.. فجاءت أختي »لمياء« ولم يأت الولد.. ثم قالوا سيأتي الولد المنتظر في المرة الثالثة.. فجئت أنا »چانيت جورج« ولم يأت الولد الذي طال انتظاره.. وهذا هو سر عدم الترحيب بقدومي لدرجة ان أمي ظلت يومين كاملين ممتنعة عن ارضاعي وغير راغبة حتي في النظر الي وجهي.. وكأنها تعاقبني عن ذنب لم أرتكبه.. وهل يختار أحد يوم مولده؟ وهل يختار أحد أن ينجب بنات فقط ولا ينجب أولاد؟ الرب وحده هو الذي يحدد ذلك...

ورغم أن جدي كان قسيسا.. ورغم وجود هذا الاحساس الديني القوي لديه.. الا أن أحدا منهم لم يسأل نفسه.. ما ذنب هذه المولودة المسكينة حتي يبدو يوم مولدها حزينا مقبضا هكذا؟ ما ذنبها حتي تقابل بلا حفاوة. لكن عمي الشاعر الذي كان معروفا باسم »شحرور الوادي« كان أعقلهم وأحكمهم.. وهو الذي اقنع أمي بارضاعي. وبعد طول انتظار جاء الولد الذي ينتظرونه. وجاء أخي في النهاية لكي يحل عقدة العائلة..

وجاء الولد بعد ثلاث بنات

والحقيقة اني بدأت أشعر بحنان الأمومة في أروع صوره عندما بدأت أعي الحياة وأدرك الأمور والأشياء.. كانت أمي خفيفة الروح.. تحب المرح وتعشق الفن لدرجة انها كانت تحضر احد عازفي العود لكي يعزف أمامنا.. وفي أحيان أخري كانت تحضر عازف قانون.

وهكذا بدأت مداركي تتفتح في هذا العمر المبكر علي الألحان.

ويقولون إنني كنت طفلة شقية جدا.. أحب اللعب والانطلاق ولا اهدأ ولا أتوقف عن الحركة. ولم اكن طفلة جميلة.. وكنت أسمع أمي وهي تقول »كيف سأحصل لها علي عريس.. كيف ستتزوج؟«.

وظلت الأمور هادئة في حياتنا بعد انجاب الولد الذي ينتظرونه.. وجاء في رحلة الانتظار الصعبة فأذاب جو القلق الذي كان سائدا في البيت.. وأصبحت حياتنا هادئة.. وأمي تغدق علينا من عطفها وحنانها بلا حساب.. وكان أبي مشغولا بقطعة الأرض الزراعية التي نمتلكها في الضيعة.. وكان يمتلك أيضا سيارة »فورد« يستخدمها في أعمال النقل في الضيعة الي البلاد والقري الأخري المجاورة.. وكان سائق السيارة اسمه »طنوس«.. وكم تمنيت أن أركب هذه السيارة في احدي جولاتها لأري الدنيا من حولنا.. لكنها كانت مجرد رغبة طفولية لم أبح بها لا لأبي ولا لأمي.

رصاصة طائشة قتلت أختي چوليت أمام عيني

لكن حادثا غريبا مفاجئا وقع في بلدتنا »بدانون« اهتزت له قلوبنا.. بل أصاب البلد كلها بالذعر والذهول، فجأة دوت الأعيرة النارية علي أثر شجار نشب بين اثنين من المزارعين استخدما العنف.. واصابت احدي هذه الرصاصات أختي »چوليت«.. وصرخنا نناديها چوليت.. چوليت.. لكنها لم ترد..

وهكذا رحلت عنا »چوليت« السمراء.. الفارعة الطول .فجيعة.. وصدمة مروعة لم نكن نتوقعها.. وبقينا نقول ليتها ما خرجت من البيت.. ليتها..

تصرف طائش من هذين المزارعين المتشاحنين.. فعندما استبد بهما الغضب نسيا ان هناك بشرا أبرياء يسيرون بالقرب منهما. اناس ليس لهم أدني علاقة بذلك الخلاف الذي نشأ بينهما. حاول كل منهما أن يصيب الآخر فلم ينجحا الا في اصابة أختي البريئة چوليت التي ذهبت قبل الأوان ولم تعش حياتها.

وظهرت ملابس الحداد في بيتنا.. ومرضت أمي وساءت صحتها وحالتها النفسية.. أما أنا فقد أصبحت أخشي الخروج من البيت خوفا من الرصاص الطائش الذي يصيب الأبرياء.. ولم تبارح چوليت عقلي.. وكثيرا ما كنت انتفض عندما أراها قتيلة ممدودة فوق الأرض والدم ينزف منها بغزارة.

أصبح بيتنا كئيبا بعد رحيل چوليت.. ولم يعد عازف العود وعازف القانون يحضران كعادتهما.. ولم نعد نري سوي الدموع وملابس الحداد السوداء.

..وكان لابد من الرحيل بعد الحادث الأليم

الحقنا أبي بمدارس بيروت.. لكن عمي الشاعر بذل كل ما في وسعه لإلحاقنا بمدارس اخري ذات مستوي أفضل.. وهكذا التحقنا بمدارس الچيزويت التي كانت تعتبر أحسن مدارس بيروت في ذلك الوقت.

وقد لعب عمي الشاعر دورا هاما في حياتي.. فهو الذي عودني علي قراءة الشعر.. وبدأت طبعا بقراءة اشعاره وأزجاله التي كان يكتبها باللهجة اللبنانية.. ولاحظ عمي أني كنت أبكي من شدة التأثر.. بل كنت أغنيها بطريقة مؤثرة.. ولعله أدرك في هذه اللحظات بالذات ان شيئا ما بداخلي.. حبي للقراءة.. قراءتي الدائمة للشعر.. اهتمامي بالغناء.. فهل تفعل التلميذات في نفس سني نفس الشيء!

بكيت وأنا أصلي لتحقيق امنيتي

بدأت اتعود الغناء.. وبدأت أشعر أن المطربة الصغيرة التي في داخلي توشك الاعلان عن نفسها.. بدأت أشعر بروح الفن تنبض في عروقي.. لكن يبدو ان أمي لم تكن راضية عن صوتي وقالت لي في
بالفن مهنة ترفضها اسرتنا
.. بل ان احتراف الغناء يعتبر عيبا كبيرا في رأي معظم أفراد العائلة وأولهم جدي الذي كان قسيسا.. أما خال أمي »المونستيرتمل« فقد كان مشهورا.. وكان هذا لسببين كافيين لاقناعي بالابتعاد فورا عن طريق الفن واختيار طريق آخر أكثر أمنا وسلاما.

دخلت قلوب الناس من خلال »هند«

ولكن يبدو ان الظروف تتحرك وتعمل لصالحي.. فقد حدث أن قررت المدرسة تقديم مسرحية اسمها »الأميرة هند«.. وكان عمري وقتها ٤١ عاما. وكنت تلميذة محبوبة من جانب راهبات المدرسة اللاتي كن يطلبن مني في أحيان كثيرة أن أغني لهن واسمعهن صوتي..ورشحتني الراهبة المسئولة عن تقديم العرض المسرحي لدور البطولة.

ووجدت الراهبة تحضر في كل يوم خمس بيضات ثم تكسرها وتحرك صفار البيض بشدة وترجه أكثر من مرة.. ثم تقول لي: »اشربي فهذا سيفيد صوتك ويجعله قويا«.وطبعا صدقتها وظللت أشرب صفار البيض كل يوم علي أمل أن يصبح صوتي قويا كما تقول الراهبة.. وانشغلت بالبروفات.. انها أول تجربة لي.. أول مرة اواجه فيها الناس فوق خشبة المسرح.. ان الدور تمثيلي غنائي لا يتطلب فقط صوتا جميلا في الغناء بل يتطلب أيضا أداء تمثيليا سليما.. ولم تكن لي خبرة في هذا المجال وتذكرت دعائي في الكنيسة وما قالته صاحبتها في بلدة »جاليديب«.. ان من يدخلها لأول مرة ويطلب أمنية بعينه تتحقق له هذه الأمنية.. وتذكرت أيضا جملة أمي المشهورة التي كانت لاتكفي عن ترديدها عندما تسمع غنائي »انت مش حيطلع منك حاجة«.

ومما ضاعف ثقتي في نفسي في نفس الوقت ان بعض الذين حضروا بروفات المسرحية وشاهدوني وانا استعد لدور »الأميرة هند« شجعوني ومن بينهم »عيسي النحاس« ذلك الممثل المسرحي القديم الذي اعتزل التمثيل لكبر سنه ثم أصبح يعتمد في حياته علي تأجير الملابس المسرحية للممثلين والممثلات.. مصدر رزق شريف يجعله قريبا من المكان الذي يحبه.. خشبة المسرح.. وقد أحضر لي »عيسي النحاس« ملابس الأميرة هند وشاهدني أثناء البروفات.. ومازلت أذكره يوم عرض المسرحية عندما ذهب الي أبي بعد انتهاء العرض قائلا له: »حرام عليك ان تغني فقط علي مسرح المدرسة.. يجب ان تعمل وتغني في أماكن اخري« وغضب أبي غضبا شديدا.. لقد تقبل فكرة اشتراكي بالغناء والتمثيل في حفل المدرسة تحت اشراف الراهبات.. ولكنه لم يسمح بتكرار ذلك في أماكن اخري.

وتزعم جدي القسيس جبهة الرفض واتفقوا علي ضرورة أبعادي عن هذا الطريق الذي يرونه خطرا.. بل أن بعض أفراد الأسرة قاطعوني تماما خصوصا عمي »المونسنيير« الذي رأي أن احترافي الغناء سيكون اهانة شخصية له هو بالذات واساءة بالغة لشهرته الواسعة وسمعته الطيبة.. وهكذا أصبحت الأسرة في جانب.. وأنا في جانب لكن أمي كانت معي بكل مشاعرها.. فهي فنانة بطبعها- يغلب عليها حب الفن- فبعد أن كانت تقول لي دائما جملتها المشهورة.. »انت مش حيطلع منك حاجة« تغير موقفها بعد أن سمعت رأي الناس في حفل المدرسة.. فبدأت تناصرني وتقف الي جانبي.. لم يكن موقفها صريحا في البداية لكنه أخذ بالتدريج يأخذ الشكل الصريح..

صحيح أن صوتي لم يكن قد نضج بعد ولا استطيع أن أقول انه كان في ذلك الوقت صوتا قويا ومتكاملا.. لكنه كخامة صالحة كان يوحي بالأمل مع استمرار الصقل والتمرين والاعداد السليم.

وضاع صوتي وأنا أغني للأدباء والصحفيين

لم تعد أمي تخفي رأيها بل قالت ذات مرة بصراحة: »مادامت جانيت تحب الفن الي هذا الحد.. ومادامت تمتلك صوتا لابأس به فلماذا لانشجعها بشرط ان نختار لها المكان المناسب لها في العمل الذي يمكن ان تقدمه في المكان المناسب.. ان رعايتنا لها هي التي ستحميها من اية مخاطر أو مشاكل«.. لكن أبي ظل معارضا يسانده جدي القسيس زعيم جبهة الرفض التي اخذت عن عاتقها مسئولية ابعادي عن طريق الفن ولو بالقوة.

والحقيقة أن تشجيع أمي وراهبات المدرسة كانا دافعا قويا في التحرك نحو الهدف الكبير الذي اسعي الي تحقيقه ولو كلفني ذلك حياتي لقد أصبحت مجنونة بالفن.. ثم جاءت أول فرصة للغناء خارج المدرسة وفي مكان محترم هو نقابة الصحفيين.. وحاولت أمي اقناعهم بأن الغناء في هذا المكان المحترم ليس عيبا وقالت لهم »چانيت حينما تغني في هذا المكان لاتغني للسكاري بل تغني أمام أصحاب الأقلام والأدباء الذين يقدرون الفن ويحترمون من يمارسه«..  ونجحت محاولات أمي ووافق أبي علي الاشتراك في حفل نقابة الصحفيين في الحفل الذي اقامه نقيب الصحفيين في ذلك الوقت »روبير ابيللا«.

أول أجر مادي ٣ جنيهات اخذوها مني!

والحقيقة أنني لم أعرف كيف اسيطر علي أعصابي ومشاعري عندما وقفت امام هذا الجمع الكبير من الصحفيين وأصحاب الأقلام.. ومن شدة خوفي ضاع مني صوتي فهو ليس جمهورا عاديا بل جمهور ناقد لايرحم.. استعدت صوتي وثقتي في نفسي.. وفي هذه اللحظة سمعت التصفيق.. يبدو انهم شعروا بحرجي فآرادوا ان يشجعوني وحين شعرت بتعاطفهم معي وتشجيعهم لي استعدت صوتي وبدأت أغني المواويل اللبنانية.. وكان تقديمها صعبا وكبيرا بالنسبة لبنت صغيرة في مثل عمري.. وشعرت بأنني نجحت في هذا الامتحان القاسي.. وكان اجري في حفل نقابة الصحفيين عشرين ليرة أي مايوازي وقتها ثلاثة جنيهات.. ولم احتفظ به لنفسي فقد اخذه أهلي طبعا.. وكان بالطبع مبلغا كبيرا بالنسبة لي. لكني لم اجرؤ علي طلب الاحتفاظ به لنفسي فيكفي انهم سمحوا لي بالغناء في النقابة.

ذات يوم اتصل مدير اذاعة صوت امريكا بأبي.. قال له أن صوت ابنتك مبشر.. خامة طيبة تحتاج فقط لمن يرعاها.. ان ابنتك خلقت لتكون فنانة.. ولابد ان تهتموا باعدادها السليم. من الضروري ان تكون مثقفة.. وان تتعلم وتجيد لغة اجنبية.. وان تتذوق الأدب والشعر. ويبدو أن كلام مدير اذاعة صوت امريكا ترك اثرا قويا وعميقا في نفس أبي.. فعندما يسمع هذا الرأي من شخص له نفوذه ومركزه الأدبي ويحترمه الناس فلابد ان يعيد النظر في قراره الحاسم بمنعي من احتراف الغناء. واستطعت ان اكسب ثلاثة من العائلة بدأوا يقفون في صفي.. أمي الفنانة بطبعها.. وعمي الشاعر المرهف الأحاسيس.. ثم ابي الذي بدأ يتخلي عن تشدده.. كان مسموحا لي فقط الغناء في هذا الاطار فقط في الحفلات العائلية والجمعيات ذات السمعة الطيبة وفي أعياد الميلاد الذي يقيمها أصدقاء وأقارب أسرتنا.. وكان اجري الذي اتقاضاه عن الغناء عبارة عن باكو شيكولاته او بضع ليرات قليلة. وقد شجعني عمي الشاعر علي اجادة اللغة الانجليزية وايضا علي قراءة الشعر فهو اولا شاعر وثانيا يجيد العزف علي الناي.

امتحنت في الاذاعة بمريلة المدرسة..

وبدأت أشعر بان امنيتي الكبري يمكن ان تتحقق.. فليس هناك شيء مستحيل في هذه الحياة.. ومن يصبر طويلا ينل ما يتمناه.. المهم الا يكون حالما فقط يعيش في الخيال. ولا اظن اني كنت حالمة أو سابحة في ذلك الخيال الوردي غير الواقعي.. خصوصا وان البعض من الشخصيات الهامة باركت استعداداتي الفنية.

لكني كنت ما أزال أفكر في الوصول الي ميكرفون الاذاعة.. انه اسرع طريق واضمن وسيلة للوصول للناس.. فمن الممكن ان اظل هكذا أعواما طويلة اغني في الحفلات والمناسبات العائلية.. ولا اتقدم خطوة واحدة الي الأمام.. الي الهدف الكبير الذي اتمني ان احققه. لكني بصراحة كنت مصابة بعقدة نفسية من ميكرفون الاذاعة.. فقد حدث قبلها بثلاث سنوات ان تقدمت في الاذاعة اللبنانية.. وارتبكت وشعرت برعب هائل عندما وقفت امام الميكرفون وانا ارتدي »مريلة المدرسة« وضفائري تتدلي فوق كتفي.. ولابد انهم قالوا هل هو لعب عيال؟ وكيف تتقدم تلميذة صغيرة بكل هذه الجرأة لكي تقف امام هذه اللجنة الموقرة.. كان من بين أعضائها محيي الدين سلام- والد نجاح سلام- وانصت اللجنة بلا حماس ودون ان المح علي وجوههم اي تعبير اعجاب أو استحسان وقالت اللجنة: »لاتصلح.. انها لاتزال صغيرة السن يمكنها ان تتقدم مرة اخري للامتحان عندما تكبر«..

وهأنذا الآن قد كبرت.. عمري الآن ٤١ عاما فلماذا لا أحاول مرة اخري واتغلب علي هذه العقدة النفسية التي سببها لي ميكرفون الاذاعة؟

فريد الأطرش قال: لاتصلح ابدا

وقفت مرة اخري امام لجنة الاستماع ولابد ان اللجنة لاحظت انني قد كبرت فعلا.. ليس فقط جسديا بل وايضا صوتيا.. ونجحت في المرة الثانية التي ازالت من نفسي كل الآثار غير المريحة للمرة السابقة ومنحتني مزيدا من الثقة في نفسي وفي قدراتي الفنية.

لكني كنت أود أن استمع الي رأي ملحن كبير ومعروف يفهم ويميز طبيعة صوتي ومزاياها وعيوبها.. لكن كيف أصل الي هؤلاء الملحنين الكبار.

ولم أكن اتصور أن هذه الرغبة يمكن ان تتحقق بهذه السهولة.. فقد فوجئت ذات مساء بأبي وأمي يقولان لي: »استعدي يا چانيت فغدا سنذهب الي الموسيقار فريد الأطرش ليستمع الي صوتك وليوجهك التوجيه الصحيح« خدمة قدمها لنا بعض الأصدقاء.

لم انم في هذه الليلة.. فغدا سألتقي بملحن ومطرب كبير.. ورحت اتخيل الفنان فريد الأطرش وهو يستمع الي بانصات واهتمام.. ثم يقول لأهلي صوتها لابأس به.. صوت مبشر.. لكنه يحتاج الي صقل وتدريبات صوتية. وارتديت اجمل ملابسي في ذلك الصباح المشرق.. بدأت باسمة واثقة من نفسي أكثر من اللازم.. وكنت اشعر بنوع من الزهو الخفي لاني ذاهبة للقاء فنان كبير مثل فريد الأطرش.

وأخيرا وجدت نفسي وجها لوجه امام الموسيقار الكبير.. وكدت اذوب خجلا حينما صافحته.. لحظة هامة وخطيرة.. الان سيقرر مصيري.. وبعد التحية والسلام طلب فريد الأطرش ان يسمع صوتي.. وبدأت اغني وعيناي لاتفارق وجهه الذي لم تظهر عليه اية علامات ارتياح.. انتهيت من الغناء.. تطلعنا الي فريد الأطرش الذي اطرق قليلا ثم قال:

-لاتصلح ابدا.. يجب ان تعود الي مدرستها.. وتواصل دراستها.. فهذا افضل لها.. لا.. لاتصلح!!

وانهارت امالي واحسست كان الدنيا تدور بي.. واني علي وشك الانهيار.. وفعلت المستحيل لكي امنع دموعي.. لكني كنت ابكي من الداخل.. ابكي بلا دموع.

وإلي اللقاء في العدد القادم

أخبار النجموم المصرية في

18/11/2010

 

طلقة حبر

كيف تصبح مليونيرا او ممثلا شهيرا في ساعة زمن

بقلم : د.أحمد سخسوخ 

يبدو أن نجيب الريحاني قد أصبح مطمعا ومطمحا وقبلة لكل نصاب يريد أن يتبوأ مكانة اجتماعية كبيرة أو يحقق ثروة أو شهرة علي حساب اسم الرجل الذي رحل عنا منذ أكثر من ستين عاما. فها هي امرأة أجنبية تدعي أنها من صلبه لتحصل علي نجومية في مجتمعنا المصري وتكرم باسمه في جميع المحافل الأدبية والفنية والثقافية، حتي ينتهي الأمر بمطالبتها بممتلكاته لتحولها - كما تدعي للرأي العام - الي متحف بعد أن عجزت الدولة عن تكريم الرجل، ولا تكتفي بذلك، وإنما تحقق حلمها الذي راودها منذ طفولتها لتصبح ممثلة وهي علي مقربة من اكمال ثلاثة أرباع القرن من عمرها.. وهكذا، وباسم الريحاني تحقق بعض أو كثير من أحلامها وأمانيها.

 التزوير باسم الريحاني

والآن نفاجأ بمن يزور أوراق قرابته الأسرية لنجيب الريحاني ليحصل علي ربعمائة ألف جنيه من تركة الرجل المودعة ببنك الاسكندرية بحساب خاص بموجب اعلام وراثة مزور.. ويبدو أن شظف العيش والغلاء الفاحش والضرائب العقارية وغير ذلك وراء حالات النصب والتزوير هذه، ويبدو أن الأزمات الطاحنة التي يوضع فيها البعض تفجر عبقريتهم في التحايل علي هذه الظروف التي يعانيها الناس، وقد تفجرت عبقرية هذا المزور ليحصل علي ما يقرب من نصف مليون جنيه دون أن يبذل مجهودا يذكر، وفي ظرف ساعة زمن.

إن الأمر لا يتطلب إلا تزوير بضعة أوراق وبعض الامضاءات وبعض شاهدي الزور لشراء ذمم فاسدة، والذهاب الي البنك لتحصل علي هذا المبلغ الخرافي، في زمن يلجأ فيه البعض للبحث عن لقمة عيش في أكوام الزبالة والقاذورات، وفي زمن ترتفع فيه الأسعار كل لحظة، ويعجز فيه الشرفاء تحقيق أو ادخار جزء من هذا المبلغ بعرق جبينهم.

 الصراع علي إرث الريحاني

منذ رحيل السيدة مريجوري زوجة بديع الريحاني ابن شقيق نجيب الريحاني ووريثه الوحيد، والذي رحل في التسعينيات، والصراع يشتعل بين غرباء علي الفيلا رقم ٨ الكائنة بشارع بورسعيد بالمعادي، والتي وصل ثمنها إلي ٠٧ (سبعون مليون جنيه) وهذا ما فجره محرر جريد الفجر نبيل سيف في العدد رقم (٥٧٢) ورقم (٦٧٢).. إذ اشتعل الصراع بين بنك ناصر وبعض رجال جني الأموال للاستيلاء علي الفيلا.
والمفاجأة أن ادارة التركات الشاغرة بالبنك اكتشفت قيام شخص مجهول بسحب مبلغ ٠٠٠.٠٠٤ (ربعمائة ألف جنيه
) من حساب بديع الريحاني ابن أخ نجيب الريحاني ووريثه »من بنك الاسكندرية بموجب اعلام وراثة شرعي رسمي، علي الرغم من عدم وجود أي ورثة لنجيب الريحاني أو السيدة مريجوري زوجة ابن شقيقة بديع«.

ويؤكد محرر الفجر أن بنك ناصر بدأ في سرية تامة مخاطبة البنك المركزي وادارة بنك الاسكندرية لفتح تحقيق بخصوص هذه القضية، وقد طلب بنك ناصر - في الوقت نفسه - من البنك المركزي المصري إفادته بأي حسابات لنجيب أو بديع الريحاني أو حتي السيدة مريجوري في أي بنوك حكومية أو أجنبية عاملة في مصر.. وقد بدأ بنك ناصر باتخاذ كافة الاجراءات القانونية للحجز الاداري علي ممتلكات الريحاني وابن شقيقه وزوجة الأخير، والتي تتمثل في مسرح الريحاني بشارع عماد الدين، وقصر ثقافة الريحاني بحدائق القبة، وشاليه نجيب الريحاني بمدينة رأس البر، وفيلا المعادي، بالاضافة الي لوحة فنية بدار الأوبرا تنسب الي فنان ايطالي عالمي، كان نجيب الريحاني قد اشتراها نهاية ثلاثينيات القرن الماضي، وقد استعارتها دار الأوبرا في افتتاحها ثمانينيات القرن الفائت، وكانت قد حصلت عليها من بديع الريحاني الذي فارق الحياة بعد افتتاح الأوبرا، فلم يتمكن من المطالبة باللوحة الفنية التي كان عمه قد اشتراها.

 نصاب آخر

إن محرر الفجر يفجر مفاجآت أخري، إذ تقدم شخص آخر »بطلب لقاضي الأمور الوقتية بالمعادي لاستصدار أمر من المحكمة بتمكينه من الرفع المساحي للفيلا باعتباره الوريث الوحيد للسيدة »مريجوري فرانك روبين الريحاني«.. والغريب في الأمر أن بنك ناصر قد أثبت أن السيدة الأجنبية ليس لها ورثة، وكيف يكون وريث هذه الشخصية الأجنبية هو شخص مصري مسلم، وربما لم يسبق له أن سافر خارج البلاد.. وهنا وإزاء هذا العبث وهذا التزوير رفع بنك ناصر دعوة قضائية عاجلة أمام محكمة جنح المعادي في مواجهة شهر عقاري المعادي لابطال أي أعمال إشهار قانونية علي فيلا المعادي.

 وريث آخر

والمفاجأة الثالثة أن تقدم شخص ثالث محام من بني سويف وكيلا عن ورثة السيدة مريجوري صاحبة الفيلا بموجب توكيل قانوني موثق من شهر عقاري نادي الجزيرة برقم ٤٤٣٥/ب/٩٠٠٢، ودون أن يعلن المحامي وكيل الورثة عن اعلام رسمي للورثة، ورغم هذا استطاع أن يستخرج اعلام ورثة من محكمة النزهة الجزئية في ٢ يونيو ٠١٠٢، رغم أن المتوفاة تتبع حي المعادي.. وقد أوقفت دعوي بنك ناصر أي أعمال إشهار للفيلا..

وكما جاء في قنبلة الفجر، فإن وزير الثقافة قد كلف رئيس المركز القومي للمسرح والموسيقي والفنون الشعبية بإعداد مذكرة عن أزمة فيلا الريحاني بالمعادي لاستصدار قرار رسمي بحصول وزارة الثقافة علي محتويات الفيلا لوضعها في متحف تابع لوزارة الثقافة؟!

والسؤال الذي يطرح نفسه: أليس هذا قرارا متأخرا! بعد أن كثر النصابون والمهرجون والمزيفون لوراثة الريحاني وأسرته، خاصة أن رئيس المركز القومي للمسرح قد ذكر لي بأن السيدة الأجنبية التي تدعي أنها ابنة الريحاني قد زارته في مكتبه لتحصل علي كل ما يتعلق بنجيب الريحاني، ولكنه اعتذر بأدب.

يا سادة متي نتحرك في الوقت المناسب للحفاظ علي تراثنا وتاريخنا قبل أن يصل الي أيدي الفسدة والنصابين والمهرجين الذين يتربحون من صمتنا الذي لا تجده علي بقعة يابسة أخري؟!!

أخبار النجموم المصرية في

18/11/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)