حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

زوم

أروع ما في المهرجانات جوائزها المالية الكريمة

محمد حجازي

مساء أمس انتهت فعاليات مهرجان دمشق السينمائي الدولي، وآخر هذا الشهر ينطلق مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وهو ينتظر رد كايت وينسلت على دعوتها للحضور والتكريم، وما إن ينتهي حتى يكون مهرجان دبي السينمائي الدولي جاهزاً لإطلاق دورته السابعة حيث أُعلن عن حدث كبير يتمثّل بعرض أول الفيلم (Tron Legacy) في ختام أعمال المهرجان يوم 18 كانون الأول/ ديسمبر المقبل، يعني قبل يوم واحد من عرضه الأميركي والعالمي، بينما تكرّم الدورة فنانتنا الكبيرة الأسطورة صباح·

حِراك سينمائي متواصل في عالمنا العربي·

الخبر مُفرح، لكن السؤال ورغم انتهاء أعمال أيام قرطاج السينمائية، أين هي السينما المغاربية، يعني: تونس، المغرب، والجزائر، ولن ندخل في مُفارقة حضور رشيد بوشارب من خلال الإنتاج الفرنسي خصوصاً: الخارجون على القانون، بما يعني أنّ الصور التي تصلنا ليست من البلد الأصلي الجزائر (بوشارب) بل من فرنسا، حيث يتجرّأ بوشارب ويقول كلاماً مُذهلاً في جرأته عن تاريخ فرنسا وما فعلته في المنطقة المغاربية كلها طوال عقود طويلة·

لم نعثر منذ فترة على عمل تونسي لافت، مثل الأيام الخوالي مع رضا الباهي وكبار غيره، وكذلك في المغرب مع جيلالي فرحاتي، والجزائر مرزاق علواش، رغم أنّ المهرجانات السينمائية حاضرة وبقوة وهي تستقطب نجوماً ومفكّرين من أنحاء العالم·

وبعد مواكبتنا لـ ترابيكيا الدوحة، وتوسّع مروحة السينما واحتفالياتها في منطقة الخليج نجد أنّ تعكيراً جديداً بات مطلوباً من هذه المهرجانات، إنطلاقاً ممّا بدأته دبي، وأطلقته أبوظبي (صندوق سند) وإصرار هذه الاحتفاليات على تقديم جوائز مالية مُجزية للفائزين، وبعد فترة من الدعم حين انطلاق التصوير·

إنّ مهمة المهرجانات ليس العرض فقط·

أبداً، فإذا لم تكن مشاركة في ورش الإعداد فلا حاجة ملحّة إليها أبداً، وما معنى المشاركة في مهرجان من دون حافز مادي، فالمعنوي بات أقرب إلى اليأس، ألم يطرح الممثل محمد توفيق للبيع كامل التماثيل والدروع التي حازها طوال حياته، مقابل وجود مَنْ يشفي عينيه·

إنّ تقديم مساهمات مالية أمر غاية في الأهمية، وقد كان مهرجان دبي رائعاً العام المنصرم عندما قسّم مليون دولار على ثلاثة أعمال تلفزيونية مميّزة فنالت نصف المبلغ الشركة المُنتجة لمسلسل <العار> السوري·

لفترة كانت الملاحظات كثيرة تُعطى، والسؤال واحد: لماذا الدول الغنية لا تُقدّم إسهامات مالية عربية دعماً للفن وأهله؟ وكانت محاولة إنتاجية سينمائية ترأسها الراحل فريد شوقي، عندما ترأس صندوقاً فيه 20 مليون دولار خُصص للإسهام في إنتاجات محلية مصرية مدعومة من هذا الصندوق بالكامل أو على أساس النسبة، لكن بعد فترة غير طويلة، لم يكن الأداء جيّداً في التعاطي مع تشغيل هذه الأموال، وثبت أنّ منح المال المتفوّق في السينما يعني الكثير، أما المراهنة عليه في السوق مع أي كان فلا مجال لوجود ضمانة في هذا السياق·

باتت المهرجانات حالياً مبعثاً على التفاؤل في مستقبل صناعة السينما خصوصاً مع المتميّزين في هذا المجال، وقد باشر عدد من الفائزين بجوائز مادية جيدة اتصالاتهم الحثيثة لبدء مشروع جديد لهم، كان موضوعاً على الرف فأُنزل ووُضِعَ قيد الإنجاز، على الأقل البدء بالتحضيرات له من خلال المبلغ المتوافر كانطلاقة·

البعض تضيق صدورهم عن استيعاب هذه الأجواء المهرجانية ويسألون ببساطة ولماذا تكون كثيرة إلى هذا الحد، والجواب أنّ هؤلاء لا تعجبهم كثرة المهرجانات ولا قلتها· إنّهم من جماعة الـ <لا>· يقولونها دائماً لأنهم مفطورون على عرقلة كل شيء·

 

عروض

هوليوود تقود موجة أفلام تحث على الحضن العائلي والإنجاب

(The Switch) تحرّكت غريزة الأمومة فنالتها <آنستون> واستسلم الوالد الواهب لأبوّته فأقدم على الزواج بقلب قوي···

محمد حجازي

من أفلام هذا الأسبوع المميّزة ما باتت هوليوود ميّالة إليه بقوة·

الأفلام الاجتماعية العائلية، التي تصب في خانة الأمومة والأبوة وحب الانضواء تحت لواء العائلة، وهي صورة غير متداولة كثيراً في الغرب·

إذن هناك تحوّل، والجواب السريع: نعم·

الصداقات رحبة وكثيرة جداً بين الرجال والنساء، لكن ماذا تفعل امرأة حين تُريد طفلاً ولا تريد زواجاً·

هذا ما يعالجه فيلم: (The Switch) للمخرجين جوش غوردن، وويل سبيك، عن سيناريو لـ آلن لاب، استناداً إلى أجواء قصة قصيرة لـ جيفري أوجينيديس، واللافت هناك أن الممثلة جنيفر آنستون تولّت مهمة المنتجة المنفّذة للفيلم ومدته 101 دقيقة·

صديقان كايسي لاريسون (آنستون) تعيش وحيدة من دون رجل، لكن لها صديقاً هو ويلي (جايسون باتمان) لم يبحثا ولا مرة مسألة ارتباطهما أو حتى مجرد الإنجاب من دون زواج، ومع وجود فكرة طرأت بقوة على رأسها بادرته: أريدك أن تساعدني في العثور على رجل متكامل أحصل على <ماء حياته> كي أُنجب طفلاً مميّزاً·

هكذا، الطلب بكل بساطة·

استغرب ويلي أنّها لم تطلب منه هو أنْ يقدّم لها ما يساعدها، رغم كونهما معاً منذ 13 عاماً، وعندما تجده غير متحمّس لفكرتها، تبدأ عملية البحث وإذا بها تعثر على شاب وسيم مستعد على الدوام لوهب <ماء حياته> والفوز بمبلغ من المال لأنه بحاجة إليه، وتباشر كايسي مشروعها فتدعوه إلى حفل في منزلها للإعلان عن أنها ستأخذ من الشاب رولاند (باتريك ويلسون) ما يساعدها على إنجاب طفل مميّز· يدخل إلى حمام المنزل ويجهّز ما عليه·

بعد قليل يدخل ويلي ويرى ما فعله رولاند وإذا بالسائل، يندلق في المغسلة فيؤمن ويلي منه بديلاً عنه·

صارا زوجين تحمل كايسي هذا السائل وتُجري عمليتها، وتحمل ثم تُنجب صبياً فيه من خصال ويلي الكثير لكن الرجل لا يقول شيئاً ويترك الأمور تحل بعضها البعض، إلى أنْ خطر ببال كايسي أنّ رولاند طلّق زوجته وبات عازباً، وبالتالي فهو عريس جيّد لها·

تذهب للإقامة معه في منزله وابنها في المنزل لوحده، فتطلب من ويلي أن يرعاه ويعالج له رأسه من القمل، فيفعل وتكون فرصة للأب والإبن كي يتعارفا وكانت الغريزة بينهما هي الدافع للعلاقة الطيبة السريعة التي بُنيت بينهما·

وعند عودة كايسي أبلغت ويلي أنّ الأمر في طريقه للحسم مع رولاند، هنا يغضبها ويلي بردة فعله فيخرج غير راضٍ، لتدعوه لاحقاً حين يقرّر رولاند وضع خاتم الخطوبة في إصبعها وهنا يجدها ويلي فرصة مُناسبة كي يعلن الحقيقة فقال للحاضرين:

أنا والد الصبي سيباستيان، لقد حصل واستبدلتُ سائل رولاند بسائلي، وحصل ما حصل، لذا لن أدع أحداً يكون مع ابني غيري·

ردّة فعل كايسي صفعة على خدّه، فغادر بعدما وضع كفه على رأس الطفل، لتمضي عدة أيام تصل بعدها كايسي إلى مدخل المبنى الذي يعمل فيه ويلي· تنتظر خروجه لتبلغه بأنّ سيباستيان كان دائم السؤال عنه، وأمه كذلك·· سرعان ما يبادرها عارضاً عليها الزواج فلا تتردّد في القبول·

شفافية تبدو السينما الهوليوودية وكأنّها تحمل رسالة اجتماعية عائلية كي تغيِّر من سلوك الجنسين في رفض العائلة، ومع كثرة النماذج التي نطّلع عليها بات واضحاً أن هناك موجة حقيقية من الرغبة في الحضن العائلي وحرارته مع زوجين وأبناء·

و(The Switch) يدخل في صميم هذا المناخ مُركّزاً على امرأة استيقظت فيها غريزة الأمومة وباتت تريدها بأي طريقة، ثم اختتمت بالزواج من والد الطفل واهب السائل ·· سائل الحياة·

أدار تصوير الفيلم جيس هال، صاغ الموسيقى التصويرية آليكس وورمان وشارك في باقي الأدوار: فيكتور باغان، جف غولدبلوم، جولييت لويس، تود لويزو، سكوت إلرود، ريبيكا نعومي جونز، كيلي باريت، وإدوارد جيمس هيلاند·

اللواء اللبنانية في

16/09/2010

 

127 Hours...

تجسيد حقيقي لقصّة آرون رالستون

بتسي شاركي 

يستحيل تجاهل قوة الحياة الملموسة التي تنبض في مجريات فيلم «127 ساعة» الذي يدور في منطقة بلو جون كانيون، بالإضافة إلى براعة بطل الفيلم جايمس فرانكو الذي يجسّد محنة مستخلصة من واقع الحياة عايشها آرون رالستون، متسلّق جبال علق بمفرده في منطقة نائية في منتزه كانيون لاندز الوطني في ولاية يوتا.

انطلاقاً من حادثة سقوط صخرة ضخمة بوزن 400 كيلوغرام تقريباً على ذراع متسلق الجبال الأميركي، يُتحفنا المخرج داني بويل بفيلم مؤثّر عاطفياً وفكريّاً لدرجة أنّ مشهد الحلّ المروّع الذي لجأ إليه متسلق الجبال لإنقاذ نفسه أدى إلى إغماء بعض من شاهد الفيلم. وبدأ الجميع يتساءلون: هل أستطيع أنا فعل ذلك؟

استناداً إلى الأيام الخمسة الصعبة التي قضاها المغامر، 26 عاماً، في أبريل 2003، حين وجد نفسه عالقاً «بين صخرة ومكان صعب» Between a Rock and aHard Place كما عَنْون رالستون مذكّراته التي حصدت أعلى نسبة مبيعات، يُعتبر هذا الفيلم قصّة كلاسيكية عن رجل يتحدّى الطبيعة وعن التدابير القاسية التي يجب اتخاذها أحياناً للبقاء على قيد الحياة. كما هي الحال في قصصٍ مماثلة، سواء وقعت على قمة إفرست أو في أعماق أحد المناجم التشيلية، عادةً ما تكون مواجهة أغرب الاحتمالات التي لا يمكن تخيّلها، واختبار قوة الروح الإنسانية، ونتيجة تلك المواجهة، هي أكثر العوامل التي تثير الاهتمام.

يدرك بويل هذا الأمر جيداً. فقد بنى فيلمه Slumdog Millionaire الذي حصد جائزة أوسكار على هذا الأساس، وقد واجه بطل القصّة سلسلة قاسية من التحديات المدمِّرة للروح البشرية. وها هو المخرج يثبت مجدداً مدى براعته في إيجاد توازن بين تصعيد التوتر في الأحداث وإصدار المشاهد المحورية في الوقت المناسب. في هذا الفيلم، توشك الأعصاب على الانهيار حتى يظهر الحدث المنتظر. فاللحظة التي سبقت حدث الفيلم المحوري، واللحظة التي سبّبت أصلاً خضّة وسط المشاهدين بسبب طريقة تصوير الوسيلة التي اعتمدها رالستون لتحرير نفسه في مشهد دموي يثير القشعريرة كونه يُظهر متسلّق الجبال وهو يبتر ذراعه بنفسه، هذه اللحظة تقتصر على دقائق معدودة ولكن مدهشة، وفيها تأكيد على قاعدة أنّ «القليل يفي بالغرض».

شريك مثالي

وجد مخرج الفيلم في فرانكو الشريك المثالي لتنفيذ المهمّة على أكمل وجه. لو أنّ الممثّل فشل في أداء دوره، لكان الفيلم انحرف عن هدفه الحقيقي فوراً لأنّ البطل كان مضطرّاً إلى تمضية معظم مشاهد الفيلم من دون إصدار أي حركة تقريباً. وفي خطوة ذكيّة وناجحة هدفها التعامل مع صعوبة التصوير ضمن حدود وادي كانيون الوعرة، استعان بويل بمصوّرَين سينمائيين، هما أنثوني دود مانتل الذي عمل إلى جانب مخرج Slumdog، وأنريكي شدياق (Charlie St. Cloud، وThe Good Girl)، كانا مجهزّين بثلاثة أنواع من الكاميرات للحصول على التأثيرات التي أرادها.

بدأ فرانكو هذه السنة الناجحة جداً بالنسبة إليه في ساندانس خلال رحلة استكشاف روح الشاعر آلن جينسبيرغ الجامحة في فيلم Howl، وهو بمثابة تمرين فكري مهمّ تراوح بين النوادي الليلية وصولاً إلى قاعات المحاكم. ثم أدّى بعد ذلك دور عشيق جوليا روبرتس الأصغر سناً في فيلم Eat Pray Love، كذلك ظهر في برنامج General Hospital وخاض رحلة من شأنها تعزيز أدائه الفني لزيادة درجة الإثارة في حياته. في المقابل، يشكّل 127 Hours تجربة حياة منفردة تستلزم تعزيز القوة الداخلية، ويتنقل فرانكو خلالها بين حالات عاطفية وجسدية متنوّعة إلى حدّ أنّ أقصى درجات اليأس تتجلّى بواقعيّة شديدة، ما يمنح الفيلم طابعاً وثائقياً مهمّاً.

وسيلة أساسيّة

ما يساعد في تنفيذ هدف الفيلم هو أنّ رالستون نفسه كان مصوّراً هاوياً سجَّل المستجدّات اليوميّة المتعلقة بالجهود التي بذلها للنجاة ووصف انفعالاته المرافقة للحدث وأمنياته الأخيرة. اعتمد بويل هذه العوامل كوسيلة أساسية لسرد القصّة، ما منح الفيلم طابعاً عاطفياً مؤثراً كان يصعب تحقيقه لولا تبنّي هذه المقاربة. من أكثر اللحظات المضحكة والمؤثرة في آن، حين يتوجّه فرانكو إلى تلك الشاشة البالغة الصغر، تاركاً المشاهدين أمام فيلم يُصوَّر داخل فيلم آخر ومانحاً إياهم تجربة خياليّة أكثر مما هي عليه أصلاً.

تبدأ هذه الحكاية التي بدّلت مسار حياة بطلها بكلّ براءة مع ظهور متسلّق الجبال وهو ينطلق في رحلة لم يخطّط لها نحو صحراء يوتا. أوّل ما يشير إلى وقوع حدث مصيري كان واقع أنه لم يُخبر أحداً بالمكان الذي يتوجّه إليه، ما يعني أنّ أحداً لم يعرف نقطة انطلاق البحث حين انتشر خبر أنه يواجه على الأرجح محنة عصيبة.

بدل التنبّؤ بالمصير الأسود الذي ينتظر بطل القصّة، يبدأ مخرج الفيلم عمله بمشهد حماسيّ يدلّ على حجم الإثارة والمجازفة اللذين يختصران الطريقة التي يعتمدها المغامر لعيش حياته. فقد استُعملت تقنيّة تجزئة الشاشة إلى مشاهد عدّة تُظهر آلة لعب (slot machine) تمّ تشغيلها، إلى جانب صور تبيّن رالستون وهو يقود دراجته في أعماق صحراء قاحلة وجميلة، بينما تظهر على جانبي المشهدين لقطات من مدرّجات كرة القدم المكتظّة بالجماهير، والمشاركين في سباقات ماراثون وهم على خط البداية، والقطارات السريعة المليئة بالناس وأرصفة المدن المكتظّة. وتترافق هذه الأجواء المشرقة مع أغنية بيل ويذرز الحماسية «يوم جميل» (Lovely Day). وقد أصابت هذه الأغنية الهدف.

بعد ذلك، تبدأ الرحلة المصيريّة. سرعان ما يبدأ بويل باستثمار إحدى الاستعارات المحوريّة التي ستحدد معالم الفيلم، من خلال عنصر الماء أو أي سائل من شأنه إنقاذ الحياة، فيظهر رالستون وهو يشرب بِنَهم كمية الماء القليلة التي كانت بحوزته. في هذا المشهد تحديداً، يعطي المخرج لنفسه حريّة الخلط بين الخيال والواقع بغية تشكيل تأثير دراميّ قويّ. كذلك، تظهر بِرك ماء عميقة يغطس فيها رالستون مع كريستي (كايت مارا) ومايغن (آمبر تامبلين)، وهما متسلّقتا جبال التقى بهما صدفةً قبل وقوع الحادثة بفترة قصيرة. لم يسبق أن بدت المشروبات المثلّجة المعدّة للحفلة التي تخلّف عن حضورها لذيذة بهذا القدر؛ ولم يسبق أن بدا المطر الذي ينهمر بهدوء حيناً وبغزارة أحياناً أجمل مما كان عليه في ذلك المشهد. ولدى الوصول إلى المشهد الذي يصوّر قنّينة مشروب رياضي منشِّط في صندوق رالستون الخلفيّ، كان يصعب على المتفرّجين منع أنفسهم عن الخروج من المسرح لشراء بعضٍ من هذه المشروبات.

أما الاستعارة الأخرى التي طُوِّرت في سياق الفيلم، فكانت تتعلّق بالروح الإنسانيّة نفسها. طوال الفترة التي قضاها هذا المغامر وحده في عمق الصحراء ليثبت مدى شعوره بالاكتفاء الذاتي، كانت أفكاره التي تعود به إلى عائلته وأصدقائه وأحبّائه والابن الذي قد ينجبه في أحد الأيام هي التي ساعدته على البقاء حيّاً. وتتجلّى هذه الأفكار ضمن فيضٍ غنيّ من الصور الخيالية والمشاهد التي تُخرجنا ورالستون من أجواء وادي كانيون حين يبدو الوضع تشاؤمياً.

في النهاية، يُعتبر 127 Hours تجسيداً لرحلة مدهشة ولا تُنسى خاضها رجل واحد. وكان لا بدّ من الكيمياء العجيبة القائمة بين بويل وفرانكو للحصول على فرصة المشاركة في هذه الرحلة العظيمة.

الجريدة الكويتية في

16/09/2010

 

For Colored Girls...

معاناة 8 نساء سوداوات

بتسي شاركي 

لا يمكن اعتبار فيلم «إلى الفتيات السوداوات» (For Colored Girls) سهلاً بأيّ شكل. فالشِعر فيه مثير ومؤثّر، وقصّته عبارة عن فيضٍ لا ينضب من الغضب والألم والاستغلال والتضامن وتمكين الذات. في هذه القصّة، تظهر ثماني نساء ليطالبْن الناس بالإصغاء إليهنّ وبعدم تجاهلهنّ وبمواجهة جميع مصادر القلق التي عرفْنَها، عن طريق إطلاق الصرخات والهمسات والبكاء.

لا مفرّ من أن يحصد For Colored Girls آراءً منقسمة تماماً. فكثيرون سيكرهونه حتماً، لكن نأمل بأن يحبّه عدد أكبر من المشاهدين، أو على الأقلّ أن يتقبّلوه، نظراً إلى الوحشية المباشرة المعروضة بشكل متطرّف وما يرافقها من حقائق صعبة.

في هذا الفيلم، يأخذنا المخرج تايلر بيري إلى أعماق هذا العالم المظلم بأسلوبه اللافت في الاقتباس من مجموعة قصائد تعود إلى الشاعرة نتوزاكي شانج بعنوان «إلى الفتيات السوداوات اللواتي يفكّرن بالانتحار حين تصبح الألوان كافية» For Colored Girls Who Have Considered Suicide When the Rainbow Is Enuf، وقد نُشر العمل للمرة الأولى عام 1975. وبما أنّه أُعدّ أصلاً للتحوّل إلى عمل مسرحيّ، فكان أشبه برقصة حياة وجدل نسائي وعرقيّ مع النساء- المرتديات ملابس زرقاء، أو صفراء، أو حمراء، أو بنّية، أو خضراء، أو أرجوانية، أو برتقالية- وهنّ يتنقّلن في أنحاء المسرح، فتقف كلّ واحدة منهنّ لسرد قصّتها ثم تتابع سيرها. تنقّلت هذه المسرحيّة من سان فرانسيسكو إلى برودواي نظراً إلى الانتقادات الإيجابية التي لاقتها، ولكنّ العمل أربك كلّ من فكّر بتحويل القصة إلى فيلم.

جاء بيري ليجيب عن تساؤلاتهم ويزيل ذلك الإرباك من أساسه. فجزّأ هذا الكاتب والمخرج القصّة وأعاد تجمعيها بدقّة عالية، مستخدماً مشاهد متنوّعة لابتكار الشخصيات والسيناريو، مع الاحتفاظ بجزء كبير من القصائد الشعرية، ولكنه كتب الأحداث المترابطة بنفسه كي تأخذ القصّة منحىً متجدداً وبُعداً مختلفاً بعض الشيء على شاشة السينما.

تقمّصت مجموعة من الممثلات السوداوات المشهورات (جانيت جاكسون، لوريتا ديفاين، كيمبرلي إليز، ثاندي نيوتن، فيليشا رشاد، أنيكا نوني روز، تيسا طومسون، كيري واشنطن، ووبي غولدبرغ، ومايسي غراي) هذه الشخصيات واندمجن في نمط حياتها. أما الشخصيات الذكورية (مايكل إيلاي، أوماري هاردويك، هيل هاربر، خليل كاين، ريتشارد لاوسن)، فهي تؤدّي أدواراً على درجة متفاوتة من الوحشيّة (باستثناء شخصية هاربر)، ولا يولي الفيلم أهمية كبرى لمحاولة فهم هؤلاء الرجال بعمق أو مسامحتهم، بغض النظر عن جروحهم الداخلية.

For Colored Girls أكثر عمل ينمّ عن نضج فنيّ لدى بيري الذي يتحلّى بأقصى درجات الشفافيّة العاطفية التي تظهر جليّاً في هذا الفيلم وفي اختيار الممثّلين. فهو نجح في استخراج أداء تمثيلي مدهش من إليز (بطلة فيلمي «المحبوب» (Beloved) و{يوميات امرأة سوداء غاضبة» (Diary of a Mad Black Woman)) بدور كريستال، زوجة تتعرض للضرب وأم تواجه خسارة موجعة؛ وطومسون (فيلم «حين ينادي غريب» When a Stranger Calls) بدور نيلا، مراهقة تكتشف الحياة الجنسية وتدفع الثمن حين تجد نفسها حاملاً؛ وروز (فيلم «فتيات الأحلام» Dreamgirls) بدور ياسمين، امرأة عزباء تحاول تخطّي تجربة الاغتصاب الذي تعرّضت له؛ والممثلة المسرحية والسينمائية المخضرمة ديفاين («بانتظار فسحة لتنفّس الصعداء» (Waiting to Exhale و{زوجة الواعظ» The Preacher's Wife) بدور امرأة تتخبّط لتخطّي أزمة منتصف العمر وتبرع في مزج ألم الخيانة بالسخرية، ما يضفي على العمل نفحة من المواقف الكوميدية الخفيفة.

لا أثر في هذا الفيلم لشخصية ماديا الشهيرة، وهي الجدّة الأميركية الأفريقية الضخمة التي حوّلها تيري إلى شخصية رمزية شهيرة وإلى عالم بحدّ ذاته، بكلامها الحاد وانتقاداتها اللاذعة والمضحكة، كونها تُطلق الأحكام على الجميع بعباراتها وصرخاتها الصاخبة، وقد ظهرت في عدد لا يُحصى من الأعمال المسرحية والسينمائية لأكثر من عقدٍ. استعان بيري بخدمات ألكسندر غروزينسكي للحصول على أفضل نوعية من التصوير السينمائي، علماً أنّ هذا المصوّر كان يلمّع صورة العمل في أفلام المخرج منذ بدآ التعاون معاً في فيلم «ماديا تدخل السجن» Madea Goesto Jail، عام 2009، لا سيّما في فيلم «يمكنني الإخفاق بنفسي» I Can Do Bad All by Myself في وقتٍ لاحق من السنة نفسها.

يعكس الفيلم النزعة الدرامية التي ميّزت العمل المسرحي عن طريق البساطة وتخصيص المساحة المناسبة لكلّ عنصر– مع الحرص على تصوير الأجواء القذرة السائدة في الأحياء الفقيرة ووضع النساء المحطّمات. تبدأ القصة في جو طبيعي ودافئ حتى الدخول إلى عالم جاكسون التي تؤدي دور جو، محررة صحفيّة ثريّة، تعيش تقلّبات كثيرة في حياتها. لم يُستفَد من معظم الحقائق السائدة في تلك البيئة، إذ يدور معظم القصّة ضمن منطقة مؤلفة من ستة أبنية في حيّ هارلم، مستوحاة من إحدى القصائد العشرين التي يتألف منها عمل شانج الأصليّ ويبدأ بعبارة «كنت أعيش في العالم، ثم انتقلت إلى هارلم، فانحصر عالمي الآن ضمن ستة أبنية...».

بقدر ما تبدو هذه الكلمات لاذعة، تؤكّد مشاهد الفيلم الشوط الطويل الذي يجب أن نقطعه بعد. يكشف أحد المشاهد الأولى عن داخل مجمّع الشقق الذي تقطن فيه النساء وهو عبارة عن مبنى من دون مصعد بل فيه سلالم تبدو بلا نهاية.

تبدأ القصّة بسماع أصوات النساء وهنّ يُنشدن القصيدة الأولى التي تحمل عنوان «المراحل المظلمة» dark phases. في ما تبقّى من الفيلم، ينجح بيري في دمج الشِعر والحوارات التقليدية بطريقة طبيعية تفوق التوقعات. وتعكس مواضيع القصائد الواقع المظلم بالنسبة إلى كثيرين. في هذا الإطار، تشرح ياسمين أنها، على رغم معرفتها بالرجل الذي اغتصبها، «إذا ما شوهدتِ معه في مكان عام أو رقصتما رقصة واحدة، فالتقدم بشكوى ضده سيكون صعباً بقدر صعوبة مقاومة خمسة رجال حمقى يحاولون الاعتداء عليك...».

لهذه الشخصيات نواحٍ نفسية حادّة عدة، ويسير بعضها في الطريق الخاطئ، بينما لا يحرّك البعض الآخر ساكناً على الإطلاق. لكن يصعب إخفاء نقاط الضعف في عمل مماثل يتّسم بطبيعته بنزعة أوبرالية: مثلاً، تبالغ شخصية تانجي التي تؤديها نيوتن في التعبير عن غضبها؛ ولا تنجح شخصية أليس التي تؤديها غولدبرغ، والتي ترتدي الأبيض ويغمرها الغضب الشديد، في إيجاد ما يلزمها من قوة؛ بينما لا تنجح رشاد، بدور صاحبة الشقق غيلدا، في التواصل مع دورها كما يجب كونها تُعتبر الرابط المحوري بين عددٍ من الشخصيات، فيشعر المشاهد غالباً بأنها دخلت إلى المشهد الخاطئ.

لكن بغض النظر عن الإخفاقات الموجودة في العمل، تعوِّض اللحظات التي يتفوّق فيها الفيلم عن نقاط الضعف. ويتمثّل أحد أقوى مشاهد الفيلم بحضور جو (جاكسون) وزوجها كارل (هاردويك)، اللذين يواجهان زواجاً محطّماً، حفلة أوبرا. ومع تصاعد الأصوات العذبة في أرجاء قاعة الحفلة منشدةً لحن «السيدة باللون البنفسجي» La Donna inViola - وهو مقطع أوبرالي فردي ألّفه ملحّن أغاني الفيلم آرون زيغمان خصّيصاً للمشهد وأدّته مغنيّة الأوبرا كارن سلاك ومغنية السول أندريا جونز سوجولا- تنتقل الكاميرا بين صور النساء، واحدة واحدة، كأفراد منفصلين.

لكنّ أقوى عنصر في العمل، وهذا ما قصدته شانج وفهمه بيري، يكمن في كلّ مشهد تجتمع فيه النساء، وما من لحظة مؤثّرة أكثر من اجتماعهنّ في المشهد الأخير. إنها لحظة شفّافة حتى العمق، وبسيطة، وعاطفية، وقد صوّرها المخرج بعناية مدهشة. صحيح أنّ الفيلم ليس سهل الاستيعاب، ولكن يصعب نسيانه حتماً.

 

الجريدة الكويتية في

16/09/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)