حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

لحظةٌ أيها المجد

وداد"... صوتٌ آتٍ من خزائن الذاكرة

صلاح سرميني ـ باريس

" إلى من صور لي الدنيا كقصيدة شعر...(1)

منذ فترةٍ طويلة، لم أشاهد فيلماً تسجيلياً عربياً (أو لمُخرجٍ/ة عربي/ة) هزّني وجدانياً، وأصبح بالنسبة لي "تعويذةً سينمائيةً" مثل ما فعله "لحظة أيها المجد" لمُخرجته اللبنانية "شيرين أبو شقرا" من إنتاج Le Fresnoy "الأستوديو الوطني للفنون المُعاصرة" عام 2009، هذه المدرسة الفرنسية المعروفة بتدريسها المُغاير للاختصاصات السمعية/البصرية الأقلّ أكاديميةً من زميلتها الـ La Femis "المدرسة الوطنية العُليا لمهن الصورة، والصوت".

منذ تلك الليلة التي شاهدتُ فيها الفيلم، وصوت المطربة "وداد" الشخصية الرئيسية، يُلاحقني أكثر من صورتها التي قدمتها المُخرجة بتقتيرٍ مونتاجيّ مُحكم، ذكيّ، وخارج عن مألوف الأفلام التسجيلية البسيطة، والتبسيطيّة المُتأثرة بالتحقيقات التلفزيونية، والتي لا تتخطى موهبة مخرجيها أكثر من إفراطٍ مُبالغٍ في تصوير الشخصيات، وسيل مُتدفق من الحكي (وصفٌ مؤدبٌ للثرثرة).

صاغت" شيرين أبو شقرا" شريط صوتٍ أكثر إبداعاً، وتأثيراً، وفيه يتشابكُ بوحُ المطربة "وداد" القريب من الهمس مع مقاطع من أغانيها.

ماذا يهمّ المتفرجُ من هذه المرأة النادرة، والمنسيّة أكثر من سماع صوتها، والقليل القليل من سيرتها المهنية التي لا ندري إن كانت حقيقية، أو مُتخيلة : حكايتها عن جدّها اليهوديّ من أصلٍ روسيّ الذي كان يمتلكُ ربع روسيّا ـ على حدّ قولها ـ، ولقائها الأول مع المطرب "محمد عبد الوهاب" الذي سمع صوتها لأول مرةٍ، وطلب منها بأن تُسجل المبلغ الذي تريده في العقد الذي قدمه لها،....

لقد امتزجت كلمات "وداد" مع أغانيها في غناءٍ متواصل، أوصلها إلى درجةٍ من الإنعتاق، حالة صوفية بامتياز.

وفي لعبةٍ إبداعية حاذقة، تأتي الأغاني المُحتفى بها في شريط الصوت من داخل المشهد نفسه خلال التصوير، ومن خارجه عن طريق مزج الأصوات (الميكساج) في مرحلة تشطيب الفيلم.

حيث استخدمت المُخرجة آلة تسجيلٍ لم نرَها أبداً في الصورة، وكانت بمثابة الأسئلة التي يتوّجب عليها طرحها، والأجوبة المُفترضة من المطربة "وداد".

في الفيلم، تتواجدُ "شيرين أبو شقرا" في كلّ ثناياه، بجانب الكاميرا في غرفة مستشفى حيث نُحسُّ بانفعالاتها، وابتهاج ضحكاتها مُصغيةً إلى "وداد" تفتحُ لها خزائن ذكرياتها المُختبئة في تقاطعات ماضيها، وأمام الكاميرا عن طريق حضورها الجميل كمُخرجة (لقطةٌ اعتراضية يظهر فيها الكلاكيت المُستخدم للتصوير)، والمُتخيّلة/التمثيلية كمُمثلة، ولكنها تُقصي تماماً أسئلتها من شريط الصوت (وحسناً فعلت)، ماعدا مرةً واحدةً في اللحظات الأخيرة من الفيلم، بدون السقوط في فخّ "التقريرية"، وعلى العكس، رُبما يكون سؤالها الوحيد فرصةً حلوة لتركيب صوتها على صورتها التي تجسّدت في إحدى الشخصيات النسائية المُتوّهمّة.

وهنا، لا أدري لماذا بدأتُ الحديث عن شريط الصوت في الفيلم قبل الصورة الأكثر خصوبةً، فإذا كانت الأغاني من إبداع "وداد"، وأخريات، صاغتها "شيرين أبو شقرا" في خلطةٍ لذيذة، لا جدال في أنّ الصور المُتنوعة المقاسات التي التقطتها كاميراتٍ مختلفة (سوبر 8 مللي، 16 مللي، فيديو)، ورصعت بها فيلمها هي من إبداعها الخاصّ، "صوتها الداخلي" الذي يتدفقُ بالتوازي مع الأغاني.

ويمكن أن تشطح القراءة بعيداً، عندما نشعرُ(أشعرُ) بأنّ الفيلم يحكي بنعومةٍ أنثويةٍ عن امرأتيّن عاشقتيّن، "وداد" المطربة، و"شيرين" السينمائية، حتى وإن ظهرت الثانية في مشاهد تمثيلية خالصة.

تتضحُ في الفيلم حالةُ من التماهي المُعلن، أو الضمنيّ مع الشخصية الرئيسية، يبدو بأن المُخرجة تحبها إلى درجةٍ الرغبة بالاستحواذ على صوتها (ومن لا يحلم بامتلاك موهبتها)، ولهذا ظهرت "وداد" في لقطاتٍ قليلة بالمُقارنة مع اللقطات التمثيلية التي تمتعت بها "شيرين".

هناك تشابكٌ، تداخلٌ، تطابقٌ، أو بالأحرى "تعانقٌ عشقيّ" بين "الصورة/الصوت"، "الصورة/الصورة"، و"الصوت/الصوت".

يتجسّدُ الموت الزاحف في اللقطات القريبة جداً التي تظهر فيها المطربة "وداد" مُمددةً في سرير غرفة مستشفى، بينما تنضحُ الحياة في اللقطات العامة التي تنتشي بها "شيرين أبو شقرا"، وبعض الشخصيات المُتوهمّة في مشاهد تمثيلية تتدفقُ أحداثها في الطبيعة، الشوارع، والمُدن المُتداخلة بصرياً .

لقد بدأ الفيلم بشاشةٍ سوداء، استباقٌ جنائزيّ، ولكن، حالما تملكتني فرحة غامرة بمُشاهدة مطربةٍ لم أكن أعرفها (سامحيني يا وداد)، وأشجاني صوتها حتى الوجع بصدمةٍ غير مُتوقعة كشفتها اللقطة الأخيرة، الختامية.

"لحظة يا شيرين"، لقد تلاعبتِ، بما يكفي، بخصائص الأفلام التسجيلية، الروائية، التجريبية، التحريك، الفيديو كليب، .. وتضاعفت موهبتكِ الجليّة، ومتعتي.

ولكن، تلك اللقطة المُغلفة بإضاءةٍ شديدة، وناصعة، وحدها، تلك اللقطة فقط، كنتُ أتمناها بأن لا تكون.

سريرٌ فارغٌ، باردٌ، أغطيةٌ بيضاء، وفي العمق خيالات ممرضة تُغلق ستارةً، ويتوقف تدفق الفيلم، لقد انتهت أحداثه، اختفت "وداد" من الصورة، والحياة، وبقي صوتها يترددُ مع توالي العناوين على الشاشة.

كي يصبح "لحظة أيها المجد"، إبداعاً سينمائيّاً استثنائيّاً، وطبقاً طائراً يحوم في سماء السينما العربية.

***

إلى أماية 1931-2009

إلى بهية/بيبي/وداد

إلى كلّ النساء التي جسّدت، وجعلتني أعايش يا لضنّ الزمن(شيرين أبو شقرا).

***

ـ منذ لحظاتٍ شاهدتُ مرةً أخرى فيلمكِ "لحظة أيها المجد"، وكما وعدتكِ، سوف أكتب عنه في موقع "الجزيرة الوثائقية"، .....كلّ ما يمكن قوله الآن، بأنني بعد المُشاهدة، وعلى الرغم من أنني لستُ مرهقاً، لم يعد لديّ الرغبة بمُشاهدة أيّ فيلمٍ آخر كعادتي بعد منتصف الليل.

ورُبما، سوف أكتفي بكتابة هذه الرسالة، وأخلدُ إلى النوم، أسترجعُ الصور الحلميّة التي نضحَ بها الفيلم، وتلك الأغاني التي لم نعدّ نسمعها اليوم، لكِ مني كلّ الإعجاب.

صلاح.

***

ـ أشكركَ على كلامكَ الرقيق هذا الصباح، وعلى تشجيعكَ.

بعد وفاة "وداد" وجدتُ نفسي عاجزةً عن مشاهدة الفيلم، وغرقتُ في التفكير، والإحساس بالذنب بكلّ ما كنتُ أودّ أن أقوله لها، وعنها، والأسئلة المُتراكمة التي لم أسألها إياها، وكل ما كنتُ أودّ عمله في الفيلم، ولم أقدر بسبب الوقت الموجود، هذا المشهد الذي تكلمتَ عنه في المستشفى، كان من أصعب المشاهد التي صورتها، لأنّ "وداد" كانت ترغب دائماً بصورةٍ رقيقة ترى فيها أنوثتها، أذكرُ بأني تكلمتُ مع مخرجٍ حادٍّ، ونقديّ، وبحتُ له بترددي عن تصويرها في تلك الحالة، فأجابني :

ـ "اعملي ما هو الأصعب، وخذي القرار لاحقاً".

طبعاً، كرهتُ نفسي، وأنا أصورها، ولم أتركَ غير هذا المشهد الأخير...

مضت سنة على وفاتها يوم عشرين الشهر الماضي(فبراير 2009)، خسارةٌ كبيرة،...سوف أكفّ الآن عن الميلودراما،....إلى لقاء قريب.

شيرين.

***

ـ أفهمُ مشاعركِ جيداً، إذا كان المشهد الأخير قد هزّني من الأعماق، وصدمني، لأنني لم أتوقعه، فكيف يكون حالكِ، وأنتِ التي تابعتِ أيامها الأخيرة، رُبما لحظةً بلحظة،، مشاعركِ نحو هذه السيدة الفاضلة، يعني بأنكِ كنتِ صادقةً تماماً في إنجاز الفيلم، وسكنَ أحاسيسكِ، ومشاعركِ، ومن ثمّ تمكنتِ من توصيل ذلك الشجن إلى المُتفرج.

بالنسبة لي، يعود الفضل لكِ لأنك نبشتِ في ذكريات مطربة لا أعرفها، ومنحتِ "وداد" فرصةً أخيرةً، وأبديةً للتعبير عن داخلها، وعملياً، عادت إلى الحياة من جديد، بعثتِ الروح فيها من خلال الصورة، والصوت، فأضفتِ عاشقاً جديداً لها، ولصوتها المُذهل، وبالمُقابل، بعثتِ الروح السينمائية الخامدة في السينما العربية التقليدية، الكسولة، والتي تمضغُ مفرداتها التعبيرية، وتدورُ، وتلفُّ حول الموضوعات الكبرى بكثيرٍ من التكلف، والنفاق.

لم يكن فيلمكِ استثماراً مجانياً لتلك اللحظات الأخيرة من حياة "وداد"، ولم تكن الكاميرا مُتلصصةً لإثارة فضول المُتفرج، ورغباته السادية الكامنة، والتي تُثيرها عادةً الصور التلفزيونية القادمة من ساحات الحروب، والكوارث البشرية.

تنضحُ صور الفيلم، وأصواته بالحياة، وتُزيد من حبنا لها، في قالبٍ سينمائيٍّ يجمعُ مابين التقليديّ والحداثيّ، الماضي، والحاضر، إنه فيلمٌ خارجٌ لتوّه من القلب/الحبّ.

بانتظار الكتابة تفصيلاً عن هذا الإبداع السينمائيّ المُتفرد في السينما العربية التسجيلية، سوف أستوحي عنوان فيلم السوريّ "عمر أميرلاي" : "هنالك أشياء كثيرة كان يمكن أن يتحدث عنها المرء" عن "لحظة أيها المجد"(2) .

صلاح 

هوامش :

(1) ـ من الفيلم القصير "مسافة السكة" للمُخرجة اللبنانية "شيرين أبو شقرا" من إنتاج عام 2008
(2)
ـ نُشرت الرسائل المُتبادلة بمُوافقة المُخرجة "شيرين أبو شقرا".

الجزيرة الوثائقية في

27/10/2010

 

السينما حين تصبح لغزا اضافيا في طنجة

طنجة ( المغرب ) – فجر يعقوب 

على خطى بوغابة

طنجة ليست مدينة دولية فحسب ، إذا ما أخذنا استهلال الفيلم الوثائقي المعنون بذات الاسم مدخلا للإبحار فيها ، ولكنها مدينة سينمائية مليئة بالمفاجآت . حتى الروايات التي كتبت في جنباتها تكاد لا توجز هذه المفاجآت ، إذ أنها غالبا ما تنطوي على تجدد منذر بتحولات دائمة ، وقد صور فيها حتى الآن بحسب الناقد المغربي  أحمد بوغابة حوالي 400 فيلم سينمائي .

فيلم ( طنجة مدينة دولية ) للمخرج الفرنسي أندريه أوزبادا المصور عام 1946  افتتح فيه مهرجان الفيلم القصير المتوسطي ( 4 – 9 أكتوبر 2010 ) ، ربما يغطي الجانب الأهم من النشاط الاقتصادي الذي عرفته هذه المدينة خلال الفترة الواقعة بين الأعوام 1921 – 1956 ،حين كانت واقعة تحت وصاية دولية لا ترحم ، من دون إغفال بعض النشاطات الروحية التي مرت فيها هذه المدينة المتقلبة والطموحة . هو فيلم يكشف عن حرفة وذكاء واضحين لدى المخرج الذي اكتشف مبكرا زوايا تصوير مهمة ، ربما مهدت بشكل أو بآخر لظهور أفلام لاحقة توثق أو تروي بعض ما فات أو ما تم تمويهه من قبل المدينة ذاتها التي ترفض الانكشاف الكلي أمام عشرات الكاميرات التي قصدتها ، ولم تخرق أسرارها الكبيرة والصغيرة على حد سواء .

بالطبع يمكن إضافة الخزانة السينمائية بطنجة إلى هذه الأسرار ، وزيارة واحدة إلى سينما الريف فيها تكشف بعضا من هذه الحجب والطقوس التي تكاد تنفرد بها هذه المدينة / الخزانة ، وهي اختصار موجز وموفق ل( السينماتيك ) الذي لا تعود وظيفته هنا الأرشفة أو التظاهر بحفظ الأفلام وترميميها . إنها تنقلب هنا إلى طقس كامل لا تعوزه الهفوات أو ارتكابها على محمل الجد أو المزاح . ليست أخطاء متراكمة كما قد يظهر للوهلة الأولى ، بل  سينما لا تتهاون في حياة الطنجاويين ، ففيها لا يلاحظ النجاح بشكل مباشر  ، لأن ما يفعله القائمون على هذه الخزانة لا يبصر بالعين المجردة . ثمة إشارات لا تخلو من خرق للحجب ، وهذا أمر مؤكد . حتى إنشاء الطقس السينمائي لا يعود يشبه مثيله في أمكنة أخرى . السينما هنا لا تعود خيالات وتصورات ، فهي تتحقق في الشوارع وفي عيون المارة على الملأ ، ويدركها أصحابها أو القائمون عليها من دون استهلال أو مداخل أو أعلام ، لأن تدافع الصور في الذاكرة المستقبلية هو ما يقرر هذا الطقس ، وهو ما يفرضه ، ويقرر وجهته ، وطنجة مدينة لا تخلو من مفاجآت وكنوز وتحف  ، فهي واجهة سينمائية و خزانة  قائمة لا تخذل من يجول فيها بغية استكشافها ، ولكنها تعرف كيف تحفظ اللقى السحرية فيها وتجددها كي تصونها من الانكشاف والانفضاح العابر .

(سينما الريف ) هي لحظة تكثيف سينمائية فريدة في هذه المدينة الملغزة . حتى العناصر الواضحة فيها تزيد عن سابق تصور وتصميم من حدة هذا التكثيف ، وتزيد من قوة الدفع فيه بما يخالف النقصان . كأن الأمر يتعدى القانون الفيزيائي الخالد ، إذ لا يعود مهما هنا الحديث عن الشغف أو الإرادة الشخصية ، لأن الأسرار مهمة في هذه الإحالات ، لجهة حفظها من التلاشي  والانقباض ،اذ يمكن للجائل في جنبات (سينما الريف ) بصالتيها الكبرى والصغرى أن يكتشف بعضا من هذه الأسرار . يكفيه مشاهدة بعض الأفيشات السينمائية التي أعيد شغلها بيد محترفين صغار . دموع بيترافون الحارة لرينر فيرنر فاسبيندر ، ولغز بيكاسو لهنري جورج كلوزو . السينما هي اختراع مستمر ، يؤكد كلوزو في مكان آخر ، فكما هو لا يكشف أسرار لوحة  الرسام الاسباني في فيلمه ، كذلك (سينما الريف ) عبر مبدعيها الصغار لا تقوم بعرض أفيشاتها من أجل شرح محتوى هذا الفيلم أو ذاك .

 إنها لحظة ينكب عليها الكبار طويلا ، فيما يكتشفها الأطفال في دقائق . بالتأكيد يتعدى المصباح السحري مهمة اكتشاف السينما عبر التسلية . إنه يقلب الحكاية ، والطلب بسيط للغاية ، فالأطفال مدعوون لإغلاق جهاز التلفزيون لفترة من الوقت بغية الذهاب إلى السينما ، والرقاد مع المصباح السحري ، ثمة أفلام تفرح من هو بين 6 و12 سنة وتبكيه تارة أخرى ، و يمكن أن تخيفه قليلا ، وكل ذلك من خلال بطاقة عضوية سنوية لا يتعدى ثمنها 100 درهم مغربي ، والعرض الأول ( 3 أكتوبر ) بدا مع الأزمنة الحديثة لشارلي شابلن . يمكن النظر للأسفل أيضا كما تطالب بذلك نشرة الخزانة السينمائية بطنجة ، وهو ما يقود النظر نحو سينما مع الوجبات الخفيفة ، وهي حصة سينمائية خاصة لجميع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من 3 – 12 سنة ، حيث يقوم فريق الريف بتوزيع الوجبات الخفيفة على الأطفال مع اقتراح النقاش حول الفيلم بعد عرضه .

في شهر المهرجان المتوسطي شهدت (سينما الريف )عروضا مختلفة بعضها جاء متوافقا ومتماشيا مع حياة الكاتب الأميركي بول بولز ( رحلة في حياة بول بولز) و ( بول بولز في المغرب ) والفيلم الذي أخرجه بيرتولوتشي عن روايته الشهيرة ( شاي في الصحراء ) وقد  صور بعضا من أهم مشاهده في مدينة طنجة نفسها . ربما لايفوت بولز قبل أن يرحل عن الدنيا في وقت سابق أن ينكب حوالي ستة عقود على محاولة اكتشاف هذه المدينة . البعض يؤكد إنه لم يفلح بذلك ، وهو نفسه تحول إلى لغز فيها بعد أن عاش فيها حياة مديدة ، درجة أنه أصبح هناك من يسعى وراءه بغية اكتشاف صدارته في القصة عموما . على أن الواجهة البحرية البيضاء للمدينة ، التي ظهرت في ( شاي في الصحراء ) ترفع فوق كتفيها أوتيل كونتينتال الذي حلم المخرج الأميركي فرنسيس فورد كوبولا بشرائه مرتين ، وزاره مرتين من أجل هذا الغرض ، وهو ما أخفق بشأنه ، برغم نجاحاته السينمائية ، يظل منطويا على كثير من ألغاز المدينة البحرية .

طنجة ليست مدينة دولية فحسب ، إنها واجهة سينمائية مختلفة ، وزيارة واحدة لسينما الريف تكفي للتأكيد على أن البحث عن بعض الواجهات التي ظهرت في الفيلم الوثائقي الفرنسي ، ما تزال موجودة وإن غيرت من حدة ملامحها ، فكي تحفظ أسرارها ، وتغير من كثافة مفاجأتها ، كي تظل مدينة اللقى السحرية  ، فالسينما لا تعيش على الخيال ، بل هي تتغذى من الأسرار التي تصنع ألغاز الفن السابع ، وهو ما تفعله طنجة بنفسها عند حافة البحر الكبير .

الجزيرة الوثائقية في

27/10/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)