حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

بحب السينما

ذكرياتي مع مهرجان الإسكندرية

بقلم : آيريس نظمى

٦٢ عاما تمر علي مهرجان الاسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط الذي تقيمه جمعية كتاب ونقاد السينما.. ٦٢ عاما عشتها مع هذا المهرجان الذي يعيد لي ذكريات هذه السنين فقد بدأت معه بصفتي إ احدي مؤسسيه مع الراحل كمال الملاخ.. هذا المهرجان الذي بدأ عملاقا حين كان يقام في سينما مترو في وسط البلد وشهده جمهور كبير من أبناء المحافظة الذي وقف ينتظر النجوم الذين كانوا حريصين علي متابعته وقد جاءوا بحب وحميمية لهذا المهرجان الذي كان يعتبر فرح السينما في ذلك الوقت.. فأي مهرجان سينمائي يعتمد علي الأفلام والفنانين.. وكان هذا متوافرًا.. وقد شهدت ثلاثة أجيال من النجوم.. جيل الرواد مثل فريد شوقي وفاتن وماجدة.. وجيل الوسط مثل سعاد حسني ونادية لطفي ونبيلة عبيد ونادية الجندي ثم ميرفت إمين ونجلاء فتحي.. وفي السنوات الأخيرة استضاف المهرجان النجوم من الشباب.

وقد مر المهرجان بمنحنيات كثيرة واجه فيها العداء من اعداء النجاح وايضا من بعض وزراء الثقافة.. لكنه ظل صامدا امام العواصف بدليل أنه اصبح عمره الان ٦٢ عاما.

اما دورة المهرجان هذا العام فقد شهدت عددا كبيرا من النجوم الأجانب.. واستطاع ان يعرض باقة من أحسن أفلام المتوسط.. كما استطاع تلافي كل السلبيات الماضية بالنسبة للنظام ومواعيد عروض الأفلام والندوات.. والتسكين.. وهذا يرجع الي الجهد الذي بذله ممدوح الليثي رئيس جمعية كتاب ونقاد السينما ورئيس المهرجان لتقديم مهرجان متميز له هوية وهو مهرجان دول البحر الأبيض المتوسط.
ومهرجان هذا العام بشكل خاص كان له الأثر الكبير في نفسي فقد كرمني بالحصول علي جائزة النقد السينمائي
.. فاحسست ان هذا التكريم وهذه الجائزة نتيجة جهد وتعب السنين لكنه التعب اللذيذ. ٥٤ عاما عشتها في بلاط صاحبة الجلالة الصحافة.. عاصرت مولد النجوم الكبار مثل نور الشريف ومحمود ياسين وحسين فهمي ومحمود عبدالعزيز وغيرهم وقدمتهم في بداياتهم كنجوم المستقبل.. ايضا بالنسبة للمخرجين من جيل الوسط مثل حسين كمال واشرف فهمي ومدكور ثابت وغيرهم.

واخترقت عالمهم حين قدمت مذكراتهم التي تعتبر وثيقة حية في تاريخ السينما. ورجعت بذاكرتي الي الوراء فقد عشت حياتي مع الفن اكثر مما عشت مع اسرتي.. واحس بالندم في بعض الأحيان.. ومن خلال النقد حضرت الكثير من المهرجانات الدولية.. وزرت الكثير من الدول وتعايشت مع شعوبها.. وقمت بالمخاطر والمغامرات للحصول علي السبق الصحفي.

وكان تكريم المهرجان بالنسبة لي هو شهادة تقدير علي كل أعمالي لأترك الرسالة التي بدأتها ليواصلها جيل الشباب المتحمس للسينما.. وأنا سعيدة لأني قدمت جيلا من تلاميذي وقرائي.. كما اني سعيدة لأنني امضيت معظم حياتي مع الزمن الجميل بحلاوته وتعاسته وصراعاته.

> > >

قدم مهرجان الاسكندرية هذا العام نخبة جميلة من افلام المتوسط التي عكست هموم شعوبها ومعاناتهم.. وكانت الأفلام العربية تعاني نفس الهموم لتخرج من المحلية الي العالمية وتحصل علي جوائز المهرجانات الدولية.

كانت الدعاية التي اقيمت للفيلم المصري الذي عرض في الافتتاح »المسافر« التي دعمته وزارة الثقافة مخيبة لآمالنا.. فقد فوجئنا بان البطل ليس عمر الشريف ولكنه خالد النبوي الذي استحوذ علي اكثر من ثلثي الفيلم.

وفي رأيي انهم ضحكوا علي عمر الشريف الذي اعجبته فكرة الفيلم لكنه فوجيء مثلنا بانه ليس الفيلم الذي عرض عليه وليس البطل.. كما انه لم ير نفسه في الفيلم حسب قوله.. فبطل الفيلم هو خالد النبوي الذي يقوم بدور عمر الشريف او »حسن« عندما كان شابا ثم رجلا في سن النضوج.. ولم نر عمر الشريف سوي في أواخر الفيلم.

وفيلم »المسافر« من اخراج احمد ماهر القادم من دول اوروبا والذي تأثر بكبار المخرجين مثل »فيلليني« ليقدم لنا فيلما اشبه بالرسم السريالي أو التجريدي.. و بهذا يتعالي المخرج علي الجهد الذي لن يفهم شيئا كما ان النقاد حاولوا ان يفكوا الرموز التي استخدمها المخرج لاستعراض عضلاته.

ثلاثة أيام مهمة يستجمع فيها البطل »حسن« حياة طويلة مليئة بالأحاسيس المتضاربة.. بتواريخ محددة وهي ٨٤٩١،٣٧٩١،١٠٠٢.. ولم يوضح لنا المخرج دلالاتها.

قال المخرج احمد ماهر في المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد عرض الفيلم ان هذا التاريخ يمثل دلالات الأحداث الثلاثة الكبري في التاريخ المصري.. وهي الحرب العالمية الثانية.. وحرب اكتوبر، أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

يبدأ عمر الشريف بصوته بدور الراوي ففي عام ٨٤ كان »حسن« يعمل كعامل تلغراف عندما تصله برقية بان فتاة ارمينية وهي »نورا« التي تلعب دورها الممثلة اللبنانية سرين عبدالنور ستصل علي ظهر احدي البواخر للقاء خطيبها المصري »فؤاد« الذي يقدم دوره عمرو واكد.

وتبدأ العلاقة علي ظهر الباخرة المقتبسة من تيتانيك وتتصور »نورا« أنه »فؤاد«.. وطبعا هذا ليس منطقيا الا تتعرف الفتاة علي شكل خطيبها ولو من خلال صورة له.

وتبدأ العلاقة بين »حسن« و»نورا« فيقوم باغتصابها في الطابق السفلي من الباخرة لتصعد بنا الكاميرا فوق سطح الباخرة لنري راقصات ذلك الزمن اللاتي كن يرقصن بالشمعدان مع الأغاني التي كانت تذاع.

وتهبط الكاميرا مرة اخري لنشهد مشهدا مثيرا للاشمئزاز وهو عملية الاغتصاب.. وهو المشهد الذي يحدث لها صدمة نفسية وبكاء مريرا. ويحاول حسن بعد ذلك استمرار تعاطف البطلة بعد هذا الحادث فيلقي بنفسه في البحر ولكن يتم انقاذه ثم مشهد اخر وهو مسجي علي أرض الباخرة بعد انقاذه في حالة من الغيبوبة.. والحريق الذي افتعله ايضا كي يثير انتباهها.

ويستعرض المخرج عالما من الأساطير والخرافات والكوابيس الذي لايفهم دلالاتها المشاهد العادي.. بل وايضا المشاهد المثقف.. فالفيلم يحتاج الي »فهامة« صلاح جاهين مشاهد غير مترابطة ومشوشة في ذهن المخرج حيث نري الخيول تخرج مذعورة من الاصطبلات وتلقي بنفسها وتنتحر في وسط البحر.. والحمام الأبيض الطائر.. والحمام الأسود ولا نعرف ماذا يقصد بهذه الرموز المشوشة في ذهنه.

ايضا عندما يمزق ملابسها ويغتصبها وفي نفس اليوم تتزوج من »فؤاد«.. والموقف السخيف بين حسن وفؤاد الذي استطاع فيه حسن ان يخلع ملابس عرسه ليتم الزواج بالملابس الداخلية.. وايضا موقف حسن فيما يتصنت علي باب الحجرة ليلة الزواج.. كل هذه المشاهد لم نقرأ عنها سوي في الأساطير والخزعبلات.

> > >

وفي عام ٣٧٩١ والمكان بالتحديد في الاسكندرية في الخمسينات.. يلتقي بالفتاة نادية التي تلعب دورها الممثلة اللبنانية »سيرين عبدالنور« والتي تشبه »نورا« ويعرف انها ابنتها التي تبحث عن شقيقها التوأم علي الذي يشبه »حسن« ويتصور انهما ابناؤه من »نورا« وثمرة الاغتصاب.. في هذه الحقبة ايضا يقدم المخرج رموزا لانعرف دلالاتها. حيث يتحول السرادق المقام للعزاء نفسه الي فرح.. فرح نادية الذي يتزوج الرجل العبيط المنفر بها بناء علي وصية شقيقها »علي« كما قال لهم العبيط.

> > >

في عام ١٠٠٢ يأخذنا المخرج الي القاهرة ليقدم لنا اشياء غريبة ويصور لنا »حسن« في شيخوخته وهو الجزء الأخير الذي يقوم فيه عمر الشريف في الفيلم.ويلتقي بالشاب »علي« الذي يتصور انه حفيده والذي نعرف انه قد مات.. يحاول استرجاع الزمن الي ستين عاما مضت ليحس بالذنب لاغتصاب الفتاة نورا والدة نادية.. وفي هذا التوقيت يستعرض المخرج مقدسات شهر رمضان. ولانعرف ماذا يقصد من منظم مصارعة الديوك الذي يجري وزارء »علي« وضربه.. ويلتقي الحفيد المفترض بالطبيبة الجراحة التي تحاول ان تجري عملية لأنف »علي« الذي يعاني من تشوه في الوجه وهو الدور الذي قام به »شريف رمزي«- وذلك لكي تقوم بعمل رسالة الدكتوراه لهذه التجربة.. ولكن الجد المفترض »حسن« يأخذه بالقوة وهو مخدر لينطلق به الي الشارع. ومع سيريالية هذا الفيلم التجريدي يقوم عمر باداء تمثيلي رائع لاسترجاع الماضي ومشاهدة الحاضر.. وهو الجزء المتميز الذي رأينا فيه اداء الممثل العالمي.. الذي فشل المخرج في الاستفادة منه كممثل عالمي. اما السيناريو فهو مشتت ومشوه.

اريد ان اسأل المخرج احمد ماهر »فيلليني الشرق« هل قدم هذا الفيلم للجمهور المصري والعربي ليلعب علي اسم عمر الشريف؟

ومن السقطات التي سددها المخرج هو اختيار خالد النبوي ليلعب دور عمر الشريف »حسن« في شبابه ورجولته.. فهو تركيبة مختلفة تماما عن عمر الشريف ومع انه ادي دور البطولة لكنه فشل في تقديم دور العاشق الذي قدمه باسلوب رديء وحس جاحد ووجه خال من التعبير.

أما أجمل ما  في الفيلم فهو التصوير.

قال عمر الشريف في المؤتمر الصحفي الذي لم يحضره خالد النبوي بطل الفيلم انه لم يشاهد النسخة الأولي من الفيلم فقد فوجيء بانه ليس البطل وانه ليس نفسه.

اما »سيرين عبدالنور« فهي مجرد امرأة جميلة لم يراع المخرج تذوق الجمهور لهذا الفيلم فهو لايمت له بصلة مما يعكس حياته وهمومه واوجاعه بل حاول فقط ان يقدم الجديد والغريب الذي جاء به من الغرب.. وكان يمكن ان يستغل عالمية عمر الشريف كما استغلها من قبل عادل امام في فيلم »حسن ومرقص« الذي تناول قضية هامة معاصرة في حياة الشعب المصري يعالج فيها الفتنة الطائفية ان مجتمعنا المصري مليء بالمشاكل والكوارث والاحباطات لكنه قدم فيلما تجريديا لم نفهم منه ماذا يريد ان يقول.. بالرغم من ان هذا الفيلم هو شهادة ميلاده الفني..

والفيلم الذي لايشاهده الجمهور يفقد هدفه.

أخبار النجوم المصرية في

23/09/2010

 

رؤية خاصة

وداعا .. شابرول

بقلم : رفيق الصبان 

فجعت السينما الفرنسية هذا الشهر بغياب واحد من كبار مخرجيها.. وواحد من الكبار الذين صنعوا ما كان تدعوه في الستينيات باسم »الموجة الجديدة« وهي الموجة التي قادها نقاد سينمائيون.. احترفوا النقد كمهنة وتعلموا تكنيك السينما من خلال مشاهدتهم الأعمال السينمائية الكبري التي اثرت علي خارطة السينما العالمية.. تعلموا منها كيف يقدمون قصة وكيف يجرون حوارا.. وكيف يرسمون للعالم شخصية وكيف يحركون ممثلا.

المهم »انتقلت هذه »التجربة النظرية« الي النطاق العملي.. عندما قرروا أن يساهموا بشكل مباشر في تقوية السينما الفرنسية التي كانت تعاني في أواخر الخمسينيات أزمات كثيرة تهدد بانحسار دورها.. مع منافسة شديدة وغير مسبوقة للأفلام الامريكية.

وهكذا جاء هؤلاء »النقاد« وبدلوا مواقعهم من وراء القلم الي وراء الكاميرا داعين في الوقت نفسه الي سينما نقية.. أي سينما تعتمد علي نفسها دون اللجوء إلي الأدب والقصص الادبية.. وتعتمد علي التركيز علي المخرج الذي هو الخالق الأول للفيلم والمسئول عن صياغته النهائية.. متحدين بذلك الاتجاه الامريكي الذي كان يعتبر المنتج هو كل شيء.. بادائه وسلاحه الأساسي وهو الممثل.

تغيرت الامور في فرنسا مرة واحدة.. عندما بدأت الهجمة الأولي لهؤلاء النقاد الذين كان يرأسهم »الكسندر استروك«.. ولكن النجاح الكبير الفني والشعبي لم يتوفر لهم إلا حين فاز فيلم فرانسوا تروفو »الاربعمائة ضربة عصا« بجائزة في مهرجان كان السينمائي تبعه الانفجار المدوي الذي احدثه فيلم »جان لوك جودار« »علي آخر نفس« وفيلم كلود شابرول »مسرح الجميل«.. وهكذا ولدت الموجة الجديدة.. وتتابعت أفلامها ونجاحاتها وتنوعت أساليب مخرجيها.. وظهر اريك رومير والان رنيه دافيش فاروا  وسواهم.. وعادت السينما الفرنسية للتحليق عاليا.. وعادت أسماء مخرجيها الكبار تحتل الواجهة السينمائية.. دون منافسة من أحد.. وتوالت جوائز المهرجانات مع توالي هذه الافلام ونجاحاتها.

ثم تراجعت الموجة.. بعد ذلك بعشر سنوات أو أكثر.. وتفرقت جماعتها.. وأصبح لكل مخرج مدرسة خاصة به.. تتميز عن سواها.

جودار تابع مسيرته التجديدية.. ولازال حتي اليوم يحمل راية العصيان والتمرد علي كل ما هو تقليدي في السينما.

اريك رومر.. سن قاعدة الفيلم الحواري الذي يعتمد بشكل رئيسي علي تحليل الحدث والشخصية من خلال حوارات ذكية مشعة بالتأمل والفكر والجدل.

أماتروفو.. فقد امسك بتفاحة الميزان فقدم أفلاما لها طابعها الشعبي المميز دون أن تفقد ايا من ميزاتها الفنية والتجديدية.

بقي شابرول.. الذي اختار بشكل عام متعمد ان »يهبط« الي الجمهور وان يجذبه معه الي عالمه وسينماه عن طريق أفلام لها طابع بوليسي ولكنها تكشف عمقا اجتماعيا ونفسيا خارقا للعادة، ويمكن أن تكون مرآة عاكسة للمجتمع البورجوازي الفرنسي الذي عاش شابرول حياته في ظله.. ثم قرر الثأر منه وكشفه وتعريته بأفلام أصبحت الآن مرجعا اجتماعيا دفينا لا حد لأهميته الي جانب قدرته الاخراجية في رسم الجو والشخصية وتعاقب الاحداث.. والامساك بأنفاس المتفرج منذ أول لقطة وحتي آخر لقطة في أفلامه هذا السهم الاجتماعي والبوليسي رصده شابرول في الكتاب المشترك الذي الفه مع زميله »اريك رومر« عن المخرج الفريد هيتشكوك، والذي يدل علي نظرة تحليلية ثاقبة يملكها شابرول.. في رؤيته السينمائية والتي اثبتها عمليا بعد ذلك في أفلامه المتتالية.

بعد »مسرح الجميل« جاء »أولاد العم« صورة حقيقية للشباب البرجوازي الفرنسي.. وحيرته أمام أحلامه ومسئولياته.. ثم جاء »النساء الطيبات« واحد من أجمل أفلامه واقساها التي دخل بها الي أسلوبه البوليسي الذي سيتميز فيه بعد ذلك عندما يقدم تحفته التالية »وراء نقل موهبة«.. وتابع شابرول مسيرته التي اختارها بشكل نهائي هذه المرة.. وجاءت أفلام المرأة الخائنة والجزار وسواها.

كل فيلم يضع لبنة نجاح في مسيرة كلود شابرول.. ويضعه دون منازع في رأس قائمة المخرجين.. الذين وصلوا الي جمهور واسع دون أن يبتذلوا أنفسهم ودون أن يتخلوا عن المفاصل الاساسية التي تحرك جهازهم السينمائي.

وحتي عندما اراد شابرول ان يقدم نموذجا كاريكاتوريا لأفلام الجاسوسية عن طريق شخصية نسائية رسمها كشخصية جيمس بوند.. ولكنه جعلها تخرج من قوقعة البورجوازية المزيفة التي لم يكن علي نقدها وتجريحها في جميع أعماله.. وهي »ماري شانتال« أو شخصية »النمر« التي تتأرجح هي أيضا من الهزل والجد في اطار »كوكتيل« بوليسي محكم يعرف شابرول دائما كيف يجيد حبكة وكيف يجعله مؤثرا وفعالا.

وحتي الأعمال الأدبية.. التي كانت تنظر اليها الموجة الجديدة في بداياتها نظرة احتقار وتعالي.. عاد اليها شابرول ليقتبس منها أفلاما رائعة.. فالسيناريو الذي اعدته له خصيصا فرانسواز ساجان عن المجرم قاتل النساء لاندرو.. أو اعداده الرصين والشديد التهذيب لقصة لورنس »الليدي تشاترلي« »رؤيته العاطفية المدهشة لقصة جوستاف فلويبر »مدام لوفاري« الذي اعطي ايزابيل هويد واحدا من أجمل أدوارها.

 وهنا لا يفوتنا ان نذكر ان شابرول كان أول من احس بموهبة هذه الممثلة الفريدة التي تعتبر بحق الآن جوهرة الممثلات الفرنسيات المعاصرات.. فاعطاها دور البطولة في فيلم عن ممرضة تتمني الاجهاض أيام الاحتلال الالماني لفرنسا يحمل اسم »فيوليت توزير« جعلها تنال جائزة التمثيل الكبري في مهرجان »كان« وكان الانطلاقة الاولي لهذه النجمة المتألقة في سماء السينما الفرنسية.

لكن »هرير« لم تكن هي الممثلة الوحيدة التي اكتشفها شابرول ثم اطلق لها العنان.. لان اسم شابرول يرتبط باسم ممثلة أخري تزوجها ولعبت معه أدوارا كثيرة في أفلامه.. تألقت فيها كما لم يسبق لممثلة أخري أن تألقت وهي »ستفان اودران« التي لعبت بطولة الجزار والمرأة الخائنة وكثير من روائع شابرول التي لا تنسي.

لقد اختارشابرول السينما للتعبير عن فكره الاجتماعي الثوري.. وعن رؤيته السينمائية الناضجة واستطاع بمهارته وتقنيته وحسه السينمائي أن يعيد للسينما الفرنسية أمجادها التي كادت أن تفقدها.

برحيل شابرول ومن قبله رومر.. وقبلهم بكثير تروفو ولويس مال.. فقدت السينما الفرنسية هؤلاء الذين صنعوا مجدها.

واذا كانت الموجة الجديدة قد فقدت هذا الشهرقطبين من أقطابها القدامي شابرول ورومر.. فانها لاتزال تمسك ببقاء واحد من سادتها الذي لايزال بدوره يرفع علم  هذه السينما عاليا في السماء وهو »جودار«.

لقد رحل شابرول »حقا« كما ترحل الازمنة الحلوة.. ولكن بقي منه عطر فاغم مجنون.. التصق بمسامنا ومن الصعب التخلص منه »مادامت السينما سينما ومادمنا ولازلنا عشاقا لها«.

أخبار النجوم المصرية في

23/09/2010

 

سينمائيات

دورة الزمن

مصطفي درويش 

لم يكن في عزمي ولا نيتي، شراء أفلام »كلود شابرول« المخرج الفرنسي الشهير، مسجلة علي اسطوانات مدمجة (دي. ڤي. دي)، وذلك لعدة أسباب، اذكر من بينها كثرة ما ابدعه من افلام، علي مدي نصف قرن من عمر الزمان، بحيث وصل عددها الي خمسة وخمسين فيلما.

وبداهة، وقد بلغت من الكبر عتيا فليس في وسعي مشاهدة هذا العدد الضخم من الأفلام، فيما تبقي لي من عمر، لاسيما ان معظمها لم يتسني لي مشاهدته، لانه لم تتح له عندنا فرصة العرض العام، لمخالفته في نظر الرأي الرقابي السائد لحسن الآداب.

وفجأة ابتسم لي الحظ، قبل بضعة أيام، فاذا بصديق مولع بالسينما يشتري مجموعة من افضل افلام »شابرول«.

وتجيئه المجموعة، بالبريد السريع، من بلاد العم سام.

ولم تمر سوي بضع ساعات علي تسلمها، الا وكان قد سجل أفلامها لي علي اسطوانات، مقابل مبلغ زهيد.

ومرة اخري، لم يكن في عزمي، ولا نيتي، الاسراع بمشاهدة افلام »شابرول« التي جاءتني هدية من السماء.

لولا اني سمعت خبر رحيل »شابرول« عن عالمنا يوم الثاني عشر من سبتمبر، مذاعا من »يروينوز«، وغيرها من محطات الفضاء.

وعلي كل فما ان سمعت الخبر، حتي عقدت العزم علي مشاهدة بعضا من افلام المخرج الراحل في اقرب وقت ممكن.

وكبداية، وقع اختياري علي ثلاثة أفلام هي »الزوجة الخائنة« (٩٦٩١)، »قبل منتصف الليل بقليل« (٠٧٩١). و»الجزار« (١٧٩١).

والأفلام الثلاثة ابدعها »شابرول« خلال فترة من ازهي فترات مشواره السينمائي الطويل الذي بدا باول افلامه الروائية »سيرج الجميل« (٨٥٩١) وانتهي بفيلم »بيلامي« (٩٠٠٢).

وفي الافلام الثلاثة ادت دور البطولة النسائية زوجته السابقة النجمة »استيفان اودران«.

ولقد وقع اختياري علي »الجزار« لانه الفيلم الذي ابدي »الفريد هتشكوك المخرج الأشهر اعجابه به علنا، متمنيا لو انه هو الذي قام باخراجه، بدلا من »شابرول«.

والأفلام الثلاثة، والحق يقال، فيهم من جوهر سينما »شابرول« الشيء الكثير.

وأهم ما يميز تلك السينما، فضلا عن التشويق، هو النقد الحاد لأسلوب حياة الفئات المتوسطة من اثرياء فرنسا (البرجوازية).

اهتمام بالمظهر علي حساب الجوهر، مع قدر كبير من الانانية، والافراط في النفاق وسينما »شابرول« متأثرة الي حد كبير باسلوب »هتشكوك« في التشويق ولاغرابة في هذا، فهو قبل  ان يمارس مهنة الاخراج، كتب مع »اريك رومير«، مؤلفا عن »هتشكوك وافلامه«.

وفيه اشادا به باعتباره رائدا، قل ان يجود بمثله الزمان ولقد كان هو و»رومير« من كتاب مجلة »كراسات السينما« شأنهما في ذلك شأن مخرجين اخرين بدأوا حياتهم، قبل اخراج الافلام بالكتابة في تلك المجلة، منتقدين السينما الفرنسية القديمة التي اطلقوا عليها من باب السخرية »سينما بابا« ومن بينهم اذكي »فرانسوا تريفو«.

»جاك ريفيت«، »آلن رينيه« وجان لوك جودار« المزمع تكريمه بمنحه السنة القادمة جائزة اوسكار، عن مجمل اعماله.

وهم جميعا، بما في ذلك »شابرول« و»رومير« قد ساهموا في نهضة السينما الفرنسية، وذلك بالتخلص من »سينما بابا«.

وختاما، لايفوتني ان اذكر ان سينما »شابرول«، بواقعيتها اقرب الي ادب »بلزاك« وبروحها الساخرة اقرب الي ادب »رابليه«.

وكلاهما »رابليه« و»يلزاك« من اشهر ادباء فرنسا، واكثرهم تأثيرا.

moustafa@sarwat.de

أخبار النجوم المصرية في

23/09/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)