حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

ضوء

محطات على طريق السينما

عدنان مدانات

بين يدي كتاب “محطات على طريق السينما اللبنانية والعربية” الصادر حديثاً في بيروت ضمن سلسلة “ذاكرة بيروت الثقافية” . الكتاب تجميع وإعادة نشر لعدد كبير من المقالات والتعليقات الصحفية والكتابات النقدية والمقابلات مع بعض الشخصيات السينمائية العربية، وهي كلها جرى نشرها في الصحف في النصف الأول من سبعينيات القرن العشرين، وكاتبها هو الصحافي العريق الصديق جورج الراسي، أحد أنشط وأغزر وأعمق كتّاب الصفحات الثقافية في بيروت في تلك الفترة والمتابع الدؤوب لكل النشاطات الثقافية، بما فيها السينمائية، والتي كان مشاركاً فعالاً فيها، خاصة ضمن النادي السينمائي العربي الذي كان الراسي أحد مؤسسيه .

يتألف هذا الكتاب الضخم الحجم من ستة فصول هي على التوالي:”حوارات في السينما”،”السينما اللبنانية: بدايات ونهايات”،”السينما على الشاشة الصغيرة”،”محطات في مسيرة السينما العربية”،”بعض أعمال السينما العربية”، وأخيراً، “أفلام عالمية” .

يكتب جورج الراسي في كلمة الغلاف مبرراً إعادة نشر هذه المقالات بأنها “ذاكرة جيل قصفته الحرب، لن يستعيد توازنه إذا لم يستعد ذاكرته”، وأضيف من عندي أن هذه المقالات هي ذاكرة السينما العربية في أكثر أوقاتها حيوية، عندما كان الوطن العربي يموج بتحركات السينمائيين العرب المشتركة والهادفة إلى إيجاد حلول جماعية عربية لمجمل عناصر النهضة السينمائية العربية المنشودة، خاصة بدعم من مؤسسات القطاع العام السينمائية التي تأسست في أكثر من بلد عربي- في مصر وسوريا والعراق ودول المغرب العربي، والتي قدمت الدعم للسينمائيين العرب الشباب الرافضين للسينما التجارية .

نتعرف في الكتاب إلى تجربة جماعة السينما الجديدة في مصر من مختلف نواحيها، ونتعرف إلى حركة السينما البديلة التي أعلنت بمناسبة المهرجان الأول للسينمائيين العرب الشباب الذي أقيم في دمشق في نيسان من عام ،1974 ونتعرف إلى تجربة اتحاد النقاد السينمائيين العرب، وأبرز المجلات السينمائية الثقافية المتخصصة مثل مجلة “فيلم” البيروتية التي مولها المخرج اللبناني جورج شمشوم وأدار تحريرها الناقد محمد رضا، وكذلك المجلة الفصلية بالعنوان نفسه “فيلم” التي صدرت عن المؤسسة العامة للسينما في دمشق، ونتعرف إلى الطموحات الكبيرة التي رافقت المساعي لتأسيس الاتحاد العام للسينمائيين التسجيليين العرب، نتعرف إلى تجربة النوادي السينمائية في الوطن العربي التي كان لها الدور الرئيسي في نشر الثقافة السينمائية، ونتعرف إلى إنجازات المهرجانات السينمائية العربية وعلى رأسها مهرجان قرطاج السينمائي الذي أقيم في تونس في العام ،1968 وهو أول مهرجان سينمائي عربي ذو طابع ثقافي وسياسي وطني، وضع هدفاً له التعريف بالسينما العربية والإفريقية الشابة .

كانت بيروت في تلك الفترة نقطة التلاقي لكل تلك الجهود والمساعي، وهذا ما سمح لصحافي نشيط أن يطلع على كل هذا الحراك وأن يشارك في مسيرته، ومن هنا تبدو المقالات بمثابة شهادات من شاهد عيان على تاريخ سينمائي متنوع وحافل بالقضايا .

ثمة نقطتان لفتتا انتباهي بشكل خاص من خلال مقالات هذا الكتاب، الأولى تتعلق بالجانب الحضاري في برامج عروض الأفلام في بيروت، سواء من خلال نوادي السينما، أو بشكل خاص من خلال صالات العرض التجارية التي كانت تعرض فيها أفلام مهمة من دول مختلفة في العالم) مثل (كوبا والسنغال والسويد وغيرها)، خاصة مع وجود صالة “كليمنصو” وهي صالة “الفن والتجربة” التي دأبت على عرض الأفلام “الفنية والتجريبية”، وكانت الحاضنة لنشاطات وعروض النادي السينمائي العربي . النقطة الثانية التي استرعت انتباهي تتعلق بنوعية وتوجهات ومستوى النقد السينمائي في الصحف اليومية والأسبوعية في تلك الفترة، فالنقد السينمائي في تلك الفترة، بعامة، كان ممارسة جادة ومسؤولة وذات منهجية ثقافية وسياسية وطنية لا يكتفي بأن يتعامل مع الأفلام كوحدات مستقلة بذاتها فيحلل عناصر الإخراج والتمثيل والتصوير والسيناريو، بل كان يتعامل مع مضامين الأفلام من خلال القضايا، ليس فقط القضايا التي تطرحها، بل بخاصة من خلال القضايا التي ترتبط بها، ولو بصيغة غير معلنة، من أمثلة تلك التي نجدها في هذه المقالات تحليل بعض الأفلام الأوروبية والأمريكية من حيث دورها الخفي في الدعاية للصهيونية، أو من خلال دورها في نشر قيم ومفاهيم وثقافات محددة وهو دور تتشارك في تأديته أفلام متنوعة . أما القضية الرئيسية المتعلقة بالسينما العربية والتي كان يتردد صداها في نقد الأفلام العربية، فكانت تتعلق بالهوية الفكرية والفنية للأفلام العربية وأفضلية الإنتاج الوطني الصرف على الإنتاج المشترك بتمويل أجنبي، وهذا يعني أن النقاد السينمائيين آنذاك، كانوا في معظمهم مثقفين متنوعي الاهتمامات الفكرية والثقافية والفنية، وليسوا مجرد هواة مشاهدة للأفلام ويحبون الكتابة عنها، وغالباً من منظور انطباعي وسطحي .

أخيراً، من المفيد أن نذكر أن العديد من القضايا والإشكاليات المثارة في ثنايا المقالات لا تزال راهنة وتحتاج إلى متابعة بحث وحلول .

الخليج الإماراتية في

07/08/2010

 

زخم الأحداث شتت المؤلف ولم يفقد أحمد حلمي الرونق

"عسل أسود" واقعية سينمائية عابها السذاجة والسطحية

كتب - محمد جمعة

الجمهور هو صاحب الكلمة العليا في تقييم نجاح اي عمل فني من عدمه, وقد رفع النجم الشاب احمد حلمي على عرش الكوميديا, وخلال سنوات حصدت افلامه ملايين الجنيهات وحاز لقب فنان الاسرة الى جانب انه ممثل متمكن صعد الدرج من بدايته حتى وصل الى القمة.

عمد حلمي الى اختيار افلام كوميدية بسيطة "لايت" رسم معها الابتسامة على محيا جمهوره بخفة دمه وادائه المقنع, ولكن جاء العام 2007 ليشهد تمرد حلمي على نفسه عندما قدم فيلم "كده رضا" مجسداً شخصيات التوائم الثلاثة ببراعة وحرفية واتبعه بفيلم "آسف على الازعاج" ليخرج عن عباءة الكوميديا للمرة الاولى ويقدم رؤية فلسفية لحياة شاب يعاني من مرض انفصام الشخصية, ويتفوق حلمي على نفسه بفيلم "الف مبروك" المستوحى من اسطورة اغريقية.

اما جديده الحالي "عسل اسود" فقد اثار ضجة قبل عرضه نتيجة تعنت الرقابة مع صناع العمل لانه يوجه انتقاداً لاذعاً للاوضاع الاجتماعية والسياسية في مصر, دعاية ضخمة سبقت الفيلم الذي ما ان بدأ عرضه حتى اطاح بمنافسيه من قمة الايرادات.

"عسل اسود" يعرض بنجاح في الكويت ويشارك في بطولته ادوارد, انعام سالوسة, لطفي لبيب, يوسف داود, احمد راتب وايمي سمير غانم, ومن تأليف خالد دياب, واخراج خالد مرعي, نقل حيرة المصريين في الحكم على بلدهم بين نظرة سلبية عمقتها الامراض الاقتصادية والاجتماعية واخرى مازالت ترى في حياة المصريين طعم العسل, وحاول صناع الفيلم تقديم درساً في الانتماء والاقتداء بالمجتمعات الغربية في بعض الجوانب ولكن الفيلم شابه سطحية طرح بعض المشكلات وسذاجة النهاية.

يقرر بطل الفيلم "مصري سيد العربي" العودة الى بلده بعد ان عاش عشرين عاماً في الولايات المتحدة منذ ان كان ابن العاشرة, لكن حلم "المواطن العائد" يصطدم بواقع مترد رآه في الصحف "رديئة الطباعة" في الطائرة والمعاملة الامنية الخشنة في المطار مقارنة مع الاجانب, خصوصاً انه ترك جواز سفره الاميركي في بلاد المهجر ظنا انه لن يحتاجه في وطنه.

ويدفع المصري العائد ضريبة عدم اصطحابه الجواز الاميركي "السحري" فيلاقي معاملة سيئة في الفنادق ومراكز الشرطة ومع سائقي الاجرة, فيعزل نفسه في غرفة الفندق حتى يصله جوازه الاميركي الذي ارسل في طلبه من بلاد العم سام. حيث تشرع امامه الابواب, لكنه يصطدم هذه المرة بما هو اكبر من التعامل الامني وفساد الموظفين واستغلال بعض المواطنين, انها كراهية المصريين لاميركا فتستحيل عليه الحياة في بلده كمصري او اميركي, ويقرر العودة.

لكن اياماً قليلة قضاها في بيت صاحبه الفقير "سعيد", وكلمات الدفء من "ام سعيد" وحكمة جاره القديم "عم هلال" الذي لا ينكر امراض المجتمع, لكنه يرى في نهاية النفق ضوءاً, ويرى في سواد الحياة طعم عسل لا يتذوقه إلا المصريون, امور تجعل بطل الفيلم يعيد حساباته ويقرر بعد ان تقلع به الطائرة العودة الى مصر.

واقعية الفيلم صادمة فهو يقدم اطلالة سريعة عما يحدث في الشارع المصري والتناقض الذي يعيشه اهل المحروسة, هناك موظف مرتش وآخر مثالي, قسوة الشارع والزحام الخانق ولكن في المقابل يوجد من يمد يد العون نحو الصواب, تعنت بعض الجهات مع المواطن في الوقت الذي تفتح الابواب على مصاريعها امام الاميركي وايضا كراهية بعض الفئات للأميركي وتحميله مسؤولية سياسة حكومته.

نجح المؤلف في ايصال فكرة التناقض ببراعة ولكن جاء ذلك على حساب عدم منطقية بعض الاحداث او التعامل بسطحية مع مشكلات اخرى منها قانون الطوارئ الذي يمنح الشرطي حق اعتقال المواطن لمجرد الاشتباه فيه وهذه المشكلة تحتاج الى عمل سينمائي كامل لمناقشتها وليس بعض مشاهد في فيلم.

اراد مؤلف العمل ان يلم بكافة السلبيات التي انتشرت في الاونة الاخيرة بالمجتمع المصري من فساد طال غالبية مؤسسات الدولة ما اضطره في بعض الاوقات الى اقحام احداث غير منطقية والتعامل بسذاجة مع اخرى, فعلى سبيل المثال عندما فقد بطل العمل جواز سفره الاميركي وامواله اضطر للتجول في شوارع العاصمة والنوم في الطرقات قبل ان يلجأ بعد ايام الى السفارة الاميركية وكأن هذا الحل كان غائباً عنه طوال الفترة التي امضاها وحيداً في الشارع, ولكن يبدو ان المؤلف اراد ان يستعرض بعض العادات الحميدة التي دأب المصريون عليها خلال شهر رمضان من موائد الرحمن ومساعدة الفقراء فلم يجد سوى هذا المخرج الساذج ليضع بطل العمل في الشارع لبضعة ايام قبل ان يجد الحل.

كما اثر حذف بعض المشاهد على سياق العمل لاسيما عندما اراد بطل العمل مصري سيد العربي البحث عن منزله الذي غادره منذ عشرين عاماً ولا يتذكر العنوان فظل يبحث في شوارع العاصمة مع سائق التاكسي الى ان وجده عن طريق الصدفة. مفاجأة غير منطقية, ومن يشاهد بعض المقاطع التي حذفها المخرج للاختصار من مدة الفيلم يجد ان احدها كان يتضمن حواراً بين بطل العمل وأحد الاشخاص عن اسم المنطقة التي كان يقطنها البطل وبالتالي استطاع ان يصل الى منزله بسهولة, ولكن كمشاهد لست مضطراً للبحث عن المشاهد المحذوفة لايجاد منطق في احداث الفيلم.

غير ان زحام الموضوعات وما تعرضنا له من موجة القصور في الفيلم لم يحل دون ان يبدع حلمي كعادته كممثل فقد احكم قبضته على شخصية مصري سيد العربي وقدم نموذجاً واقعياً لشاب امضى حياته خارج وطنه وعاد وهو يتصور ان بلده لم يتغير, حلمي نفذ المطلوب منه وبدا واضحاً ان امكاناته تفوق الدور المكتوب ولكن كبطل للعمل وبحكم تجربته كان يفترض ان يفطن لهذا الزخم وينتبه الى فخ التشتت, كما انها رغم صغر مساحة دورها استطاعت الفنانة الشابة ايمي سمير غانم تقدم اوراق اعتمادها للجمهور كفنانة واعدة.

السياسة الكويتية في

08/08/2010

 

كلما عرضت مشاهد جسدية يظهر طرفان الاول يعتبرها جرأة وتحررا والثاني تطرفا واباحية:

الابداع السينمائي المغربي امام اسئلة عنيفة وقوية

محمد الحجلي

هذا الكم الإنتاجي المتزايد من الأفلام السينمائية المغربية، كان لابد أن ترافقه مجموعة من الأسئلة. ويبدو أن النقد السينمائي يبذل جهوده للإجابة عنها.

هذه الأسئلة يمكن النظر إليها، على أنها منصهرة في سؤال واحد وأساسي، وهو السؤال حول مدى تعمقها وتجذرها الثقافي. إذ بدون هذا التعمق، لا يمكن الإقناع بأية مقولة خطاب؟ ولا يمكن أن يستقيم مرور هذا الخطاب؟

لكن الملاحظ أن هذا النقد لم يقدم إجابات على الأسئلة التي يحملها البعد الجمالي في الفيلم المغربي، خاصة جمالية الجسد، إذ قليلا ـ بل نادرا ـ ما يتم تناوله في الكتابات النقدية السينمائية. رغم أن صور الجسد، هو الموضوع الأكثر حساسية، وهو الأكثر إثارة لهذا الجدل الذي يتفجر كلما ظهر فيلم يتعامل مع الجسد، من منظور يبدو جريئا، ويبدو غريبا بجرأته. وهذا ما يجعل الأطراف المتجادلة تنقسم حول وصفه. فإما وصفه بالمتحرر والجريء وهو الطرف الأكثر حضورا، وإما بالإباحي والمتطرف عن الثقافة والمجتمع. وهو الطرف الأقل حضورا. مع ملاحظة أن الطرف الأول يبني خطابه على الدعوة لتحرير الجسد من القيود التي وضعها عليه المجتمع المغربي. بينما الطرف الثاني يبني خطابه على انتقاد هذه الأفلام باعتبار هذه الجرأة تسير في الاتجاه السلبي، وغير أخلاقية.

إذا كان من غير اللائق نعت هذا الفيلم أو ذاك بالسطحية أو أقل عمقا، فإن مسألة السطحية والتعمق في السينما درجات، وتبقى متفاوتة بين فيلم وآخر. والذي يجعلها درجات، هو اختلاف الرؤى الإبداعية، والمنطلقات الفكرية للمبدع. والمقصود بالفيلم المتعمق، هو الذي يلبي رغبة المتفرج المغربي، بحيث يقوي بهذا التعمق شعوره بمغربيته. والمقصود بالفيلم السطحي، هو عندما تكون فيه رغبة المخرج في تمرير مقولة الخطاب السينمائي تغلب على هويته أو ذاتيته. إلى درجة أن في بعض الأفلام تقترن مسألة الهوية بالتخلف، ويتم اختزال الواقع المغربي فقط في المشاهد التي تخالف حسيا رغبة المتفرج وانتظاراته، أو تخالف جماليا رغبته البصرية، وأحيانا يذهب الأمر إلى حد عرض مشاهد صادمة.

بالمقابل، لا يمكن للسينما المغربية أن تتقدم من دون توفير جو للممارسة السينمائية الحرة. لأن الحرية هنا شرط أساسي. ولكن المؤلم في الأمر، أن توفير الحرية في مجال من أكثر المجالات الثقافية حساسية، وأكثرها تأثيرا على الشعوب، يعزز ذلك الانطباع الخاطئ، والمبرَّر في نفس الوقت، والذي يحمله العديد من الناس على القاعات السينمائية باعتبارها مكانا موبوءا ووكرا للرذيلة البصرية، والمشاهد الماجنة. أما التلفزيون كقناة لعبور الفيلم نحو التواصل الجماهيري الأوسع، فتشديد قيوده الرقابية على بعض الأفلام، ما هو إلا دليل على أن هناك مساحة شاسعة بين عقلية المبدع في السينما المغربية ورغبة المشاهد.

أمام هذه الصورة المقتضبة للسينما المغربية، يتضح دور النقد السينمائي المغربي، باعتباره حلقة الوصل بين الفيلم والجمهور. أو باعتباره جسرا لعبور الخطاب السينمائي المغربي إلى الجمهور. مهمته اجتماعية وثقافية، تتمثل في التحليل الفيلمي المؤسس على أرضية مغربية حرة، ومسؤولة. والذي يهدف ـ من بين ما يهدف إليه ـ إلى تقويم اعوجاج مسار الخطاب السينمائي المغربي، لتمريره. (التنويه بما هو إيجابي، وانتقاد ما هو سلبي) بناء على أن القراءة والتحليل الفيلمي يستمدان أدواتهما من مدى وعي الكتابة النقدية بالخصوصيات الثقافية المغربية. لأن تقويم اعوجاج مسار الخطاب السينمائي المغربي، هو الكفيل بالسير به إلى الأمام.

إذا انتقلنا إلى نوعية النقاشات التي أثارتها ولازالت تثيرها مجموعة من الأفلام، والجوانب التي تم تناولها نقديا في هذه الأفلام، نجد أنها كشفت الحدود التي استطاع النقد السينمائي المغربي الوصول إليها في قيامه بهذه المهمة الاجتماعية والثقافية. فالملاحظ أن سيطرة الجانب الفكري والايديولوجي كان على حساب الجانب الجمالي في القراءات الفيلمية، مما جعل هذه القراءات مفتوحة على استنتاجات وتأويلات متعددة. مع العلم بأن الفن السينمائي كمجال تعبيري تشكل فيه جمالية الصورة منطلقا أساسيا لخطاب نقدي مقنع وفعال. وأن جمالية الصورة، تستمد فعاليتها وقدرتها على التأثير، من البيئة الاجتماعية للشعوب وخصوصياتها الثقافية. وأذكر هنا كلمة مهمة للناقد السينمائي (سابقا) نور الدين الصايل في مجلة 'دراسات سينمائية'. عدد 12 ـ 1990: علينا أن نساعد ـ ما أمكن ـ الإنتاجات التي تسجل ذواتنا للمستقبل، على أننا ذوات لها تفكير وإحساس ولنا أيضا موقف من الجمال والجماليات.

إن غياب البعد الجمالي في التحليل الفيلمي، وخاصة جمالية الجسد، كان هو السبب في هذا الكم الهائل من السجال والجدال الذي تعج به وسائل إعلامنا. وهو السبب في هذا الكم الهائل أيضا من سيل الاتهامات التي توجه للعديد من الأفلام. ومن السهل أن نلاحظ في هذا السجال وهذه الاتهامات أن مصدرها بدرجة كبيرة من القراءة السينمائية لجمالية الجسد، وعلاقتها بالأخلاق (المشاهد الجنسية والكلام الساقط)، بغض النظر عن نوعية الكتابة ـ إن كانت صحافية أم نقدية. وما مستواها في تحليل الفيلم؟ وبغض النظر أيضا عن كيفية ربط المشاهد الجنسية والكلام الساقط بالأخلاق. وفي بعض وسائل الإعلام، غالبا ما تصاغ هذه الاتهامات ـ تأدبا ـ في شكل السؤال التالي:

ـ هذه المشاهد أو هذا الكلام الساقط، هل تراه مقبولا لدى الجمهور المغربي؟

فتكون الإجابة بمثابة متراس للاحتماء من رماح الاتهام وغالبا أيضا ما تكون على الشكل التالي:

ـ يجب أن نقدم للجمهور صورته الواقعية.

هذه نتائج طبيعية لتصورات في الإبداع السينمائي، لا تتعامل مع الواقعية السينمائية على أنها تخضع لمقاييس فنية وجمالية مستمدة من الخصوصيات الثقافية، والتي تشكل الأخلاق جزءا منها. بل على أنها نسخ الواقع كما لو أن هذه الواقعية السينمائية تفرض علينا أن نتعامل مع الواقع على أنه أمر واقع، ويجب أن نمتثل إليه.

مثل هذه التصورات، يمكن أن نجدها جلية في رد المخرج عزيز السالمي، على أحد الصحافيين حول الضجة التي أثارها فيلمه 'حجاب الحب': (أنا لست مسؤولا عن هذه الضجة. المسؤول عنها هو الواقع. أنا فقط صورت هذا الواقع وقدمته للجمهور). فتحميل مسؤولية الضجة للواقع، يبين بجلاء هذا التصور حول العلاقة بين السينما والواقع، على أنها علاقة مباشرة، لا يربط بينها إلا التعبير وليس الإبداع. كأن المخرج لم يصِغ الواقع بأدوات إبداعية (واقع متخيل)، وإنما أخذ الواقع ووضعه على الشاشة.

لنقف الآن على واحدة من القراءات النادرة لجمالية الجسد في الفيلم المغربي. وهو ما كتبه الناقد السينمائي، ورئيس جمعية نقاد السينما بالمغرب خليل الدمون في مجلة 'سينـما' عدد5. صيف 2005 متحدثا عن فيلم 'الراقد' عندما كان يعرض في مهرجان (كان) قائلا: (لابد أن نحتك ذلك الاحتكاك الإيجابي بهدف أن نجعل من عدستنا عدسة مغربية، لا عدسة لقيطة تلتقط فقط تلك الهوامش التي يعتقد المخرج أن العين الأجنبية راضية عنها. من هنا لا يمكنني أن أستسيغ مثلا وجود مشاهد لفتيات عاريات يسبحن في نهر القرية بالبادية المغربية، لست ضد تلك المشاهد ولكن أن تجري في سياق مجتمع منغلق كمجتمع المغرب الشرقي، فذلك أمر آخر).

أولا تعامل العين مع الجسد بالمغرب، لا يخضع لمقاييس جغرافية: مغرب شرقي، ومغرب غربي ...الخ. ثانيا: مادام هذا الأمر الآخر لم يوضَّح ما هو، فلا يمكن استنتاجه سوى من العودة إلى قوله: (لا يمكنني أن أستسيغ وجود مشاهد لفتيات عاريات بالبادية المغربية). إن عدم الاستساغة هنا، لا يمكن أن يمثل سوى الرفض البصري (اللاشعوري) لتلك المشاهد. وهو إحساس بعدم واقعية المَشاهد. أو فقدان هذه المشاهد لمصداقيتها الواقعية. لأن الفتيات في البادية المغربية ـ في الواقع ـ، بالكاد يمررن أو يقفن أمام العين الغريبة عنهن لمشاهدتهن، وعندما يعرضهن الفيلم بأجساد مكشوفة، فذلك مناقض للواقعية السينمائية المغربية. ولكن عندما يعرضهن عاريات (مكشوفات العورة)، فذلك مناقض لهذه الواقعية بدرجة أعلى. ومناقضة الواقعية لعرض الجسد كمثل هذه الحالة، تنطوي على تناقض مع الانتظارات الجمالية للعين المغربية. لأن واقعية صورة الجسد وجماليتها ينصهران ويصدران من منبع واحد. بمعنى آخر فإن الصورة ذات المصداقية الواقعية، هي بالضبط الصورة الممتعة جماليا.

في نهاية المطاف، تبقى السينما المغربية، صورة مصغرة للثقافة المغربية. وداخل هذه الصورة، يبدو السينمائي المغربي في حالة صراع مرير مع قيوده لتكسيرها والخروج نحو التحرر والانعتاق. ينتقل من رؤى إبداعية، إلى أخرى أقل قيودا وأكثر تحررا. فالروائع لا تخرج إلا من الخيال الحر. ويبقى منطق العرض هو الذي يحكم، بكل ما يتضمنه من مفارقات وتناقضات ـ قوية أحياناـ وإذا كان عامل التاريخ كفيلا بتحليل هذه المفارقات والتناقضات مستقبلا ـ بناء على مقولة (البقاء للأصلح) ـ، فإن مهمة التحليل الموازي للعرض موكولة إلى النقد السينمائي المغربي شريطة أن تتوفر فيه إرادة التحرر. والتحرر لا يتطلب منا سوى أن نخرج من أنفسنا قليلا، وننظر إلى صورتنا من الخارج بتفكير وتأمل. لأن النظر من الخارج، هو الوحيد الكفيل بإدراك حقيقة صورتنا.

في ظل غياب هذه الإرادة ينفتح المجال لتفجير أسئلة عنيفة وحارقة ـ وما هذا بغريب في مجال السينما ـ. وتبدأ هذه الأسئلة في التطور إلى أن تنفجر في شكل اتهامات واتهامات مضادة، ثم تتطور الاتهامات إلى صراعات ونزاعات، بين طرفين كلاهما مكسب وطني مع الأسف. وما يؤسف له أكثر، أن في غياب هذه الإرادة لا يبدو في الأفق خيار آخر عند البعض، سوى الاصطفاف مع هذا الطرف أو ذاك، وهذا ما يزيد الطين بلة.

فإذا كانت السينما المغربية تحقق اليوم تقدما، فإن الإبداع السينمائي المغربي يقف أمام أسئلة قوية وعنيفة. والإجابة على هذه الأسئلة، هو الذي سيُعَبد الطريق نحو تحرر هذه السينما وتحرر الخيال الإبداعي للسينمائي المغربي، وبالتالي الوصول إلى مخيلة مغربية حرة لها موقفها الجمالي الخاص، تتعامل مع الجسد بشكل يجد فيه المتفرج المغربي ما يلبي فعليا رغبته الجمالية، ومتعته البصرية.

ناقد سينمائي وتلفزيوني من المغرب

elhamedd@hotmail.com

القدس العربي في

08/08/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)