حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

شخصيات بين السخرية واللامعقول

«بالألوان الطبيعية» يثير هاجس الحرام والحلال في السينما

رمضان سليم

إذا ذكر اسم المخرج أسامة فوزي، فلابد أن يجر ذكر العديد من المشكلات التي ارتبطت بعروض أفلامه، فنحن أمام مخرج يحاول دائما أن يثير الزوابع، ربما يكون قاصدا، فأفلامه تقترب بعيدا وقريبا من عالم المجتمع الضاج بالعلاقات المتشنجة المتداخلة والمتشابكة، فهو في أول أفلامه الروائية الطويلة "عفاريت الإسفلت – 1996" يتطرق الى شريحة اجتماعية في مصر من قاع المجتمع تقريبا، صارت لها ثقافتها الخاصة بها، وهي تفرز عناصر تعتمد على مبدأ الأنانية في طريقة العيش وتتواصل بأسلوب التعمية، لأنها تصمت عن ممارسات داخلية من أجل إبراز الظاهر اللامع البراق.

في ذلك جاء الشكل الفني متطورا والموضوع له حساسية خاصة ومرتبط بالجنس وعدم التركيز على الجانب الديني.

في الفيلم الثاني للمخرج"جنة الشياطين – 2000" يتضح الهاجس الديني بشكل اوضح، ولاسيما وأن الفيلم مقتبس عن رواية قصيرة للكاتب البرازيلي "جورجي أتاوو" وكانت بعنوان "كامكات العوام".

ولقد جاء ذلك من خلال شخصية عاشت نصف حياتها بعيدة عن الدين، وكان لعائلته المتزمتة أن تتعامل معه بعد موته واستلام جثته أو عدم استلامها.

في ذلك الفيلم يضع المخرج الخلفية المسيحية واضحة في الفيلم، ويتضح الأمر أكثر في الفيلم الثالث، وهو "بحب السينما" إنتاج عام 2004 حيث يظهر الهاجس بشكل واضح من خلال شخصية "عدلي" الأب الذي يرى كل شيء حرام من حوله ويعيش الألم المبرح جراء هذا الإحساس بالإثم.

بالطبع آثار هذا الفيلم الكثير من المشكلات ولاسيما في الأوساط المسيحية وخصوصا وأنه لأول مرة تظهر مثل هذه الشخصية المتزمتة والتي تعيش حالة من عدم التوازن بسبب مخاوف العقاب المسلطة من أعلى بسبب التربية الأسرية، من جانب آخر كانت هناك اعتبارات أخرى لردود الأفعال تجاه الفيلم من حيث تعرضه للجنس وعلاقته بالدين وإذا كان السؤال في فيلم "بحب السينما" هل السينما حلال أم حرام؟ فإن السؤال في الفيلم الجديد 2010 "بالألوان الطبيعية" هل الرسم والنحت حرام أم حلال؟

لا نريد أن نذهب بعيدا في تبسيط الأمور، لكن هذا الفيلم "بالألوان الطبيعية" يفرض على من يتابعه اختيارا نحو تبسيط الأشياء لأنه ينطلق من حوادث مباشرة شهدتها الساحة الثقافية عندما طرح التساؤل في أروقة الجامعة المصرية وبين الطلبة أو ربما وقعت أحداث أشد ضررا من قبل جماعة من المتشددين وصلت الى حد العنف. كما أن بعض الأحداث الخارجية كانت مدخلا لمناقشة هذا الأمر ونقصد بذلك تحطيم بعض التماثيل والمنحوتات.

لعل الصخب الدائر حول الحرام والحلال في كل شيء هو الذى يقود الى طرح هذه الموضوعات في الأفلام، مع نقل الخلفية الاجتماعية من وسط اسلامي شائع، الى وسط مسيحي لا يظهر كثيرا في السينما المصرية، كما في فيلم "بحب السينما".

في فيلم "بالألوان الطبيعية" نجد أمامنا أسرة مسلمة، مكونة من أم وابن لها، ومثل العادة تنتظر الأم نجاح ابنها في الثانوية العامة وبمجموع مرتفع، حتى يتمكن من الدخول الى احدى الكليات المهمة من حيث الوظيفة والمهنة، ولكن الابن يوسف يجد نفسه وبمجموع صغير، في كلية الفنون بديلا عن كلية الهندسة التي لا تلائم ذوقه ورغباته.

يبدأ الفيلم عمليا بتقسيم رحلة الكلية بواسطة السنوات المتتالية، من السنة الأولى الى الخامسة. أي من البداية الى التخرج.

والواقع أن التعامل مع فنون الرسم في السينما المصرية لم يتجاوز فكرة الموديل، حيث كثيرا ما نجد الفنان الرسام او النحات وهو يدفع مالا لاحدى الفتيات من أجل أن يرسمها، ولقد تكرر ذلك في أفلام كثيرة، حيث العلاقات العاطفية المتشابكة بين الفتاة البسيطة الفقيرة في مواجهة الفنان، سواء كان محترفا او طالبا، وتظل العلاقة بين الفقر والغنى هي جوهر القضية.

ويمكن أن نذكر أفلام مثل نساء الليل وشيء من العذاب وبئر الحرمان وأفلام أخرى لم نتطرق الى قضية الرسم بشكل جاد، ولا نعني بذلك أن فيلم أسامة ينتمى الى النوعية الجادة بالضرورة، لكنه يسير مع الاتجاه العام في معالجة قضايا الحرام والحلال في المجتمع المصري في العقود الأخيرة.

لم تكن القضية مثارة في سنوات سابقة على المستوى الاجتماعي، بالرغم أن التصوير والرسم من الموضوعات التي تناولتها الأفلام كثيرا من جانبها الديني، كما حدث في المسرح أيضا، عندما جاءت كتب كثيرة تتطرق الى معالجة مسألة المسرح والإسلام وبالتالي قضايا الفن التشكيلي والنحت والتصوير وعلاقتها بالدين لا يمكن أن يخفي المخرج أسامة فوزي الهاجس الدينى المسيطر على خياله، حتى لو في حال استخدام السخرية مثلا او استخدام التعليق الجانبي أو استخدام الحوارات المطولة والمنافشات غير السينمائية. وسوف نجد ان شخصية يوسف تطرح مشكلة الجنة والنار والثواب والعقاب، نقلا عن الأم أولا، ثم من خلال ما طرحته الفتاة "الهام" وهي طالبة أيضا في المعهد الفني، ومن ضمن جماعة النحت والرسم.

والواقع أن هناك افتراضات وضعها الفيلم سابقة لأوانها، ذلك أن الشخصيات المترددة في حسم مشكلة الحلال والحرام، لا يمكنها ان تدخل الى الأقسام الفنية بحيث تبحث عن الموديلات العارية أو شبه العارية. ولا يمكنها أن تختار تخصصها مع عدم الاقتناع، وفي الفصل الموسع الذي يضم الطلبة والطالبات والمدرسين سوف نجد اتجاها لرفض هذا النوع من الفن بشكل مطلق، ورغم ذلك فإن أصحاب هذا الاتجاه يدرسون المادة ويستمرون فى تعلمها ومن باب أولى أن يتم ترك هذا الاختصاص.

نحن أمام فيلم سينمائي ولسنا امام قضية للنقاش وهذه الألوان الطبيعية المتداخلة من خلال تجميع الألوان، هي المدخل للفيلم، رغم أن المعهد قد ظهر بشكل استثنائي من الوهلة الأولى، بسبب سلوك الطلبة التهريجي وتصرفات الأساتذة النفعية والتي تنحصر في اللامبالاة والإهمال. فضلا عن استخدام الطلبة في أعمال خارجية ولقد أفاض الفيلم في ذلك عندما أظهر أحد الطلبة وهو يقدم خدماته لأحد الأساتذة، والى درجة مساعدة الأخت ذات الحجم الضخم في النزول من سلم العمارة على كرس متحرك.

لا توجد في الفيلم شخصيات كثيرة، سوف نجد "علي" الذي يرتبط بعلاقة مع "داليا"، لكنه متردد، وهو يتحرك باعتبار شخصية عادية، ليس لديه طموحات فنية ولا أية مشكلة إبداعية، وهو يحاول أن يقترب من داليا بعد أن تضع مولودها لكنه يفشل.

هناك شخصية إلهام وهي غير واضحة المعالم لأنها تتغير بدون دافع واضح ولا حافز مؤثر، فنحن لا نعرف لها خلفية اجتماعية "أسرة" كما انها تنقل بعض العبارات الخاصة بالحلال والحرام، ثم ترتدي النقاب وليس الحجاب، رغم انها طالبة في الفنون التشكيلية، ولم نفهم لماذا يصر الفيلم على حضور شخصية رجل دين المعتدل "الشيخ خالد" والذي يدفع الطلبة نحو ممارسة فن الرسم ولكن بصورته التقليدية القديمة. لكن الفيلم "بالالوان الطبيعية" يعيش حالة دمج بين الموضوع الدرامي والظروف المعاشة الواقعية.

لنعترف بأن قصة الفيلم تشكو من ضعف واضح وبالتالي نجد صعوبة في الاقتناع بحركة الشخصيات. وحتى المنحى الانساني في شخصية الموديل محمود "سعيد صالج" في تلاشى بسبب اقتراب الشخصية من التهريج واللامعقول.

والحقيقة أن الفيلم قد طرح موضوعه أحيانا بطريقة ساخرة ومع استخدام مشاهد للخيالات والأحلام، ولكن الجانب الكوميدي ظل ضعيفا، ربما بسبب الضعف في التمثيل من قبل بطل الفيلم "كريم قاسم" وكذلك بطلة الفيلم "يسرا اللوزي". لكن الحس الكوميدى يبقى ناقصا.

وبشكل عام استخدام الفيلم العديد من الوجوه الجديدة نسبيا، وذلك بحكم متطلبات الموضوع الذي يفترض وجود عدد من الطلبة في السنوات المتعددة لمعهد الفنون التطبيقية.

هناك تفاصيل كثيرة ركز عليها الفيلم ولكن محور الحرام، والحلال كان مسيطرا ولاسيما على مستوى النفاش وتبادل وجهات النظر، حتى بدا الفيلم أحيانا وكأنه محاضرة في هذا الموضوع.

ولهذا يمكن القول بأن الملل يتسرب أحيانا الى المشاهدين بحكم وجود فراغات لم تفلح الموسيقى الجيدة ولا مشاهد الرقص في سدها.

استخدام الفيلم الأغاني بألوانها المختلفة لتقديم تباين في خارطة الطلبة، من الاغاني الحديثة الى الاغاني الشعبية الى الأغنية السياسية، ولقد جاءت الاغاني خلفية واضحة لبعض الحفلات الجماعية أو جاءت مغناة من قبل الطلبة أنفسهم.

هناك نقد واضح لسلوك المدرسين وسيطرة النزعة النفعية في عملهم وكذلك الصراع على البقاء في المعهد والانضمام الى سلك التدريس، فيما يعرض بنظام المعيدين.

ولقد استخدم الفيلم طالبة مسجلة باعتبارها معيدة تسعى للنجاح باستغلال الآخرين ومن بينهم يوسف الذي تفتتح معه علاقة عاطفية منفعية، لا تستمر طويلا.

وربما كان هذا الطرح هو الموضوع الرئيسي المهم اللافت للانتباه، بعد أن اختفت باقي الموضوعات التي لها علاقة بالحلال والحرام.

يحاول الفيلم في النهاية أن يهرب بعيدا عن التفاصيل التي وضع نفسه فيها بدون نتيجة واضحة، وذلك عندما يسجل يوسف موقفه والذي يختار فيه ان يكون فنانا حرا وليس موظفا ولو بصفة أستاذ.

هنا في الموضوع عدم تماسك، ولكن الفيلم يبقى مختلفا، بصيغته الجماعية واقترابه من قضايا لها طابع اشكالي من النادر أن تتعرض لها السينما.

لابد من الإشارة بأن هذا الفيلم قد تلقى دعما من وزارة الثقافة المصرية وهو لا يختلف في ذلك عن فيلم "رسائل البحر" للمخرج داوود عبد السيد، ومع سلسلة أخرى من الأفلام قيد الانجاز. وقد سبق لهذه الوزارة أيضا أن أنتجت بالكامل فيلم "المسافر" لمخرجه احمد ماهر.

وكل تلك التجارب توضح بلا شك بأن الدعم الرسمي ليس بالضرورة رهين اختيار موضوعات خانقة من حيث طموحات التعبير، بل نجد أن هناك تفتح واضح، بحيث يصعب الربط المباشر الآلي بين توجهات السلطة الرسمية والحرية التي يتصف بها الإبداع في مختلف أشكاله الفردية والجماعية وكما قلنا يكفي أن يكون الفيلم له هذا الطابع الاشكالي في الموضوع وهذا الالتباس الفني الخاص بطريقة الصياغة والعرض، وهذا ليس بالغريب من مخرج ينتظر الجميع أفلامه بشغف وترقب.

العرب أنلاين في

06/08/2010

 

الفيلم الاسباني 'نجوم على خط مستقيم' بائعات الهوى ضحايا المجتمع:

هل يمكن التعاطف مع الدعارة؟

محمود عبد الرحيم 

التعاطف مع المومسات والتعاطي معهن كضحايا للفقر والاحتياج، وأنهن مغلوبات على أمرهن، وفوق هذا يتعرضن لكل أشكال القهر والاستغلال والرفض المجتمعي، على نحو ينتهك إنسانيتهن، هذه هي الرسالة التى أراد الفيلم التسجيلي الاسباني 'نجوم على خط مستقيم' أن يصدرها، من خلال تسليط الضوء على تجربة بائعات الهوى، باحدى الضواحي الفقيرة في غواتيمالا.

وتبدو هذه الرؤية موضع تحفظ شديد، إن لم تكن رفضا حاسما، حيث لا يجوز- في رأيي- التعاطف مع المومسات، أو تبرير سلوكهن المبتذل لكرامتهن، لأنهن شركاء في انتهاك آدميتهن وتحولهن لرقيق أو أجساد للبيع لراغبي المتعة الرخيصة، وانهن اخترن هذا الطريق الأسهل والأحقر، في ذات الوقت، بإرادتهن الحرة، مع التلذذ بلعب دور الضحية ومحاولة ابتزاز المشاعر، كلما كانت ثمة مواجهة مع الآخر، أو إدانة من قبل المجتمع، 'فالإنسان، حسب تعبير ماركس يصنع الظروف، بقدر ما تصنع الظروف الإنسان'.

لقد سار الفيلم على النهج التقليدي، فيما يخص عرض شهادات بنات الهوى الحافلة بالتبريرات المكررة، التي قد تسمعها من كل مومس في الشرق أو الغرب، عن تورطهن في احتراف هذه المهنة الأقدم تاريخيا، رغما عنهن، نتيجة الفقر والجوع وضيق ذات اليد، وأن كل الأبواب أغُلقت في وجوههن، ولم يجدن إلا هذا الباب، للحصول على لقمة العيش، أو الحديث عن الاعتداء على بعضهن من زوج الأم وهروبهن ليقعن في براثن القوادين، أو تعرض بعضهن لخديعة، من قبل من كن في ارتباط عاطفي معهم، ودفعها لهذا الطريق عنوة أو السقوط إضطراريا، عقب إدمان المخدرات.

وبدا المخرج الاسباني تشيما رودريغث متعاطفا، أو بالأحرى منحازا لوجهة نظر هؤلاء المتاجرات بالجسد، باختيار اللقطة المكبرة 'كلوز آب' بكثرة لإبراز انفعالات المتحدثات، خاصة لدى لحظات بكائهن المتكررة، من أجل جذب تعاطف المشاهدين.

إلى جانب، المقاربة التى يركز عليها كثيرا، بين نظرة الأهل والجيران للمومسات، وبين نظرة الغرباء.

فالمقربون، الذين يعايشون هؤلاء النسوة، متعاطفون معهن، ومتفهمون لظروفهن، بتقبل وتسامح، بل يرون أنهن يضحين من أجل الآخرين، سواء الزوج أو الأولاد، وتلبية احتياجات الأسرة، فيما الآخرون يرون الصورة من بعيد، من دون مبالاة، أو استيعاب للتفاصيل والخلفيات والظروف الضاغطة، على نحو استعلائي، حسب السياق العام للفيلم.

وقد أفرد المخرج مساحة لسؤال نظرة المجتمع الغريب والقريب، بما في ذلك الأزواج والأبناء، فيما سعى لتكريس منظوره المتعاطف، بلقطات لبائعات الهوى، وهن يوقظن أطفالهن بحنان، ويحضرن لهم طعام الإفطار، ويحثونهم على الذهاب للمدرسة من أجل مستقبل أفضل، ليس هذا فحسب، بل ذهب إلى تصويرهن على أنهن نقيات القلب والروح، وعلى صلة جيدة بالرب، عكس ما يتصوره هؤلاء المستعلون، فبينما يمر أحد المبشرين الدينيين بالمنطقة مثلا، ويصفهن بالفسق والفجور، وإغضاب الرب، وأنهن سيُحرقن في الجحيم، نجد لقطة 'كلوز آب' على باب إحداهن مرسوم عليه علامة الصليب، ونجدهن قبل أن يخضن أي تجربة صعبة، أو اختبار، يقمن بتأدية الصلاة، واللجوء إلى طلب العون الألهي.

وربما الجديد في معالجة هذا الفيلم لهذه القضية، هو الحيلة التي لجأت إليها بائعات الهوى، للفت نظر الإعلام والمجتمع إليهن، وإلى 'معاناتهن' ومطالبهن، والتي رصدها الفيلم، على نحو أخرجه بدرجة كبيرة من التقليدية التي كاد أن يقع فيها، وأعطاه بعدا دراميا وحيوية، ومجالا رحبا لتنوع المشاهد، وذلك من خلال تفكير هؤلاء المومسات، في الاشتراك في مباراة كرة قدم نسائية، حيث ستكون ثمة فرصة لتسليط الضوء عليهن، ومن ثم عرض مطالبهن، بدلا من التظاهر في الشارع أو أمام القصر الرئاسي، الذي قد لا يلفت النظر إليهن، وإنما قد يُواجه برد فعل عكسي، نتيجة النظرة النمطية عنهن وعن مهنتهن.

وبالفعل يلتقط الإعلام الخبر، وينجحن في عرض مطالبهن، بشأن توفير حماية من تحرشات وابتزاز رجال الشرطة، والعنف والرفض المجتمعي بشكل عام، غير أن أهالي الفريق المنافس، يحتجون على توريط بناتهن في مباراة مع منحرفات وحاملات للإيدز، فيتم إلغاء المباراة، لكن رسالتهن قد وصلت، فيقوم جهاز الأمن نفسه، بتنظيم مباراة أخرى، بينهن وبين سيدات هذا الجهاز، وسط تعليق لافت لإحداهن :إننا نحن الأثنان نعاني نفس المشكلة، ونفس الصورة السلبية، وضحايا النظرة السلبية للمجتمع'.

ويرصد المخرج لحظات الاستعداد للمباراة، والتدريب بكل جدية، وأحيانا بطرافة، ولحظات الترقب والقلق، وقيامهن بطقس الصلاة، قبل بدء المباراة، وكأنه يريد أن يقول إنهن بشر عاديون، لا يختلفون عن غيرهن.

وتلفت جديتهن في المنافسة الرياضية النظر، فتتغير لهجة وسائل الإعلام تجاههن، إلى التفهم وتخفيف نبرة الرفض والاستهجان، فيما تسارع إحدى الشركات، فتقوم بدور الراعي الرسمي لهن، فيتمكن من خوض مسابقات على مستويات أعلى على المستوى الوطني، وصولا إلى عرض للمشاركة مع نظيراتهن من بلد مجاور 'السلفادور'، حيث نفس مشكلة الرفض المجتمعي لأرباب هذه المهنة، والحديث عن سمعة البلد.

وأثناء هذه الأحداث المتواترة، التي على ما يبدو مصنوعة روائيا، وليست تسجيلية، يركز المخرج على استجابة هؤلاء للحياة الجديدة ، ويقطع بالتوازي على حياتهن، في بيوت صفيح مهملة وقذرة، وبين النوم على سرير نظيف في فندق يطل على البحر، والأكل في مطعم فاخر بحرية، وبلا حرمان، ليبرز التناقض بين الحياة البائسة، التي وجدوا أنفسهن فيها بلا إرادة ، وبين الحياة الكريمة، التي يستحقونها.

وهنا يتدخل لسؤالهن..عن وقع هذه التجربة عليهن واحلامهن؟، فتجيء الإجابة، إنها كانت بالفعل أشبه بالحلم.

وتعبر إحداهن عن حلمها بأن تكون مع أطفالها، الذين ابتعدت عنهم، فيما الأخرى تتمنى أن تصبح ابنتها طبيبة، ويحلم الشاب الشاذ ذو الميول الأنثوية بأن يتحول لصانع موضة.

غير أن للواقع قانونه الخاص، وليس كل ما يتمناه المرء يدركه.

وبيئة وتنشئة الإنسان تتحكم بدرجة كبيرة في تحديد مصيره، والتغيير لا يأتي من العدم، وبشكل فجائي، وهو ما سعى المخرج إلى تأكيده في نهاية فيلمه، عبر شريط أسود أسفل صورة كل شخصية من شخصياته، كتب عليه مصير كل واحد من هؤلاء، من قتلت ودخلت إلى السجن، ومن تورطت في السرقة أو تجارة المخدرات، ودخلت للسجن أيضا، ومن استمرت في ممارسة الدعارة، والمومس العجوز واصلت عملها، الذي يتناسب مع سنها في بيع الواقي الذكري، وغسل البطاطين القذرة، والرضاء ببيت من الصفيح يأويها في نهاية حياتها.

وبدت النهاية بهذا الشكل ملتبسة، ولا ندرى هل تتبع المخرج مصير هؤلاء، حتى وصل إلى هذا الحال، الذي كشفه لنا، أم أنه تنبؤ من جانبه، وتدخل بصياغة نهاية روائية، صنعها بنفسه.

وقد أجاد المخرج في توظيف الموسيقى في مكانها الصحيح، وتلوينها حسب الحالة المزاجية، ففي لحظات المرح، خاصة أثناء التدريبات والتجول من بلد لبلد، من أجل المسابقة الكروية، ثمة نغمات أو إيقاعات راقصة، وأثناء التوتر والانفعال، نغمات شجية أو مقاطع من أغنية حزينة تعمق المعنى.

ويحسب له، رغم اختلافنا مع طرحه، إيقاع الفيلم السريع، والرؤية البصرية العميقة، وعدم ترك المشاركين، سوى ثوان محدودة، يتحدثون مباشرة أمام الكاميرا، والتركيز على تقنية الصوت خارج الكادر، أو متابعة شخصياته في حالة حركة مستمرة، أقرب للطبيعية، حتى وهن يعملن، أو يلتقطن الزبائن من على ناصيات الطرق، مع لقطات عامة متكررة للبيئة المحيطة، بكل تفاصيلها المزدحمة بعلامات الفقر والتهميش والقذارة والعشوائية، بالقرب من خط سكة حديد غواتيمالا، على نحو أدخل المشاهد في الجو النفسي للعمل، وعالمه الواقعي، بلا إثارة، أو افتعال، أو ملل.

فضلا عن اللقطة الدالة المتكررة لخط السكة الحديد، التي تجسد استقامته، والتناقض مع وضعية هؤلاء النسوة، التي توحي بإمكانية تغيير هذه الوضعية، إذا ما تحركنا من هذه البيئة، وقمنا بركوب القطار، وسرنا على نفس الخط المستقيم.

أما الجزء الكبير المتعلق بالتنافس الرياضي، ومحاولة لفت الأنظار والاحتجاج، بشكل سلمي مبتكر، والذي يبدو أنه قام بإعادة تصويره، بشكل روائي، لم يكن نشازا، فبدا منسجما تماما، وغير متنافر مع أجزاء العمل الأخرى.

غير أن مشكلة هذا العمل الأول لمخرجه، الذي يبشر بتميز لافت، تكمن في منطلقاته وتعاطفه مع ما لا يجوز التعاطف معه، كالدعارة وبائعات الجسد، وتصويرهن كضحايا للمجتمع والظروف، ولسن مذنبات أو حتى شريكات في هذا المصير.

ويبدو العنوان هو الآخر، عاكسا لموقف المخرج الفكري، الذي يرى في هؤلاء نجوما، يمكن أن يقفن على خط مستقيم، أو بالاحرى يمكنهن التفوق، والسير في الطريق الصحيح، وتجاوز الواقع المفروض عليهن، إذا ما اُتيحت لهن الفرصة، والتقبل الاجتماعي، وإن كان قد استقاه من اسم الفريق الكروي 'كلنا نجوم'، الذي اختارته هؤلاء المومسات المهمشات والمنبوذات، والذي يمثل في ذات الوقت، مفارقة ساخرة مع وضعهن.

كاتب وناقد مصري

mabdelreheem@hotmail.com

القدس العربي في

06/08/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)