حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

الكاميرا تتجول في شوارع الفضائح المالية

أموال لا تنام في «وول ستريت» وإيطاليا ترتعد

زياد الخزاعي

لمشاهدة فيلم، بعيداً عن أولئك الذين يسرقونه عبر شبكة «إنترنت»، علينا أن ندفع مالاً يصل إلى خزائن الشركات الكبيرة. عندما نعي الدافع السياسي لهذا الفيلم، نكون قد ربطناه بقوّة النظام ورموزه. فالسينما، في وجوهها الملتبسة، لا تبتعد عن المماراة، ولها القوّة الكافية للشتيمة. عندما نربط المال بالسلطة، نرسم كينونة التوتاليتارية. نرصد مصدر يناعتها الاقتصادية، وزهوها اللاحق. نتبع خطى قادتها الذين يلوون القانون لمصلحة الشلّة ونافذيها، وتبرير التفقير الاجتماعي وتابعه القهر، وتزكية السرقة وإثبات تداولاتها المصرفية. إن السلطويّ معنيّ بدرجات ماكبثية في ما يتعلّق بقوته وجيشه وأدواته، إلى حدّ ربط مصيره برجل المال ومُضاربي مصارفه ومحتالي صفقاته. فهذا الأخير يضمن، من بين أشياء كثيرة أخرى، شراء الذمم وصمت الخائنين والمتورّطين. إنهما (السياسي والمالي) مرجل ثنائي ديناميكي وخلاّق لرأس المال، في أسوأ درجات جشعه.

قطبا الحكم

إن ما يربط الشخصية الدرامية غوردون غيكو، بطل الفيلم الجديد للمخرج الأميركي أوليفر ستون «وول ستريت: المال لا ينام أبداً»، برئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلوسكوني، بطل الفيلم الوثائقي «دراقويلا: إيطاليا ترتعد» للمخرجة والممثلة الكوميدية سابينا غوتزانتي، كامنٌ في أنهما يماثلان قطبي عصرنة الحكم: مضارب المال النافذ والمصرّ على ابتزاز الجميع، بدءاً من أصحاب الأسهم وانتهاءً بالسوق الدولية بأكملها، في مقابل الحاكم الذي لا يخفي رعونته السياسية، حتى لو اتفق الجميع على تلوّث يديه وكيانه الحزبي بالسرقات والفضائح الجنسية. وبينما اعتبر غيكو، في العام 1987 (الجزء الأول من «وول ستريت» لستون أيضاً)، أن «الجشع قوّة»؛ فإنه أكمل جملته الشهيرة هذه في العام 2010 على نحو يكشف لا أخلاقية صنعته: «اليوم، يبدو أنه (الجشع) أصبح قانونياً، لأن الجميع ينهل من المنبع نفسه». أما بطل غوتزانتي، فيذهب إلى العالمي لجمع رؤساء قمّة الثمانية في بلدة لاقويلا، التي دمّرها زلزال العام 2009، ليستمرئ الصوت الشعبي بترداد أرقام الأموال التي ستُصرف على إعادة البناء. وبما أن الهوس الإيطالي في مداورة الحوارات اليومية للعامّة حول الفلوس وأرقامها، فإن نصّ غوتزانتي لا يشذّ عن روحية الاتهام المالي للرجل السياسي. فهي تعي حجم الحاجة العقلية لابن الشارع الإيطالي الحديث إلى صون ميزانية عائلته، وتذهب في أسئلتها إلى عقر دار عصابة برلوسكوني للاستفسار عن أمرين: السقف الذي يجب عليه أن يلمّ العائلات المشرّدة، والسرقات التي طالت الأموال العامة، والتي اختفت كميات كبيرة منها، على الرغم من أن عُشر خطة المشاريع أُنجز على عجل، قبل أن يُكشف النقاب عن تسرّب الثروات إلى مرتزقة الحاكم الأوروبي.

لم يذهب مخرج «دبليو» (2008) و«نيكسون» (1995) و«ج. ف. ك.» (1991)، في نسخته الجديدة، إلى شاشات المضاربة المالية فقط، فهذه تكفّلت برسم صورة إيضاحية للأزمة الكبيرة التي هدّدت الاقتصاد العالمي؛ بل صاغ زاويته الدرامية، التي كتبها آلن لويب (الأشياء التي احترقت) وستيفن شيف (كاتب سيناريو «لوليتا» لأدريان لين)، بطريقة أكثر حصافة عن الجزء الأول، بمقاربة عائلة غيكو، الذي قُدِّم سابقاً كوحش نيويوركي لا يُقهر. في المشهد الافتتاحي، ظهر البطل خطيباً في مجموعة من الساعين إلى الثروة، ومنهم الشاب جاك مور (شيا لابوف)، الذي يُفاجئنا بكونه الزوج المقبل لويني، ابنة غيكو. بمعنى أن المصلحة العائلية يجب أن تُبرّر الطموح الزائد للشاب كي يُغري، كما يظنّ خاطئاً، رجلاً بقامة القطب المالي السابق، من دون أن يفهم أن مشكلة غيكو، الخارج من السجن، كامنة في أنه لا يريد الانتقام وحسب، إذ إن الزمن الذي أضاعه في السجن يُحرّضه على خوض مغامرة إعادة تأهيل منافذ السوق لمؤامراته التي لا ينضب ذكاؤه في التخطيط لها. وكما برلوسكوني، الذي (بحسب دعوة غوتزانتي) يُبرّر سطوه على المال العام بحجّة بناء المجمّعات التي لا تتماشى وعراقة البلدة الغارقة في تاريخ النهشة الإيطالية وفنونها، يُبرّر غيكو، في نهاية الفيلم، «سرقته» ملايين الصدقات الخيرية، من دون أن تخلو خطوته من المفاجأة: تحويلها، في نهاية المطاف، إلى ابنته التي نبذته.

ثيمات

يُبيّن أوليفر ستون أن لا قلب لدى غيكو كي يحمل عاطفته المؤجّلة، بل مصلحة ذاتية، عليها أن تتمّ مساراتها وإن أدّت إلى الفضيحة (السجن من الإفلاس). ويتكفّل نصّ «وول ستريت: المال لا ينام أبداً» في تعقيد خطوطها بالموازاة مع اللهفة التي تتملك جاك مور في عقد صفقة مع غيكو، متمثّلة بوساطته لإعادة المياه العائلية بينه وبين ابنته ويني، في مقابل المعلومة السرّية التي يملكها حول خسارة المضارب المالي العتيد لويس زابيل (فرانك لانغيلا) أسهم شركته، ما يدفعه إلى الانتحار؛ وحول المؤامرة القصيرة النفس، المتمثّلة بأفعوان السوق المالية بيرتون جيمس (جوش برولين، الذي مثّل في «لا وطن للعجائز» للأخوين كوين)، الذي كاد يستحوذ على إرث معلمه وراعيه الراحل.

إن ثيمة الأب ـ الابنة ـ الزوج وماكنتها المتجلّية بالمتوالية الأزلية (المُضارب غيكو يُخفي سر «الصفقة» الواصلة لاحقاً إلى «رقم الحساب» في نصّ ستون)، تتحوّل إلى معادلة الرئيس ـ النظام ـ الوسيط في «دراقويلا»، لتصبح صيغتها على النحو التالي: رجل واسع الثراء والنفوذ، يُشدّد قبضته على «صندوق الانتخابات»، مستحوذاً على «السلطة»، ومُصرِّفاً شؤون البلد عبر «شركاته وشركائه». وكما أمضى أوليفر ستون الكثير من الدقائق الطويلة لعمله (ساعتان وإحدى عشرة دقيقة) في الدوران حول محيط شارع المال النيويوركي، بتصوير أخّاذ للمكسيكي رودريغو برييتو (مصوّر فيلم «جبل بروكباك» لآنغ لي)، بقيت غوتزانتي أمينة إلى بقعة التهمة السينمائية لرئيس وزراء بلدها، حيث جالت كاميرا الديجيتال في حارات البلدة المهدّمة، مؤرّخة اعترافات سكّانها وغضبهم ولوعتهم على مصائب الطبيعة، التي زاد جشع الساسة من محنتهم العامة. إن نصّ «دراقويلا» مباشر وصاعق وشجاع، ليس لأنه أقرب إلى فضيحة سياسية فقط (إذ أينما ولّيت وجهك في إيطاليا، هناك أكثر من فضيحة)، بل لأن غوزانتي لم ترد أن يكون فيلمها دعووياً ضد برلوسكوني فقط، بل لأنها عمدت إلى تعميم شتيمتها على الشارع الإيطالي، الذي لا يُمكنه تبرير تورّطه في إعادته انتخاب الرجل الذي يتّهمه بالفساد. كذلك، غمزها التهكّمي، بإشارتها إلى أن الإيطاليين سارعوا، بجبن، إلى التخلّي عن نزعة إطاحة التوتاليتاريين، على منوال الفرنسيين والإسبانيين.

إن تورية استعارة اسم مصّاص الدماء «دراكولا» في عنوان الفيلم، مع اسم البلدة المنكوبة، لا تشير إلى فرد واحد بعينه، بل إلى مجتمعات يتداخل فيها «مصّ» الثروة على الكيفية الرسمية بيسر، مع «مصّ» قوّة العمل الشعبية عبر المصارف وبيوتات المضاربات المالية، بحجة الرقيّ الأوروبي، الذي جعل مواطنها عبداً لنظم ضرائبية ومالية استلافية قيّدته كعبد إلى اجيال عائلية مقبلة.

)كاتب عراقي(

السفير اللبنانية في

06/08/2010

 

نور اللبنانية أم ليوناردو... يا لهوي!

محمد عبد الرحمن 

ما حدث مع الفنانة التي أنجبت أخيراً طفلها الأول، يؤكّد أنّ الاحتقان في مصر لم يعد ممكناً إخفاؤه. ما إن اكتشف القراء ديانة الممثلة اللبنانية، حتى اندلعت الحروب القطرية والطائفية على مواقع الإنترنت!

هل يمكن أن تتطابق التعليقات التي يكتبها القراء على أخبار حوادث الفتنة الطائفية في مصر، مع تعليقات على خبر إنجاب ممثّلة شهيرة مولودها الأول؟ نعم، هذا ما حدث أخيراً حين أنجبت نور اللبنانية طفلها الأول ليوناردو! قبل سنوات قليلة، كانت هذه النوعية من الأخبار تذهب سريعاً إلى منتدى الفنانة المحبوبة لتنهال عليها التبريكات من جمهورها العربي في كل مكان. لكن الآية اختلفت تماماً مع الممثلة اللبنانية التي أنجبت قبل أيام طفلها ليوناردو. بعد غياب عامين تزامن مع إعلان زواجها من رجل أعمال سوري، ثم وصول المولود الأول لهذه الفنانة التي تتمتع بشعبية كبيرة في مصر، كان لقراء مواقع الإنترنت وفي مقدمتها «اليوم السابع» رأي آخر. إذ تعامل بعضهم مع الخبر من الناحية الدينية لا الاجتماعية. تعاملٌ يؤكد أنّ الاحتقان الديني لم يعد ممكناً إخفاؤه، وأن لا أحد من المسؤولين والمعنيين يبذل أي جهد لمعالجته.

صحيح أنّ مصر تشهد كل شهر تقريباً حادثاً طائفياً على مستويات عدة، إلا أنّ الطريقة التي يتعامل على أساسها بعض المسلمين والأقباط في مصر الآن، وخصوصاً البسطاء الذين يعانون غياب ثقافة تقبل الآخر، تُظهر أنّهم باتوا مستعدين لأي عراك ولو بسبب شائعة! هذه الأجواء انتقلت بشكل يدعو إلى الدهشة (والخوف)، لتطال خبر إنجاب الممثلة اللبنانية مولودها الأول. إذ انطلقت حرب التعليقات اليومية من جديد، لتكشف كيف يفكّر كثيرون في الوطن العربي اليوم والحال التي وصلنا إليها.

اسم المولود كشف ديانة الممثلة المحبوبة، فتوالت التعليقات التي تؤكد صدمة أصحابها من أنّ «نور طلعت مسيحية» على رغم أنها تمثّل في هوليوود الشرق منذ حوالى عشر سنوات. وبعيداً عن إمكاناتها كممثلة، نجحت هذه الفنانة في أن تشارك العديد من النجوم مجموعةً من أبرز الأفلام الجماهيرية التي يعاد عرضها مراراً وتكراراً على التلفزيون. ولم تنحصر المشكلة في الجمهور الذي يجهل ديانة الفنانة من البداية ثم أعلن صدمته حين عرف بالأمر، كأنّه لو لم تطلق اسماً مسيحياً على مولودها، لاستمر الحب بينهما من دون انقطاع. المشكلة أيضاً أنّ هؤلاء يتجاهلون أنّ مجموعة من أبرز نجوم الكوميديا في مصر الآن مثل هاني رمزي، وماجد الكدواني، ولطفي لبيب وإدوارد هم مسيحيون يتصدرون قائمة الفنانين الأكثر شعبية. وقد أُقحم هؤلاء في التعليقات التي طالت الفنانة نور. إذ بدأ بعضهم بالرد بعنف على الهجوم ضد نور، والتذكير بأسماء الفنانين المسيحيين المحبوبين، ليأتي الرد من أصحاب العقول المتخلّفة بأن وجهة نظرهم في هؤلاء الفنانين تغيّرت أيضاً بعدما عرفوا بديانتهم بالمصادفة!

ثم سارت التعليقات في مسارات أخرى: هناك من هاجم أصحاب التعليقات المتشددة، لكن على خلفية أنّهم لو كانوا يهتمون بالدين، فلماذا يشاهدون الأفلام من الأساس. وهناك من دعا نور إلى اعتناق الإسلام وإطلاق اسم محمد على نجلها، مع وعد بأنه سيؤسّس لها صفحةً محترمةً على «فايسبوك». ثم يدخل بعض القراء الخليجيين ليؤكدوا رفضهم من البداية للفنّ ولحوارات المصريين بين بعضهم بعضاً، فيرد المصريون بالهجوم على دول الخليج. وفي خطّ مواز، انطلقت تعليقات ساخنة بين بعض المسلمين والمسيحيين، فتدخل أحدهم للتهدئة، مؤكداً أن مصر لا تعرف الفرق بين مسلم ومسيحي، ليخرج آخر كي يعاتب المسلمين على أفكارهم المتشددة، ثم يرد عليه أحدهم بعنف متبادل... كل هذا والخبر نفسه لا يزيد عن 100 كلمة!

علّق قراء خليجيون على رفضهم للفنّ، فهاجم المصريّون دول الخليج

وسط كل هذه التعليقات المتطرفة، ضاعت التهاني القليلة التي وصلت إلى الممثلة اللبنانية التي لم يسأل أحد بالطبع عن شعورها إذا قرأت كل هذا اللغط حول خبر وضعها بسلام مولودها الأول. وفيما يبدي كثيرون دهشتهم واستنكارهم لهذه الحوارات، تغيب تماماً الأسئلة المهمة مثل الأسباب التي أدت إلى نسيان الناس همومهم ومشاكلهم السياسية والاقتصادية، وانشغالهم في حروبهم القطرية والطائفية والمذهبية. كل هذا وسط تقاعس الجهات المعنية وأصحاب الرأي في المجتمعات العربية، وخصوصاً رجال الدين الذين يدّعون الوسطية والإعلاميين والكتّاب، عن تذكير الناس بمشاكلهم الحقيقية، وبعدم التدخل في حرية الآخرين، والأهم احترام الآخر المختلف، فنور اللبنانية وأي فنان مواطن له حقوق وواجبات.

مع ذلك، لم تخلُ التعليقات الصادمة من بعض الطرافة المصرية، إذ طالب أحدهم نور بتغيير اسم الطفل من ليوناردو إلى لاعب الكرة الأرجنتيني ليونيل ميسي، كون الأخير يحظى بشعبية كبيرة في الوطن العربي... بالتالي، سينسى الغاضبون قضية الديانة برمّتها!

كوني جميلة...

فيما يعتبر معظم النقاد الممثلة اللبنانية نور وجهاً جميلاً يفتقد التمكن في الأداء التمثيلي، نجحت نور (الصورة) في الاستمرار وقدمت العديد من الأدوار البارزة في مشوارها السينمائي داخل مصر مثل أفلام «ملاكي اسكندرية»، و«الرهينة»، و«ميكانو»، و«نقطة رجوع». ومن خلال هذه الأفلام، نجحت في تقديم صورة مغايرة لشخصية الفتاة الجميلة فحسب التي قدمتها في أفلامها الأولى «فانلة وشورت وكاب» و»عوكل». وحتى الآن، قدّمت نور 13 فيلماً سينمائياً، ومسلسلين هما «العميل 1001» و«دموع القمر» ومسرحية وحيدة هي «تحب تشوف مأساة»... قبل أن تتوقف تماماً عن التمثيل منذ بداية العام الماضي للتفرغ لزوجها ومولودها الأول ليوناردو.

الأخبار اللبنانية في

06/08/2010

 

متعة الاستقبال

يوسف يوسف 

لا شك أن مرأى أرض تتزين بألوان الورود البرية الحمراء والصفراء والليلكية يبهج النظر، بيد أن هذا المشهد سوف يزداد جمالا، وترتفع حدة البهجة التي يبعثها في النفس، حينما تعبر ريح خفيفة، ناعمة، فتدفع أعناق النباتات والورود التي في قممها، لتؤدي رقصة هادئة، تنطوي على طاقة تعبيرية هائلة، ربما لا يكتشفها سوى أولئك الذين يمتلكون حساسية بالغة وقدرة على تذوق الجمال.

مثل ذلك أيضا، فإن في زرقة مياه البحر ما يبهج النظر، لكن هذه البهجة سوف تزداد حدة، عندما تظهر النوارس، وسواها من طيور البحر، لتقوم بالانقضاض والصعود في ما يشبه اللعبة الجميلة، وهي تلتقط الأسماك في مكر يخلو من الخبث، ما دامت الطبيعة قد جعلتها كذلك، تقتات على سواها من المخلوقات المائية.

وهكذا، فإن مما يزيد وتيرة البهجة في النفوس، رؤية حصان يعدو سابحا في طريق زراعية يتطاير فيها خلفه غبار، يبدأ بالتشكل على هيئة خط طويل وعريض، ومثل ذلك رؤية رياضي يعدو في أقصى سرعته، بين صفين من أشجار السرو تصطف على جانبي الطريق في صمت عميق.

إنها الحركة ولا شيء أكثر منها يبهج النظر ويريح النفس. صحيح أن مرتفعات أسكتلندا التي تظهر في لقطات عامة طويلة في فيلم "روب روي" للمخرج مايكل كاتوي تبهج النظر، بيد أن هذه البهجة تزداد وتيرتها وتتصاعد حينما نرى البطل يلاحق اللصوص الذين سرقوا أغنام عشيرته. إنها الحركة التي يقوم بها ما يمنح المشاهد السينمائية القدرة على التأثير في المتفرجين. وإلى هذه الحركة التي تبدو العامل الأساسي في تحقيق الجذب، فإن ما يُعرف بالمونتاج الإيقاعي والمتوازي الذي يستخدمه كاتوي، إنما بهدف التركيز على الحركة التي نقصدها. ربما يشعر المتفرج الذي تروق له العادات والتقاليد ومثلها الطقوس الشعبية، بالبهجة حينما يرى عملية النزال بالسيوف التي يمارسها الفلاحون حينما يحتفلون في مناسباتهم العامة، إلا أن هذه البهجة تزداد حينما يشاهد حركة من نوع آخر، يقوم بها "روب روي" بقيادة عشيرته ليتحدى "آرجي" المبارز  الذي يقود الحملة التي يشنها عليهم الدوق "مانتروس".

***

لقد تحدث روبير بريسون عما يرى أنه النهوض الذي على الفيلم عموما القيام به. وعملية النهوض هذه إنما تعني الابتعاد عن حالة الركود والدخول في عالم الحركة. وفي اعتقاده، فإن الكلام المنمق الطنان، ومثله الإيقاع البطيء، يعيقان عملية النهوض التي يتوخاها. إن المطلوب في العمل السينمائي، تأكيد المخرج قدرته على هز وجدان المتفرج وزلزلة أعصابه، لكي يحصل على المتعة المرجوة من المشاهدة. بيد أن هذا الأمر لا يتحقق بيسر وسهولة، والأساس فيه إنما يقوم على برمجة علاقات الصور بعضها ببعض، وجعلها حية أولاً وقبل ربطها. والفيلم في صورة عامة يقدَّم للمتفرج لا من أجل أن يقوم بنزهة بين مشاهده المتلاحقة المختلفة، مجردة عن انعكاسات مهمة، وإنما من أجل النفاذ فيه، والاستغراق في التفكير بجزئياته المختلفة، وبالذات منها تلك التي تتزين بالحركة.

تنطوي الريح كما هو معروف، على حركة بدرجة ما، قد تكون قوية أو ضعيفة، بيد أنها ليست مرئية، فكيف يمكن للمخرج الخلاق التعبير عن مثل هذه الحركة؟ ربما يفعل ذلك عن طريق تصوير قمم الأشجار وهي تتمايل إن كان مكان المشهد غابة أو بستان. وربما يفعل مخرج آخر ذلك عن طريق تصوير سطح مياه بحيرة زرقاء صافية وهي تتحرك متماوجة إن أصبح المشهد لبطل وبطلة يحبان بعضهما بعضاً وقد جاءا للاستجمام والراحة. إنه الإلهام الذي يدفع الاثنين للقيام كلٌّ منهما بما يراه مناسبا، ما داما يؤمنان أن السينما الراسية في المسرح لا شيء يرجى منها. وعليهما أن يتذكرا أنه إكراماً للإيقاع في الفيلم، فإن عليهما التركيز على الحركة، على اعتبار أن الفيلم في أبرز تجلياته، إنما يمكن تمثيله بالمتوالية الصورية سريعة الحركة في شقيها الواحدي والجمعي. يجيء هذا انطلاقاً من أن السينما إنما هي مثل غيرها من أجناس التعبير الفنية: كتابة، لكنها من نوع الكتابة بالصور في الحركة والأصوات معا.

في هذا الاتجاه يعد فيلم "هاملت" للورنس أوليفيه مثالا مناسبا لتوضيح الأمر، والكشف عن أهمية الحركة في الفلم. ومما يلاحظه المتلقي، التركيز على استخدام اللقطات البعيدة، خصوصاً تلك التي يرى من خلالها ما يحدث في القلعة الغافية. ولو لم يكن البطل من النوع الذي لا يستطيع أن يحزم أمره، فإن المخرج لا بد أن يكون قد استخدم لقطات قريبة، أو متوسطة، مثل معالجة ريتشاردسون لشخصية هاملت.

معنى هذا إن المخرج يعمل على تعميق عجز البطل في علاقته مع البيئة، وذلك بتحديد الحركة التي يقوم بها. وفي النتيجة النهائية فإن "هاملت" ريتشاردسون على خلاف "هاملت" أوليفيه المتردد ودائم التأمل، وهو غالبا ما يتحرك فيدخل البهجة في النفوس. ومن هنا يكمن الفارق في إيقاع الفلمين، دون أن يعني هذا المساس بجماليات فلم أوليفيه، التي هي أقرب ما تكون إلى جماليات الفيلم الشاعري الذي لا يقدم الحركة كما هي في الواقع.

من أجل فهم جماليات الحركة في الفيلم واستيعابها، تمكن الإشارة إلى فيلم "أكاتون" الذي يعدّ انعكاسا لخيبة الأمل الكبيرة التي أثارتها مغادرة بازوليني لصفوف الحزب الشيوعي الإيطالي في خمسينيات القرن الماضي. لقد انطوت خيبة الأمل تلك على حركة أو ردة فعل، تمثلت بالقيام بإخراج هذا الفيلم، الذي يعدّ في الوقت نفسه نتاج غضب من نوع ما، ونتاج حب يائس كذلك، لأولئك البرابرة الصاعدين من أعماق إيطاليا القديمة. إنه الغضب؛ دلالة الحركة ضد أولئك البيروقراطيين الأثرياء في إيطاليا الخمسينيات الذين لم يكونوا يعرفون أكثر من ترديد شعارات إعادة التعمير الكاذبة في أعقاب الحرب العالمية. معنى هذا فإن ما نشير إليه يتمثل في حركة تقوم عليها بنية نص يتمحور شاغل مخرجه الأساسي، حول تقديم نموذج في حالة حركة دائمة، على اعتبار أنها التي تتحقق من خلالها الحياة في معناه الوضاء والمشرق.

وفي تعبير آخر، فإن الفيلم من حيث هو كتابة بالصور في الحركة والأصوات، لا قيمة له، إن لم تكن هذه الصور في علاقاتها بعضها ببعض من النوع الذي يهتم بالإيقاع والحركة معاً، على مستوى الصورة الواحدة، وعلى المستوى الآخر الذي يجمعها المونتاج فيه في سياق درامي محدد.

الرأي الأردنية في

06/08/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)