حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

يوسف القعيد يكتب:

«جو» يقول رأيه في سينما يوسف شاهين

1- إبراهيم العريس أولاً :

سيذكر تاريخ مصر لإبراهيم العريس أنه عندما صدرت قرارات مقاطعة نجيب محفوظ بسبب تأييده لمعاهدة السلام. كان إبراهيم العريس من الذين رفضوا الامتثال لهذه القرارات. كان رئيس تحرير مجلة «المسيرة البيروتية». وقد عبر عن رفضه بنشر فصول من كتاب جمال الغيطاني - أعاده الله من غربته معافاً سليماً - نجيب محفوظ يتذكر. في المجلة. ثم صدر الكتاب عن الدار.

لم أكن أتصور أن إبراهيم العريس مولود في سنة 1946 لديَّ إحساس أنه أكبر مني في السن. وأنه درس الإخراج السينمائي في روما. ودرس السيناريو والنقد في لندن. هو المسئول عن السينما في جريدة «الحياة» وعن محاولة طموحة لتأسيس تاريخ للعقل البشري والكتابة الإنسانية علي شكل باب يومي ثابت في جريدة الحياة. أتمني لو جمعت مادته في مجلدات.

له كتاب صدر مؤخراً عن دار الشروق عنوانه: يوسف شاهين نظرة الطفل وقبضة المتمرد.

2-جو يحاكم يوسف:

الجديد في هذا الكتاب ملحق عنوانه: سينما شاهين كما يراها جو. قدم إبراهيم العريس فيها توليفة من تصريحات شاهين حول أفلامه. جري اقتباسها وربطها، بالاستناد إلي حوارات طويلة أجريت مع الفنان، ونشرت في كتب أو في مجلات ، وقام بها وليد شميط، سمير نصري، تييري جوس، شارل تيسون ومارسيل مارتان، وذلك في «يوسف شاهين» لوليد شميط، محاورات سمير نصري مع يوسف شاهين لـ «سمير نصري».

3-آراء شاهينية صادمة :

عندما تسأل أي فنان: ما عيوبك؟ يقول لك عيوبي أنني صريح وكريم وأحب الناس ولا أطيق الوحدة. وإن سألت فنانة: أين ترعرعت سيدتي؟ تقول لك: في جنة رضوان. لكن يوسف شاهين عندما قال رأيه في أفلامه يصدمنا بصراحة فاقت كل حد.

عند كلامه عن فيلمه الأول: «بابا أمين» 1950 قال: من الواضح إنني كنت سخيفاً. كنت أريد أن أمثل وكانت لي أنف طولها ستة أمتار وأذنان مثل شراع المركب. وقال لي واحد من المنتجين إنهم لا يستطيعون أخذي مأخذ الجدية، ونصحني بأن أزيد من وزني وأن أعتني بمظهري. فلو فعلت ربما ينتبه إليَّ أحد. إذ حتي كمخرج كان لا بد للناس أن يهتموا بمظهري.

وعن فيلمه «صراع في الميناء» 1956 حققه بعد عامين من البطالة. وجد نفسه وسط أوساط العمال. دون أن يفهم مشاكلهم. وأن البعد الاجتماعي في الفيلم لم يكن ناتجاً عن خيار سياسي مفكر وواضح. وأنه عاني كثيراً دون التمكن من إيصال بعض الأمور والأفكار. ثم قال:

- أسمع من يقول لي إن البلاد، قبل مجيء جمال عبد الناصر كانت أحسن حالاً، لا أصدق هذا. إن الناس الذين يعتقدون هذا، هم أناس لا ذاكرة لهم، أو أنهم اعتادوا أن يكونوا عبيد الآخرين. من شبابي كان لديَّ حس الحرية وكانت لدي رغبة في أن أنقل هذا الحس إلي الآخرين. كنت ولا أزال أتطلع إلي تعليم الناس احترام الآخرين. إن البعد الاجتماعي في أفلامي الأولي كان عفوياً.

4-باب الحديد 1958

- إنه يعني لي الكثير. عبرت فيه عن قناعتي بأن العلاقات بين الفرد والمجتمع غالباً ما تزيف، بفعل الدور الذي يجبر المجتمع الفرد علي لعبه، مع «باب الحديد» واجهت أزمة كبيرة. ارتكبت خطأ في طريقة الدعاية للفيلم، إذ ركزت علي بطلي الفيلم فريد شوقي وهند رستم، وكان لكل منهما أسلوبه الذاتي، في حين أنهما ظهرا في الفيلم بأسلوب مغاير. فلم يتقبلهما الجمهور.

كان «باب الحديد» جديداً في أسلوبه. أو لنقل كان مختلفاً. أما ردة فعل الجمهور فكانت عنيفة. وتضايقت جداً ووصل بي الأمر إلي حد الإعياء. «باب الحديد» كان صدمة شديدة. وهو من أفضل أفلامي لحد اليوم. كانت قفزة «باب الحديد» كبيرة نسبياً، والفيلم كان خطيراً جداً سياسياً. بعض المتفرجين بصق في وجهي ليلة الافتتاح وقال إن الفيلم معقد ومتشائم واتهمه بأنه معاد لمصر لأنه يظهر تعاسة الحرمان الجنسي الذي يعيشه بائع جرائد في محطة باب الحديد. لاحقاً اضطررت إلي تغيير أشياء في توليف الفيلم وإضافة لقطات قريبة لعيني قناوي المتفرستين بعدما أصر المنتج ومن حولنا علي أن هذه اللقطات ستساعد علي تفسير الأشياء.

خرجت من كل ذلك أتساءل: هل حقاً عليَّ أن أبتعد عن السيناريو تاركاً وضعه لغيري؟ وهنا أصحح خطأ شائعاً. قال إن نجيب محفوظ قد ساهم في الفيلم. محفوظ لا علاقة له بـ «باب الحديد». فالفيلم بني علي حكاية حقيقية رويت لي، وكتب السيناريو عبد الحي أديب.

وعن فيلم «جميلة الجزائرية» 1958 قال: إنه بني علي فكرة ليوسف السباعي. وشارك في كتابة السيناريو له نجيب محفوظ وعبد الرحمن الشرقاوي وعلي الزرقاني. وأن الفيلم كان بداية تعامله المباشر مع موضوع سياسي في جوهره. يعترف أنه لم يكن قد كون لنفسه نظرة تحليلية ناضجة بالنسبة إلي لعبة السياسة العالمية. لقد عاب الجزائريون علي الفيلم أنه اهتم بشخصية بطولية بينما حرب الجزائر كانت ثورة الملايين. حين حققت «جميلة الجزائرية» لم أكن أعرف حقاً ما الذي يدور في الجزائر. كان ما يتناهي إليَّ من أخبار الجزائر قليلاً جداً. وحرصت علي أن تحمل الفكرة أكبر قدر من المصداقية. ما أدهشني أصلاً هو أن حكاية الفيلم اقتبست عن المحامي الفرنسي «جاك فرجيس »الذي صار لاحقاً زوجاً لجميلة الحقيقية. وما أدهشني هو أن أول فرنسي لم يتورع عن الدفاع عن الجزائريين.

وهنا افتتح هلالين لأقول إنني خلال تصوير «جميلة» أدركت أن الأجنبي محتل بلدي أيضاً. قبل ذلك لم أشعر بوجوده. هل لأنني نصف «خواجة» كان يعيش في الإسكندرية التي كان يعيش فيها 600 ألف خواجة؟ هل لأن صحافتنا عجزت عن كشف الاحتلال لأنها كانت تعاني من الضغط البريطاني؟ هل تعرضت إلي عملية غسل دماغ في طفولتي؟ لم أكن أدري بوضوح. وأذكر هنا أن هذا الفيلم عرض لاحقاً في فرنسا.

ويعترف أن أفلامه من «حب إلي الأبد» إلي «رجل في حياتي» كانت رديئة جداً. سببت له التعاسة. في الوقت نفسه لم تدخل أي قرش إلي جيوب منتجيها. قررت تزويد نفسي بالمزيد من المعرفة والعلم، وأخذت أدرس أصول الكتابة الدرامية من جذورها. وهكذا، إذا كنت وأنا في سن العشرين قد أصررت علي السفر إلي أمريكا لدراسة تقنية الإخراج السينمائي، فإنني عدت وأنا في الخامسة والثلاثين طالباً في علم البناء الدرامي. ومن ناحية ثانية كان لا بد لي من أن أتخذ موقفاً جذرياً إزاء نفسي ومهنتي، وأن أتخلص مما يسمي عادة بالفيلم التجاري. ووجدت أن الحل يكون في أن ألجأ أنا نفسي إلي الإنتاج. ودخلت عالم الإنتاج من دون استعداد، ومن دون فهم وإدراك لمتطلبات الإنتاج والسوق. وواجهنا مشاكل في العمل الجماعي. فالذين كانوا معي لم يكونوا أكثر دراية مني في مجال الإنتاج.

5-الناصر صلاح الدين 1963

تمكنت في بداية الستينيات من تجاوز المرحلة السوداء في حياتي والفضل يعود إلي المخرج المرحوم عز الدين ذو الفقار. كان من المفروض أن يخرج فيلماً عن صلاح الدين، إلا أنه تعرض لأزمة صحية فطلب مني القيام بإخراج الفيلم مكانه. رفضت الفكرة. عز الدين كان يعمل علي إعداد الفيلم منذ سنوات. فكيف أحل محله؟ إلا أنه أصر قائلاً إن هناك العديد من المخرجين الذين يتطلعون لإخراج الفيلم. ولكنه لا يريد أحداً غيري. فوافقت وبدأت العمل في صلاح الدين. ولا بد أن أذكر هنا أن الدول المصرية أنشأت القطاع العام في السينما خصيصاً من أجل «صلاح الدين».

منتجة الفيلم سيدة رائعة. ولا بد أن أذكر أن النساء هن الصانعات الحقيقيات للسينما المصرية. آسيا لم تكن تتقن، حتي القراءة، لكنها حفظت سيناريو الفيلم عن ظهر قلب. وهي أصرت علي إنتاج صلاح الدين كانت تتطلع علي إنتاج أكبر فيلم أنتج في مصر. قبل ذلك كانت آسيا قد أنتجت فيلماً يمجد الثورة الفرنسية. وبعده سألت جمال عبد الناصر عما يريد منها أن تحقق الآن فقال لها: «فيلماً عن صلاح الدين». وهكذا. في نهاية الأمر كان العمل علي هذا الفيلم. العمل علي الفيلم كان رائعاً حيث إن عبد الناصر وضع في تصرفنا أعداداً هائلة من الجنود الذين كنا نحتاجهم. وكان العمل متعباً أحياناً ونحن محاطون بستمائة شخص.

إن المجد الذي تمتعت به لاحقاً إنما جاءني بفضل هذا الفيلم، الذي يحمل الرقم 17 بين أفلامي. بعده فقط تم الاعتراف بي كمخرج حقيقي. ولكن كان من سوء حظي طبعاً أن كثراً قارنوا بين «الناصر صلاح الدين» وبين أفلام سيسيل ب - دي ميلي. وهذه المقارنة لا تسرني.

6-فيروز وهيكل والعودة لمصر:

عند حديثه عن فيلم بياع الخواتم 1966 يقول إنه زار بيروت في خريف 1964 وهناك التقي الأخوين عاصي ومنصور الرحباني اللذين عرضا عليه إخراج أول فيلم سينمائي لفيروز. عن مسرحية: بياع الخواتم. ثم يكمل: ولما كنت أنا في وضع سيئي جداً كان لا بد أن يظهر هذا الوضع علي الفيلمين اللذين حققتهما خارج مصر: بياع الخواتم ورمال من ذهب. لكن بياع الخواتم يبقي فيلماً دافئاً.

و«فيروز» شخصية فنية جبارة وموسيقي الأخوين رحباني جميلة جداً. أما «رمال من ذهب» الذي صورته في إسبانيا والمغرب، فأعتقد أنه أسوأ فيلم صنعته في حياتي. ولقد خرجت من تجربته باقتناع راسخ: أنا لا أصلح لما يسمي بـ «كومبينات السينما».

حين زرت باريس بعد إنجاز الفيلمين، اجتمعت بالصحفي محمد حسنين هيكل، الذي كان مقرباً من الرئيس جمال عبد الناصر، فأنبأني بأن الرئيس عبد الناصر يريد مني أن أعود إلي مصر. ولم أكن أعرف ما الذي يدور في باله. بعد ذلك اتصل بي كاتب آخر ونقل إليَّ رغبة الرئيس، ثم كان اتصال من وزير الثقافة. وهكذا عدت إلي مصر بناء علي دعوة الرئيس. وطوال هذه العودة في الطائرة كنت أعتقد أنه سيكون في استقبالي إما رجال الشرطة «أصحاب القبعات الحمراء» أو السجاد الأحمر. لكني لم أجد لا هذا ولا ذاك. كان ينتظرني فقط صديق لي قام باستقبالي.

وعن فيلمه: «الناس والنيل». الذي أنجزه عام 1966 قال:

- كان المطلوب بالنسبة إليّ أن يكون الفيلم عادياً عادية الناس الذين كنا نستجوبهم. ولكن الذي حدث هو أن الخلافات سرعان ما تفجرت مع الرقابة، غير أن قول هذا لن يمنعني من أن ألقي اللوم علي نفسي أيضاً. فأنا كنت، أيضاً، شديد السطحية، وشديد القسوة مع الشعب المصري، ولا سيما بعدما حدث ما حدث من هزيمة في ذلك العام نفسه 1967.

7-ثلاثية النكسة

عدت لمشروع قديم كان يعتمر في ذهني منذ ثماني سنوات. تحقيق فيلم عن رواية الأرض لعبد الرحمن الشرقاوي. والتي قد نشرت للمرة الأولي مسلسله قبل عام 1952 وفي هذه الرواية كان الروائي يتحدث عما يعرفه أكثر من أي شيء آخر. كان هو نفسه فلاحاً. وكنت اشتغلت علي السيناريو مع حسن فؤاد واضطررنا لاختصار مشاهد كثيرة من عمل يزيد علي 600 صفحة.

بالنسبة للأرض. فإنني لدي كتابة السيناريو مع حسن فؤاد كنت أشعر أن عليّ أن أتخلي عن نزعتي العاطفية. عليّ أن أحترم واقعية عبد الرحمن الشرقاوي. وكان ما يهمني طريقته في رسم لعبة التناقضات الاجتماعية وسط عالم مصغر. والأرض هو فيلم عن الصراع الطبقي داخل قرية مصرية. وفيه رغبت أن أبرهن علي أن الناس غالباً يكونون تحت تأثير الوضع الاجتماعي الاقتصادي. صحيح أن أحداث الرواية والفيلم تدور في سنة 1933،غير أن هذا التحديد التاريخي لم يكن مهماً علي الإطلاق.

خروجًا أعلي الموضوع: هنا خطأ وقع فيه يوسف شاهين. فأحداث رواية الأرض تدور سنة 1934. ولو أن يوسف شاهين مطلع علي الأدب الروائي المصري لذكر أن نفس السنة - 1934 - تدور فيها أحداث رواية: القاهرة الجديدة لنجيب محفوظ، وهي التي حققها صلاح أبو سيف في فيلم جميل. وهما يشكلان معاً ضلعين من ثلاثة أضلاع اعتبرهما الدكتور أحمد يوسف ثلاثة أضلاع لمشروع يوليو السينمائي. وثالثهما هو توفيق صالح.

يكمل شاهين: والأرض كان يحتوي، في صيغته كرواية العديد من الطروحات المشتتة. كما أن الفعل فيه لم يكن ذا بعد درامي. وهكذا وجدت نفسي مضطراً إلي الاختصار، وإلي تكثيف الخطاب الذي أريد التعبير عنه.

في «الأرض» كانت المرة الأولي في حياتي التي آخذ وقتي بكل صبر وأناة عند عرض فكرة من الأفكار أو أمراً من الأمور. وأنا أعتقد أن «الأرض» هو واحد من أول الأفلام المصرية التي أعطت الكلمة إلي الشعب. وأن «الأرض» كان الأكثر نضجاً بين أفلامي، فأنا أبدو شديد العصبية في طريقة روايتي لحكاية من الحكايات، بشكل يجعل المتفرج شبه عاجز عن فهم ما يحدث.

كان «الاختيار» 1970 فيلمي الثاني بعد «الأرض». وقد حققته في مرحلة سياسية شديدة الغرابة. كنا في حالة أطلق عليها اللا حرب واللا سلم. نعيش وسط اللايقين. وكشعب لم نكن نحظي بأي احترام. كانت الكبرياء منتشر والحاسدون في كل مكان. وكان من الضروري وصف تلك الوضعية التي لا يمكن احتمالها. يومها لفت أحدهم نظري لحكاية عن الانفصام كان نجيب محفوظ كتبها. حكاية أخوين توأمين يختفي أحد منهما. فمن الذي قتل الآخر: هل القاتل هو الأزعر ذو القلب الطيب؟ أم المتعلم ذو الصفات الحسنة؟ والذي يمثلنا في منظمة الأمم المتحدة.

ورأيت أنه بات بإمكاني تحقيق نفسي بشكل أكثر انفتاحاً مع شيء من الجرأة الزائدة. والحال أن تحقيق «الناصر صلاح الدين» كان أعطاني مكانة ما؛ وعبد الناصر كان هو الذي دعاني للعودة إلي الوطن. وكنت قد حققت فيلم الأرض. لذا شعرت أن في إمكاني أن أقول ما أشاء. كانوا يحتاجونني وكنت أحتاج العمل. ومع هذا رفضت أن أكون مدجناً. هذا خارج طبيعتي. «الاختيار» فيلم عن رجل قال نعم وقبل بالتنازلات وخان نفسه فعاش انفصاماً في شخصيته.

ثم يصل إلي فيلمه الثالث: «العصفور» حققه عندما كان أنور السادات في الحكم. يعترف:

- لم أكن صاحب موقف نقدي ضد السادات. لم أكن أفقه أموراً كثيرة. لقد حققت بين الأرض والعصفور فيلم: «الاختيار». حيث تكتشف هذه الشخصية نفسها. شخصية الضابط الصغير خيانة المثقفين. ويكاد هذا الأمر أن يعبر عن حكايتي الشخصية. يمكنني أن أقول إنني لم أحتك بالعمال إلا حين بدأت أنا نفسي أصبح عاملاً. لقد تيقنت أن الغوص في حياة الجماهير هو الوسيلة الوحيدة التي تطلق وعي الواحد منا إزاء ضرورة أن يحقق فيلماً. ومن المعروف أن فيلم «العصفور» منع من العرض في مصر طوال ثمانية أشهر.

8-سيرته الذاتية

الأفلام الثلاثة التي تشكل ما اصطلح علي تسميته بالثلاثية الذاتية. وهي: «إسكندرية ليه»، «حدوتة مصرية»، و«إسكندرية كمان وكمان» أعتقد أن هذا الأخير هو الأكثر جنوناً. فيلمي هذا مفرط في الذاتية. نرجسي. لكني أقول فيه كم أخطأت وكم تصرفت كديكتاتور وكم غرقت في الأنانية. انظروا إليَّ كم فتحت عينيَّ ووضعت إصبعي علي الجروح ولمست جذورها.

إن الأسئلة التي تؤرقني: ما الذي فعلته في حياتي حتي اليوم؟ والسينمائي لا يحب عادة أن يترك هذا العالم من دون أن يترك وراءه إمارة أخيرة. تماماً مثل خوفو الذي بني أهراماً لتخليد ذكراه. أو مثل الجار الذي يؤمن بالمثل القائل: «من خلف لم يمت». أنا لم يكن لديّ ابن ولا أستطيع أن أبني أهراماً. فماذا أترك ورائي؟ بضعة أفلام وإذا كان علي المرء أن يترك شيئاً وراءه يمكن أن يترك الحقيقة حول حياته. شرط أن أدرك معرفة حياتي بشكل أفضل. وإن كان هذا لا يعني بالضرورة تحقيق أفلام أفضل. لقد تحدثت في «عودة الابن الضال» عن تفجر الحياة العائلية، ثم تحدثت في «إسكندرية ليه» مناضلاً ضد الذين يتهمون العرب باللاسامية، وأردت أن أقول في «حدوتة مصرية» أن علي المرء أن يجابه نفسه أولاً. وأن يتعلم كيف يقبل ذاته. فالمجابهة الأصعب والأقسي هي المجابهة الأصعب مع الذات.

هل قرأت صراحة أكثر من هذه لدي فنان بحجم يوسف شاهين حقق نفسه أكثر مما نتصور. ومع هذا واجه نفسه بكل هذا القدر غير العادي من الصراحة والشرف والنزاهة.

الدستور المصرية في

03/08/2010

 

يا أيها الفنانون: اضمنوا حياة كريمة للفنان المريض

دعاء سلطان 

ارفعوا سماعات هواتفكم للسؤال عن صديق شارككم أعمالكم وأسهم في إنجاحها.. فالمرض ليس نهاية الفنان

المرض..كفانا الله شره.. من المستحيل أن تقابل شخصا لم يدع هذا الدعاء، وليست أما تلك التي لم تدع لابنها وهو مقبل عليها بمثل هذا الدعاء: «ربنا يكفيك شر المرض».

المرض.. ذلك المجهول الذي نخشي منه جميعا.. قد لا نخاف من الموت لأنه قدر وحقيقة لا فرار منها، لكننا بالتأكيد مرعوبون من المرض.. ليس من المرض تحديدا، ولكن من ذل المرض.. من ضعفنا وهواننا.. من الألم والحاجة، ومن انتظار النهاية وانتظار طرقة الباب من زائر متوقع أو غير متوقع.

أعرف أن عيادة المريض صدقة، لكنني فعلا لا أرغب في نيل حسنة عليها.. عادة ما أهرب من زيارة أي مريض.. تنتابني حالة من الرعب عندما أعلم بأن شخصا أعرفه تم نقله إلي المستشفي.. لا أقبل ولا أرغب ولا أتمني أن أري أي إنسان في حالة الضعف القصوي.. مستسلما للممرضة، ومستكينا ومطيعا لها.. ربما أموت وأنا أشاهد من كان قويا وهو ضعيف وخاضع لألم يفتك به، ولذلك فقد منعت نفسي تماما عن زيارة أحمد زكي، بينما قررت بملء إرادتي أن أحضر جنازته كي أصدق أنه مات.

هل يمكن إذن تخيل فنان ملأ الدنيا صخبا وشهرة، وهو مريض.. الألم هنا يكون مضاعفا.. لا يصدق الفنان أنه مريض، ولا يرغب في أن يستسلم لهذه الحالة، ثم أنه يرغب في معرفة مدي «غلاوته» في قلوب محبيه من الجمهور، ومدي «أهميته» لدي المنتجين ولدي زملائه من الفنانين.ينتظر خبرا تم نشره عن مرضه، ثم يتوجس من حالة النسيان التي قد تصيب أصدقاءه من الفنانين والمنتجين، والأدهي من كل هذا أنه أيضا يقف حائرا: هل يعلن بشكل صريح عن طبيعة مرضه، أم أنه من الحكمة أن يخفي طبيعة مرضه، كي لا يبتعد عنه المنتجون؟

هل حالة التعاطف مع مرضه هي المفيدة، أم أن الأكثر فائدة ألا يتعاطف معه الجمهور؟ في الحالة الأولي سيجتذب التعاطف جمهورا جديدا إلي أرضية الفنان، بينما سيبعد المرض المنتجين عنه.. لن يقدم منتج حريص علي أمواله علي التعاقد مع فنان مريض، فقد يهدد العمل الفني بالتوقف في حال مرضه مرة أخري.

هذه معادلة صعبة ومرعبة، ولن تجد فنانا خاض تجربة المرض ولم يضعها في حسبانه.

في الفترة الأخيرة أصيب الفنان صلاح عبدالله بجلطة، وتم شفاؤه منها، وأصيب سعد الصغير بتهتك في القولون، وقبلهما أصيب كل من طلعت زين بالسرطان، وأصيب محمد شرف بجلطة في المخ.

عندما علمت بإصابة صلاح عبدالله بالجلطة، انتابتني حالة من الهلع.. أنا لا أعرف الرجل، ولم نلتق من قبل سوي مرات معدودة في مناسبات عامة.. لا أذكر أننا تحدثنا خلالها، ولا أعتقد أنه يذكرني.. حالة الهلع كان سببها صدمة الخبر نفسه، فقد كان يقف علي قدميه، وفجأة سقط أمام الجميع، وعندما سألت عن حاله، كذب كل الممثلين، وقالوا إنه بخير، وذلك قبل أن يتم الله شفاءه، وأكدوا أن الموضوع لا يتعدي الأزمة البسيطة، التي قد مرت بسلام.. بالطبع حمدت الله علي سلامته، لكنني فهمت فيما بعد ومن الفنانين أنفسهم، أنهم يرغبون في طمأنة الناس عليه حتي لا ينقطع عيشه، فتسرب خبر أنه مريض قد يقطع عيشه.. كل فنان كان يقول لي: «هي جلطة.. بسيطة»، ولا أعرف كيف تكون الجلطة «بسيطة» والحمدلله هو بقي زي الفل، ثم يتبع هذه الجملة بقوله: «يا ريت ماتنزليش الخبر عشان الراجل عنده بنات ولازم يشتغل وخبر مرضه ده هيقطع عيشه».

ذهلت طبعا من الفكرة نفسها، فما الأولي الآن.. أن يطمئن الناس علي الفنان، أم أن يطمئن المنتجون علي أعمالهم مع الفنان؟ من أيها السادة المتحكم في عمل ممثل من عدمه.. أنتم أم الجمهور؟ الفنانون والمنتجون أم الجمهور؟ المنتج الذي يخشي علي أمواله فلا يدفعها في ممثل مريض قد يوقف له العمل الفني الذي ينتجه، أم الجمهور المسكين الذي يرضي بقليله، ويتقبل منكم كل ما تعرضونه عليه، بل ويسهم في بقائكم علي الساحة؟

الأمر نفسه تكرر في الأزمة الصحية التي ألمت بالممثل الفنان محمد شرف.. كنا في الدستور أول من نشر خبر إصابته بجلطة في المخ، وقتها اتصل بي أكثر من فنان ولاموني علي نشر الخبر، مشيرين إلي أنني بهذا الخبر قطعت عيش محمد شرف.. استغربت من ردود أفعال الفنانين والمنتجين والمخرجين المتصلين، وقلت لهم: إنه فنان ومن حق الصحافة أن تنشر أخباره، ومن حق الجمهور أن يعرف ويقرأ ويتابع هذه الأخبار، فقالوا: لكن المنتجين لن يتعاملوا معه مجددا طالما علموا بمرضه.. مع ملاحظة أن من ضمن من تحدثوا معي منتجين يشار لهم بالبنان!

الصحافة دائما مدانة، وأنتم يا من توجهون دفة الجمهور إلي ما تريدون وترغبون لستم مدانين.

فلنتحاسب إذن.. عندما مرض سعد الصغير وصلاح عبدالله التف الفنانون حولهما.. لم تخل غرفة أي منهما من الزوار.. منتجين وممثلين ومخرجين ولاعبي كرة وغيرهم.. هل تعلمون السبب؟

أولا: هناك نية عمل خير وعيادة مريض وغيرها من التفاصيل المحترمة، وثانيا: لأن الأمل في شفائهما مازال كبيرا -شفانا الله وعافانا مما ابتلي به كثيرا من خلقه- فمازالا في المراحل الأولي من المرض، وشفاؤهما وارد جدا، وحتي الآن يزور الفنانون صلاح عبدالله - الذي أتم الله شفاءه فعلا وهو الآن في مرحلة العلاج الطبيعي- وسعد الصغير، ونتمني من الله أن يتم شفاؤهما علي خير وأن يعودا إلي العمل بكامل لياقتهما.

نأتي الآن إلي حالة أخري.. عندما مرض محمد شرف لم تخل غرفته من الزوار في أيام مرضه الأولي، لكن فترة المرض طالت وابتعد الأمل في الشفاء، إلي أن اختفي الأمل تماما، وتدريجيا خفت الأقدام عن الزيارة ونسي الفنانون محمد شرف تماما إلي أن قرر أن يعود إلي بلده «الإسكندرية» لاستكمال علاجه هناك.. محمد شرف لم يعد مطلوبا، وتم رفعه من حسابات كل المنتجين، فلا مكان لمريض بين الفنانين إلا لو كان لديهم أمل في شفائه، فإذا اختفي الأمل، أداروا ظهورهم له بمنتهي القسوة والجلافة.

أعلم أن كلماتي قاسية، لكنها أصدق من كل مظاهر الود والحب المصطنع لعم صلاح عبدالله وللفنان أبو دم خفيف سعد الصغير وللفنانة الجميلة ميرفت أمين التي سبق أن أصيبت بمرض غامض شفاها الله منه في فترة وجيزة منذ عام تقريبا، وللفنان أحمد السقا عندما أجري جراحة في أحباله الصوتية مؤخرا، فامتلأت غرفته بالورد وطرقات المستشفي بالزائرين، وللفنان هاني سلامة الذي أصيب بارتفاع في إنزيمات البنكرياس مؤخرا وتم شفاؤه من مرضه، فلم يتوقف هاتفه وهاتف زوجته عن الرنين. غالبا يصاب الناس بالمرض، وداء الإنسان هو النسيان، لكن ماكينة العمل في الوسط الفني فعلا قاسية ومرعبة وثقيلة.. لا يرغب الفنان نفسه في الإعلان عن مرضه، وفي الوقت نفسه لا يرغب الفنانين في أن ينقطع عيشه.. يتعاطف الجمهور مع المريض ويصل التعاطف إلي درجته القصوي، لكن لا يوجد منتج يرغب في أن يعمل معه ممثل مريض.. الجمهور لا علاقة له بقطع عيش الفنان أيها الفنانون، والمرض لا يجب أن يكون نهاية لفنان أمتعنا وأضاف إلي أعمالكم، فالموت هو النهاية أم المرض فقد تطول رحلته ولا يعلم أي منا ما تخبئه الأيام.. ليس مطلوب منكم أن تجدوا عملا لفنان يعاني المرض، عليكم فقط أن تضمنوا حياة كريمة لفنان مريض حتي وإن أصبح غير قادر علي العمل، وتراحموا بينكم وارفعوا سماعة هواتفكم المحمولة لتسألوا عن صديق شارككم أفلامكم ومسلسلاتكم وأسهم ولو بجزء بسيط في إنجاحها.. اسألوا عن محمد شرف وطلعت زين وجورج سيدهم والمنتصر بالله وسيد زيان وغيرهم من الفنانين الذين فتك بهم المرض، فإنهم يعانون آلام المرض وآلام قسوة النسيان والتجاهل والفقر أحيانا، بعد إن كانوا ملء السمع والبصر.. وكفانا الله وكفاكم شر المرض وشر ضعف المحتاج إلي السؤال.

الدستور المصرية في

03/08/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)