حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

طارق الشناوي يكتب :

لا تصدقوهم عندما يلعنون الشهرة وسنينها!!

أصبحت واحداً من مجاذيب قناة التليفزيون العربي الجديدة أتابعها بشغف أتأمل مذيعيها «ليلي رستم»، «أماني ناشد»، «طارق حبيب»، «مني جبر»، «سلوي حجازي»، «مفيد فوزي»، «فريدة الزمر».. أحرص أيضاً علي التقاط ما يردده النجوم في أحاديثهم القديمة واكتشفت أن الإجابات واحدة لا تتغير رغم أن بعض هذه الإجابات تعود إلي نصف قرن من الزمان.. مثلاً عندما يسألون عن الشهرة وعلاقتهم بها الكل يلعن الشهرة وسنينها مثلما يلعنها أيضاً نجوم هذا الجيل.. أجمل وأرق تعليق هو ما قالته «فاتن حمامة» مؤكدة أنها تحب عندما تتجول في الخارج ألا ترتدي «كعب عال» فلا أحد سوف يعرفها لكنها لو فعلتها في مصر فسوف يقولون شوف قد إيه «فاتن» قصيرة!!

الفنان عادة يتذكر نصف الكوب الفارغ منتقداً الشهرة قائلاً: «تحرمني من أن أعيش حياتي كما أريدها.. أتجول علي راحتي مع أصدقائي.. ألهو في الشوارع.. أساوم البائعين»، وإذا مرت الأيام وانحسرت عنه الشهرة يري للمرة الثانية نصف الكوب الفارغ ويكره الحرية والانطلاق وتري في عينيه نظرة حنين لأيام الشهرة الخوالي عندما كان إذا مر في الشارع يتعطل المرور وتتبعه الجماهير الغفيرة.. هذا يتمني التوقيع علي أوتوجراف وذاك يتمني أن ينعم بالسلام عليه.

عندما يعيش الفنان أيام النسيان تبدأ عيناه في النظر إلي الناس وكأنه يتسول نظرتهم إليه.. هو الذي يتأملهم وهو الذي يلومهم وتعذبه تلك النظرات المحايدة ويواجهها بنظرات عاتبة تردد: « إن كنت ناسي أفكرك»!!

ولا تمر كل أيام الفنانين شهرة في شهرة، وعندما يسافر نجومنا إلي مهرجان «كان» علي سبيل المثال يتمتعون بكامل حريتهم حيث لا يتعرف عليهم إلا بعض العرب، وأتذكر منذ تسع سنوات أن «فيفي عبده» قررت الذهاب إلي مهرجان «كان» والصعود علي السجادة الحمراء في قصر المهرجان أسوة بـ «جوليا روبرتس»، «ميريل ستريب»، «نيكول كيدمان» ومفيش حد أحسن من حد وحصلت علي تذكرة الافتتاح بين 3 آلاف مدعو وكانت فيفي من الذكاء حيث أنها ارتدت زياً فرعونياً لتقول لهم أنا نجمة من مصر، وبينما كان النجوم العالميون وحتي نصف المشهورين يهلل لهم الجمهور أخذت فيفي تشير بيدها إلي الجمهور وتصفق وكادت أن ترقص لهم «عشرة بلدي» ولم يلمحها أحد إلا فقط مصورها الخاص الذي اصطحبته معها من القاهرة لتصوير وقائع اقتحام فيفي لعرين مهرجان «كان».. وهو الشريط الذي عرضته بعدها العديد من البرامج التليفزيونية علي اعتبار أنها قد غزت مهرجان «كان»، وهكذا رأي المشاهدون فيفي وهي تصعد وتحيي بيديها هنا وهناك لكن في حقيقة الأمر لا يوجد جمهور لا هنا ولا هناك!!

فيفي بالطبع ليست هي الوحيدة التي ذهبت إلي «كان» دون أن يعرفها أحد لأن «ليلي علوي»، «يسرا»، «محمود حميدة»، «لبلبلة»، «محمود عبد العزيز» وغيرهم صاروا من مدمني مهرجان «كان» لكنهم يذهبون ويعودون بلا أشرطة فيديو!!

الشهرة تمنح الفنان سطوة لأن الناس في العادة تنسج حول المشاهير قصصاً وحكايات هي امتداد بشكل أو بأخر لآلـهة القبائل الأفريقية والعربية القديمة التي كانوا يصنعونها من العجوة في البداية ويعبدونها وبعد بضع سنوات يلتهمونها ليصنعوا آلهة جديدة وهذا هو ما تفعله الشهرة بالفنان عندما تأتي إليه يعبدونه وعندما تنحسر عنه يلتهمونه!!

كانت «أم كلثوم» هي أكبر نموذج للفنانة الممنوعة من التداول الجماهيري تتكتم تماماً أخبارها الشخصية وتريد أن يتعامل معها الناس باعتبارها خارجة عن القاموس البشري!!

وبالطبع فإن الزمن الماضي كان يسهم في تجسيد هذا الإحساس الأسطوري إلا أن أجهزة الإعلام لعبت دورها في نزع تلك الهالة الأسطورية عن الفنان لأن التليفزيون بتعدد قنواته والفضائيات التي وصلت إلي رقم 700 جعلت الفنان متاحاً أكثر حتي مما ينبغي.. صحيح أنها ساهمت في زيادة مساحة شهرته لكنها خصمت منه الإحساس باقترابه من مشارف الأسطورة لان النجم المتاح إعلامياً بكثرة تشعر أنك تلمسه يومياً وهذا هو الفارق بين نجم التليفزيون ونجم السينما وبين شهرة نجم التليفزيون المتاح وشهرة نجم السينما الممنوع أقصد الذي كان ينبغي أن يظل ممنوعاً!!

ولهذا فإن عدداً قليلاً جداً من النجوم هم الذين أدركوا من البداية أن عليهم الاقتصاد الشديد في توفرهم إعلامياً مثل «أم كلثوم»، «عبد الوهاب»، «ليلي مراد»، «نجاة»، «رشدي أباظة»، «عبد الحليم»، قبل سنوات كان «عادل إمام» يطبق هذه القاعدة لكنه صار الآن متاحاً أكثر مما ينبغي، الشهرة تلعب دوراً في حجم التغطية الإعلامية للقضايا مثلاً المذيع «إيهاب صلاح» ليس نجماً تليفزيونياً ولكن لأن ملامحه معروفة للملايين حظيت قضيته بكل هذا الاهتمام الصحفي علي المستوي المصري والعربي وصار بعد الجريمة نجماً.. إلا أن الشهرة قد تلعب دوراً عكسياً لأن ميزان القضاء دائماً معصوب العينين لا يفرق بين شهير ومغمور ولكن القاضي بشر وتلعب شهرة الفنان أحياناً دوراً سلبياً خاصة إذا أسيء استخدامها... أتذكر أنني كنت حاضراً في المحكمة عام 1986 أثناء نظر قضية الموسيقار «بليغ حمدي» والمغربية المنتحرة «سميرة مليان» وذكر محامي بليغ أنه - أي بليغ بالطبع - أمل مصر في الموسيقي وأنه صاحب العشرات من الألحان الناجحة لأم كلثوم وعبد الحليم ووردة وفايزة وشادية، وهنا استوقفه القاضي قائلاً: إن أمامه قضية للمتهم بليغ حمدي وأنه لا تعنيه الأغنيات التي لحنها بليغ، وكان حكم القضاء هو الحبس سنة مع التنفيذ ضد بليغ حمدي والذي هاجر إلي باريس خمس سنوات وأصبح مطلوباً في مطار القاهرة - ترقب وصول - حتي أعيد فتح ملف القضية وأبرأت محكمة النقض ساحة بليغ حمدي وعاد لحضن القاهرة عام 91 ليضمه ترابها بعد عامين!!

للشهرة أحياناً آثاراً جانبية لأنها تضع الفنان في البؤرة، ومن أشهر قضايا الشهرة تلك التي أقامها مواطن من صعيد مصر في الثلاثينيات ضد الآنسة «أم كلثوم» يطالبها بالعودة إلي بيت الطاعة!!

وبعد ذلك قال هذا المواطن أمام القاضي إنه أراد أن يحظي بالشهرة علي حساب «أم كلثوم» وحكي لي الشاعر الغنائي الراحل «عبد الوهاب محمد» أنه بعد أن كتب أول أغنية «لأم كلثوم» وهي «حب إيه اللي انت جاي تقول عليه» فوجئ بأن الشاعر الجديد الشاب «محمد زكي الملاح» أطال الله في عمره يدعي أنه صاحب كلمات الأغنية وأقام ضده دعوي قضائية يتهمه فيها بسرقة الأغنية ولم ينقذ الموقف سوي أن «عبد الوهاب محمد» كان قد نشر كلمات الأغنية في مجلة كانت تصدر في الخمسينيات وهي «الجيل» وذلك قبل الدعوي القضائية بعام وأمام القاضي اعترف «الملاح» أنه أراد أن يحقق الشهرة ليلفت نظر «أم كلثوم» إليه ولهذا ادعي أنه مؤلف أغنية «أم كلثوم» «حب إيه اللي انت جاي تقول عليه»!!

وتنازل عبد الوهاب عن إقامة دعوي تشهير ضد «الملاح»، والغريب أن «محمد زكي الملاح» أثبت بعد ذلك أنه شاعر علي قدر لا ينكر من الموهبة ونجحت له بعض الأغنيات مثل «حلوين من يومنا والله» لسيد مكاوي إلا أنه بالطبع لم يحقق شهرة «عبد الوهاب محمد» ولم تغن له أم كلثوم كما كان يحلم.

ولأن الفنان في بداية المشوار يشعر بأن عليه أن يحقق شهرة عريضة مهما كان الثمن فإن البعض لا يجد بأساً من إطلاق الشائعة مثل تلك التي لعبت دوراً في شهرة المطرب «عماد عبد الحليم» وهي أنه «ابن عبد الحليم حافظ» هناك بالطبع وجه شبه في الملامح بين عماد وعبد الحليم الذي منحه اسمه وكان عماد متأثراً شأنه شأن كل المطربين الجدد بتقليد عبد الحليم ولهذا برغم أنه لم يخترع الشائعة فإنه لم يكذبها وواجهها بالصمت الذي كان كافياً لكي يمنح الشائعة ذيوعاً وانتشاراً ولهذا فإن الشارع المصري والعربي أخذ يتساءل: « هل حقاً عماد هو ابن عبد الحليم ولهذا منحه اسمه ؟»، وكأننا بصدد فيلم «الخطايا» الذي أعاده عماد عبد الحليم باسم «حياتي عذاب» ولم يخفت صدي هذه الشائعة حتي بعد رحيل عبد الحليم حافظ عام 1977 لدرجة أن البعض اعتقد أن لعماد بالضرورة نصيباً من تركة عبد الحليم!!

وحقيقة ظهور «عماد عبد الحليم» هي أن عبد الحليم حافظ أراد أن يواجه صعود اسم «هاني شاكر» الذي أزعج وقتها عبد الحليم كثيراً فقرر أن يدفع بمطرب صغير ينازعه الشهرة ولهذا قدم للساحة «عماد عبد الحليم» ليقتسم مع «هاني شاكر» نصيبه من الشهرة وذلك عملاً بنصيحة كاتب كبير كان الشاعر «محمد حمزة» قد قال لي إن صاحب تلك النصيحة هو «إحسان عبد القدوس» عندما وجد عبد الحليم غاضباً من بعض تصريحات لهاني شاكر قال له: «الولد يحارب بولد»!!

الشهرة أيضاً هي الطريق لبعض المناصب والوزير «فاروق حسني» دائماً ما يفضل أن يصبح وزيراً لمرؤوسين من المشاهير وكثير هم الذين عملوا تحت رئاسته وكانت مؤهلات الشهرة من بين مسوغات الحصول علي المنصب مثلاً أسند «فاروق حسني» مؤخراً إلي «محمد صبحي» منصب «مستشار بلا أجر» للنهوض بالمسرح، رغم أن الوزير لديه لجنة اسمها لجنة المسرح تعطي دائماً توصيات ولكنها شهرة «صبحي» هي التي دفعت «فاروق حسني» لإسناد هذا المنصب إليه قبل ذلك مثلاً منح الفنان «كرم مطاوع» رئاسة المركز القومي للسينما في نهاية الثمانينيات رغم أن كرم بالطبع هو أحد أعمدة «المسرح القومي المعاصر» وليس «السينما المعاصرة»!!

ومن الذين ساعدتهم الشهرة في الحصول علي المنصب « محمود ياسين» في عهد «فاروق حسني» عندما تولي رئاسة المسرح القومي وكان هناك من هم وظيفياً يستحقون المنصب لكنهم أقل شهرة إلا أن هذا لم يمنع محمود ياسين من المساهمة في أن يزدهر المسرح القومي في عهده!!

وتبعاً لقاعدة الشهرة فإن كلا من «صلاح السعدني ولينين الرملي» كثيراً ما يرشحا لمناصب في وزارة الثقافة ويرفضونها!!

وبالقطع فإن شهرة «حسين فهمي» كانت وراء ترشيحه لرئاسة مهرجان القاهرة وقبل أن يصل المنصب إلي «حسين فهمي» كان لدي الوزير رغبة في إسناد هذه المهمة إلي «عمر الشريف» الذي صار الآن رئيساً شرفياً للمهرجان.. يتولي رئاسة المهرجان حالياً «عزت أبو عوف» برغم أنه ليس من النجوم الكبار في السينما إلا أنه بالتأكيد أحد المشاهير!!

عندما تنتهي أو تخفت نجومية الفنان ويأفل إبداعه يتحول إلي تحقيق نجومية الأقوال والتصريحات بعد انتهاء نجومية الشباك خاصة في ظل انتشار الفضائيات، ومن أشهر اللائي احترفن نجومية الأقوال «مريم فخر الدين» ولهذا تسعي إليها الفضائيات خاصة إذا تعلق الأمر بالهجوم علي «فاتن حمامة».. فإن مريم حاضرة دائماً ولسانها لا يعرف حدوداً ولا قيوداً وتعيد لها هذه الأحاديث نجومية وشهرة لم تعد تطرق بابها!!

الشهرة نار يذهب إليها الفنان بإرادته يلسعه لهيبها لأنها تقيد حريته وعندما يستجيب الله لدعائه وينعم عليه بجنة الحرية يتضرع إلي الله بالرحمة والغفران.. وأن يعيده مرة أخري إلي نار الشهرة.. إنها نور يتمناها ونار لا يطيق البعد عنها!!

الدستور المصرية في

27/07/2010

 

طارق الشناوي يكتب:

أسئلة طائفية بلا إجابة طائفية

> أين اللاعب والمطرب وفتي الشاشة المسيحي؟!

الأقباط مش واخدين حقهم حتي في كرة القدم.. هكذا قال «البابا شنودة» في حواره مع «لميس الحديدي» في برنامجها «من قلب مصر» ولم يكن البابا في حاجة إلي أن يضرب مثلاً بالكرة لأن هذا الإحساس بالاضطهاد كثيراً ما يعلن عن نفسه في الكثير من المجالات التي كانت تبدو في منأي عن أي مشاعر طائفية مثل الفن!!
البابا دائماً ما يغلف آرائه بخفة الظل ولكن هذا لا ينفي عنها جديتها ومدلولاتها.. هناك إحساس بأن فريق كرة القدم سواء الأساسي أو الاحتياطي ليس به أي لاعب قبطي بعد «هاني رمزي» الذي يشغل الآن موقع مدير الفريق القومي للأشبال لكن لم يستطع أن ينضم أي لاعب مسيحي لصفوف الفريق الكرة الأول.. واكب ذلك تغير الاسم الحركي للفريق الذي يعرفه العالم كان الاسم اللصيق بالفريق قبل بضع سنوات هو فريق «الفراعنة» أصبح الآن «الساجدين» لأن سجود اللاعبين في الملعب صار طقساً دائماً يشاهده العالم علي الفضائيات قبل المباراة وعندما يتحقق الهدف وفي بداية الشوط الثاني وعند صفارة الحكم النهائية لو كانت النتيجة لصالحنا.. بل تردد قبل بضعة أشهر أن الفريق أصبح له توجه ديني إسلامي واضح وأن تقييم مدرب الفريق «حسن شحاتة» يأتي أولاً من منطلق ديني من يصلي يلعب ومن يتقاعس عن الصلاة يحرم من اللعب وبرغم نفي «حسن شحاتة» لحالة الدروشة التي ارتبطت بفريقه وتأكيده علي أنه يتمني أن يعثر علي لاعب موهوب مسيحي للمشاركة في الفريق وبالطبع فإن السجود للصلاة لن يعوق اللاعب المسيحي الذي يصلي طبقاً لعقيدته أرثوذكسي أو كاثوليكي.. إلا أن الأمر ينبغي أن نري وجهه الآخر بعيداً عن الكرة وهو الإحساس الدائم بالاضطهاد وحتي في مجال لا يمكن أن يسمح بالاضطهاد مثل كرة القدم حيث إن الناس تنتظر من يحرز الهدف للفريق المصري بغض النظر عن هويته الدينية.. مثل مشاعر الافتخار الوطني التي يحظي بها «د. مجدي يعقوب» و«د. أحمد زويل» نجاحهما في الخارج موضع اعتزاز لكل مصري لا شأن للدين بتلك المشاعر ولكنه الحب بالدرجة الأولي لصاحب الإنجاز الوطني.. ويبقي أن هناك بعض المظاهر التي تحدث في المجتمع وتراها عيوننا أحد علامات الفرقة الوطنية بين المسلم والمسيحي ولكنها بالتأكيد لا يمكن أن تكون كذلك وسأضرب لكم بعض الأمثلة لماذا يغيب عن الساحة اسم مطرب كبير مسيحي فمن هو المطرب المسيحي الذي تطول قامته «عبدالوهاب»، «أم كلثوم»، «عبدالحليم» والآن «عمرو دياب»، «محمد فؤاد»، «تامر حسني».. وأيضاً في الموسيقي الشرقية وطوال التاريخ لم يصل أي ملحن مسيحي الديانة إلي قامة «سلامة حجازي»، «سيد درويش»، «أبوالعلا محمد»، «زكريا أحمد»، «محمد القصبجي»، «محمد عبدالوهاب» من الجيل القديم ثم الجيل التالي لم نجد ملحناً بحجم «الطويل»، «الموجي»، «بليغ» وصولاً لهذا الجيل «وليد سعد»، «محمد ضياء»، «محمد رحيم» أسئلة ليس لها إجابة قاطعة.. لو أننا قلنا مثلاً في الماضي كان ارتباط توصيف «الشيخ» بالموسيقي هو الذي وقف حائلاً دون تحقق ذلك حيث أن المدرسة الأساسية التي أفرزت كل هؤلاء الموسيقيين القدامي كانت هي دراسة وحفظ القرآن والتي تبدأ بالالتحاق بالكتاتيب حتي ممن لم يحمل منهم لقب الشيخ مثل «القصبجي» و«عبدالوهاب» سنجد أن جذورهم أيضاً دينية وأنهم التحقوا بالكتاب ودرسوا القرآن وجودوا في تلاوته ولكن أيضاً التراتيل الكنسية تحمل بذوراً موسيقية بل إن السماح الموسيقي في الديانة المسيحية خاصة بين الكاثوليك والبروتستانت يجعل ممارستها في الكنيسة أحد طقوس العبادة.. علي سبيل المثال «وديع الصافي» و«الرحبانية» و«فيروز» كانت بدايتهم في لبنان كنسية فلماذا لم يصعد اسم موسيقي مسيحي مصري مثل هؤلاء ثم إن التاريخ قدم لنا موسيقاراً عظيماً بحجم «داود حسني» وهو يهودي مصري مازلنا نتذكر له بعض الطقاطيق الشهيرة حتي الآن مثل «علي خده يا ناس ميت وردة» و«قمر له ليالي يطلع لم يبالي» وغيرهما.. «داود حسني» له مقولة شهيرة خاصة بارتباط الموسيقي بالدين الإسلامي عندما قال في أول مؤتمر للموسيقي الشرقية عقد عام 1936 طالما بقي القرآن ستظل الموسيقي الشرقية باقية.. دراسة الأداء القرآني هي ثقافة مجتمع لا تعني طائفة إسلامية أو مسيحية أو يهودية لا أعتقد أن الأمر متعلق بالديانة.. ثم إن المصريين كما أحبوا مثلاً «شيرين» أحبوا «نانسي» من لبنان وتجاوبهم معها ليس له بالتأكيد علاقة بالدين ولكنهم في الفن يحبون دون سؤال عن الهوية الدينية.. تعثر نجاح مطرب أو مطربة شابة مصرية مسيحية تبدو لي مثل الظواهر التي لا تستند إلي منطق فإذا كان الاشتغال بالفن غير مرحب به في العائلة المصرية فإننا هنا لا نتحدث عن دين ولكن عن مجتمع يرفض ممارسة الغناء فلماذا فقط جاء الالتزام بالرفض من العائلة المسيحية أكثر من العائلة الإسلامية، ولو تأملت الأمر لاكتشفت أن نفس هذا المجتمع ظهر لديه نجوم في الكوميديا يدينون بالمسيحية بينما التراجيديا لم تر الكثير والناس أحبت الفنان الكوميدي ولا تسأل عن الديانة قبل أن تمارس فعل الضحك، لا نسأل هل أنا أضحك لهاني رمزي أو لمحمد هنيدي.. لم يظهر «جان» فتي أول في السينما المصرية طوال تاريخ السينما.. سؤال أيضاً لا تعثر له علي إجابة.. الفرق الموسيقية الجماعية التي كانت طابعاً مميزاً في السبعينيات مثل هاني شنودة «المصريين» وعمار الشريعي «الأصدقاء» وعزت أبوعوف «الفور إم» وغيرها تنازعت الشعبية في الحياة الفنية في مصر لم يسأل أحد عن ديانتهم.. اختلاف حظوظهم من النجاح ليس له علاقة بالديانة والدليل أن الوحيد الذي استمر وحتي الآن هو «هاني شنودة»؟! لا توجد مطربة مسيحية مصرية حققت شعبية ضخمة، هناك قدر من النجاح لمني عزيز مطربة «المصريين» وبعد ذلك «سيمون» و«أنوشكا» ولكن لا يوجد نجاح لافت.. ربما نعثر من الجيل القديم علي «رجاء عبده» التي اشتهرت لها أغنية «البوسطجية اشتكوا من كتر مراسيلي» التي كتبها «أبوالسعود الإبياري» ولحنها لها «محمد عبدالوهاب».. إلا أن الأسطورة الغنائية مثلاً كانت هي «ليلي مراد» أحبها الناس قبل وبعد أن أشهرت إسلامها لم تلعب الديانة أي دور في تحديد مقدار الحب.. المشاعر تتجاوز الديانة وبالتأكيد عندما نحب لا نسأل إلا أن الأمر لم يخل بالطبع طوال التاريخ من بعض الممارسات الطائفية، مثلاً قد يعتقد البعض أن إلصاق اعتناق الديانة المسيحية بفنان ما من الممكن أن تعوق تقدمه.. مثلاً «هاني شاكر» في وقت ما كان حريصاً في كل أحاديثه علي التأكيد بأنه يصلي بعد أن قال البعض إنه مسيحي الديانة استناداً إلي اسمه الذي من الممكن أن يحتمل الديانتين فأراد أن يقدم هويته الدينية بأسلوب غير مباشر وأتصور أن هذه الممارسات تحدث فقط في حالة ارتفاع نسبة التطرف في الشارع.. أيضاً قبل 12 عاماً كان السؤال الذي يتردد في الشارع هو هل «محمد صبحي» مسيحي الديانة.. لم ينف اسم «محمد» هذه الشائعة بل أضافوا قصة وهمية أكدت أن اسم «محمد» هو دليل علي أنه مسيحي يتخفي حيث قالوا إن والده كلما أنجب ذكوراً يرحلون وهم أطفال فقرر أن يسمي ابنه اسم شهرة «محمد» بينما في أوراقه الرسمية اسمه «مجدي» والغريب أن «مجدي» بالفعل هو شقيقه الأصغر.. ووجد «صبحي» أن الأمر حساس جداً ما الذي يقوله هل يعقد مؤتمراً صحفياً ليعلن للناس أنه مسلم أم يترك الأمر برمته وهذا هو ما حدث، والغريب أن هذه القصص الوهمية عادة ما تنتشر في المجتمع وتتحول إلي سؤال دائم في الشارع.. بعض الأسئلة التي لا نجد تفسيراً مباشراً لها قد تتحول إلي نكتة مثل تلك التي انتشرت في مصر قبل بضع سنوات وهي أن البابا عندما لم يجد أي مطرب مسيحي في الساحة تقدم بشكوي للمسئولين في وزارة الثقافة وتم الاتفاق علي أن يرسل لهم باثنين من الشمامسة للتدريب علي أصول الغناء في معهد الموسيقي العربية وقرروا بعد أن أتموا تدريبهما الغنائي أن يقيموا حفلاً يحضره البابا.. وعند البروفة النهائية ذهب البابا للمعهد حتي يطمئن بنفسه علي نجاحهما وكانا يرددان أغنية «عبدالمطلب» الشهيرة «تسلم ايدين اللي اشتري» وعندما وصل البابا إلي مكان البروفة وصلا إلي مقطع يتكرر كثيراً في الأغنية وهو «تسلم.. تسلم.. تسلم» فما كان من البابا سوي أن أصدر لهما تعليمات بالعودة مرة أخري للكنيسة!!
هناك بالتأكيد مظاهر طائفية عديدة في المجتمع إلا أن هناك مظاهر أخري لا يمكن أن تقع تحت طائلة التفسير الطائفي.. لماذا لا يوجد لاعب في فريق كرة القدم ولماذا لم تقدم لنا الساحة الغنائية مطرباً مسيحياً شهيراً أو فتي أولاً علي الشاشة.. أسئلة بلا إجابات قاطعة.. هل لدي أحدكم إجابات غير الطائفية لهذه الأسئلة الطائفية؟!

الدستور المصرية في

20/07/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)