حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

أزمة الديلر.. أم أزمة السقا؟!

بقلم : -ماجدة خيرالله

تقول الحكمة إن الفئران أول من يقفز من السفينة الغارقة، وأن الربان "القائد" لايبرح السفينة حتي لو غرقت»!أعد مشاهدة فيلم "تيتانك" لجيمس كاميرون، حيث قرر الكابتن أن يظل في السفينة رغم محاولات فريق الإنقاذ أن يثنوه عن عزمه، ولكنه وجد أن مسئوليته وشرفه يحتم عليه أن يظل بها حتي النهاية فهو مسئول أمام ضميره عن تلك المأساة التي لحقت بالسفينة، عندما ارتطمت بجبل جليد، أدي الي تدمير أجزاء منها وبالتالي تسرب المياه إليها ثم غرقها الذي راح ضحيته مئات الأشخاص، لتصبح تيتانك أكبر مأساة بحرية في مطلع القرن العشرين!

مناسبة هذه المقدمة، هذا الحوار الغريب الذي أدلي به أحمد السقا للعدد الأسبوعي من الدستور، علي مدي علمي، أنه لم يحدث في تاريخ السينما، أن خرج علينا بطل الفيلم ليعلن أنه غير راض عن مستواه، ويبرئ ساحته، ويطعن في بقية الزملاء، ويؤكد أن فيلمه يستحق هجوم النقاد، وإنهم لو فعلوا ذلك يبقي معهم كل الحق!!! بداية فإن فيلم "الديلر" به عناصر ضعف تبدأ من السيناريو الذي كتبه مدحت العدل، ولكنه أيضا به بعض عناصر القوة، التي يمكن أن تتلخص في أداء خالد النبوي ونضال الشافعي، مع ثراء إنتاجي واضح، ومخرج لديه قدرة واضحة من الحرفة، وإن كان قد تعرض كما سمعنا إلي إهانات بشعة، خلال أزمه مباراة مصر والجزائر، التي انتهت بحالة غضب غوغائي، أدي إلي الهجوم علي كل من يمت لشعب الجزائر بصلة، حتي أن جهة الإنتاج كانت تنوي استبعاد المخرج أحمد صالح من تكملة فيلم "الديلر"، لأنه يحمل الجنسية الجزائرية! ولابد وأن يكون ماحدث قد ترك أثرا سلبيا علي المخرج فهو في النهاية بني آدم مش جماد!ومع ذلك فإن "الديلر"ليس فيلما كارثيا، والهجوم عليه أقل كثيرا من الهجوم الذي واجه فيلم إبراهيم الابيض! فلماذا لم يعلن أحمد السقا وقتها تبرئته من الفيلم؟ ولم يحمل أحد أسباب فشله؟

حالة غضب

أعتقد أن حالة الغضب والهياج العصبي التي انتابت أحمد السقا، حدثت بأثر رجعي، يعني أنه اختزن حالة الغضب التي شعر بها بعد عرض فيلم "ابراهيم الابيض"، وخاصة أن كل من خرج من هذا الفيلم سواء من الجمهور او النقاد أشاد بروعة أداء محمود عبد العزيز، وعمرو واكد، وأن كلاً منهما حصل علي عدة جوائز وتكريمات من مهرجانات محلية وعربية، وكان السقا أقل المشاركين في فيلم "إبراهيم الأبيض" حضورا، رغم أنه نجم الفيلم، وصورته علي الأفيش تسبق الجميع!!ومع ذلك لم يفتح السقا فمه ولم يعلن غضبه، لسبب بسيط أو في الحقيقة لعدة اسباب واضحة أهمها أن إبراهيم الابيض من إخراج مروان حامد، والسقا مهما بلغ من نجومية وقوة لدي المنتجين لايستطيع أن "يعض" في مروان حامد، أو حتي يلمح بالغضب، لأسباب مفهومة، أهمها أن الرجل صاحب نجاح سابق ومدو مع فيلم عمارة يعقوبيان!الذي اجتمع فيه أكثر من نجم لكل منهم وزنه وقيمته، عادل إمام، نور الشريف، يسرا، خالد صالح، خالد الصاوي وآخرين، أما السبب الذي لايقل عن الاول أهمية، فهو وجود نجم له تاريخه وقيمته التي لن تهتز برأي السقا أوغيره وهو محمود عبد العزيز، الذي قبل أن يشارك في بطولة ابراهيم الابيض، بعد أن اعجبه الدور، وطبعا لايمكن أن نعتبر في هذه الحالة أن السقا أهم وأكبر قيمة من محمود عبد العزيز لمجرد أن مقتضيات السوق تفرض اعتباره نجم الفيلم، وبطله الاول!ولأن تجربة إبراهيم الابيض تركت لأحمد السقا، جرحا غائرا لم يستطع الإفصاح عنه للأسباب السابق ذكرها، فقد إختزن هذا الغضب داخله، حتي اصبح مثل قدر مضغوط بماء يغلي، إنفجر فجأة في وجه الجميع، وبدون تفكير قرر ان يغتال "الديلر" وكل من شارك فيه، كما فعل شمشون بالضبط، حيث قام بهد المعبد علي دماغه ودماغ الجميع وهو يصرخ قائلا جملته الشهيرة "علي وعلي أعدائي يارب"! ولكن من هم أعداء السقا؟ المخرج الغلبان أحمد صالح، أم خالد النبوي؟؟ أم الجمهور أم النقاد؟

انقلابات درامية

إذا قرأت الحوار الذي أدلي به السقا للدستور جيدا، وحاولت أن تستنبط ما بين السطور، فسوف تخرج بنتيجة واحدة، أن السقا زعلان من خالد النبوي؟ لانه استشعر أن الجمهور والنقاد يشيدون بدور النبوي وحرفته في تقديمه، فقرر أن يجهز علي الفيلم كله ويؤكد أنه أي الفيلم يستحق الهجوم، وكأنه بهذا القول يستبيح دم الفيلم، حتي يفسد علي النبوي فرحته!ويؤكد السقا في اكثر من موضع في الحوار انه هو من وافق علي اختيار النبوي، وأنه هو من منحه فرصة مشاركته الفيلم! ومع ذلك فهو يؤكد أيضاً في نفس الحوار أنه «معندوش أمراض النجومية» ومشكلته تكمن "من وجهة نظره" في أنه مؤدب ومحترم ولم يفعل مثل غيره من النجوم "شوف إزاي"!! إذا كان باعترافه في نفس الحوار بأنه هو الذي اختار المخرج لأنه صديقه، وأنه هو من أصر عليه رغم فشله في فيلم حرب أطاليا، وهو من اختار النبوي، وطبعا دون أن يذكر ذلك أكيد هو اللي اختار بقية طقم الممثلين؟طيب ماذا كان ينتظر السقا من خالد النبوي؟ أن يمثل بشكل سيئ، ولايبذل جهدا في دوره حتي يكون شخصا لطيفا يرضي عنه بطل الفيلم، وإذا اعتبرنا أن خالد النبوي فنان مغرور وطالب بعدم وضع اسمه علي الأفيش حتي لايكون بعد السقا!! وأن هذا التصرف يعتبر نوعا من الجحود، طيب إيه رأي السقا في تألق نضال الشافعي؟ الذي كان دوره اقل حجما من الجميع ومع ذلك قدم أداء مبهرا، ولمؤاخذة يعني أكل السقا في كل المشاهد التي جمعتهما! حانقول إيه في ده راخر؟؟ الحجة التي يقدمها السقا تبرير لعدم تألقه في الفيلم، إن المخرج حذف بعض المواقف والمشاهد التي كان يؤدي فيها أداء جيدا، وذكر مشهد وفاة والده، وأعتقد أن حتي لو كان كلامه صحيحا وأنه عيط واتمرمغ في الارض عند وفاة والده"سعيد طرابيك" فإن هذا لم يكن ليبرر سوء حاله في بقية الفيلم!ويمكن تشبيه تصرف السقا بلاعب كرة فقد لياقته ويريد أن يكبل بقية اللاعبين حتي لاينجح أحدهم من إحراز اجوان حتي لايشعر بالضيق والعجز عن المنافسة! وأعتقد أن "أحمد السقا" خانه ذكاؤه مرتين، الاولي عندما اختار هذا السيناريو الذي لايحمل أي جديد بالنسبة له، والثانية قيامه بالهجوم علي الفيلم بعد أسبوع واحد من بدايه عرضه، ولو كان السقا يعشق التحدي بجد، لكان وقع اختياره علي شخصية "علي الحلواني" التي قدمها خالد النبوي، فهي تحمل عدة أبعاد وانقلابات درامية بعكس شخصية "يوسف الشيخ"أحادية الأبعاد!

استمرار النجومية

مشكلة نجوم هذا الزمن، أنهم لايقرؤون التاريخ، أقصد تاريخ السينما، سواء المصرية أوالعالمية، ففي سنوات مجد السينما المصرية، كنا نشاهد أفلاما يشارك فيها أكثر من نجم لكل منهم قيمته وشأنه وكل منهم له أفلام يلعب بطولتها منفرداً، الأمثلة أكثر من القدرة علي إحصائها، ففيلم «الغريب» المأخوذ عن مرتفعات ويزرنج، لعب بطولته يحيي شاهين، وكمال الشناوي، ومحسن سرحان، وفليم «المرأة المجهولة» كان من بطوله عماد حمدي وكمال الشناوي، و«لاأنام» من بطولة عمر الشريف وعماد حمدي ويحيي شاهين ورشدي اباظة، و«الرجل الثاني» رشدي اباظة وصلاح ذو الفقار!و«الأيدي الناعمة» أحمد مظهر وصلاح ذو الفقار، وفي سنوات الثمانينيات شارك كل من نور الشريف وحسين فهمي ومحمود عبد العزيز في فيلم «العار» الذي كان نجاحه مدويا، وشارك محمود عبد العزيز ويحيي الفخراني بطولة «الكيف»، وضم فيلم «الشيطان يعظ» ثلاثة من نجوم فن التمثيل عادل أدهم وفريد شوقي، ونور الشريف.. الخ، تاريخ السينما يضم عشرات من تلك الافلام التي لاتعتمد علي البطولة المطلقة لأحد النجوم، فماالذي حدث لنجوم هذا الزمن الرديء، الذي لم ينتج عنه الا مجموعة من الافلام المشوهة المبتسرة، ومع ذلك تجد كل نجم، من هؤلاء يدعي أنه قدم للسينما المصرية خدمات وفضائل لينقذها من سباتها، ومن المضحك أن السقا مثلا يفاخر بأنه كان سببا في تصوير أول فيلم مصري في جنوب افريقيا ؟؟ ,قول له إن معلوماتك خاطئة، لان المعلم "محمد رضا"بتاع إدي ضهرك للترعه، فاكره طبعاً، كان أول من يلعب بطولة فيلم يصور في افريقيا وهو "عماشة في الادغال" بمشاركة صفاء ابو السعود، وإخراج محمد سالم وقد حقق الفيلم وقتها إيرادات تفوق إيرادات "أفريكانو" مع الوضع في الاعتبار أن قيمة الجنيه المصري في مطلع السبعينيات من القرن العشرين، كانت تساوي أضعاف قيمته الآن، ومع ذلك لم نسمع المعلم محمد رضا يفاخر بما قدمه لأنه في النهاية فيلم تجاريط مسلي وخلاص، بالضبط مثل افريكانو، وإذا كان كل فضل السقا أنه كان أول ممثل يقفز بنفسه فوق الاسطح، والقطارت، والاماكن المرتفعة، فهو بذلك يضع نفسه بين لاعبي السيرك، بل إن أي لاعب في السيرك يمكن أن يتفوق عليه في هذا المجال! قد يظن البعض أن هذا الموضوع هجوم علي السقا، أو كما جاء في مقدمة الحوار الذي كتبته الزميلة "دعاء سلطان" في العدد الاسبوعي للدستور، أن البعض لن يستريح إلا إذا قرر السقا الاعتزال، وترك السينما، بالعكس إننا نريد للسقا الاستمرار، وحتي يستمر يجب عليه أن يدرك أنه وبعد أن وصل الي سن الاربعين "مواليد مارس 1969" يجب ان يفكر عشرات المرات في نوعية الادوار التي يقدمها، وأن يعيد مشاهدة الافلام المصرية، ليعرف كيف يمكن ان يستمر النجم علي القمة اكثر من ثلاثين عاما، خد عندك مثلا "نور الشريف" قبل ان يكمل الثلاثين من عمره، قدم من إنتاجه فيلم "دائرة الانتقام" وهو من أهم أفلام الاكشن، التي أخرجها سمير سيف وكان الفيلم يقوم علي دراما قوية وشديدة التأثير، ورغم نجاح الفيلم فإن نور الشريف بذكائه وثقافته الفنية كان يدرك أن عليه أن ينوع في أدواره، ولايستسلم للون واحد لمجرد أنه نجح فيه، فقدم في العام التالي "سواق الاتوبيس" مع عاطف الطيب وكان أحد الأفلام الفارقة في تاريخ السينماالمصرية، كما أنتج فيلم "ضربة شمس" للمخرج محمد خان، ولم يتوقف عند نجاحه فأعقبه بفيلم "قطة علي نار" ليقدم من خلاله شخصية بالغة التعقيد والصعوبة، ثم أعقبه بالفيلم الرومانسي "حبيبي دائما"، من إنتاجه أيضا، وقدم مع المخرج الراحل حسام الدين مصطفي معالجة لرواية الجريمة والعقاب للروائي الروسي ديستوفسكي، في فيلم "سونيا والمجنون"، وتحفة المخرج أشرف فهمي مع "سبق الاصرار" المأخوذ عن رواية الزوج الأبدي، وكل من الفيلمين شارك فيهما "محمود يس" المنافس الاول لنور الشريف في سنوات السبعينيات، ولم نسمع أن أحدهما هاجم الآخر أوأصابته الغيرة من تفوقه الفني عليه! إذا كان أحمد السقا يعتبر نفسه مؤدباً ومحترماً ولم تنتابه أمراض النجومية ويهدر قيمة زملائه ومخرجيه يبقي الناس بتوع زمان دول إيه ملائكة وقديسين ؟!

جريدة القاهرة في

15/06/2010

 

أمير بلاد فارس..آفاق الصورة وعمق الفكر

بقلم : - 

لكن لانني ضعيف أمام أبنائي استسلمت لإلحاحهم المتكرر علي بمشاهدة الفيلم . وتوجهت معهم لمشاهدته علي مضض وأنا أعتقد انني سأقضي أسوأ أمسية في حياتي . ولكني في الحقيقة اكتشفت وبعد لحظات من بداية الفيلم أنني علي موعد مع قضاء ساعتين من السينما الخالصة في منتهي المتعة والإثارة  ومع تحفة فنية بمختلف المقاييس .

فالفيلم يواجه تحديا من نوع خاص أمام جماهيره ، فهو لا يراهن علي قصة جديدة أو فكرة مبتكرة ، لأن كل أبنائنا من هواة الفيديوجيم يحفظون الحكاية عن ظهر قلب ويستوعبون قوانينها ويمكنهم توقع أحداث فصولها ومفاجآتها بل إنهم يمارسون بذراع التحكم  بعض مغامراتها  . وهذا هو الرهان الصعب أمام صناع هذا الفيلم الذين لا سبيل أمامهم سوي التأكيد علي أن معرفة الحكاية بتفاصيلها لا تغني عن متعة المشاهدة وروعة الأداء وقوة التنفيذ  وسلاسة السرد وحداثة الإيقاع وجمال الصورة.  ولكن الأهم من كل هذا هو قدرة الفيلم علي إبهار أجيال من الشباب أصبح إطلاعهم علي خدع وصور في منتهي الجودة والإتقان التقني  أمرا معتادا ومألوفا جدا . وهذا في رأيي هوالسبيل الوحيد للوصول إلي عقول وقلوب المشاهدين الجدد .

كان ياما كان

وعلي الرغم من الطابع الأسطوري للحكاية ، إلا أن جمال الصورة يفرض عليك ولأول وهلة أن تندمج معها وتستسلم لسحرها .  فهاهي بلاد الفرس العظيمة بقصورها وبواباتها وأبنيتها في أوج مجدها وعظمتها وقد اعتلت قمة الحضارة علي الأرض في القرن السادس الميلادي . صورة رائعة تصنعها الكاميرة بالأضواء والظلال والألوان لبلاد الشرق القديم وكأنها مرسومة بريشة فنان تشكيلي متمكن حيث يبدو كل كادر كتابلوه سينمائي بما يحويه من تكوينات وتفاصيل ومقدمات وخلفيات . وحيث يتسع مسرح الأحداث بامتداد إمبراطورية بأكملها ، كما ينطلق المجال في العديد من الكادرات إلي اللانهائية متضمنا مستويات مختلفة من العمق المثير للتأمل والقادر علي إثارة الخيال.. وذلك  بنفس القدر الذي تحققها الحدوتة بحبكتها القوية المتماسكة بدلالاتها الواسعة وبامتداد فكرها وحوارها كاسرا لحدود الزمان والمكان من أيام مجد الفرس والشرق عموما إلي واقعنا اليوم في خفة دم وفي سخرية لاذعة  .

تعود بنا الحكاية إلي زمن ترتقي فيه إنسانية الحكام إلي أعلي المستويات . فيختار الملك ابنا يتبناه من عامة الشعب إضافة إلي ابنين من صلبه . فهذا الملك العظيم بحضوره الجليل المهيب يدهش بقدرات داستان الصبي البارع في المراوغة والهروب من الحرس الأشداء ولكنه رغما عن ذلك يقف في احترام وخشوع مطيعا لأمره  . وعندما يحدثه يلمح فيه إمارات الشجاعة والذكاء التي نمت بفضل المولي عز وجل ولم يطمسها الفقر ولا اليتم المبكر   بل زادتها الشدائد صلابة وأضافت إليها المزيد من العزة والكبرياء  . يكبر الأمير المختار داستان ( جاك جيلينهال ببنيته القوية وروحه الطفولية ) ابن الشعب في كنف الملك كواحد من أبنائه يبادلهم الحب والمشاكسة كأي إخوة أشقاء ولا يميزهم عنه سوي حقهم في ولاية العرش  . ولكن في قلب السعادة وانتشار قيم العدالة يكمن الشر في النفوس الضعيفة فلا يوجد أي قانون في الكون يمنع الشر من الوجود . وفي ظل علاقة الاحترام والحب الظاهرة التي تربط البطل بأخويه وأبيه وعمه نظام - هذا هو اسمه بما يوحيه من دلالات -   تتولد المؤامرات وتتصاعد الفتن مجهولة المصدر إلي حين  .

تبدأ الحكاية بإيحاءاتها التي تضفي بظلالها علي واقعنا المعاصر اليوم بمشاركة داستان تحت قيادة شقيقه في عملية غزو لمدينة مقدسة وردت إشاعات بأن مواطنيها يطورون أسلحة خطيرة . ينتصر الجيش وينجح الغزو ويستبسل داستان في المعركة ويستحق لقب أسد فارس . لكن يثبت أن  الإشاعات التي قامت كل هذه الحرب من أجلها  كانت غير صحيحة، ثم تتكشف وقائع  خيانة بين صفوف الأسرة ، وتوجه التهمة الظالمة إلي داستان بقتل الملك . فلا يجد بطلنا أمامه سبيلا سوي الهروب بمساعدة أميرة جريئة وتهوي المغامرة مثله تماما  (جيما أرتيرتون ذات الأنوثة الشرقية الطاغية) وسرعان ما يتشاجر معها حول الخنجر الذي يتمثل فيه الجانب السحري من الحكاية فهو خنجر مسحور طبقا لأسطورة قديمة  يستطيع حين يعبأ برمال خاصة من المدينة إعادة الزمن إلي الوراء. فيتمكن من يملكه من أن يعيد  تفاصيل ما حدث أمام عينيه فيصبح بإمكانه إعادة ما وقع في الماضي ويصبح بإمكانه تعديله بالفعل .

ويتمكن داستان من أن يوظف هذه الإمكانية في ظروف معينة أثناء مغامراته ليحقق الانتصارات ويعوض الخسائر . وليصبح هذا السلاح السحري قوة إضافية تمكنه من مواجهة الأعداء والأخطار . ولكن هذا السلاح أيضا يلزم استعماله بحذر فتكمن الخطورة في محاولة إرجاع الزمن لمدة طويلة ، لأنه كما تقول الأميرة سيكون ذلك كفيلا لنزول لعنة الآلهة علي الأرض ونهاية العالم . يتوصل داستان أخيرا إلي أن العم (نظام) هو قاتل الملك وأنه هو الذي تسبب في غزو مدينة "الاموات" للوصول إلي أداة التحكم في الزمن ليعود به إلي الوراء ليوم حادثة معينة أنقذ فيها حياة شقيقه الملك من نمر متوحش . وبتغيير هذه الحادثة وترك أخيه يلقي حتفه لن يكون له أن يتزوج وينجب وليا للعهد وسيصبح نظام هوالملك .

ينجح  (داستان) بمساعدة الأميرة وبعض الأصدقاء في النهاية من الانتصار علي نظام ويتمكن بالحيلة السحرية من كشف جرائمه فيثبت براءته ويسترد كرامته ويحصل علي اعتذار رسمي من شقيقه خليفة الملك للأميرة علي احتلالهم مدينتها باتهام عمه الملفق وينتهي الفيلم بالنهاية السعيدة بزواجه بالأميرة المشاكسة . لا تعبر الحكاية بخطوطها العريضة عما تتضمنه من إثارة وخيال وبناء فكري ودرامي محكم . ولكن جمالها وفنياتها الدرامية تكمن في تفاصيلها ومواقفها وحواراتها الذكية وتضافر نسيجها المتشابك والملتحم بقوة .

بين التاريخ والسياحة

ربما يفاجئك أن الفيلم رغم ما يتضمنه من جهود جبارة في مختلف عناصره الدرامية والبصرية إلا أن الثقافة السياحية لصناعه لا تضاهيها ثقافة تاريخية أو دراسة بحثية تليق بهذا الجهد التقني الكبير . وربما لا ينشغل صناع السينما العالمية عموما بتفاصيل وأمور متخصصة أومراجعة أخطاء تاريخية قد يمكن لمشاهد شرقي محدود الثقافة أن يكتشفها بسهولة  ففرق الرقص الصوفي المولوية التي تظهر في الفيلم الذي تدور أحداثه في القرن السادس لم يكن لها وجود قبل القرن الثالث عشر وبعد وفاة جلال الدين الرومي . كما أن الكثير من الحوارات بين الفرس كانت تدور باللغة العربية . وهي في رأيي أخطاء فادحة تطيح بمصداقية الفيلم في أسواق كبيرة لا أعتقد أن الفيلم لا يهتم بها . ولا أعتقد أيضا أن اعتماد الفيلم علي الخيال والأسطورة وكسره لحدود الزمن في أسلوب حواراته الساخر واستخدامه لمفردات معاصرة علي سبيل التهكم والسخرية أو إبراز ما يحتويه من إسقاطات علي واقعنا المعاصر يتيح له أن يغفل عناصر تاريخية بلا ضرورة .

وإذا لم تستوقفك مثل هذه الملحوظات العابرة ، فإنك سوف تستمتع تماما بفيلم من أفلام الحركة ذات المستوي الرفيع والتي تتضافر فيها عناصر التصوير والمونتاج لتصنع معارك ملحمية  يتميز فيها أيضا التوليف الصوتي بالدقة الشديدة وبالروح الشرقية بأجواء الرياح العاصفة وأقدام الخيول وصليل السيوف وصياح الرجال وسط معارك طاحنة منفذة ببراعة عالية وبتقطيعات متقنة تتواصل فيها الحركات الطائرة والطعنات القاتلة بمهارة ودقة متناهية . والأهم من كل هذا أنه فيلم علي الرغم مما فيه من خيال ومبالغة وعنف إلا أنه يقدم لأبنائنا رسالة نبيلة وغير مباشرة عن قيم الشجاعة والبطولة والتمسك بالحق والإصرار علي الدفاع عن الشرف . وإذا كان بطلنا الأسطوري قد امتلك سلاحا سحريا مكنه من إثبات حقه وساعده علي إزالة الغشاوة عن أعين المخدوعين وإعادة الحق للمظلومين ، فإن تكنولوجيا المعلومات وثورة الاتصالات قد أتاحت لأبنائنا أسلحة جديدة تتطور يوما بعد يوم .

ولا شك أن نجاح هذا الفيلم والإيرادات العالية التي يحققها في مختلف أنحاء العالم هو تدشين لألعاب الفيديوجيم كمصدر سينمائي جديد ، كما أنه يعد  تأكيدا أيضا علي أن احترام السينما الأمريكية لتاريخ الشعوب وحضاراتها وحقوقها يعود عليها بالربح الوفير . وأن أبناءنا الصغار ليسوا دائما علي خطأ وأننا أيضا لسنا دائما علي صواب .

جريدة القاهرة في

15/06/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)