حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

سينما الإيمان.. دوائر اليقين المراوغ

بقلم : -أسامة صفار

أعاد الامريكيون التفكير ونشطت خلايا الإيمان بالبطولة المتجاوزة للإنسانية وبدءا من 2002 ظهرت افلام رد الفعل المباشر للحدث وتمثلت في ذلك النوع السطحي الذي يركز علي تجريم الشرقي والمسلم والانتقام منه سينمائيا بينما أطلت علي استحياء افلام تبحث عن ذلك النموذج الذي اعتقد الامريكي لزمن انه يمثله وهو "السوبر مان " او الانسان السوبر وسواء ظهر ذلك قبل سنوات طويلة في كوماندو ورامبو والرجل الوطواط وقبلهما في الرجل الاخضر فان الامر اختلف بعد تفجيرات الرعب في سبتمبر 2001حيث حققت هذه النوعية مع اختلاف التسميات والصور في هوليوود اعلي الايرادات وخاصة في عام 2008 وبدا الامر كما لو ان الامريكيين يبحثون عن اله !

أزمات وهجوم

وهوليوود أو السينما بشكل عام هي ظل المجتمع الامريكي والسينما في كل مجتمع هي مراة تقريبية لاحواله وأزماته وهمومه واحلامه وكوابيسه وتصلح تماما لقياس احواله والتعرف عليها وخاصة تلك الانشغالات التي تترجم نفسها في سلوك اجتماعي يؤثر في المحيط بشكل درامي. 

 وبدءا من عام 2009ظهرت افلام 2012 او يوم القيامة ثم ليجيون وفي بداية 2010ظهر فيلما افاتار والطريق the road ثم كتاب ايلي أو the book of Eli وهي خمسة افلام  تكاد تحمل نفس الدعوة الي الايمان باله واحد ومطلق وحيد خارج اطار البشر بل وتستمد من التراث الديني مقولاتها الاساسية حتي لو اعتمدت الاسطورة اطارا لأحداثها .

 ولأن الفكر والسينما يتحركان معا ضمن الية يرعاها الاقتصاد بالدرجة الأولي وتستغلها الرأسمالية في تحقيق مكاسبها بصرف النظر عن الاهداف فان الرعب الانساني من القوي المجهولة ظل مجالا خصبا للاستغلال والتجسيد في صور فيلمية وموضوعا للتأويل وألعاب الخيال وخلق أبعاد مختلفة له وليس أقرب من أهوال يوم القيامة كما صورتها الكتب المقدسة خاصة في ظل الميل الي البحث عن اله في هوليوود فكان 2012.

 يوم القيامة

في فيلم (2012) يعرف الجيولوجي الأمريكي أدريان هلمسلي معلومات تؤكد أن اندفاعات شمسية عملاقة ستسبب دمار الارض بالكامل، وتفرغ الكوكب من محتواه البشري بطوفان ، ولاتوجد فرصة للنجاة الا لنخبة ويسافر هلمسلي بعد حصوله علي المعلومات إلي الولايات المتحدة ليطلع الرئيس عليها قبل وقوع الكارثة  وتظهر الاشارات الأولي لهذا الانفجار حيث تجف بحيرة في ولاية كاليفورنيا بشكل مفاجئ، ويراقب كاتب قصص الخيال العلمي، الفاشل جاكسون كورتيس ما يحدث، بعد أن التقي بمهووس يملك اذاعة خاصة به، يبحث من خلالها عن شهرة عشر دقائق فقط قبل أن يفوته قطار الحياة نهائيا، وهمه أن يعرف الناجون بأنه أول من استشعر «مؤامرة» الآخرين للبقاء أحياء.

وطبقا للفيلم، فإن الناجين يجب أن يكونوا أثرياء جدا، ليتمكنوا من ركوب(الطوف النووي) الذي يتم تجهيزه في بحيرة عملاقة في جبال التيبت. وعلي كل راغب بالنجاة دفع مليار يورو إن أراد تفادي الغرق في أتون الطوفان المهلك. وهو ما نعرفه  من ابنة الرئيس الأمريكي عندما يتم عقد «صفقة النجاة» مع ثري عربي في أحد فنادق لندن الفخمة ليصعد الطوف مع زوجاته الأربع مقابل المال وليس لأي شيء آخر، وهي تهمس للدكتور هلمسلي بذلك، والذي يندمج تماما في انتقاء «العينات الانسانية» التي يجوز لها النجاة بالصعود إلي الطوف ويمارس ذلك بدقة.

هي ثورة الطبيعة أو طوفان الغضب الالهي الذي يستدعي طوفان نوح الذي لم تتدخل يد بشرية الا في اسبابه ، وعلي الجميع  أن يتعامل مع فرص نجاته في هذا الجنون الكوني، وبالتالي يصبح ملقي علي عاتقهم أن يتصرفوا لانقاذ الجنس البشري من الهلاك.

ويحاول الكاتب الفاشل كورتيس أن ينجو مع أسرته رغم عدم امتلاكه ويكفيه فقط أن يبادل طائرة صغيرة بساعة اليد حتي يضع عائلته علي سكة النجاة المفترضة ، وينتهي بهم المطاف في طائرة أنطونوف روسية عملاقة تعود ملكيتها إلي الملاكم الروسي السابق كاربوف، ورجل المافيا القوي في الوقت الحالي، والذي لسوء حظه لم تسعفه ملياراته وسوء أخلاقه ومكره بأن يحظي بنجاة مماثلة، فيقضي علي حواف الطوف، لأنه ليس مهيأ كي يكون من النخب المنتقاة.

في قلب المأساة نري المقدسات الدينية لسكان الارض تتهاوي الواحدة تلو الأخري لينجو بعض البشر دون ان يكون للوطن معني بعد انهيار الاوطان والمقدسات ولينتظر هؤلاء امكانية تشكيل ملامح حضارة جديدة بعد انحسار الطوفان لكن السؤال الاهم بعد مشاهدة يطرح نفسه هل الطوفان نهاية للحياة الانسانية وبداية لحياة في ظل الاله حيث العدل الكامل أم أنه دورة جديدة من دورات الحياة الانسانية ينتظر أن تبدأ أما السؤال من خارج الفيلم فهو أليس الفيلم دعوة حقيقية لالتزام الانسان بضعفه أمام قوي كونية جبارة تحميه من أهوال يوم القيامة ؟

كتاب ايلي

ينتهي هذا الفيلم بمشهد فريد في تاريخ السينما العالمية حيث تضع يد علي احد الأرفف في متحف الانسانية الكبير والوحيد الباقي بعد دمار العالم الانجيل وبالتحديد انجيل الملك جيمس بين كتابين اخرين هما القران الكريم والتوراة انها الكتب السماوية الثلاثة جنبا الي جنب في اشارة الي السبيل الوحيد للخلاص بعد دمار العالم.

ويخوض البطل الاسود "دنزل واشنطن " في فيلم "كتاب ايلي " حربا مقدسة لانقاذ كتاب الهي بتكليف الهي وقد انهارت الحضارة بشقيها المادي والمعنوي إثر وميض هائل مرعب (ربما يكون انفجار قنبلة هائلة أو غضبا من الله) يجعل الحضارة علي سطح الأرض في حالة من الموت، أو أقرب شيء إليه ووسط هذه الحالة الناتجة عن الانفجار الذي يملأ السماء، تصبح الأراضي الأمريكية مليئة بالأشجار الميتة والأنقاض والجثث. الصورة العامة للأرض ككل توحي بأن العالم متروك لمواجهة لحظات الموت. وتصبح السيطرة لقطّاع الطرق الذين يهاجمون المسافرين بحثا عن الماء والطعام والملابس. وفي حين تتداعي كل أنظمة المجتمع بما فيها الزراعية والصناعية، تبقي سوق الخوف هي الوحيدة المزدهرة. ويصبح البقاء للأقوي أو الأكثر نقاء، كما هي حالة إيلي، الرجل الخير الذي يمتلك نسخة وحيدة متبقية من كتاب مقدس، وعليه أن يحافظ عليها ولو كلفه ذلك حياته.

عبر رحلته لإنقاذ الكتاب النادر، يتعرف إيلي علي تفاصيل الحياة المخيفة، ويعيشها عبر التعاطف مع القطط والجرذان ومواجهة العصابات حينا بسيفه، وأحيانا بتحاشيها، علي الرغم من ضرورة التدخل لإنقاذ بعض الضحايا. لكن المهمة الملقاة علي عاتقه تفرض عليه أن «يستمر في رحلته». فعلي الرغم من أنه سوبرمان مزود بسيف وبندقية وقبضة لا ترحم، يظل البقاء صعبا في هذا العالم المعادي، إلا علي من يبقي سيفه مسلولا، وعلي من يمتلك المواصفات التي يمتلكها دنزل واشنطن.

ويصل إيلي مع كتابه إلي كارنيجي وعصابته.  وكارنيجي واحد من القلة القادرة علي القراءة في عالم مليء بالأمية، وهو يريد الحصول علي الكتاب الذي يحمله إيلي، لأنه يؤمن أن ما يحويه هذا الكتاب المقدس أكثر نفعا من استخدام العنف والخوف والأسلحة في إخضاع البشر ووسط صراع شرس يجند فيه كارنيجي كل رجال عصابته للتغلب علي إيلي، نجد الأخير قادرا علي المواجهة والانتصار، ويستفيد ايلي من قوة شخصيته، وحدة نظراته في تجريد الخصم من سلاحه. و تساعده هالة مقدسة علي تحقيق ما يريد، و يتابع الدمار الذي أحدثته البشرية علي الأرض وينتزع منه الكتاب المقدس بالفعل (انجيل الملك جيمس ) لكنه يحفظه ويصل الي نهاية رحلته ليقوم بتلاوته علي مشرف متحف الحضارة الانسانية ويطبع الكتاب لنشهد وضع الكتب السماوية الثلاثة جنبا الي جنب باعتبارها خلاصا وحيد للبشرية .

وتشبه فكرة فيلم "الطريق" لجون هيلكوت فكرة الفيلم السابق ان لم تكن مطابقة لها فقد دمرت الارض نتيجة تفجير نووي ونتابع رحلة رجل وابنه يكافحان للبقاء علي قيد الحياة للوصول الي برالامان والرجل هنا يحصر كل اهدافه في أن يصل الابن ويتمسك بالاخلاق ويحمل معه طلقتين ومسدساً تحسبا لوقوعهما في ايدي أكلة لحوم البشر .. والفيلم يطرح بشكل عام سؤالا أكثر أهمية حول فكرة خلود القيم وفناء الفرد حين يطرد الصغير رجلا تائها فيعلمه والده درس القيم.

 أما فيلم "ليجيون " هو الاكثر صراحة ومباشرة وتجسيدا للمعتقد الديني المؤمن بالله وملائكته ففي "بارادايس فالز"وهو مطعم بسيط علي احدي الطرقات السريعة بعيدا جدا عن مناطق العمران. نشهد اخر المعارك من أجل انقاذ البشرية من اندثار محتوم ويروي الفيلم قصة البشرية التي فقدت الايمان فكان أن حل بها غضب السماء فارسلت ملائكة لتدمير العالم و التخلص منه.

أفاتار

وفي فيلم أفاتار يختلف الأمر في كل شيء الا في البحث عن اله حيث يستعين جيمس كاميرون الكاتب والمخرج في تشكيل صورته بفكرة الحلول عند الفيلسوف سبينوزا حيث تتوحد الطبيعة بمفرداتها النباتية والحيوانية والانسانية لتشكل صورة كائن شديد الرقي والبدائية في الوقت ذاته من حيث الشكل والسلوك ويختار كاميرون كوكبا خياليا هو "باندورا " لتدور عليه أحداث العمل الذي تشهد أحداثه صراعا بين جشع أمريكي ورغبة في السيطرة علي ثروة الكوكب وبين كائنات باندور الالهية والنورانية ليظهر المخلص الأمريكي الخارج علي ناموسه وينضم لسكان باندور ويناصرهم ويتزعمهم حتي ينتصر علي الأعداء الامريكيين ويعيدهم الي بلادهم باذلال ومن ثم يتم اخضاعه لعميلة نقل الروح والوجدان من جسد الانسان الامريكي الي جسد "النافي " الالهي الذي ينتمي الي كوكب باندورا الذي يتوحد سكانه جميعا  باعتبارهم طبيعة واحدة .

 وقد استعان كاميرون في الفيلم بفكرة المخلص أو المسيح كما استعان وطبقا لاسم العمل بفكرة الافاتار والذي يطلق في المعتقدات الهندوسية علي تجسيد الاله في الانسان ويأتي الي الارض كل فترة جالبا معه الخير والايمان والعدل .

جريدة القاهرة في

15/06/2010

 

«الإيمان».. يغير خريطة السينما المصرية

بقلم : -محمود قاسم 

أقدم هذا المقال إلي كل السادة النقاد الذين شاركوا في أكثر من استفتاء لاختيار الأفلام المصرية المائة الأفضل في تاريخ هذه السينما سواء عام 1996 وعام 2007 فمن الواضح الآن أن هؤلاء النقاد اختاروا قائمة الأفلام الأحسن من خلال ما شاهدوه فقط من أفلام وليس من واقع خريطة الأفلام نفسها بمعني أن هذه القائمة جاءت ناقصة فقد كشفت عروض الأفلام غير المعروفة في القنوات الفضائية، أن هناك أفلاما قد ظلمت بشكل بين، لمجرد أن النقاد لم يشاهدونها ولم يسمعوا عنها، ويشهد الله أنني عندما عرض فيلم «الإيمان» بقناة روتانا زمان منذ أسابيع اتصلت بالكثير من النقاد كي يروا هذا الفيلم الجميل لكن أغلبهم كان منشغلا بوقائع مهرجان الأفلام الروائية ولما أعيد عرضه يوم السبت 5 يونية الحالي عاودت الاتصال بالكثيرين منهم من أجل مشاهدته.

تربص وانتظار

في مرات المشاهدة السابقة لم يكن في نيتي الكتابة عنه، وذلك لأنني لم أشاهد الفيلم منذ بداية أحداثه لكن هذه المرة تربصت به، وانتظرته وسجلت نسخة منه لمن يريد الحصول عليها وكان من المهم الكتابة أن المجهول لا يزال كثيرا في السينما المصرية وبالتالي من خرائط ما يسمي بالأفضل فهناك أفلام لم يشاهدها هذا الجيل من النقاد مثل «آخر من يعلم» لكمال عطية الذي كتب له السيناريو داميانو دامياني، والقائمة ليست قصيرة.. لكن المهم الآن.. هو إعادة الاعتبار لفيلم تجاهله النقاد.

حسب تقديري فهو يستحق أن ينال ترتيبا ضمن الأفلام الأفضل ما بين الـ 45 إلي 50، وهو واحد من الأعمال القليلة التي قام محمود المليجي ببطولتها بشكل مطلق، وفيه أثبت أحمد بدرخان أنه يستطيع أن يدير أبطاله ليظهروا علي أحسن ما يكون، ولن أكون مغاليًا بالمرة حين أذكر أن دور سويلم في الأرض.. يبدو باهتا كثيرا قياسا إلي دور «زناتي» الذي سبق فيلم يوسف شاهين بتسعة عشر عاما..

قبل أن نتوقف عند الفيلم فهو من تأليف «قصة وحوار» وإنتاج شخص لم أسمع عنه كثيرا هو محمد جمال الدين رفعت، وسيناريو المخرج أحمد بدرخان وفيه اكتشفت أن هناك شقيقا أكبر لسليمان الجندي يدعي فتحي شاركه البطولة هنا، ولا يعرف أحد عنه شيئا ولا إلي ماذا صار.

أما أهمية الفيلم بالنسبة لي فهو العمل السينمائي المصري الوحيد الذي يرصد مرحلة الأربعينات من خلال التحولات الاجتماعية الحادة ولا أتذكر فيلما آخر رصد هذا العقد بشكل متكامل سوي «الإيمان» حيث بدأت الأحداث مع الحرب العالمية الثانية وظهور طبقة تجار السوق السوداء، أو أغنياء الحرب حتي إذا ما انتهت هذه الحرب بدأت حرب فلسطين وشارك المصريون فيها من كل البيوت فظهرت طبقة استغلالية جديدة وترك الشهداء وراءهم الكثير من اليتامي والثكالي.

هذه هي أول أهمية في الفيلم أنه يقرأ التاريخ في هذه المرحلة من خلال عدة أسر تقيم في حي يجمع بين الرقي وسمات الحي الشعبي، وأيضا من خلال مجموعة من الأسر والشخصيات مع التركيز علي حالات التحول التي حدثت لزناتي وفي رأيي أيضا أن السينما المصرية لم تتوقف عند علاقة بين اثنين من الأشقاء بنفس العمق والرقي مثلما رأينا العلاقة بين زناتي «محمود المليجي» وصابر أفندي «سراج منير».

المشهد الأخير

المشهد الأول في الفيلم هو نفسه المشهد الأخير في ذلك الحي الذي هو أقرب إلي ديكور في ستوديو مصر، حيث نري مجموعة من المساجد المتجاورة يخرج منها المصلون ا لمشهد الأول يقرر فيه بعض الناس أن يحدثوا صابر عن التحول الذي أصاب أخاه زناتي حين صاحب أصدقاء السوء أما المشهد الأخير فلا تزال المآذن تشع نورا وقد اختفي من الحي كل من زناتي وصابر ومرسي «فريد شوقي» وبعض أهل السوء من تجار السوق السوداء والفتوات.

المسافة بين المشهدين عقد كامل نتتبع فيه تحولات زناتي الشخصية الرئيسية في الفيلم، وهو يختلف عن أغلب الأبطال المألوفين في هذه السينما فهو رجل له جذوره يعيش في بيت أخيه الأكبر، ويعتبر زوجته بمثابة أمه كما أن له أخلاقياته التي لن يتخلي عنها، مهما تحول فهو لم يمارس الجرائم وكل ما فعله أن تعاون مع تاجر دواجن كان يرفع الأسعار ويتحكم فيها أثناء الحرب لكنه ظل دائما وفيا لأسرته يكن المحبة الشديدة لأخيه ولا يتجاوز حدوده في النقاش معه، كما أنه بار بكل أسرته تدفعه النخوة أن يتولي تربية أولاد أخيه بعد رحيله في الحرب، كما أنه يبعث إلي الأخ ببعض المال حين وفاة زوجته.

التحولات التي حدثت لزناتي مضبوطة مدروسة فهو في البداية شاب أنيق يرتدي الكرافت والقميص الأبيض والبدلة يقع في غرام جارته حفيظة «زهرة العلا» إلا أنها تتزوج بناء علي رغبة أهلها من رجل آخر، رغم أنها تحبه وهذا الرجل له من القوة والبأس أن يسقط فوق الأرض أقوي فتوات المنطقة بضربات سريعة موجعة وفي مرحلة أخري قادر أن يتغلب علي مرسي بيد واحدة وهو المصاب بالشلل في يمينه لكنه لا يزال قويا، ولم ينهزم طوال الفيلم إلا علي أيدي «مجموعة» من الفتوات الذين يتعاونون مع مرسي، وعلي رأسهم المعلم سويلم «رياض القصبجي».

علي جانب آخر هو عاشق ومعشوق تحبه فردوس «وداد محمد» التي كرست حياتها من أجل أن تكون تابعة له في صحته ومرضه، أما حفيظة التي يحبها فإنها تبادله المشاعر وهو دائما ما يقف تحت نافذتها ليصفر لها، معلنا عن وجوده إلا أنها لا تخرج إليه رغم إعلانها له أنها تحبه لكنها لا يمكن أن تعصي أوامر أهلها.

وسوف يظل زناتي شخصا بريئا حسن النية فيما يخص الآخرين فهو يكن احتراما لأخيه رغم الخصام الذي بينهما وهو لا يصدق أن في إمكانية مرسي أن يلهو بقلوب النساء لذا فهو علي صداقة مع آخرين يختلف عنهم ليس بسبب أنه سيتحول إلي الإجرام ولكن لأنه حسن النية لذا فلم تره يرتكب جرما كبيرا بل سوف يظل نبيلا دوما في كل علاقاته الأسرية، وغير الأسرية يمد بالإحسان إلي المحتاج.. وقد رأينا المليجي يؤدي هذه الشخصية علي أفضل ما يكون وهناك مشاهد توحي أنه كان يستحق لقب الفتي الأول بسهولة ملحوظة ويجد الفيلم تبريرا لتحول زناتي الذي يود أن يتزوج من حفيظة فيتعذر عليه الحصول علي وظيفة من أي نوع فيقبل مشاركة المعلم نصار «عبدالعليم خطاب» وقد بدا المليجي في أحسن حالاته وهو قابع في مكان قريب يري حفيظة تزف إلي شخص غريب عنها ثم ينسحب لأول مرة إلي حانة صغيرة ليشرب الخمر لأول مرة في واحد من أجمل ما أدي المليجي من مشاهد في حياته.

شارب زناتي

وقد رفض زناتي التعاون مع الجيش الإنجليزي وهو يردد ما يستاهلوش اللقمة اللي بياكلوها ويتحول حسب الوظيفة التي يعمل بها بيع الدواجن في السوق السوداء إلي معلم تخلي عن البدلة ليطلق شاربه ويرتدي الجلباب هذا الشارب الذي سوف يقطعه له مرسي بالموس لإهانته وذلك قبل قطع «قص» شارب سويلم بعقدين من الزمن.

ويؤمن زناتي الذي صارت معه النقود أن هذه الفلوس بتطير زي الفراخ اللي جايباهم أي أنه لم يتخل قط عن معني الشرف ويظل علي درجة الأربحية التي لازمته دوما في كل حالاته فحين تموت زوجة أخيه يرسل النقود إلي الأسرة إدي الفلوس لسعدية ما تقولهاش من مين.. وهناك مشاهد لا تنسي في مسيرة زناتي مثل وقوفه إلي جوار باب المقهي عاجزًا عن الذهاب لحضور جنازة زوجة أخيه ثم المشهد الذي يخرج فيه صابر إلي الحرب ويعجز الأخوان حتي عن مبادلة التحية لآخر مرة باعتبار أن صابر سوف يذهب إلي حرب فلسطين ولن يعود.

وقد صور الفيلم ما جاء في حرب فلسطين علي المستوي الاجتماعي بعيدا عن الشعارات الوطنية في الكثير من الأفلام فنحن نعرف أن الحرب سوف تبدأ مع أول أيام الصيام عام 1948 وأن الجنود يصومون أثناء القتال أسوة بما حدث في أكتوبر 1973 وسوف يموت صابر وهو صائم رغم أن تنفيذ استشهاده كان ساذجا إلي حد ما.

وكما أشرنا فالفيلم تدور أحداثه في عقد كامل وما إن تنتهي الحرب العالمية الثانية حتي يردد: الله لا يرجعها تغور الحرب في ستين داهية. ويبتعد عن السوق السوداء ويفتح مقهي تحمل اسمه، وقد اهتم الفيلم بالحديث عن البطالة وفرحة التجار بعودة الحرب ونشوبها هذه المرة في فلسطين، وقد كشف الفيلم عن دور المصريين في هذه الحرب وكيف دفعوا من أبنائهم في هزيمة 1948.

خارج القائمة

لقد تاه هذا الفيلم «1951» دون أن يراه الناس أو النقاد ولم يكن يذكر كثيرا في قائمة بدرخان ولا قوائم الإبداع العظيم للمليجي ولا شك أن ضياع أفلام أخري أو عدم الالتفات إليها يجعلنا ننظر إلي القوائم التي نشرت حول الأفلام بأعين جديدة وأن نعيد كتابة التاريخ السينمائي بما يليق بأفلام جيدة لم يكن لها أي ذنب سوي أنها تاهت في حنايا شركات الإنتاج أو الهواة..

جريدة القاهرة في

15/06/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)