حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

القتال على الطريقة اليابانية في السينما الأميركية

عدنان مدانات

قدّم اليابانيون قبل نحو ثلاثة عقود من الزمن، وفي غمرة الهوس العالمي بأبطال أفلام الكاراتيه اليابانية وانتقال هذا الهوس إلى أبطال الأفلام الأميركية، أفلاما تسجيلية من بينها فيلم  طويل بمناسبة مباراة حقيقية جرت في اليابان بين فريق الكاراتيه الوطني الياباني وندّه الأميركي.

يتابع الفيلم طوال ما يقارب الساعتين من الفيلم تفاصيل تدريبات أبطال الفريق الأميركي منفردين، وهي تدريبات شاقة إلى حد مرعب، بحيث يخلق الفيلم تصورا لدى المشاهدين عن أبطال جبابرة لا يُهزمون.

يركز الفيلم على التدريبات التي يقوم بها بطل زنجي ضخم الجسم يدير مدرسة لتعليم الكاراتيه، فيما هو يستعد للمباراة خلال زمن يقارب العام. نراه بدأ يمارس تمارين الضغط: مائة مرة مستندا إلى الأصابع العشر، ثم مثلها مستندا إلى ثلاث أصابع من كل يد، ثُم إصبع من كل يد، ثم إصبع، بعد تمارين أخرى يخرج من البيت، يركض نحو الغابة، وعندما يصل إلى شجرة ضخمة يبدأ لكم جذعها بقبضته ورفسه بكل قوى ساقه، لينتقل بعد ذلك إلى تمارين أخرى لا تقل قسوة.

يحين موعد المبارزة وتنتقل الكاميرا مباشرة إلى اليابان، لكنها لا تصور الأبطال اليابانيين كما فعلت بالنسبة لمنافسيهم الأميركيين، بل تعرض على المشاهدين مباشرة في المشهد الأخير من الفيلم وقائع المبارزة النهائية.

يتنافس في الجولة الأولى بطل أميركي ضخم مع بطل ياباني ضئيل، ويشكل الفارق بين مظهريهما مفارقة كبيرة توحي بأن الياباني سيسقط من الضربة الأولى، لكن الياباني لا يسقط، بل يسقط الأميركي ويُهزم. يتكرر الأمر مع بقية الأبطال الأميركيين بمن فيهم البطل الزنجي الذي احتلت مشاهد تدريباته جزءا كبيرا من هذا الفيلم الوثائقي الذي انهزم فيه الأميركيون ضخام البنية أمام أندادهم اليابانيين ذوى الأحجام الصغيرة نسبيا، واحدا تلو الآخر، خلال دقائق معدودة استغرقتها كل مباراة على حدة.

تذكّر المقارنة بين الحجم الأميركي والحجم الياباني بالقتال الذي دار في فيتنام بين الجنود الأميركيين والفيتناميين والذي انتهى بهزيمة أميركية، حاولت السينما الأميركية التعويض عنها من خلال مهارات رامبو القتالية المعتمدة على حركات الكاراتيه، رغم أن الممثل الذي أدى دور رامبو هو في الأصل ملاكم محترف.

جاء زمن إنتاج هذا الفيلم التسجيلي في فترة انتشار أفلام الكاراتيه اليابانية، ولاحقا الكونغ فو ومن ثم النينجا، ومعظمها أفلام تجارية مبتذلة لا تتمتع بأي مستوى فني، لكنها خلقت أسطورة أبطال الكاراتيه بقواهم الخارقة، وعلى رأسهم بروسلي الشهير. وكانت ردة فعل السينما الأميركية الأولى على أبطال الكاراتيه اليابانيين السخرية منهم ومن حركات أيديهم التي كانوا يلوحون بها مهددين خصمهم الأميركي، فلا تجديهم نفعا أمام رباطة جأش البطل الأميركي، الذي كان يرد على كل تلك الحركات المضحكة بضربة قاضية من مسدسه أو قبضة يده.

هناك مشهد من هذا النوع في فيلم أميركي يسخر من بروسلي تحديدا، حيث نراه مثل الأبله يلوح بيديه مهددا شخصا أميركيا، فيما الآخر ينظر نحوه بسخرية ثم يطلق عليه النار ويقتله بكل بساطة.

لكن هذه السخرية لن تستمر طويلا، إذ إن نجاح أفلام الكاراتيه اليابانية جماهيريا وانتشار شعبيتها في أرجاء العالم جعل الأميركيين يأخذون زمام المبادرة بأيديهم ويكرسون هذا النجاح لصالحهم.

في السينما الروائية الأميركية التي استعارت طرق القتال الآسيوية، بل واستولت عليها واعتمدتها بديلا عن الطرق القديمة مثل الملاكمة والمصارعة وغيرها، وعلى العكس مما تبين من هذا الفيلم التسجيلي الياباني، فإن كل أبطال الأفلام الأميركيين جبابرة لا يُهزمون، وهم جميعا يتقنون القتال بحركات الكاراتيه والكونغ فو وغيرها من رياضات القتال الآسيوية ويتفوقون في ذلك على أصحاب هذا الفن القتالي الأصليين، الذين لا يظهرون في الأفلام إلا بوصفهم رجال عصابات يتنطع البطل الأميركي للقضاء عليهم، بل ثمة العديد من الأفلام الأميركية التي يسافر فيها البطل الأميركي إلى اليابان للقضاء على العصابات فيها.

وفي حين أن الأفلام الآسيوية، الأفلام الجيدة بالطبع لا التجارية المبتذلة، أو التي يُخرجها آسيويون من الذين تُشكل هذه الفنون القتالية تراثا ثقافيا لهم، تُعرض المواجهات القتالية بين الأشخاص المتصارعين واحتمالات النصر أو الهزيمة، ليس من خلال التباين بين قدراتهم العضلية، بل من خلال التباين بين المدارس القتالية التي تدربوا عليها، حيث كل مدرسة تستند إلى مفاهيم فلسفية محددة، كما هو الأمر، مثلا، في فيلم "النمر الرابض والتنين المخفي" الذي أخرجه مخرج آسيوي الأصل يقيم في أميركا هو آنج لي، وفيلم "البطل" لعبقري السينما الصينية زانغ ييمو، فإن الأفلام الأميركية تتجاهل الخلفية التراثية الثقافية المعرفية لتلك الفنون وتتعامل معها على أنها شكل جديد للعراك أكثر إثارة وتركز على المهارات الجسدية والقدرات العضلية بوصفها من السمات المميزة للبطل الأميركي، البطل الفرد الخارق (السوبرمان)، الذي لا يتمتع بأية خلفية ثقافية باستثناء ثقافة العنف، وهذا الشكل الجديد للعراك يُستخدم ليس فقط في الأفلام التي تدور في الحاضر، بل حتى في الأفلام التاريخية وأفلام الخيال العلمي، بحيث صار تراثا أميركيا.

أحدث صرعات هذا الهوس الأميركي بحركات الكاراتيه والكونغ فو وغيرها هو ما نشاهده في الفيلم الأميركي الجديد المصنوع وفق تقنية الأبعاد الثلاثة "ترويض التنين"، الذي يكتفي فيه البشر بالقتال بهذه الطريقة، بل يقاتل بها أيضا الوحوش.

وقد عممت السينما الأميركية نموذج البطل الفردي السوبرمان، وساهمت في انتشاره إلى أوسع مدى عالمي ممكن، وعممته على الشخصيات الإيجابية والشخصيات السلبية سواء بسواء. فالأميركي في الأفلام هو البطل والإنسان الخارق السوبرمان، سواء كان يلعب دور البطل الإيجابي الذي يحارب الشر أو يلعب دور الشرير.

والبطل في السينما الأميركية وعبر الأفعال التي يمارسها هو تجسيد درامي يهدف ولو بشكل غير مباشر، وعبر تراكم كمي، إلى ترسيخ رسالة أيديولوجية، لم تتخلَّ عنها الأفلام الأميركية إلا في حالات استثنائية نادرة عبر نماذج فيلمية غردت خارج السرب أو بالأحرى، عارضته ووقفت ضده، وهدف هذه الرسالة هو الترويج للحلم الأميركي، وهو مفهوم أشاعته الأدبيات الأميركية وتلقفته وتبنته السينما الأميركية، خصوصاً منذ ما بعد الحرب العالمية الأولى، وجسدته من خلال نموذج عام واحد للشخصية الأميركية، نموذج فردي بطولي متعال يتحقق عبر شخصية الإنسان "السوبرمان" الذي يعبّر عن الإيمان بمجتمع الفرص الفردية والاقتصاد الحر..

لكننا نجد في بعض الأدبيات الأميركية، بالمقابل، نموذجا معاكسا شاذا عن القاعدة، أقل انتشارا بكثير، أطلق على البطل الأميركي صفة "الأميركي البشع"، وتعامل مع الجانب السلبي المظلم من المجتمع الأميركي، وفي بعضها الآخر نجد أن بعض الأعمال الأدبية تعاملت مع شخصية السوبرمان والحلم الأميركي بسخرية واضحة تعكس عدم القناعة بالنموذج المعمم لغايات أيديولوجية، على الأغلب. ونذكر بهذا الخصوص المسرحية الساخرة التي صدرت في الستينيات من القرن العشرين للكاتب المسرحي الأميركي إدوارد ألبي بعنوان "الحلم الأميركي"، وهي مسرحية من فصل واحد تسخر من الحلم الأميركي ونموذج السوبرمان، حققت لكاتبها شهرة كبيرة محليا وعالميا، إذ تُرجمت للغات عدة، ومنها اللغة العربية، لكن هذا النجاح، وللأسف، لا يقارَن بالنجاح الذي تحققه الأفلام.

الرأي الأردنية في

14/05/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)