حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

باكورة غييرمو أرياغا وجديد بول غرينغراس في الصالات المحلية

"الأرض المشتعلة" يُقايض و"المنطقة الخضراء" يصور الحرب مصيدة للطرفين

ريما المسمار

ثلاثة مخرجين مختلفي الجنسيات ومتفاوتي التجربة والخبرة والاهمية والخصوصية السينمائية حطوا في الصالات المحلية بأفلامهم المنتظرة. غييرمو أرياغا كاتب السيناريو الفذ الذي كتب نصوص أربعة أفلام متميزة (Amores Perros، 21 Grams،Babel وThe Three Burials of Melquiades Estrada)، يقدم باكورة أعماله الإخراجية في"الأرض المشتعلة" The Burning Plain. بول غرينغراس المخرج البريطاني صاحب United 93 الشهير والجزءين الثاني والثالث من سلسلة "هوية بورن" The Bourne Identity، يؤفلم في "منطقة خضراء" Green Zone بعض أحداث الأسابيع الأولى من الاجتياح الأميركي للعراق عام 2003. اما المخرج الثالث فهو مارتن سكورسيزي الذي يقدم في جديده "جزيرة شاتر" Shutter Island (سنتوقف عنده في قراءة تحليلية مفصلة في الاسبوع المقبل) مزيجاً من الانواع السينمائية، مستحضراً التشويق والرعب والـ"فيلم-نوار"، فضلاً عن باقة من الهموم والهواجس الانسانية والاجتماعية التي زخرت بها أفلامه السابقة. لا يجمع شيئاً بين هؤلاء بالمبدأ ولا في الظاهر، ولكن شيئاً يفلت من كل منهم، مقارنةً مع أعمالهم السابقة أو/و طموحاتهم للفيلم بين أيديهم.

المقارنة بين "الأرض المشتعلة" وأفلام أرياغا السابقة ككاتب حتمية لا فكاك منها، وهي، اي المقارنة، إنصاف له وعبء على تجربته الأولى في آن معاً. فلولا تجاربه السابقة اللامعة، لمرّ فيلمه هذا من دون اهتمام كبير محتفظاً بحد أدنى من التقدير. ولكن سيناريوات أرياغا السابقة رفعت سقف التوقعات وجزمت بموهبة تفيض عن باكورته الاخراجية.

المحطة الأشهر في مسيرة غييرمو أرياغا تعاونه مع مواطنه المكسيكي المخرج أليخاندرو غونزاليس إيناريتو في أفلام الأخير الثلاثة Amores Perros و21 Grams وBabel. والجامع بين تلك الأفلام اسلوبية أرياغا في السرد المتقطع الذي يمتد على أزمنة وشخصيات عدة، التي سيؤكد عليها في تعاونه مع الممثل تومي لي جونز في باكورته الاخراجية "جنازات ميليكياديس إسترادا الثلاث". إنها بصمة أرياغا المميزة في السرد على مستويات عدة، منطلقاً دائماً من حادثة عنيفة، يعمد خلال السرد الى تفكيكها وجمع تفاصيلها من أكثر من زاوية نظر. شخصياته متشابهة في اضطرابها وفي مواجهتها أقداراً مأسوية، تكشف عن أزمات عدة وهشاشة وشك. من هذا العالم، يستل أرياغا شخصيات فيلمه "الأرض المشتعلة" ولكن النتيجة أقل تأثيراً وعمقاً هنا، ربما لأن الكاتب علق في أسلوبه وفي لعبة السرد أكثر من اللازم. لعلّ المشكلة الاساسية التي تواجهه في تجربته الاخراجية الأولى تحول فيلمه الى تمرين في إرباك المشاهد والهائه بلعبة الربط بين الشخصيات والأحداث. لوهلة، يبدو ذلك صحيحاً أيضاً في "بابل" و"21 غراماً". ولكن الأخيرين سرعان ما يتجاوزان هذه اللعبة الى طرح أسئلة انسانية عميقة، تتجاوز الشكل الذي يتحول بدوره ترجمة للسرد المتقطع. فمع الفيلمين الأخيرين، لا يصح شقلبة المشاهد مثلاً والابقاء على المعنى وان بدا ذلك ممكناً ظاهرياً. بمعنى آخر، لا يقوم بناء الفيلمين على قطبة مخفية، يحاول المخرج تمويهها قدر المستطاع حتى اذا اكتُشِفت، عاد الفيلم الى سرد كلاسيكي. يصح هذا في "الارض المشتعلة" حيث يكفي ان يكتشف المتفرج تلك "القطبة" ليرتب الفيلم زمنياً ويفهم القصة. وعندما ينجح في ذلك، يتوقف الفيلم عن أن يكون مؤثراً وقوياً، بخلاف Babel الذي يقدم في الشكل والمضمون رؤية خاصة للحياة الانسانية ولآلية العواطف وبناء يُراد منه أن يشبه الحياة والبشر وتعقيداتهما المركبة. هل هي إذاً براعة ايناريتو وتومي لي جونز التي صنعت من سيناريوات أرياغا مادة شيقة وعميقة؟ يصعب الجزم بذلك ليس فقط لأنه يلحق الظلم ببراعة الكاتب أرياغا ولكن أيضاً لأن السيناريو الذي يقوم عليه فيلمه الأول يعاني من تبسيط ما. تدور الأحداث حول "سيلفيا" (تشارليز ثيرون) المقيمة في "أوريغن" وتعمل في مطعم فاخر هناك. ملامحها وسلوكها يوحيان بأنها تمر في أزمة. الحكاية الثانية، تدور حول أم (كيم باسينجر) لثلاثة أولاد، تقيم علاقة غرامية مع رجل متزوج في قافلة وسط حقل ناءٍ. واما الحكاية الثالثة فمحورها أب عازب مكسيكي يربي ابنته وحيداً الى أن تسقط طائرة رش المبيدات التي يحلق بها، فيرسل صديقه وابنته الى "أوريغن" للعثور على "سيلفيا". لا نستفيض في ربط الحكايات الثلاث حتى لا نفسد الحبكة على المشاهد. ولكن بما بين أيدينا، نستطيع أن نتوقف عند شخصية "سيلفيا" التي لا نفهم تماماً كيف أن الماضي مازال يلاحقها كما لو انه حدث الآن. تفشل شخصيتها في التعبير عن حالة انسانية متجاورة مع الالم والذنب فتبدو كأنها في حالة من رد الفعل على شيء حدث في الأمس. ثم ان هذا الكم من المأساة الذي يصوره الفيلم، آخذاً من أعمال أرياغا السابقة فكرة اللاخلاص والعزلة والخطأ الانساني المميت، لا نفهم كيف يمكن ان ينتهي الى خاتمة سعيدة ومتفائلة، مناقضاً رؤيته السابقة في أفلامه وتلك التي يقدمها في متن فيلمه الحالي. إلى ذلك، تفتقر حكايات أرياغا المتعددة هنا، إذا ما أُخذت منفردة، الجاذبية والدرامية التي جعلت من كل حكاية في "بابل" نواة لفيلم قصير او طويل مستقل. كذلك، وبخلاف تجاربه السابقة مع ابتكار شخصيات عميقة، تنحصر الأحداث في The Burning Plain بالشخصيات عينها بين ماضٍ وحاضر بما يمنحها فرصة قليلة للتطور واختبار التغيرات الداخلية، كما يلغي احتمال التلاقي غير المخطط له الذي أضاف الى الافلام السابقة التي كتبها أرياغا عنصراً واقعياً مهماً هو وحدة التجربة الانسانية. هنا ايضاً قي "الأرض المشتعلة"، يستل المخرج والكاتب من الحياة شخصيات وأحداثاً واقعية اي انها غير بعيدة من ان تحدث، ولكنه يحاصرها بحكاياته وبحدودها السينمائية فتتوقف عن أن تكون شهادة انسانية عن مصائر البشر المتشابكة والتجربة الانسانية كما فعلت شخصيات "بابل" و"21 غراماً". كما ان التلاقي بين شخصيات فيلم أرياغا محتومة لأنها تنتمي الى مأساة واحدة محددة هي محور الاحداث في الفيلم.

الزمن عنصر آخر اشتغل عليه الكاتب في أعماله السابقة، منطلقاً من تفصيل ذي دلالة ومن ثم ذاهباً الى نسج عنكبوتي للاحداث الاخرى من حوله مشيداً زمن الفيلم الخاص القائم على إحساس بالزمن أكثر منه انسياق خلفه. الزمن في "الأرض المشتعلة" حاضر بقوة ولكنه زمن فعلي أكثر منه زمن الفيلم. فالسنوات العشر أو أكثر التي تفصل بين أحداث الفيلم لا مؤشر بصري اليها مثل طراز الملابس او السيارات. والمكان الذي هو شخصية حقيقية في كتابات أرياغا حاضر أيضاً وانما من دون دلالات كبرى بين أوريغن الغائمة والماطرة ونيو مكسيكو المشمسة. في المحصلة، سيشعر المتابع لأعمال غييرمو أرياغا أمام "الأرض المشتعلة" انه أمام مبتدىء مقارنة بأفلامه السابقة، عمل يصلح لأن يكون سابقاً وليس لاحقاً لـ"بابل" و"21 غراماً"، وسيتلمس ان أرياغا يقايض هنا الظرف الإنساني الذي دأب على وصفه وتشريحه بشخصيات سينمائية محددة ويستعيض عن السرد المركّب المفتوح على العالم بسرد محبوك غارق في التواءاته. مع ذلك، لن نتجاهل اشتغاله على الممثلين لاسيما ثيرون وبايسينغر في حدود دوريهما.

المنطقة الخضراء

خاض المخرج البريطاني بول غرينغراس تجارب سينمائية مختلفة في المضمون ولكنّه في جميعها بدا مهجوساً بالشكل التشويقي والمقاربة الواقعية زمنياً للأحداث. فمنذ صعود نجمه في العام 2006 بفيلم هجمات 11 أيلول "يونايتد 93" United 93، أرسى لأسلوبه التصويري القائم على الكاميرا المحمولة وعلى لقطاته القصيرة والتوليف السريع لها الذي بلغ ذروته في فيلميه The Bourne Supremacy (2004) وThe Bourne Ultimatum (2007)، وهما الجزء الثاني والثالث تباعاً في سلسلة The Bourne Identity. فقد بلغ معدل طول اللقطة في الجزء الثاني 1،9 ثواني كحد أقصى. وفي حين كان United 93 من أوائل الأفلام التي تناولت هجمات 11 أيلول من خلال اعتلاء الكاميرا متن الطائرة الرابعة التي كان من المفترض ان تضرب مبنى البنتاغون ولكنها أخفقت. الى الأسلوب والتشويق، تتشارك أفلام غرينغراس على أرضية الموضوع السياسي-الأمني. فسلسلة "هوية بورن" تتعقّب شخصية "جايسن بورن" القاتل المأجور الذي كان يعمل لحساب "وكالة الاستخبارات المركزية" ويصارع في الوقت الحاضر فقدانه الجزئي لذاكرته المسكونة بومضات من عمليات القتل السابقة التي قام بها.

مع فيلمه الجديد، "المنطقة الخضراء" Green Zone، يعود غرينغراس الى الموضوع، متخذاً من السنوات الأولى لحرب العراق مسرحاً لحكايته التي يبدو انها تلازم الجانب الأميركي، ليس بمعنى التبرير او عكسه، وإنما لجهة تركيز الأحداث في كواليس القوات الأميركية في العراق وإدارتها السياسية في واشنطن. وبهذا الفيلم ايضاً، يكرر غرينغراس تعاونه مع الممثل مات دايمن، بطل سلسلة "هوية بورن"، والكاتب براين هيلجلاند كاتب الجزء الثاني من السلسلة الى جانب توقيعه عدداً من سيناريوات الأفلام الاكثر إثارة وتشويقاً منذ أواحر الثمانينات من القرن الماضي (L.A. Confidential، Conspiracy Theory، Mystic River، The Taking of Pelham 1 2 3 وغيرها).

اقتبس هيلجلاند السيناريو من كتاب الصحافي الاميركي الهندي راجيف شاندراسيكيران "الحياة الامبراطورية في المدينة القرمزية" (The Imperial Life in the Emerald City: Inside Iraqs Green Zone) الصادر عام 2006 والحائز غير جائزة. يتركّز الكتاب حول القيادة المدنية لمشروع إعادة الإعمار الأميركي في العراق، مركزاً بصورة رئيسية على أداء سلطة الائتلاف المؤقتة داخل المنطقة الخضراء في بغداد منذ سقوط العاصمة وحتى انتقال السلطة الى العراقيين. بالنسبة الى الفيلم، تتمحور الأحداث حول ضابط التفتيش "روي ميللر" (مات دايمن) وفريقه المكلف العثور على أسلحة الدمار الشامل في الصحراء العراقية. ولكن ما سيكتشفه الضابط ليس الاسلحة وانما مكائد وأكاذيب مسؤوليه بما سيحمله على المواجهة. يتشارك هذا الفيلم مع "يونايتد 93" ارتكازه على حكاية معروفة النتائج، متخذاً من التفاصيل ومسار الوصول الى النتائج همه الاساسي. ويتشابه مع فيلمي "بورن" في الولاء لفيلم الحركة. المضمون السياسي لفيلم غرينغراس لا اجتهاد فيه ولا تأويل عدا تصويره الحرب مصيدة للطرفين: الأميركي المتمثل بشخصية "ميللر" الذي صدّق الرواية الاميركية الرسمية بوجود أسلحة دمار شامل في العراق واتخذت منها الذريعة للاجتياح، والعراقي المتمثل بالناس العاديين الذين لم يملكوا سوى التمسك بخشبة الخلاص الأميركية من ظلم واستبداد نظام صدام حسين. على صعيد آخر، يقف المسؤولون الاميركيون ونظراؤهم العراقيون من فلول نظام البعث ومنفيوه، يتساومون على شكل العراق الجديد. بين العالمين، تجري المطاردات وتُحاك المكائد إذ يسعى كل طرف إلى اكتساب شرعية لمسعاه.

لعلّ القيمة الكبرى لفيلم غرينغراس انتاجه الضخم ومقاربته الواقعية للقصة، مصوّراً معظم أحداثه في الشوارع مستعيضاً عن العراق بإسبانيا والمغرب والمملكة المتحدة (للمشاهد الداخلية). مشاهد القتال تطغى على محاولات "ميللر" الكشف عن مؤامرة أسلحة الدمار الشامل. وفي حين واجه الفيلم اتهامات كثيرة بانه ضد اميركا، الا انه لا يهتم بإغراق نفسه في هذا الجانب ولكنه لا يتجاهل الدور التضليلي الكبير للاعلام واستغلال الادارة الاميركية له. كذلك يقدم الفيلم مجموعة من الشخصيات العراقية، يؤديها محترفون وغير محترفين عراقيين وعرب (من بينهم انتشال التميمي المدير السابق لمهرجان روتردام للفيلم العربي وأحد المبرمجين الأساسيين في مهرجان الشرق الاوسط السينمائي في ابو ظبي) فيصيبون اللهجة العراقية حيناً وتفلت منهم في أحيانٍ أخرى.

الايقاع السريع للفيلم متعب وتقديمه الصراع الداخلي وموقع كل فريق متحاذق لاسيما حين يترك للشاب العراقي الشيعي مهمة قتل أحد قادة البعث السابقين. اما غرينغراس، فينصّب نفسه بهذا الفيلم مخرج حركة قدير مع تراجع لموقع المخرج المؤلف الذي ظهرت بوادره في أفلامه السابقة.

المستقبل اللبنانية في

19/03/2010

  

الشقراء في السينما:

الأيقونة، النمط والمفهوم

في مناسبة إحياء المعهد البريطاني للفيلم موسم "مجنون الشقراء" الذي يضم مجموعة أفلام بأدوار بارزة لممثلات شقراوات، نشر موقع مجلة "سايت أند ساوند" قراءة في الأفلام المعروضة وفي بعض دلالات الشقراء في السينما.

عندما اختير دانييل كرايغ لتجسيد شخصية العميل البريطاني "جايمس بوند" السينمائية بديلاً من بيرس بروسنان، كان من بين الاعتراضات الأساسية على اختياره كونه أشقر. وكان لسان حال المعترضين يتساءل خفية: كيف يمكن مثال الصلابة والذكورة الدمثة أن يتجسد بممثل أشقر الشعر؟على الرغم من سطحية هذا الإعتراض- وتجاهله لبعض لحظات روجر مور السينمائية في تجسيد الشخصية بشعر أشقر- الا انه في الجوهر يعبر عن الربط بين السحنة الشقراء والجنس على الشاشة. فشون كونوري بسحنته الغامقة وشعره الأسود في دور "بوند" قبالة الشقراوات أورسولا أندريس ودانييلا بيانتشي وشيرلي إيتن بدا المثال الأفضل للذكورة الخشنة في لقائها مع الأنوثة الباهرة في ما هو التقليد الذي بنيت عليه صورة بوند السينمائية.

على أن البريق والفتنة هما وجه واحد فقط لتجسد الشقراء السينمائي. فشقراوات "بوند" أنفسهن يكتنزن دلالات الى أوجه أخرى للتجسد السينمائي: جيل ماسترسن تتحول الشقراء المطلقة عندما تُكشف حساسيتها وهشاشتها عن طريق طلاء جسدها بالكامل باللون الذهبي في Goldfinger (1964). أما كارا ميلوفي فهي رمز العفة والنقاء في The Living Daylights(1978)، بينما ميراندا فروست جليدية مخادعة في Die Another Day (2002) إن هذا النسق من الخصائص التي تجسدها الشقراوات على الشاشة السينمائية يبرهن ان الشقراء ليست مفهوماً أو فكرة ذا معنى واحد سوى لون الشعر. الشقراء الغبية او القنبلة، الملاك وملكة الجلاد كلها صفات جسدتها ممثلات شقراوات في السينما وأحياناً في وقت واحد.

وعلى الرغم من أن شقراوات ألفريد هيتشكوك نُبذن بسبب الاعتقاد بأنهن يمتلكن هوية واحدة، الا أنهن جسدن طيفاً واسعاً من الشخصيات. مريون كراين السكرتيرة في Psycho (1960) تحتلف جذرياً عن ميلاني دانييلز الاجتماعية اللعوب في The Birds (1963). وفرانسي ستيفنز الفطنة والمرحة في To Catch a Thief (1955) هي غير إيف كاندال المثيرة والخطيرة في North by Northwest (1959). يجمع بين تلك النسوة انهن جميلات وشقراوات فقط. ولعل وصفهن بـ"شقراوات هيتشكوك" يتماشى مع الميل العام الى تبسيط مفهوم الشقراء في السينما عموماً.

مما لا شك فيه ان صفة الشقراء في شخصية "فرونسواز" في فليم إريك رومير My Night at Maud (1969) جزء لا يتجزأ من نظرة "جان-لوي" الملائكية إليها، بعكس رؤيتها لـ"مود" ذات الشعر الداكن والتي تنتمي الى العالم العادي. ولكن نهاية الفيلم تظهر ان "فرونسواز" هي في الواقع من سلب "مود" زوجها، بما يفضح سذاجة "جان-لوي" واستعداده لأن يُخدع. يوضح ذلك اتجاهين لوظيفة الشقراء في الفيلم: منافسة السمراء ووسيلة لإثبات حساسية الرجل. في Double Indemnity (1944)، وعلى الرغم من ان ما يلفت انتباه والتر نيف هو مشهد الخلخال حول كاحلها، إلا انه شعر "فيليس" البلاتيني هو الذي يحرّك شهوته ويسلب عقله، متيحاً لها تنفيذ خطتها كما رسمتها تماماً.

المنافسة بين الشقراء وبين السمراء الذكية والحسية هي أساس خرافة الأخوين غريم Snow White and Rose Bud. إنها الشقراء التي تتزوج بالأمير بينما يتعين على شقيقتها السمراء أن تكتفي بشقيقه، تماماً مثلما تفوز ميلاني دانييلز بميتش برينر في The Birds على مرأى من معلمة المدرسة آني هايوورث إلى أن تفقأ الغربان عينيها. وكذلك يحضر المثال الأبرز في Basic Instinct (1992) حيث تضمن كاثرين ترامل (شارون ستون) تفاني المحقق نيك كارن (مايكل دوغلاس) بينما توظفه لتحقيق خطتها بقتل السمراء بيث غارنر. وبالطبع يحتوي فيلم بول فيرهوفن على مشهد أيقوني يبين سلطة الشقراء في السينما عندما تبدل ستون وضعية رجليها أمام حشد من الرجال المتعرّقين. ان هذه اللحظة التي يتسمر فيها الرجال هي تماماً التأثير المرجو للشقراء على الشاشة. مثل ماريلين مونرو فوق سكة القطار النفقي في The Seven Year Itch (1955)، تحول الأنظار الى أعضائها التناسلية لتواجه جمهورها من الرجال بمصدر افتتانهم.

في Red Dust (1932)، منافسة أخرى بين الشقراء البلاتينية ابنة الشارع جين هارلو والسمراء الأنيقة ماري أستور. والجائزة التي تتنافسان عليها هي كلارك غايبل، صياد النساء، الذي لم يبرح موقع البطل حتى بعد عشرين عاماً في فيلم مثل Mogambo (1953). تبيّن نساء هذا الفيلم ان الشقراء في هوليوود لا تستدعي مجموعة واحدة من المعاني بل انها تحمل سلسلة معاني. ولكن النقاش القديم الجديد هو ان تلك المعاني على تنوّعها لا تستطيع فكاكاً من النمط، وإن تراوح هذا النمط بين العذرية والمجون. بمعنى آخر، ثمة ميل دائم الى اختزال حضور الشقراء في السينما بمفردة او نموذج، سلبي او ايجابي. مثل النوع في السينما، تستحضر الشقراء حكماً مسبقاً او تنبؤاً حول خط السرد والعلاقات بين الشخصيات. انها الصورة العامة التي تخفي استثناءات كثيرة حيث لم تعدم كثيرات وسيلة لتحويل الادوار المنمطة تلك شخصيات سينمائية تعشش في ذاكرة السينما.

هناك حتماً عنصر مشهدي استعراضي في حضور الشقراء على الشاشة وحتمية لفتها الأنظار بهالتها البراقة التي تزين رأسها وارتباطها غالباً بالسحر والأنوثة. يمكن الشقراء أن تكون ايضاً تجسيداً لخيال جامح كما هي حال كيم بايسينغر في L.A. Confidential _(1997) حيث تلعب دور مومس، تحاكي في شكلها وتسريحة شعرها النجمة السينمائية المعروفة فيرونيكا لايك. وجوهر عملها هو ان تقود الرجال الى تخيّل أنفسهم صحبة الايقونة السينمائية في الفراش. بهذا المعنى، تتحول شخصية بايسينغر في الفيلم الى تعليق نقدي حول أيقونة الشقراء في السينما كما حول النظريات المتضاربة حول الرغبة والشهوة وما يثير الرجال. على الرغم من ان الشقراوات في السينما لا يمثّلن شيئاً واحداً، إلا أنهن ينقلن ضمناً الجاذبية الأنثوية وربما لهذا السبب كان اختيار كرايغ لدور "بوند" بالنسبة الى بعضهم خياراً تجاوز الحدود. في المحصّلة، من التبسيط بمكان القول ان النمط حكر على الممثلات الشقراوات في السينما والا لأقدمت كثيرات منهن على صبغ شعرها الذي لن يغير في واقع الحال شيئاً. فالنمط حاضر في السينما في كافة أطيافها والخروج عنه يستلزم أكثر من مجرد استبدال ممثلة شقراء بأخرى سمراء او العكس.

المستقبل اللبنانية في

19/03/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)