حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

خالد تاجا:

عماد مغنية أهم من غيفارا

الفنان المخضرم خالد تاجا يليق به لقب أنطوني كوين العرب، ممثل تعرفه أضواء المسرح والسينما في سورية من حوالي خمسين سنة، كما تعرفه جميع محطات التلفزة العربية، الأرضية والفضائية. إن مسيرته الفنية الطويلة والمتنوعة بين التراجيديا والكوميديا وحتى الكوميديا السوداء تجعله قامة شامخة لها حضورها المتميز في المشهد المسرحي والسينمائي السوري وعبر المحطات العربية كذلك. ويكفي هذا الفنان الكبير زهوا وتألقا أن الشاعر ممدوح عدوان لم يجد إلا خالد تاجا ممثلا لائقا بأداء دور الشاعر والفارس العربي الكبير الحارث بن عباد، وكانت شخصية هذا العلم التاريخي والشخصية الدرامية هاجسه بقدر ما كان الزير سالم شاغله وربما أكثر. في هذا الحوار نكتشف خالد تاجا الشاعر المسكون بقضايا أمته، إضافة إلى أحلام أخرى كالرسم والهندسة التي لم تسمح له الظروف القاهرة بدراستها، لكن ذلك كان مكسبا كبيرا لخشبة المسرح وللشاشة الفضية والزرقاء.. وللجماهير العربية من عشاق الفن الدرامي الأصيل الراقي.

وفي آخر زياراته لأبو ظبي كان لنا معه هذا الحوار:

·         خالد تاجا نجم كبير رافق الدراما السورية، وله حضوره على الشاشات العربية، ماذا عن البدايات وهل تحن لها؟

*هو ليس حنينا فقط، أنا أتذكرها لأنها هي التي أوصلتنا إلى هنا، الماضي كان مؤلما جداً بالنسبة للذين اشتغلوا بالدراما في سورية، طبعاً لم يكن هناك مجالات كثيرة لتفريغ الشحنات التي بداخل الفنان سوى المسرح، وما كان عنده مجال آخر، لذلك أغلب الموهوبين حاولوا الدخول إلى هذا المجال، وتعرضوا لأذية الأهل وللأقاويل من حولهم حتى إن بعضهم صار ينام بالشوارع، بعضهم انحرف، وبعضهم استمر وشق الصخر وزرع فيه، إلى أن وصلنا إلى هذه المرحلة المضنية. طبعاً أنا أقول بأن أيام الوحدة ساهمت كثيراً في تطوير الدراما وتأسيسها، أسسنا في نفس المرحلة، أي مرحلة الوحدة، المسرح القومي، والمسرح الشعبي، والمسرح العسكري. والفرقة المسرحية كانت الدولة تصرف عليها، ما عاد هناك عبء يتحمله الفنان وحده، والهم الكبير بأن يحصل على تمويل، الوحدة فتحت لنا المجال بأن تصرف هي علينا وتؤمن أماكن العروض.

إنجازات الوحدة

'لن ننسى أبداً أن من إنتاج الوحدة المعهد العالي للموسيقا، واستمر النهج بعد الوحدة بهذا الاتجاه، بالشباب الذين كانوا تقدميين وآمنوا أن الفن رسالة وأنه شيء هام في حياة الشعوب، وهو يسهم في التقدم والتطوير، وبدأوا يفتحون مجالات أوسع وأرفع لاستقطاب المواهب وإعدادها للمستقبل. وفعلاً، استحدثوا المعهد العالي للفنون المسرحية، وقد تخرج منه نجوم غطوا مساحات من الشاشات في البلاد العربية وبعضهم شاركوا بأفلام عالمية، هؤلاء كلهم من الخريجين الذين درسوا وتزودوا بالعلم في هذا المعهد. لا شك أننا اليوم نمر بحركة مضيئة فنياً ومبشرة جدا وصار عندنا قاعدة في الدراما، سواء ممن يعملون في التمثيل أو من المخرجين والفنيين والكتاب والمصورين، أنا أقول اليوم: إذا مت أموت مستريحاً ومطمئنا، لأن الذي عملناه نحن في بداياتنا أثمر وأنتج. لا أستطيع أن أقول إننا وصلنا، لكن أقول بأننا وضعنا أقداما على الطريق الصحيح. ولا أقول بأنه ليس أمامنا طريق طويل، لأن طريق الفن ليس معبداً فهو طريق مليء بالأشواك، ويدخل الفنان بمنحدرات وبمعالم غريبة جداً لأن الفن عبارة عن مغامرة أو استكشاف، وكل هذا قابل للخطأ وقابل للصواب، لكن التجارب مستمرة والشيء المفرح بأننا وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح'.

·         هل توجد منافسة بالفن، وإن كانت فما هي؟

* المنافسة مشروعة في كل المجالات سواء بالتجارة أو بالسياسة أو بالفن. المنافسة تخلق وتنتج أشياء مهمة، فأنت تريدين أن تعطي أحسن شيء عندك حتى ينتشر فنك ويصل، وتبذلين جهدا للنجاح، المنافسة شيء إيجابي وليس شيئا سلبيا، لكن الشيء السلبي والمدمر بأن توضع عراقيل أو أن نكون كلنا لونا واحدا، ليس هناك لوحة لون واحد تماماً. عندما نأتي بخامة لونها أسود، هذا صار اسمه أسود. وإذا جئنا بأبيض، هذا صار اسمه أبيض، واللوحة حتى تصير لوحة يجب أن يكون هناك ألوان وتدرج في الأضواء والظلال حتى تبدو لي بأن لها علاقة بالحياة، فالحياة ليس لها لون واحد، الحياة فيها ألوان لا حصر لها، والحياة ليست جامدة نهائياً الحياة متحركة، ومن المهم كثيراً بأن نتتبع نحن حركة التاريخ، فالمفروض فينا أن نبذل جهدا أكثر من مضاعف لأننا مررنا بفترة، دعينا نسميها (انحطاط)، لا بد أن نعمل كثيراً حتى نلحق ونساير هذا العصر، ويجب أن نثابر ونتعب كثيراً، وهذا التعب بالتأكيد لن يذهب سدى وسوف نلقى نتائجه في المستقبل، أجيالنا سوف تلقى نتائجه، أنا لا أحب من يعمل لنفسه فقط، أحب من يعمل للشأن العام، للإنسان بشكل عام، وإلا لأصبحنا كل واحد يعيش في مغارة مثل الوحوش'.

ويؤكد الفنان تاجا: 'نحن اجتماعيون لأننا نهتم بالمجتمع، والمجتمع يهتم فينا ويجب أن نتفاعل مع كل من فيه، خاصة الفنان بإحساسه المرهف ومشاعره الفياضة مطلوب منه الكثير، مطلوب منه أن يشق الطريق وأن ينظر إلى الأمام ويأخذ بيد الناس، طبعاً لا أقصد بالفنان الممثل فقط، بل من يكتب الشعر ومن يرسم لوحة، ومن يبني عمارة، يعني الفن بكل أشكاله'.

·         ذكرت الوحدة، اليوم واضح التعاون في الدراما ما بين مصر وسورية، ومع الخليج أيضا، هل أنت من مؤيدي مثل هذا التعاون؟ وهل ترى أنه مفيد وهو لصالح العمل العربي؟ وكيف ترى تجربة الإمارات؟

*يحز بنفسي كثيراً بأن يوجد جزء متطور بشكل كبير جداً في عالمنا، وهو المغرب العربي الكبير، فبسبب احتكاكهم بالغرب أصبح عندهم ثقافة فنية عالية جداً، حتى سينمائياً ومسرحياً تجدينهم متفوقين، وهذا يحز بنفسي وشيء مؤسف جداً أن لا تصلنا أعمالهم ولا تصل إلى العالم العربي. أما بالنسبة إلى الخليجيين فهم يعملون بجد وهناك محاولات جادة، لكن أطلب منهم بأن ينزلوا إلى الشارع أكثر، ولا يبقون فقط في البيوت يحكون عما يدور فيها لأن البيوت تتشابه كلها، والناس التي تكون في البيوت كلها تضع قناعا (ماسك) وتضع برقعا على وجهها، نحن نريد أن نرى الوجه الحقيقي للإنسان، وعلى الفنانين الخليجين أن يلامسوا المشاكل الموجودة عند شعبهم ولا يقولوا بأنهم دول نفط ودول مستريحة.. لا.. لأنه هناك فقر ومعاناة، أنا برأيي يجب أن يسلط على هذه المشاكل الضوء'.

·         هل أنت مهموم بالواقع العربي؟

*أعتقد أن الفنان العربي مهموم بكل المحيط العربي، وأنا من جيل القوميين وأرى أن كل الشارع العربي موحد قومياً، لكن مشكلة الأنظمة هي مدعومة من جهات متعددة وتتقاذفها تيارات غربية وشرقية، تؤثر كثيراً على حياة الشعوب، هذه الشعوب لا تريد شيئا غير حكومات تكون منها، وإذا كانت الحكومات منها وتحس بمشاكلها وقتها لن يبقى عندنا مشكلة أبداً. من هنا أقول لا شك بأن بالوقت الذي فشلت السياسات العربية في التقريب بين الشعوب نجحت الدراما بتقريب العرب من بعضهم، نحن اليوم أي واحد منا ذهب إلى الخرطوم أو شمال أفريقيا صار معروفاً ولهجته معروفة، هذا شيء كثير وجميل ومؤثر، وأن تكون اللهجات كلها موجودة مثل ما قلت لك اللوحة لن تكتمل إلا بكل عناصرها، من هنا أقول بأننا نحن عرب مهما فعلوا لا يجب أن نكفر بقوميتنا العربية، ونحن لن تقوم لنا قائمة بدون أن نكون عرباً، إذا قبلنا بأن نكون مشرذمين مقسمين تكون النهاية وخيمة جدا، وخاصة بأن النفط يقرع طبول الخطر لأن له زمن وليس من نبع وسوف ينتهي، ومن الباقي؟ هو الإنسان، لذلك علينا بناء هذا الإنسان، فهو الثروة الحقيقية لأنه الباقي وهو من يعيش ويتطور ويبني ويكون حياة مريحة له ولمستقبل أجياله'.

·         تحدثت أكثر من مرة عن اللوحة هل ترسم؟

* أنا كنت أرسم وأحب الفن التشكيلي، بدل أن أكون ممثلا، هناك كثير من الأمور في حياتي لم أستطع أن أركز عليها، أحب العمارة ولم أقدر أن أكون مهندس عمارة لأني لم أكمل تعليمي، وأحب فن الرسم لكن أخذني فن التمثيل. أنا أعتقد أن جزءا من خالد ليس خالدا، كنت أكتب الشعر وفي الفترة الأخيرة كتبت قصيدتين ولم أفكر أن أسميهما قصائد بل رسائل، حكيت عن عماد مغنية، أنا لم أكن أعرف عنه شيئا. ولكن بما أننا فقدنا واحدا من الفاتحين الذين كنا نقرأ عنهم في الكتب، بل واحد من القادة الكبار شيء يشبه خالد بن الوليد، شيء يشبه الهامات العالية كثيراً.. بالمناسبة هو في رأيي أهم من غيفارا بكثير، لو نعرف ماذا عمل عماد مغنية، أقول له: بعد أن رحلت - قالوا لنا من أنت /لم نكن نعرف اسمك /لم نكن نعرف رسمك /كنت جسراً للعبور - كنت نصراً /هنا كان يا ما كان في حالك الأيام/بيننا رجل يحب الشعر - اسمه مغنية /أصبح رمزاً للحرية/كان فصلاً في الخطاب/كان فصلاً في الجواب/هزم الطاغوت /مرغه بالتراب/وبعد أن رحل/جاءنا الجواب/هذا بعض من عماد/مفتاح الجنة في يده/كان منه وإليه /رحمة الله عليه /روحه في راحتيه /أرضه في مقلتيه /شهد الشهادة وهو حي/ألف رضوان عليه/كنت منا.. كنت فينا /نعم ربان السفينة/يا رفيق درب الصادق الوعد الأمين/يا سليل الفاتحين المؤمنين /رحلت مرفوع الجبين/أبيض الوجه بلون الياسمين...

·         من البطولة والشهادة إلى الحياة الخاصة، أنت اقترنت بفنانة، ما تأثيرات ذلك؟ وهل وراء كل عظيم امرأة؟

* تلك تجوز وهذه تجوز، أنا أعتقد بأن كل مجنون وراءه امرأة أوصلته إلى القصير (مشفى المجانين)! برأيي أن هناك بكل رجل امرأة وبكل امرأة هناك رجل، المرأة هي الخليط العجيب الذي يتكون منه البشر، ومن يوفق بشريكة حقيقية وتكون توأم روحه وهو يكون توأم روحها، بهذا يكون وصل إلى مبتغاه وحقق المعادلة الصعبة، حقق أحلامه، لأنه عندما تكون الزوجة شقيقة روح فهذا شيء ساحر، وهذا هو الذي ينفع ويجعل الرجل يصبح عظيماً، والمرأة تصير عظيمة لما يكون الرجل شقيق روحها... أما بالنسبة لنائلة، أنا كنت معها قلباً وقالباً، لكن ربما أنا أخطأت القطف لأن الزرع كان مازال يطلع.. ولأن الأرض كانت صلبة كثيراً وكنت أزرع بالصخر.

·         اختيارك للدور، هل للصداقات مكان أو أن الدور نفسه هو الذي يناديك؟

*الشخصية هي التي تناديني وهي التي تجذبني لها ولعندها، أنا بحياتي ما أخذت دورا بناء على صداقاتي مع المخرجين أو المنتجين، وللآن أنا ليس لدي أصدقاء، هم قلائل جداً أو نادرين، لأني أعتبر الصديق مثل السراب شيء ترينه ولكن لا تصلين إليه أبداً، لتتمكني من امتلاك صديق وأن يصبح لديك صديق هذا الشيء نادر جداً، أنت ممكن تحكين له أشياء تخافين أن تسرديها بينك وبين نفسك، وأن يكون عندك صديق تحكين له ويحكي لك، مع الأسف الشديد هذا الشيء مفقود، أنا لم أسمع بأن هناك اثنين عاشوا مدى الحياة أصدقاء، هذا الشيء نادر لأنه إفلاطوني مثل جمهورية إفلاطون. على كل حال أنا عندما أقرأ الشخصية أعود وأبحث، داخل عقلي الباطن، عن شخصيات مختزنة في ذاكرتي من خلال مسيرتي كلها في حياتي الاجتماعية، أستنبط من هذه الشخصيات وأغربل منهم لأجد شيئا شبيها بالذي أقرأه فأكسيها وألبسها الثوب المناسب لها، أنا عندي جرأة أدبية وثقة بالنفس لأن أعمل كل الأدوار، أنا أفهم أن فن التمثيل فن الانعتاق، بمعنى أنه يجب أن يكون الفنان منعتقا حتى يستطيع أن يعمل شخصياته ويجسدها كلها بكل أشكالها، أنا مثل دور (Gay) شاذ جنسيا وأنا لست ضدهم، عندهم خلل هرموني وهذا لا يعتبر جريمة، لكن بمجتمعنا يعتبر غير مألوف وغير مرغوب، ورغم ذلك تحديت وعملت مثل هذه الشخصيات، أي شخصية أحس بأنها مكتوبة بالجروح، كلما كانت الشخصية مركبة أكثر وغريبة تشدني أكثر، ألاقي فيها مجالا للعب أكثر.

·         شخصيتك في الزير سالم بدور (الحارث بن عبادة) كانت مهمة، كيف ارتقيت بهذا الدور؟

* أنا أولاً ولا أخفيك عندما عرض علي المخرج حاتم علي الشخصية كان مدير الشركة الدولية الفنان سلوم حداد، ووقتها سلوم (بازرني) بعد أن قرأت الدور وفاصلني على السعر، أنا لم أقدر أن أتحمل (مبازرته)، هو فنان المفروض يعرف قيمة الشخصية التي سأقوم بدروها، وقتها قلت له: شوف أنا بنقص من أجري كذا، فقط خوفاً على الشخصية لأني خايف أن تروح هذه الشخصية إلى ممثل لا يعرف أن يؤديها، أحسست بقيمتها ووقتها اتصلت هاتفياً بالمرحوم ممدوح عدوان وقلت له: 'ممدوح أنا الآن أقرأ شيئا وكأني أقرأ لشكسبير، أنت أذهلتني يا رجل بهذا النص الجميل'. ممدوح باعتقاده أن النص الذي كتبه لم يعمل منه في العرض 40% وأنا أعتقد بأنه يجب أن يكون أفضل لكن يمكن الظروف الإنتاجية أثرت، ويجوز أنه كان يلزمه زمن أطول حتى يصير ما كان يتصوره المؤلف، الشاعر ممدوح عدوان كان مقهورا وكان يريد أن يخرج العمل بشكل متكامل أكثر مما خرج بكثير.

يمكن حاتم ما كان بإمكانه أن يغرق بالتفاصيل الدقيقة لأنه كان يمكن أن يقضي على نفسه كمخرج، يقول إن هذا مكلف كثيراً. فعلاً هذه الشخصية لا شك بأنها من أجمل الشخصيات التي جسدتها، وأنا مشيت فيها بطريقة خطرة جداً، ما بين المسرح والسينما (في مواجهة الكاميرا) هذا مثل من يمشي على حبل، يعني شوي يصير (Over) ويصير مسرح، هكذا قليلاً تفقد من بريقها، لأنها الشخصية تراجيدية جداً، يعني بهذا كانت صعوبتها وجمالها بآن واحد، أنا استمتعت في أدائها كثيراً. واليوم أنا عندي ثلاثة أحلام، منها أن أعمل الملك لير للتلفزيون، والحلم الآخر أن أعمل جلجامش للتلفزيون أيضاً، والحلم الأخير هو أن أشتغل دون كيشوت لأن في خالد تاجا موجود الملك لير، وموجود جلجامش، وموجود دون كيشوت.

القدس العربي في

19/03/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)