حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

أفضل فيلم وإخراج و9 جوائز لـ«نبي» جاك أوديار

جوائز سيزار احتفت بالأفلام الفرنسية

نديم جرجورة

لم تكن النتائج مفاجئة. التوقّعات تُرجمت إلى واقع. الترشيحات التي نالها «نبي» جاك أوديار وجدت معادلاً لها في الجوائز كلّها تقريباً. الاحتفال بالعيد الخامس والثلاثين لجوائز السينما الفرنسية «سيزار» كان مزدوجاً: احتفاء بالأفلام الفرنسية المُنتجة خلال العام الفائت، واحتفاء برائعة أوديار هذه. عند عرضه للمرّة الأولى في الدورة الأخيرة (أيار الفائت) لمهرجان «كان»، أثار الفيلم نقاشاً نقدياً إيجابياً، غالباً؛ وإعجاباً لافتاً للانتباه. السجن، كحيّز جغرافي وامتداد نفسي وروحي وثقافي واجتماعي، بدا أوسع من الاعتقال الذاتي خلف قضبان الخيبة والانكسار والتمزّق. الممثل الشاب طاهر رحيم قدّم واحداً من أجمل الأنماط الأدائية، عندما ارتدى زيّ سجين جزائري يجد نفسه في قلب نزاعات حادّة بين مسلمين عرب وكورسيكيين، داخل السجن وخارجه. أداؤه متميّز بقدرته على جمع الشكل الباهت بالغليان الذاتي. أداؤه هذا منحه جائزتي «سيزار»: أفضل ممثل وأفضل عمل تمثيلي رجالي. و«نبي» حصد تسع جوائز من أصل ثلاثة عشر ترشيحاً، أبرزها، بالإضافة إلى هاتين الجائزتين: أفضل فيلم فرنسي وأفضل إخراج، وجوائز أفضل ممثل في دور ثانٍ لنل آريستروب، وأفضل سيناريو أصلي لأوديار وتوماس بيدوغان وعبد الرؤوف دفري ونيكولا بوفالي، وأفضل تصوير لستفان فونتان، وأفضل ديكور لميشال برتيليمي، وأفضل توليف لجولييت ويلفلينغ.

إنها ضربة موجعة. أفلام فرنسية متفرّقة استحقّت هذا الكمّ من الجوائز. لكن هذه الأخيرة ليست إلاّ نتيجة أمزجة قليلة خاصّة بأعضاء لجان تحكيمية تابعة لأكاديمية الفنون السينمائية. في أمسية منح الجوائز، التي ترأّستها ماريون كوتيار وقدّمها جاد المالح وفاليري لوميرسييه، لم يتوصّل أي فيلم آخر إلى المرتبة نفسها التي بلغها «نبي» جاك أوديار. «في الأصل» لزافييه جيانّولي، الذي شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان «كان» في الدورة الفائتة أيضاً، انتزع جائزة واحدة فقط في فئة أفضل ممثلة في دور ثان، كانت من نصيب الممثلة إيمانويل دوفوس، التي أدّت دور رئيسة بلدية مدينة ريفية يأتيها رجلٌ من لامكان، ويُقنع أهلها بأنه مخلّصهم، لأنه قرّر إعادة العمل على تنفيذ مشروع فتح طريق دولية في بلدتهم هذه. والفيلم، المقتبس عن حادثة حقيقية، شكّل لحظة تأمّل في الحدّ الفاصل بين الواقع والمتخيّل، أو بين الوهم والحقيقة. فإلى جانب قصّة الحبّ الناشئة بين الرجل والمسؤولة، بدا الفيلم، بشقّه الطريق الدولية، كأنه يشقّ درباً نحو إعادة طرح الأسئلة المعلّقة، وسط الانهيارات البشرية المختلفة. والأسئلة الأخرى، المتعلّقة بالنظام التربوي والنمط الاجتماعي والسلوك الإنساني في المدارس وآلية تنشئة أجيال جديدة في عالم غارق في بؤسه وخرابه، برزت في «يوم التنّورة» لجان بول ليلنفيلد، الذي وُضع على لائحة الجوائز هذه بفضل فوز إيزابيل أدجاني بـ«سيزار» أفضل ممثلة عن دورها فيه.

أما الجوائز الأخرى، فتوزّعت على النحو التالي: أفضل عمل تمثيلي نسائي لميلاني تييري عن دورها في «الأخير من أجل الطريق» لفيليب غودو. أفضل أول فيلم لـ«الصبيان الجميلين» لرياض سطّوف. أفضل اقتباس للثنائي ستفان بريزي وفلورنس فينيون عن عملهما في «الآنسة شامبون» لبريزي. أفضل موسيقى أصلية لآرمان آمار عن عمله في «الحفلة الموسيقية» لرادو ميياليانو. أفضل صوت للثلاثي بيار أكسكوفييه وبرونو تارّيير وسليم آزّازي عن عملهم في «الحفلة الموسيقية». أفضل أزياء لكاترين لوتيرّييه عن عملها في «كوكو قبل شانيل» لآن فونتان. أفضل فيلم قصير لـ«إنه مجاني للفتيات» للثنائي كلير بورغر وماري آماشوكيلي. أفضل فيلم وثائقي لـ«جحيم هنري ـ جورج كلوزو» للثنائي سيرج برومبيرغ وروكساندرا ميدريا. أفضل فيلم أجنبي لـ«غران تورينو» لكلينت إيستوود.

السفير اللبنانية في

01/03/2010

 

المرأة في فيلم أغورا

بوابة المرأة- ندى الوادي  

من الصعب جداً على مشاهد الفيلم الجديد "أغورا" للمخرج الأسباني اليخاندرو امينابار أن يتجاوز بأي حال الحضور الطاغي لشخصية العالمة هيباتيا (لعبت دورها ريتشال وايز) بين ثنايا أحداث القصة. فعلى الرغم من تناول هذا الفيلم الرائع لواقعة حرق المسيحيين لمكتبة الإسكندرية في القرن الرابع الميلادي، والصراع الديني الذي دار في تلك البقعة من العالم قبل تبني الامبراطورية الرومانية الدين المسيحي، يأتي دور العالمة هيباتيا – المرأة-  بين تقاطعات قصة الفيلم قوياً ، مؤثراً، وبارزاً للغاية.

صرح المخرج الأسباني بأنه "على الرغم من أن الفيلم يطرح قصة تاريخية، إلا أنه يمكن إسقاط القصة على واقع الحياة المعاصرة في كثير من الأبعاد". ولعل البعد النسوي في القصة هو أحد أهم وأبرز الأبعاد التي يطرحها الفيلم، ويسقطها على واقعنا، وإن لم تكن هي الرسالة الرئيسية له. إذ لا يكاد يقل النقاش الدائر حول المرأة ككيان إنساني قادر على العمل وحده آنذاك عنه في العصر الحالي. 

هيباتيا كما يطرحها الفيلم هي إمرأة جميلة، قوية الشخصية، ذكية مثقفة، بل وعالمة فلك. والدها هو آخر مسئولي مكتبة الإسكندرية، كلمتها مسموعة في محيطها الاجتماعي، ويمكن طرحها على أنها إحدى قادة الرأي من خلال تصدرها لمجموعة من الطلبة الذين تحيط نفسها بهم كمعلمة، ويحيطونها باحترام وإجلال، بل وحب أيضاً.  تلك هي تركيبة هيباتيا المرأة، والشخصية. تحاول هيباتيا دائماً أن تفكر بشكل مختلف، وتشجع طلبتها أن يفكروا معها بتلك الطريقة للحصول على إجابات لأسئلتهم العديدة حول الكون، الفلك، والفسلفة. وما أن تندلع بينهم نار الجدال – ومنهم الوثني، المسيحي واليهودي ، العبد والسيد- حتى تسارع هيباسيا لإخمادها بنظرية فلسفية (إذا كان الواحد يساوي الثاني، والثاني يساوي الثالث، فالنتيجة أنهم كلهم متساوون). تحاول هيباتيا بشجاعة امرأة أن تسقط تلك النظرية خارج حدود صفها المعزول داخل مكتبة الإسكندرية، وذلك حينما يبدأ الصراع الديني خارج أسوار المكتبة في الاحتدام. فالمسيحيون يهاجمون آلهة الوثنيين، واليهود يصرون على أن السيد المسيح كان يهودياً، والعامة ضائعة مشتتة تبحث عن الحقيقة.

بين ذلك كله تخرج هيباتيا ، الفيلسوفة العالمة ، المرأة، لتقول بأننا جميعاً متساوون، وأن إسكات الأصوات التي تدعو للفرقة ضروري للغاية. هل هو حسها الأنثوي، أم علمها هو الذي دفعها لتبني هذا الموقف الشاذ في وقت اتخذ كل من حولها فيه موقفاً ما، حتى أبيها؟. تلك هي الإشكالية التي يضرب الفيلم وترها الحساس. فأحداث الفيلم، بين تعصب ديني أعمى، وصراع عنيف مدمر لكل نوع من أنواع العلم والثقافة، لا يترك لك مجالاً كمشاهد إلا أن تتبنى هيباتيا كفكرة، أو على الأقل تتعاطف معها. من هي هيباتيا كما يقدمها الفيلم؟ هي امرأة أولاً، وهو أمر على غاية كبيرة من الأهمية هنا، فهي الأنثى الوحيدة في أحداث الفيلم في مجتمع ذكوري بامتياز. وهي عالمة وفيلسوفة ثانياً، وهي أيضاً ميزة استفردت بها عن غيرها من الرجال والنساء، فلم تكن الأحداث السياسية الدامية دافعاً لاعتبار العلم والفلسفة أكثر من رفاهية، يمكن/ أو ربما يجب الاستغناء عنها. وهي ملحدة ) لا دينية( ثالثاً. وهذه إشكالية أخرى يطرحها الفيلم، فقد دفع التعصب الديني الأعمى المسيحيين لإحراق مكتبة الإسكندرية في حادثة لم ينسها التاريخ. ودفعهم كذلك لاعتبار هيباتيا التي تعلن إلحادها وعدم تدينها " ساحرة ومشعوذة". هيباتيا التي أعلنت على الملأ بأنها تؤمن بالفلسفة فقط، ضاربة بعرض الحائط انتماءات المسيحيين واليهود والوثنيين معاً، والتي قتلت في نهاية الفيلم دفاعاً عن فكرتها تلك، وقفت رمزاً للالتزام الأنثوي بفكرة ما، مبدأ ما، مهما كان الثمن وحتى النهاية. آمنت هيباتيا بالعلم، وعندما اقترب منها الحاكم المتيم بحبها راجياً أن تعلن اعتناقها المسيحية لتجنب نفسها نهاية بشعة، قالت " إيمانك يدفعك بأن لا تطرح أسئلة ، عملي يتطلب مني ذلك".

يتناول الفيلم هيباتيا المرأة التي يقع في حبها كثيرون، فترفض الحب أيضاً في سبيل العلم، تماماً مثلما رفضت الدين. هيباتيا التي تمثلت جل أحلامها في هدف وحيد هو أن تجد إجابة لسؤال واحد، كيف تدور الكواكب في الفلك حول الشمس؟ تختصر سعادتها كأنثى في هذا الهدف. في أحد حوارات الفيلم تقول بأنها ستموت " امرأة سعيدة" لو حصلت على هذه الإجابة، فكان لها ما أرادت، فكانت أول من طرح فكرة المسار الإهليجي للكواكب حول الشمس، قبل قرن من اكتشافه.

هيباتيا المرأة والعالمة والملحدة تثير حنق الأسقف المسيحي المتشدد، ليقرأ من كتاب الإنجيل المقدس فقرة تنص حرفياً على أنه لا يجب للمرأة أن تخرج أو تتعلم أو تقوم بالتعليم، يقرأها على الملأ أمام حشد كبير من الناس، وأمام رجال كانوا من طلبتها ومحبيها. هيباتيا استخدمت هنا كورقة ضغط على الحاكم الذي عرف بعشقه لها، لكي يركع للكتاب المقدس وما كتب فيه، لكنه لم يركع، حتى ثارت حفيظة الناس.

استسلم الحاكم أخيراً فركع بعد أن أقنعه زميله بذلك، وحاول أن يقنع هيباتيا أن تعلن اعتناقها المسيحية ، قال لها " أنت مسيحية أكثر منا، أعرف ذلك" لعله كان يقصد بذلك أنها لامست روح الدين، وإن لم تتسمى باسمه.

أحيى ذلك المشهد من الفيلم ( أزمة تفسير النص) التي تعاني منها الأديان وخصوصاً فيما يتعلق بالمرأة، فمن الذي يقوم على تفسير النصوص الدينية الخاصة بالمرأة؟ وكيف يتم استخدامها لصالح أو ضد المرأة؟ تلك إشكالية أخرى يطرحها الفيلم، ويلقي بها ضوءاًَ ساطعاً على أزمة لم تنتهي بعد، ولو اختلف شكلها في العصر الحالي.

الفيلم يقدم صورة إيجابية للمرأة قلما نشاهدها في الأفلام التي تقدمها هوليوود، فعلاوة على عمق الفكر والحوار والنصوص التي تناولها الفيلم، جاء مضمون الفيلم ملامساً لواقع يبحث عن نماذج نسائية كهذه ليضرب بمواقفها، وحياتها، وشجاعتها، ونهايتها المروعة مثلاً قوياً يحفر عميقاً في ذاكرة المشاهد، ووعيه.

بابة المرأة في

01/03/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)