حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان «فجر» ينفتح على الأفلام الممنوعة ويعود الى الحرب العراقية - الإيرانية

طهران - ندى الأزهري

افتتحت الدورة الثامنة والعشرون لمهرجان فجر السينمائي الدولي في طهران بالفيلم «الممنوع» منذ خمس سنوات «به رنك آرغوان» (لون البنفسج)، في غياب مخرجه إبراهيم حاتمي كيا الذي لم يغب مع هذا عن حضور حفل الاختتام ليتسلم الجوائز العديدة الكبرى التي نالها عمله.

شاركت السينما الإيرانية بعدد كبير من الأفلام ولكن في غياب بعض الأسماء المهمة التي باتت نادراً ما تحضر في مهرجان فجر. لكن أسماء شهيرة كالممثل عزت الله انتظامي والمخرجين دريوش مهرجوي وتهمينة ميلاني حضرت عبر أعمالها التي شاركت في المسابقة الوطنية للأفلام الإيرانية. ومثل إيران حوالى الثمانين فيلماً في أقسام مختلفة من المهرجان منها المسابقة الدولية التي شارك فيها إضافة إلى أفلام ثلاثة إيرانية، أحد عشر فيلماً من الأورغواي والنرويج واسبانيا وأوكرانيا وألمانيا وكازاخستان وتركيا وأرمينيا وروسيا وفرنسا وبلغاريا.

وفيما خصصت دور السينما في طهران، كالعادة، للعروض الجماهيرية، اجتمع للمرة الأولى النقاد والإعلاميون والسينمائيون معاً لمشاهدة الأفلام في مسرح افتتح حديثاً. وكانت العروض الخاصة بلجان التحكيم الأجنبية وضيوف المهرجان القلائل، لا سيما من الدول الغربية، تجري في قاعات مجهزة للترجمة الفورية إلى اللغة الإنكليزية، إذ أن معظم الأفلام الإيرانية المشاركة في المسابقة الوطنية لم تكن مترجمة إلى لغات أخرى. وهكذا تسنى لنا مشاهدة ما لا يقل عن عشرين فيلماً من أحدث ما أنتجته السينما الإيرانية، أحدث؟ ليس فقط! فعدد من تلك الأفلام لم يكن جديداً، وكان يقبع في قسم الرقابة في وزارة الثقافة منذ سنين، لكن الفرج جاءه في هذه الدورة.

عدا عن الفيلمين التاريخيين والدينيين «النبي يوسف» و«مملكة سليمان» حول الإيمان كوسيلة لمواجهة الوحشية وكثرة الأعداء، والشيطان الذي يتجسد في جميع الأزمنة، طغت المواضيع الاجتماعية وتلك المتعلقة بالحرب العراقية – الإيرانية (ما يطلق عليه هنا الدفاع المقدس) على معظم الأفلام، وحين نعرف الدعم الذي تلقاه أفلام الحرب من الدولة لن نفاجأ بهذا العدد المتزايد منها بعد سنوات بدأت فيها بالتناقص، ما أدى في العام الماضي إلى استنكار البعض لقلة عدد تلك الأفلام في مهرجان فجر.

الحرب تعود إذاً إما من خلال قصص جرت أثناءها، أو من خلال تأثيراتها ومآسيها الاجتماعية في ما بعد. في أول فيلم جرى تصويره في كربلاء ونال جائزة الشعب «عصر اليوم العاشر (محرم)» لمجتبى راعي، طبيبة إيرانية تذهب إلى العراق في مهمة إنسانية، وأيضاً لتبحث عن شقيقتها التي أنقذها وتبناها جندي عراقي حين كانت طفلة. تصوير للفوضى والإرهاب في العراق وصورة متوازنة نوعاً للعراقي في الفيلم، فمقابل كل عراقي شرير كان هناك آخر طيب. أما حب تراب الوطن والدفاع عنه فتمثلا في «الليلة الحافلة» لشهرام أسدي حيث القصف العراقي لعبادان والدور الذي يلعبه السكان في هذه الحرب ومحاولة أحدهم إنقاذ مدينته الصغيرة من الوقوع في يد العراقيين. في «الجاسوس» عميل مزدوج وبطل يعامل جاسوساً في معسكر للأسر عراقي، فيما يبدو صدام لعبة في يد الأميركيين. وتطرق «اليقظة من الحلم» لمحمد آهنكر إلى الأثر الاجتماعي للحرب حين يعود «الشهيد» بعد أن تزوجت زوجته ونظمت أسرته حياتها على أساس غيابه.

حبيب سابق وحفلات ممنوعة

ويبدو أن موجة من أفلام الرعب تجتاح السينما الإيرانية، في فيلم «رحلة الموت» الأول لحسن آغا كريمي الذي عمل مساعداً لمخرجين كبار، رعب ناشئ عن ريبة متبادلة بين سائق سيارة أجرة وبين راكبين، خيال وتوهم جريمة قتل من الطرفين. أما المواضيع الاجتماعية فتوزعت على الطلاق والعلاقات الزوجية السيئة عبر ثلاث قصص من طهران في «الرجاء عدم الإزعاج» لمحسن عبد الوهاب، وفي «7 دقائق قبل الخريف» للمخرج الصاعد المتميز علي رضا أميني الذي نال جائزة لجنة التحكيم الخاصة. وشرعت المواضيع الذاتية في الظهور، فتناول «التيه في البؤس» لبهرام توكلي الشك بالقدرات الإبداعية الشخصية وفي حب الزوجة، وفي شريط «في الأربعين من العمر» لعلي رضا رئيسيان الحائز على جائزة السيناريو والمأخوذ عن رواية إيرانية لناهد طبطبائي، (والسينما الإيرانية لا تعتمد الروايات إلا بفيلمين أو ثلاثة في السنة فقط)، موضوع جديد عن عودة الحبيب السابق لامرأة متزوجة فقدت طموحاتها الفنية بالزواج لكنها تجد نفسها أخيراً.

وحضرت مشاكل الشباب في فيلمين: «الطابق الثالث» لبيجان مير باقري عن الحفلات الممنوعة حيث الصخب والمخدرات، وفي الجزء الثاني من «طهران، تهران». كان من المفترض لهذا الشريط أن يحققه ثلاثة مخرجين من ثلاثة أجيال مختلفة يبدون فيه نظرتهم إلى طهران، لكن وفاة المخرج الثاني جعلت الفيلم يقتصر على جزأين، الأول لدريوش مهرجوي، كان دعوة إلى تجديد بيوت طهران القديمة التي تنهار يوماً بعد يوم وجولة في طهران وبعض معالمها، والثاني للشاب مهدي كرم بور عن الموسيقى الممنوعة وعن إلغاء حفل موسيقي بعد زيارة رجال الأمن. ويظهر المخرج بأسلوب جريء وجهة نظر الجيل الجديد الذي يرغب بالتغيير، كما خيبة أمل الشباب وطموحاته والتنازع بين الرغبة في البقاء وفي ترك البلد، الجديد في هذا النوع من الأفلام هو أولاً عرضها ثم واقعيتها من حيث تقديم وجهة النظر الأخرى، أي الجيل القديم الذي مثله رجل البازار ورجل السلطة. وكان من اللافت عدم ترشيح هذا الفيلم لأية جائزة. وتعود تهمينة ميلاني في فيلم تلخصه عبارة «كوننا نساء هو سلاحنا الوحيد» التي وردت على لسان إحدى بطلاته. «تسوية حساب» عن عصابة من سجينات سابقات كن ضحية للرجل. الهزء بالرجل وإظهار أكاذيبه المعهودة حول زوجته حين يعجب بامرأة أخرى، والمطالبة بالمساواة على جميع الأصعدة. إنه فيلم تهمينة ميلاني بامتياز، دروس وعظات عن ضرورة المساواة. والطريف أن الرجل الوحيد الذي ترفع في الفيلم عن مصاحبة المرأة التي أرادت إيقاعه وعاملها باحترام ولم يتأثر بجمالها وإغرائها، كان زوج المخرجة في الواقع...

وتجدر الإشارة إلى أنه إضافة للمسابقات التقليدية في المهرجان، ثمة مسابقة «بين الأديان» ومنحت جائزتها إلى «ذهب ونحاس» لهمايون أسعديان، وهو عن رجل ينتقل إلى طهران مع عائلته بأمل اللقاء مع رجل دين شهير لكن عقبات تمنع ذلك. كما أن هناك قسماً في المهرجان لأفلام «البحث عن الحقيقة والعدالة»، واستحدثت هذا العام تظاهرة سينما» الاضطهاد»، وعرض فيها أحد عشر فيلماً منهم أربعة أميركية.

الممنوعة «سابقاً» و«لاحقاً»

«به رنك أرغوان» كان ليحصد جائزة السيمورغ الذهبية «حتى قبل خمس سنوات»، من أهم الأفلام التي عرضت في المهرجان هذا العام، ليس فقط لأنه عاد إلى الظهور بعد مضي خمس سنوات على إنتاجه، بل لقيمة العمل ذاته ولاسم مخرجه إبراهيم حاتمي كيا الذي يعتبر هنا أحد أهم المخرجين الإيرانيين الذين عملوا على معالجة القضايا الإنسانية المتعلقة بالثورة الإيرانية وبالحرب. «لون البنفسج» اجتماعي سياسي، يسرد حكاية عاطفية عن تعلق رجل أمن في الاستخبارات بفتاة كلف مراقبتها، «أرغوان» طالبة جامعية ابنة قائد مجموعة معارضة ترك البلاد بعد الثورة مباشرة ثم عاد متخفياً لرؤية ابنته.

في سرد مكثف وسريع يلتقط المخرج بعين حساسة مشاكل الاختلاط ومعاناة الشباب والتجسس عليهم ومضايقتهم من قبل السلطات. وعلى رغم الاعتراضات على هذا الفيلم كونه يعطي «صورة سوداء للعاملين في الاستخبارات» كما وصفته صحيفة كيهان المتشددة، وتلميحات رئيس لجنة الثقافة في البرلمان بأن السينما الإيرانية الحالية «بعيدة عن إيديولوجية وقيم الجمهورية الإسلامية» وأن «الرقابة على بعض الأفلام لم تكن «كافية»، فقد حصد الفيلم كومة من الجوائز سواء في المسابقة الدولية التي شارك فيها أم في مسابقة الأفلام الإيرانية، الإخراج والسيناريو والجمهور، وقد فاقت نسبة تردد الإيرانيين على هذا الفيلم كافة أفلام المهرجان.

«آتشكار» أو«حارس النار» الفيلم الثاني لمحسن أمير يوسفي الذي أنتجه وأخرجه العام الفائت. عرض على المدعوين والإعلاميين الإيرانيين مرة واحدة، وبعد انتهاء مهرجان فجر أتيحت له فرصة عرض وحيدة للجمهور في دار للسينما، والفيلم الذي حظي بهذا العرض الوحيد ينتظر التصريح وسحب المنع وبخاصة أن أحد رجال الدين أعلن بحسب صحيفة «باني فيلم» أنه يعتقد بأن آتشكار «لا يشكل مشكلة تتعلق بالعقيدة أو بالدين»، ما خلق موجة تفاءل لدى العاملين في الفيلم. وكان مدير المهرجان صرح بأنه يجد من «المستحيل» لهذا الفيلم أن يعرض. وفي رد على وزير الثقافة الذي أعلن انه نظراً ولتجاوز الفيلم للخطوط الحمر فإن هذا الفيلم لن يعرض، قال المخرج إنه لم يتجاوز أي خط احمر وأن هناك الكثير من الخطوط الحمر في السينما الإيرانية. ويذكر أن الشريط نال جائزة في الصيف الماضي في مهرجان مونتريال. ويروي الفيلم حكاية عامل في مصنع يتردد بعد إنجاب زوجته لبنت رابعة، في الخضوع لعملية جراحية تجعله عقيماً مدى الحياة، لكن الفيلم يعالج أيضاً الشك وارتباك مواطن يقف حائراً ما بين الحداثة والتقاليد، ويصل في النهاية إلى الاستنتاج بأن عليه وحده أن يتحرر من الأعراف الاجتماعية والدينية التي تفرض عليه سلوكه، وعلى رغم صبغة الفيلم الواقعية فإنه ينحو نحو الفانتازيا، ويتكئ على التهكم المر لتمرير رسالته.

العمل الثالث للمخرج عبد الرضا كاهاني الذي لفت أنظارنا في مهرجان فجر الماضي بفيلمه المتميز «عشرون». عرض شريطه «لا شيء» بشكل محدود داخل المهرجان وللنقاد والإعلاميين الإيرانيين فقط فيما لم يحظ، للأسف، الضيوف الأجانب، بهذا العرض كون الفيلم خارج المسابقة. وكان المخرج صرح قبل المهرجان أنه من دون الموافقة على عرض الشريط جماهيرياً، فإنه لا يرغب بعرضه في الإطار المحصور بفجر. وقال إن المسؤولين ليست لديهم أدنى رغبة بعرض الفيلم. حصل الشريط قبل المهرجان بأيام على الموافقة، إنما بعد إجبار المخرج على قص بعض المشاهد، وقال المخرج: «كان من المستحيل علي قطع المشاهد من الفيلم في هذه المدة القصيرة ولذلك قبل مكتب المراقبة والإشراف في الوزارة عرض الفيلم كاملاً للنقاد والسينمائيين فيما سيعرض مع بعض المشاهد المحذوفة في عروضه الجماهيرية الأولى». والفيلم دراما اجتماعية عن عائلة محرومة وعن رب الأسرة الذي يعاني الشره المرضي ولا يستطيع إيقاف جوعه... يذكر أن فيلمي كاهاني السابقين ربحا جوائز عدة في مهرجانات دولية.

«مئة عام مثل هذا» أو«ينعاد عليكم» الفيلم الخامس لسامان مقدم والذي كان من المفترض أن يعرض منذ ثلاثة أعوام، يؤرخ لحياة عائلة إيرانية والتحولات السياسية والاجتماعية في إيران التي عصفت بها خلال ثلاثة عقود من ما قبل الثورة وحتى يومنا هذا. الفيلم اعتمد المبالغة في الانفعالات وبين الحياة «اللاهية» للناس قبل الثورة من حفلات ورقص وشرب.

«محفل أكس» لحبيب كاوش فيلم يتجاوز كل التوقعات عن الشيطان الذي يعود ويعود... بشكل إنسان ليقلق النفوس المطمئنة. لا يشكل عرض هذا العمل أدنى إضافة سينمائية نظراً لقيمته الفنية وأداء ممثليه وأسلوبه الذي يدعو للسخرية.

إشاعات ... إشاعات

أثيرت إشاعات كثيرة مثل مقاطعة بعض المخرجين لمهرجان فجر بسبب مواقف الحكومة من المعارضة لكنها بقيت إشاعات لم تؤكد بحسب صحيفة «طهران تايمز». فالممثل انتظامي لم يشارك في لجان التحكيم بسبب وضعه الصحي. ويذكر هنا أنه عقد مؤتمراً صحافياً بعد عرض فيلمه. فيما لم يشارك آخرون كأصغر فرهادي في لجان التحكيم بسبب «السفر»، أما عباس كيارستمي فقد رفض المشاركة ولكن «لم يصدر عنه أي بيان أو تعليق رسمي» بحسب الصحيفة نفسها. وكانت المخرجة رخشان بني اعتماد اعترضت في البداية على برمجة فيلمها «صالون الشمس» من دون موافقتها ولكن العمل لم يظهر في قائمة أفلام المهرجان. وتحدثت الصحف عن مشاركة مخرجين شهيرين مثل تهمينة ميلاني ودريوش مهرجوي وهمايون أسعديان وحسن فتحي من دون أن تذكر آخرين لم يشاركوا فيه كالمخرج جعفر بناهي الذي قاطع المهرجان. واعتبر أحد المخرجين أن نشر كل هذه الإشاعات «حجة لتلويث المناخ الثقافي». ودعا إلى ملاحظة أن أفلاماً كثيرة أجيزت بعد أن كانت ممنوعة.

وقضية عرض أفلام كانت ممنوعة، منذ سنوات، في مهرجان فجر الأخير، أثارت لغطاً كبيراً في الصحافة الإيرانية، وكان معاون وزير الثقافة لشؤون السينما جواد شمقدري صرح أن إعطاء تصاريح بالعرض للأفلام الممنوعة ليس كما أشاع البعض «حملة دعائية للمهرجان»، مؤكداً أن «العرض كان أكثر من الطلب».

كما صرح وزير الثقافة والإرشاد في مؤتمر صحافي أن «الصحافة تبالغ في مسألة عرض الأفلام التي كانت ممنوعة في مهرجان فجر، وأن المهرجان هذا العام يشكل «بداية عهد ثقافي جديد» وأن التصريح بفيلم كان ممنوعاً لا يعني «انتهاء الرقابة على السينما».

الحياة اللندنية في

12/02/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)