حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

"بالألوان الطبيعية" آخر أفلام 2009 العربية

صراع الموهوبين مع المجتمع

القاهرة- رانيا يوسف

لماذا خلقني الله موهوباً طالما الفنون من المحرمات؟ هكذا رفع ( يوسف ) يديه الي السماء يسأل ربه بعدما انقسم على ذاته ما بين رغباته وبين منهج مجتمعه الذي ما يزال يعيش شتات الخلط بين الدين والعادات في فيلم "بالألوان الطبيعية"، فمازال العالم العربي يخلط ما بين التدين و المحافظة على الموروثات والعادات التي هي من صنع الانسان وتعد أفكار قابلة للتطور بفعل الزمن لكنها تطورت بشكل عكسي إلى الوراء حتى أصبحنا نؤمن بثباتها أكثر من تمسكنا بالعقائد الراسخة.

فيلم بالالوان الطبيعية للمخرج أسامة فوزي والمؤلف هاني فوزي هو آخر أفلام هذا الموسم وكان مسك الختام بعد معاناة مشاهدة عشنا فيها هذا العام مع ما قدمه انتاج السينما المصرية لاعمال لو حصرنا أهمها لن يتعدى عددهم كف اليد.

ويعد فيلم بـ"الالوان الطبيعية" واحداً من هذه الأفلام التي تداعب عقل المشاهد بأسلوب فكاهي طريف يقذف صرخات في وجه المجتمع الاذدواجي الذي طبع عليه لغة التدين ظاهرياً، يفتح الفيلم المجال للتفكير والجدال لتوضيح الفرق بين قيمة وجلال العقيدة وبين معنى وتأثير الموروثات على المجتمع، وهل الحياة هي رغبة ذاتية حرة أم رغبة إلهية؟، علي إعتبار أن الانسان عندما يولد يبدأ بالتفاعل مع الحياة والمجتمع المحيط به ويتشكل فكره حسب ما يتشبع به طوال سنوات عمره ممن حوله فتتولد رغباته الذاتية التي أحيانا ما تخالف طبيعة المجتمع فتحجم رغباته وأفكاره، تحجيم اجتماعي وليس تحجيم الهي وإما أن يتحول الي ثابت أو ثائر، كل حسب إرادته الداخلية ودرجة وعيه.

هذا ما حمله مضمون فيلم بالاوان الطبيعية وجسده الكاتب في عدة شخصيات رئيسية أهمها شخصية (يوسف) الذي يمثل نموذج لصراع الذات مع الذات من أجل اكتشاف النفس، ومنها تتسع الدائرة لتتحول الى صراع الذات مع الآخر بين أركان البيت، ثم تتحول الي صراع مع طبيعة المجتمع الذي يرفض الاختلاف، فيتحول الى خصم قوي يقاوم بقوة تغيير الأفكار وأحيانا ينعتها بالانحلال، فإما أن يتصدى له الانسان بفكره وعلمه وايمانه بذاته كما في شخصية يوسف (كريم قاسم)، أو يستسلم لها ويصبح كالآلة تسمع دون وعي وتتحرك دون ارادة كما رأينا في شخصية الهام ( يسرا اللوزي)، فالاثنان أصدقاء في كلية الفنون تنشأ بينهما علاقة حب تتطور الى أن يحصد كل منهما جسد الآخر دون تفكير بالعواقب الاجتماعية التي تنتظرهم.

والمؤلف لا يظهرهم كمنحرفين ولكن كأطفال لا يفقهون منظومة الحياة، يتصرفون بتلقائية يدفعهم اليها احساسهم البريء الطفولي، وسرعان ما تزول هذه البراءة عن أفكارهم عندما تبدا يد أخرى في استقطاب هذا الجيل بالتحديد جيل طلبة الجامعات، فمعظم هذه النماذج تبدو في مرحلة بدائية من تكوين الشخصية تجعل المجال مفتوح لمن يرغب في توجيه أفكارهم كيفما يشاء، تتخلي الهام عن طفولتها وترتدي النقاب خشية الوقوع في المحظورات وتحجب ذاتها عن يوسف وعن الرسم المحرم وتتقيد بفن يحدد ملامحه لها احد الدعاة الاسلاميين، على العكس تأتي شخصية هدى ( فرح يوسف) الفتاة المتحررة وربما هذه هي الشخصية الوحيدة التي تبدو على طول الخط واثقة من خطواتها مدركة هدفها لا تتأثر بتحول المجتمع، ينبع اختلافها عمن حولها من اختلاف أصولها حيث تنتمي الى ام المانية عاشت معها في اوروبا لسنوات وبالطبع فإنها لا تحسب على ثقافة العالم العربي، بل على ثقافة الغرب الاكثر ايجابية من وجهة نظر المخرج الذي صاغ شخصية هدى على خط مستقيم لا تحيد عن تحقيق هدفها، عندما تحررت من رغباتها تمكنت من إمتلاك نفسها وعقلها.

وكأننا في حلبة مصارعة مجنونة، شباب استنفذوا كل طاقاتهم بما تسمح به خبراتهم القليلة في عالم التمثيل، لكن ما أعطاهم بريق أكثر هو إقتراب شخصياتهم الحقيقية من موضوع الفيلم، فشخصيات الفيلم فنانون رسامون والمعاناة تكاد تتطابق بين هواة الرسم والتمثيل والفنون بشكل عام، الرفض الذي يحاصرهم من كل جانب، البيت ، الجامعة، الشارع، المجتمع الذي ينقسم على ذاته من داخل الكلية التي تمثل تصغير لمفردات مجتمع أكبر , نشهد داخلها تحطيم لكل القيم الاخلاقية وتدمير للعلاقة المقدسة بين الطالب والاستاذ.

نرى تنوعا في الطبقات الثقافية، دين، فن، سياسة، تمرد، فساد، تشدد ديني بين الطلبة المتدينين الساخطين على تمادي مغني الفن ضد أفكارهم الدينية، نشهد أيضاُ تشددا سياسيا بين طاقم اعضاء هيئة التدريس اللذين صورهم المخرج كبهلوانات في سيرك مختلين العقل والاخلاق.

هل يعني تحرير العقل تحرير الجسد؟، سؤال صامت طرحه مخرج الفيلم أسامة فوزي في أحد المشاهد التي احتج عليها أساتذة كلية الفنون الجميلة بعد عرض الفيلم في دور العرض، وهو مشهد خلع الطلبة لملابسهم أمام زملائهم ليقوم اصدقائهم برسمهم، فمنهم من انصرف عن القاعة مستنكراً ومنهم من أغمض عينه سريعاُ ومنهم من ضحك وصفق ومنهم من أمسك ريشته وشرع في الرسم، فهل يعني تحرير الجسد من رغباته المكبوتة ومن عقده التي ورثناها، تحرير العقل الذي هو في الواقع مصدر أي إبداع فني، الفن تحكمه الحرية، والحرية لن تأتي الا بتحرير الرغبات التي ترادف في مجتمعنا العربي الانحلال والفساد الاخلاقي.

العربية نت في

29/12/2009

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)