حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

بانوراما الفيلم الأوروبي يعود إلى القاهرة بعد غياب

القاهرة - أمل الجمل

«صنعت يا سيدتي ما لم يقدر على صُنعه الرجال». هكذا تحدث طلعت حرب باشا الى الفنانة عزيزة أمير - مُؤسِسَة صناعة السينما في مصر - حين عُرض فيلمها الأول «ليلى» 1927. بالمثل يُمكن وصف المخرجة والمنتجة المصرية النشطة والمتميزة ماريان خوري التي نجحت في استقطاب أفلام مهمة، على مستوى فني مرتفع، حصدت الكثير من الجوائز الدولية، لتعرضها ضمن فعاليات بانوراما الفيلم الأوروبي في الفترة من 16 إلى 22 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، بينما أخفق مهرجان القاهرة السينمائي - بكل إمكاناته المالية والفنية - في الحصول عليها، ومنها «رسول» لجاك أوديارد، «الزمن الباقي» لإيليا سليمان، «الأحضان المكسورة» لبيدرو ألمودوفار، «آغورا» لأليخاندرو أمينابار مخرج رائعتي «الآخرون» و «البحر داخلنا»، والفيلم الألماني «أربع دقائق» للمخرج كريس كرواس، الحائز على 21 جائزة موزعة بين السيناريو والإخراج وأداء بطلتيه النساء وأكثر من جائزة كأفضل فيلم من مهرجانات سينمائية مختلفة إلى جانب تسع ترشيحات أخرى.

كوميديا الضرائب

مُجدداً وبعد غياب خمسة أعوام تُواصل ماريان خوري - شركة «أفلام مصر العالمية» - تنظيم الدورة الثانية «لبانوراما الفيلم الأوروبي» بمساعدة «يوروسينمد» في إطار برنامج ميديا إنترناشيونال التحضيري. فتعرض أكثر من اثني عشر عملاً سينمائياً لنخبة من أهم مخرجي الفن السابع في أوروبا، تتضمن أفلاماً روائية ورسوماً متحركة. تتنوع مضامينها ما بين الدراما التاريخية والواقعية والخيالية وما بين الكوميديا والمأساة. منها الفيلم الهولندي الكوميدي «الأيام الأخيرة في حياة إيما بلانك» 2009 للمخرج وكاتب السيناريو ألكس فان وارمردام الذي حصل على جائزتي أحسن سيناريو في مهرجان هولندا السينمائي، وجائزة (Label Europe Cinemas) في مهرجان «فينسيا». وتدور أحداثه حول امرأة مريضة اسمها «إيما بلانك» تعيش أيامها الأخيرة. تعتقد أنها طالما لديها رمق في اللحظات الأخيرة من حياتها من حقها أن تأخذ كل ما تُريد، وأن يُلبى جميع رغباتها. تحت هذا الستار تتصرف «إيما» كطاغية إزاء الذين «يعملون» عندها والذين سنعرف أنهم أصلاً أهلها وزوجها وابنتها وأنهم جميعاً يؤدون أدواراً متفقاً عليها. تُصبح - في إطار كوميدي - كثيرة الطلبات، كثيرة النزوات التي تتخذ أشكالاً متزايدة العبثية، لكن السؤال المطروح: إلى متى يستطيع العاملون في البيت أن يتحملوها؟ ولماذا يستمرون في عملهم هذا؟ الفيلم مقتبس عن مسرحية بعنوان «أديل بلانك»، من تأليف مخرج الفيلم، يُحلل فيها العلاقات بين الناس في هذا البيت الغريب الشاذ.

من الأفلام الكوميدية أيضاً فيلم «تيراميسو» ويحكي قصة «آن» الممثلة الهولندية المشهورة المُغرمة بوقوفها على خشبة المسرح، وبكافة مُتع الحياة والحفلات. إنها لا تزال تُحب طليقها سراً بينما هو مُولع بفتاة صغيرة السن. فجأة تُطالبها الضرائب ببيع العوامة التي تسكن فيها مع ابنتها لتسديد ديونها. تستأجر محاسباً جديداً لينقذها من السجن، لكنها في الوقت نفسه ترفض نصائحه لها بأن تُغير نمط حياتها وبأن تعيش بطريقة أقل متعة وأكثر تقشفاً. تنبع الكوميديا من التناقض والمفارقة بين شخصيتي «آن» و «جاكوب» المحاسب الخجول الانطوائي الذي تنقلب حياته رأساً على عقب بعد لقائه عميلته الجديدة.

الجوائز هي إحدى السمات المشتركة بين أفلام «البانوراما الأوروبية»، ففيلم «تيراميسو» للمخرجة الهولندية باولا فان دير أويست نال جائزتي أحسن ممثلة وأحسن موسيقى، كما حصدت مخرجته تسع جوائز دولية عن أعمالها السابقة ورُشحت لتسع جوائز أخرى. بينما حصل فيلم «رسول» للمخرج جاك أوديارد على الجائزة الكبرى للجنة التحكيم في مهرجان «كان» (2009)، وجائزة أحسن فيلم في مهرجان «لندن». وهو يروي قصة «مالك» الذي حُكم عليه بالسجن لمدة 6 سنوات في فرنسا. شاب عمره 19 عاماً من أصول عربية، لا يعرف القراءة أو الكتابة، خجول، بلا أصدقاء، أصغر المسجونين سناً وأقلهم قوة، لكنه يتمتع بشجاعة وفِطنة، وبفضل سرعته في اكتساب الأساليب والألاعيب المُهمة في عالم الجريمة يصبح زعيم عصابة. تتعرض الأحداث لقضية المهاجرين العرب، والتطرف الديني، وحروب المافيا بين جدران الزنازين، فتكشف عن واقع السجون الفرنسية وسيطرة مجموعة من المافيا عليها. يُذكر أن قِلة اعتبرت الفيلم مُسيئاً للعرب والمسلمين.

بدوره رُشح «الزمن الباقي»، لإيليا سليمان وهو إنتاج فرنسي بلجيكي إيطالي مشترك، لجائزة السعفة الذهبية، وجائزة أحسن فيلم في مهرجان «مار دُول بلاتا» السينمائي. الفيلم لا يرصد الواقع الحالي أو الانتفاضة الفلسطينية، لكنه يعود إلى جذور الصراع عام 1948. يُبرز التدهور الثقافي الكبير، وإطلاق اسم «عرب إسرائيل» على الفلسطينيين، وكيف أصبحوا يعيشون بوصفهم أقلية داخل وطنهم. في حين تجري وقائع الفيلم الإسباني «آغورا» في مصر الرومانية، فيروي قصة تحول أحد العبيد نحو المد المسيحي الصاعد في تلك الفترة على أمل أن ينال حريته، لكنه يقع في حب «هيباتيا»، أستاذة الفلسفة الشهيرة. ويتناول الفيلم الفرنسي «كوكو قبل شانل» للمخرجة «آن فونتان»، قصة «غابرييل «كوكو» شانل، التي بدأت حياتها طفلة يتيمة متمردة، وعاشت رحلة حياة استثنائية تمكنت خلالها أن تمتلك مؤسسة رائعة لتصميم الأزياء. نموذج يُجسد المرأة الحديثة، ورمز للنجاح والحرية ولأسلوب إبداعي في الحياة.

معجزة موسيقية

الفتاة «جيني» بطلة الفيلم الألماني «أربع دقائق»، للمخرج كريس كرواس، معجزة موسيقية صغيرة السن. كانت عازفة بيانو تقدم حفلاتها على نطاق العالم منذ كان عمرها عشر سنوات. لكنها الآن قاتلة محكوم عليها بالسجن. في السجن تلتقي بمُدَرّسة البيانو السيدة «كروجر» (تقوم بدورها مونيكا بليبترو) التي قضت سنين من حياتها في تدريس البيانو الكلاسيكي لنزلاء السجن. تُرى كيف يُمكن تطويق الصدام العنيف بين هاتين المرأتين بشخصيتيهما: الجافة الحادة، «كروجر» العانس المليئة بالمرارة، و «جيني» الميالة للعنف والاعتداء بالضرب المبرح لحد القتل؟ وما هي طبيعة الصفقة المُبرمة بينهما حتى تُوافق «جيني» أخيراً على أن تعزف أربع دقائق رائعة في المسابقة الموسيقية.

في المقابل يأتي بيدرو ألمودوفار وهو من دون شك أكثر المخرجين السينمائيين الإسبان شهرة على النطاق الدولي منذ لويس بونيل. كان نجم «بانوراما الفيلم الأوروبي» في دورتها الأولى برائعته «تحدث إليها». ويُعرض له في الدورة الجديدة «الأحضان المكسورة» من بطولة بينلوب كروز، وهو الفيلم الذي أُثير حوله سجال حاد، بين آراء كثيرة معه أو ضده. يحكي الفيلم قصة رجل جذاب أعمى. وقع له حادث سيارة قاس وعنيف فقد خلاله بصره كما فقد «لينا» حب حياته. وهو على رغم الظلام تمكن من تنمية حواسه ليستمتع بالحياة، معتمداً على السخرية وقدر من فقدان الذاكرة للتخلص من سيرته الأولى. عبر الفلاش باك وتطور الأحداث نتعرف إلى أطراف القصة بكل ما ينشب خلالها من صراعات، وما تمتلكه من أحاسيس الغيرة والخيانة، وما يشوب مشاعرها من عقدة الذنب.

من بريطانيا يأتي «هذه إنكلترا» للمخرج شين ميدوز الذي حصل على جائزة «البافتا» كأحسن فيلم بريطاني، بالإضافة إلى فوزه بسبع جوائز في مهرجانات أخرى منها جائزة أحسن فيلم أوروبي وأحسن مخرج. تعتمد الأحداث على الخبرات الشخصية للمخرج. تدور في إنكلترا عام 1983، حول صبي عمره 12 سنة اسمه «شون». في طريق عودته من المدرسة يلتقي مجموعة من الشباب حليقي الرؤوس. بعد عراك معهم يُصبحون أفضل أصدقائه. أما «سونيا» بطلة الفيلم الفرنسي «يوم التنورة» 2009، للمخرج جين بول ليلنفيلد، فتعمل في مدرسة لتعليم الأطفال الأشقياء. في أحد الأيام، بعد أن فاض بها الكيل من استمرار عنف الطلاب وعدم اهتمامهم بالدراسة، تفقد «سونيا» (التي تقوم بدورها إيزابيل أدجاني) سيطرتها وتحتجز الطلاب كرهائن. نالت أدجاني جائزة أحسن ممثلة عن دورها هذا في مهرجان «مونت كارلو». كما نال الفيلم الهولندي «دنيا وديزي»، من إخراج دانا نتشوشتان، جائزتين وثلاثة ترشيحات. وهو يحكي قصة صديقتين حميمتين. تعرف «دنيا» في عيد ميلادها أنها ستتزوج من قريب لها يعيش في المغرب. في الوقت نفسه تعرف «ديزي» أنها حامل وترغب في رؤية والدها الحقيقي. عندما تكتشف أنه يعيش في المغرب تُقرر الصديقتان السفر إلى هناك بحثاً عنه. في حين يحكي الإيطالي «غذاء في منتصف أغسطس»، للمخرج جياني جريجوريو، قصة رجل في منتصف العمر اسمه «جياني». يعيش في روما مع والدته العجوز كثيرة الطلبات. عندما يغادر الجميع المدينة للاحتفال بعيد 15 آب (أغسطس) تدق الفرصة على باب «جياني» بطريقة غير متوقعة على الإطلاق. حصل «جريجوريو» على ثمانية جوائز كأحسن مخرج إلى جانب أربع ترشيحات أخرى. أما فيلم الرسوم المتحركة البلجيكي «ذعر في المدينة» للمخرجين فانسان باتار وستيفان أوبييه، الحاصل على جائزة أحسن فيلم تحريك في مهرجان «كاتالونيا»، فيدور حول ثلاث دُمى متحركة تُعاني مشكلة: كاوبوي ورجل هندي وحصان. أراد الكاوبوي والرجل الهندي صُنع هدية كمفاجأة للحصان في عيد ميلاده، لكن الهدية تشتعل قبل الأوان وتُدمر منزله. وسط هذا الذعر، الذي هو أحد ملامح تلك المدينة الكرتونية، هل ينجح الحصان في الانفراد بصديقته؟

الى جانب هذه الأفلام وغيرها تُقام عدة ندوات، ومناقشات مع عدد من نجوم الأفلام ومخرجيها على هامش العروض. أما التحدي الذي يُواجه ماريان خوري فيتمثل في إقامة هذه التظاهرة في دار عرض «سيتي ستارز» في ضاحية «مدينة نصر»، وهى من واقع التجارب السابقة لم تكن جاذبة للمثقفين والمهتمين بالسينما بعكس «جالكسي» القريبة من وسط البلد. لكن ماريان بتلك الروح العنيدة المثابرة التي تُسيطر عليها، وبتلك الإرادة التي لا تكل من العمل المتواصل، وبشخصيتها التي تجمع بين الشجاعة والثقة بالنفس والجرأة وعشق السينما، تُؤكد وتُراهن على اجتذاب جمهورها من بين رواد «الموول» الذي أثبتت الإحصاءات أن عدد زواره يبلغ 65 ألف شخص يومياً.

الحياة اللندنية في

18/12/2009

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)