حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

من أين يأتي جبر علوان بكل هذه الألوان والأحلام؟

بغداد - ماجد السامرائي

يقول المخرج السينمائي قيس الزبيدي إن فيلمه الأخير عن الرسام العراقي المغترب جبر علوان جاء تحقيقاً لرغبة في نفسه ظل يحملها زمناً حتى تحققت أخيراً. ويضيف: «بعد عدد من الأفلام التي أخرجتها عن القضية الفلسطينية، وجدت رغبة ملحة في نفسي لأن أنتج فيلماً على علاقة بالعراق... بأن أقترب من الموضوع العراقي، فاخترت الفنان التشكيلي جبر علوان محققاً ذلك من خلال فيلمي هذا عنه».

ويؤكد الفنان الزبيدي أن توجهه في هذا الفيلم لم يبعده عن التجريب الذي عرف به في معظم أفلامه... «لقد حققت العلاقة بين وسيطين: فن السينما والفن التشكيلي»، مع أن بينهما، كما يقول، «فروقاً كبيرة: فاللوحة التشكيلية بأحجامها المختلفة ثابتة، وساكنة، وإيقاعها داخلي، أما السينما فمتحركة، وأحجامها محددة». وفضلاً عن هذا «فإنني كنت أريد الوصول الى مرحلة متقدمة في التجريب من خلال تحقيق العلاقة بين السينما والفن التشكيلي»... كيف كان ذلك؟ «كان في ألا أتحدث عن هذا الفنان وكيف يرسم، وما معطيات عمله الفني إلّا بأقل ما يمكن من الكلمات تاركاً الفضاء الأكبر للمعالجة البصرية: كيف يرسم؟ ما طبيعة لوحته بوصفها عملاً فنياً؟ ومن أين يستقي ألوانه؟ فهو يعيش في روما منذ ثلاثة وثلاثين عاماً، وكانت ذاكرته قد افتقدت البيئة العراقية الأولى، وكذلك ألوان العراق... وصار يأتي الى دمشق التي شكلت له «تعويضاً» عن الحلة، مدينته، وعن بغداد التي درس الفن فيها... فكان هذا الفيلم».

المنفى والداخل

أما لماذا اختار قيس الزبيدي فناناً من المنفى ولم يختر فناناً من الداخل، على غنى تجارب عدد من فناني الداخل، فيرجع ذلك إلى سببين: «الأول أن جبر علوان فنان استطاع أن يتميز بحضوره الفني في المنفى، ليس عربياً فقط، وإنما عالمياً أيضاً، وذلك بأسلوبه في الرسم وبالطريقة التي يتخذها في التعبير. إن استخدامه اللون مدهش، فهو ملون بارع. والسبب الآخر هو كوني أنا أيضاً أعيش في المنفى. وقد أضيف الى السببين سبباً ثالثاً هو كلفة الإنتاج: فإذا أردت إنتاج فيلم عن واحد من رسامي الداخل فعليّ أن أسافر الى العراق وأصوّر هناك، فتكون كلفة الإنتاج كبيرة. إن قرب المكان سهّل لي عملية إنتاج هذا الفيلم».

أما عن الفكرة التي أراد تجسيدها من خلال عمله هذا فيقول: «لا أدري الى أي مدى استطعت النجاح في تحقيق الفكرة. المهم عندي هو أنني كنت أتساءل: حين يرسم علوان روما من أين يستمد ألوانه؟ ما مصادره في ذلك؟ وحين يرسم سورية ما تكون مصادر اللون عنده في ما يرسم؟ هل لديه خزين، أم أن البيئة هي التي تؤثر عليه؟ فهو يرسم في روما، ويرسم في سورية، وفي الحالتين نشاهده يحلم، ويتمثل موضوعاته، ويستخدم اللون... حتى يصل الى اللوحة كاملة»، معيداً التأكيد أنه إنما يحقق» فكرة تجريبية من خلال لقاء بين وسيطين... بين فنين مختلفين: فن ساكن، وآخر متحرك».

كيف تستطيع السينما أن تتناول الرسم وتعالجه؟

ـ «إنك حين تذهب الى معرض تقف أمام اللوحة عدة دقائق لتراها، وأنت إذ تراها إنما تراها بكل تفاصيلها. السينما لا تتعامل إلّا مع التفاصيل، هي تفكك اللوحة وتعيد بناءها بحيث ترتسم صورتها الكاملة عند المشاهد».

ولكن... ما الذي أوصل الفنان الزبيدي في فيلمه الى الرسام جبر علوان الذي يؤكد أنه «ابن الشرق، وابن الشرق يختلف عن ابن الغرب، إذ عكست في لوحتي ما هو مترسب في داخلي، محولاً «الفيكر» من شكل تعبيري الى قراءة حسية»؟

يقول الزبيدي إنه يعتقد «أن هذا الفيلم بطبيعته التجريبية لا يتوجه الى جمهور عريض، ولهذا من الصعب عرضه تلفزيونياً، حيث يشاهد التلفزيون ملايين المشاهدين ـ إنه فيلم سينمائي للصالات الصغيرة، ولابدّ أن تكون لمشاهده القدرة على الاستقبال الجمالي، وأن تكون لديه حاجة جمالية قابلة للتغيير والتطوير عبر المشاهدة البصرية». ويضيف: «لقد اخترت الموضوع وطريقة معالجته وفي ذهني أني لا أعمل فيلماً تقليدياً أو أعالج الموضوع معالجة تقليدية: فنان يعيش في المنفى ويحكي كيف خرج، وعلى أي نحو تعذب، والى أين ذهب... ويأتي الرسم، عمله، أمراً ثانوياً... الذي عملته هو عكس ذلك: كيف إن هذا الرسام العراقي الولادة والنشأة والتكوين الأولي يرسم في المنفى وفي بلد عربي آخر غير بلده، وكيف تتشكل الألوان المدهشة لديه... وكما سبق وقلت: هو لقاء بين فنين ينتج عنه شيء ثالث هو ما أبحث عنه ليس فقط في بداية وجود الفكرة الفنية، وإنما أيضاً في أثناء عملية المونتاج. فأنت ترى الفيلم مختلفاً تماماً. فأنا أقول: كما ان جبر علوان يرسم بشكل ذاتي وشديد الخصوصية، ومع ذلك فإن لوحاته تتداول، كذلك هذا الفيلم شخصي بالنسبة لي، فهو يعبر عن رؤية سينمائية محسوسة ومحددة في معالجة تتناول الفن التشكيلي عند رسام».

الى جانب هذا ـ يضيف الفنان الزبيدي وهو يتحدث عن فيلمه ـ «حاولت الاقتراب بشكل غير مباشر من الظروف التي دعت جبر علوان الى أن يغادر العراق ويعيش مدة طويلة في المنفى، فاستعنت على ذلك بمقاطع من مسرحية الفنان جواد الأسدي «حمام بغدادي» وفيها يظهر أخوان يحكيان تجاربهما في العراق... وفي الوقت نفسه أقدم أعمالاً تشكيلية للفنان جبر علوان عن علاقته، هو، بالعراق ورؤيته حياة الناس ومعاناتهم. وينتهي الفيلم بمعرض أقامه الفنان في دمشق، وكان من باب الصدفة أن يكون من بين الحضور في حفل الافتتاح بعض الشخصيات العراقية التي لها، هي الأخرى، تجربتها في المنفى».

للتجربة جذورها

يذكّر الفنان الزبيدي أن لتجربته هذه مع الفن التشكيلي جذورها، «فمنذ أكثر من ثلاثين عاماً كنت قد بدأت بهذا الخط التجريبي باتجاه الفن التشكيلي بوصفه أحد مكونات السينما كفن تركيبي... وكانت هناك في تاريخ السينما محاولات تجريبية اعتمدت بالدرجة الأولى على ما يسمى موسيقى الضوء، أي على الايقاع الموسيقي وعلى الفن التشكيلي»... مشيراً الى أنه عمل قبل هذا فيلماً عن ثمانية رسامين سوريين من أجيال مختلفة، من بينهم فاتح المدرس، وخزيمة علوان، ولؤي كيالي، ونذير نبعة.

هذا الفيلم (ومدته 20 دقيقة) كان معالجة تشكيلية حركية ايقاعية للصور، مع موسيقى، وتعريف مكتوب بكل فنان. بعده أخرجت فيلماً عن رسوم الأطفال الفلسطينيين حاز في وقته على الجائزة الأولى في «مهرجان أفلام وبرامج فلسطين» الذي عقد في بغداد في سبعينات القرن الماضي. كما عملت فيلماً آخر (مدته 9 دقائق) عن ناقد سينمائي ألماني وكان رساماً أيضاً. هذا الفيلم كان تجريبياً هو الآخر، وعنوانه «كابوس»، وهو كابوس عبر التشكيل... والفكرة مستمدة من التحول في حياة هذا الفنان الذي كان يرسم حالماً، وكيف تحول حلمه الى كابوس بفعل التحولات التي حصلت في واقعه وانعكست عليه. إنه عن مرحلتين في حياة هذا الفنان تحول فيهما رؤية ومادة فنية من الرسم الى الكولاج».

الحياة اللندنية في

18/12/2009

 

المخرج لا يبعث الرسائل

القاهرة – محمد الصاوي 

«عصافير النيل» هم المهمشون الذين يعيشون على صفحات رواية إبراهيم أصلان، كثافة تجعلك تكاد تشم رائحة عرقهم وتحس أن وجوههم صادفتك من قبل، «عصافير النيل» هؤلاء هل تغيرت صورتهم في لقطات وكادرات فيلم مجدي أحمد علي؟ السينما غير الرواية، نعم، ولكن هل يبيح اختلاف طبيعة كلٍ منهما أن يتصرف المخرج في حجم الشخصيات، ويتم تجهيل أزمنة الأحداث في الكثير من الوقائع خصوصاً أن الرواية كما يقول المخرج نفسه، ترصد قصة صعود وهبوط الطبقة الوسطى في مصر خلال نصف قرن وهي مبنية على وقائع تاريخية حقيقية؟

وفرضاً لو كانت الرواية كما يقول المخرج قطعاً من الأرابيسك المليء بالتفاصيل التي لا يعرف القارئ بعضها، فإن من الصعب في الفيلم أن نعرف أي شخصية هي التي تتحدث.

فإن عالم البناء الروائي لأصلان وشخصياته وأماكنه التي جمعها كحبات اللؤلؤ، نجدها في الفيلم غير واضحة الرؤية، ومن هنا شعر كثر من المتفرجين بالملل والبطء عندما عرض الفيلم للمرة الأولى في مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الماضية.

والحقيقة أن المخرج حاول الخروج من ورطة تلو الأخرى، إذ يقول: «لا أحب عوالم الحدود التقليدية، كما لا أبحث عن شكل حداثي. وعادةً فإن الناس لا تحكي قصة بترتيب أحداثها نفسه، عالم أصلان مبني على تفاصيل متناثرة، وأحببت هذا العالم، ولم أُرد أن أقحم إشارات زمنية محددة».

وينفي المخرج أن يكون تململ المشاهدين يعود إلى عيب ما في التوليف. ويضيف: «الاحساس بإيقاع الفيلم مسألة ذاتية تختلف من شخص إلى آخر، وربما تكون كثرة الشخصيات وتشعبها سبباً في تسلل هذا الشعور إلى بعض المشاهدين. أما أنا فقد سعيت إلى صياغة أقرب للشعر تلملم كل الحكايات والشخصيات، واستعنت براوٍ لإضفاء جو الحكايات الشعبية، وكلها اختيارات أتت حسب رؤيتي للفيلم، وقد تصيب أو تخطئ».

وأكد مجدي أحمد علي أنه لا يصنع فيلماً من نوع الأفلام التي تعظ الناس أو تريد أن توصل رسالة أخلاقية، واصفاًً هذه الأفلام بالفاشلة إذ لا تقدم سينما حقيقية.

أفرد مجدي مساحة واسعة لشخصيتي عبد الرحيم، الريفي، الأقرب للفوضوي، عاشق الحياة أو الباحث عنها، وبسيمة التي تشبهه كثيراً ولكنها أكثر وضوحاً وانساقاً مع نفسها. يجمعهما الحب منذ البداية لكنها تتركه عندما وجدته يخجل من الخروج معها في الشارع، وتلمح في عينيه أنه يصدق ما يشاع عن مسيرتها «البطّالة».

يجمعها المخرج مرة أخرى بعد مرور السنين الطويلة، هي أصيبت بمرض خطير وتقيم في مستشفى حكومي، وهو نال منه المرض والسن وأصبح أباً لثلاثة أولاد وخالاً لاثنين. خاض تجارب نسائية أو بالأحرى مغامرات، صورها مجدي أحمد علي كما جاءت في الرواية بحذافيرها، حتى شغلت مساحة لا بأس بها من زمن الفيلم. يعيشان لحظات من الحب والحنان خارج الزمان، يرتبان الحكاية من أول وجديد على هواهما.

في المقابل، كان سيئاً تهميش شخصية مدهشة مثل «سي البهي» زوج أخت عبد الرحيم والذي يتولى شؤونه في البداية، هنا حتى محمود الجندي كممثل قدير عادة لم يستطع الدخول في روح هذا الرجل «الشقيان» الذي يجسد فكرة الطبقة الوسطى حقاً، ومعايشة شخصيته الحقيقية كما جاءت في الرواية جاعلة الفضول يستبد بمن قرأها، لم يكن الجندي بكل اجتهاده مع المخرج على قدر هذه الشخصية. الفيلم حزين ولكنه لا يصل إلى حد التجهم ولا يبلغ الشجن. نهايته المفتوحة في كل الاتجاهات والاحتمالات منحته تشويقاً كان في حاجة إليه.

وجاء فوز بطل الفيلم فتحي عبد الوهاب بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة، مناصفة مع الهندي سويرات عن استحقاق، إذ كان متوهجاً ولامعاً في كل مشاهده وكانت الجائزة أبلغ تعويض للمخرج عن فيلم جميل، ربما يحبه الجمهور ويقع في أسره أو يرفضه وله من الحالتين ما يبرر موقفه. وهذا هو، على أية حال التعامل المعتاد مع عالم إبراهيم أصلان الروائي الذي اقترب منه المخرج داود عبد السيد في ملحمته «الكيت كات» عن «مالك الحزين» وعلى رغم إغفاله بعض أحداث الرواية والتي هي أيضاً أحداث حقيقية. ولقد قال مجدي أحمد علي إن فيلمه أيضاً يدور في الجو الآسر لعالم أصلان ويبقى الزمن وحده ليضع الفيلم في مكانه.

الحياة اللندنية في

18/12/2009

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)