حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

عذراء الشاشة

بقلم : إيريس نظمي

أعطت حياتها وسنوات عمرها من أجل سينما جادة ملتزمة.. كانت السينما بالنسبة لها رسالة.. حفرت في الصخر من أجل نشرها.. وقدمت من خلالها أهم مشاكل جيلها.. لم يساندها ولم يساعدها أحد.. وقدمت تضحيات كبيرة من أجل ما هو هادف وبناء.. وأثرت الشاشة الكبيرة بأفلامها السينمائية المتميزة لتصبح من أهم ممثلات ورائدات السينما المصرية.

إنها ماجد الصباحي واحدة من ألمع نجمات السينما في جيلها.. من الصعب أن يتحدث ناقد أو مؤرخ سينمائي عن السينما المصرية وتاريخها دون أن يتوقف عند أفلام ماجدة »انت عمري« و»جميلة بوحريد« أو »جميلة الجزائرية« و»المراهقات« و»الرجل الذي فقد ظله« و»العمر لحظة«.. وأفلام أخري عديدة ناجحة قدمتها ماجدة من خلال عمرها الفني كممثلة ومنتجة.. وأيضا كمخرجة بعد أن خاضت تجربة الإخراج وقدمت »من أحب« وإن لم تكرر التجربة.

لم أعرف ماجدة علي المستوي الشخصي إلا بعد أن شاهدت فيلمها »جميلة بوحريد« عام 1958 أو »جميلة الجزائرية« الذي أنتجته - لأنها تعرف جيدا أن أي منتج لن يغامر بأمواله لإسناد بطولة فيلم لممثلة صاعدة - وقامت ببطولته وأسندت إخراجه إلي المخرج العالمي »يوسف شاهين« فقد جعلتني أبكي وأنا أشاهد الفيلم.. ونادرا ما يبكي الناقد لرؤية فيلم ميلودرامي مؤثر لأنه يركز في ماذا سيكتبه.. ولشدة تأثري بالفيلم كتبت أشيد بها في باب »عزيزي«.. الذي كنت أقدمه بشكل منتظم وطوال سنوات طويلة.

وبدأنا نتصل ببعضنا أنا وماجدة من خلال التليفون.. فهي تتصل بي أيام العيد لتهنئني كما أتصل أنا أيضا بها.. وقد حظيت ماجدة بخمسة أفلام من أهم 100 فيلم منذ بداية السينما بعد الاستفتاء الذي أجراه سعد وهبة واشترك فيه كبار النقاد.

< < <

إن ماجدة لم تعش مراهقتها.. وإنما عاشتها في فيلم »المراهقات«.. فهي الفتاة المصرية القادمة من المنوفية والتي تنتمي للعائلة المصرية المتوسطة.. الفتاة مسلوبة الإرادة التي يوجهها أهلها كالدمية.. ولا تستطيع أن تعبر عن نفسها.. وليس لها أي نوع من الحرية في الوقت الذي تعطي فيه الحرية المطلقة للولد.. فأخوها مصطفي ضابط البوليس ومأمور السجن كان يعيش معها تحت سقف واحد.. ولك أن تتخيل ذلك.. ولم تحس ماجدة يوما ما بأي نوع من الخصوصية.

قالت لي ماجدة ونحن »ندردش« معا.. »لم أعش مرحلة المراهقة ولا نضوجي كفتاة وكامرأة وإنما مثلتها علي الشاشة.. ولم يقف أحد بجانبي ليعينني في هذه الرحلة وإنما مشيت مشواري وحدي لأقدم سينما جادة ملتزمة تعبر عن قضايا المرأة في مراحل حياتها.

لم نتعامل معا كنجمة وناقدة ولكن كأصدقاء.. لا تبخل بالرد علي أي سؤال بعكس النجوم الذين يقولون لك (لأ بلاش السؤال ده) أو (لا تعليق).. فهي امرأة عادية جدا لا تحسسك أبدا أنها فنانة رغم ما قدمته للسينما من أفلام لا بصمات.. بل هي اضطرت للإنتاج لكي تمثل الأدوار التي تحبها. وكان فيلم »أين عمري« قصة إحسان عبدالقدوس أول إنتاج لها وهو الفيلم الذي أحدث ضجة وثورة اجتماعية في مرحلة من مراحل السينما المصرية المتدهورة. وكان أول انطلاقة لإحسان في عالم السينما.. فهي البنت الصغيرة المراهقة التي رباها »عمو عزيز«.. وبعد مارباها استخسر أن يزوجها لأي حد.. فتزوجها رغم الفارق الكبير في السن وكانت فرحانة أنها تزوجت »عمو« وسعيدة بالفستان والطرحة والكعب العالي.. وتكون مستقلة في حياتها.. لا تفهم المأساة التي ستقع فيها.. هذا الموضوع وهو الزواج المبكر مازال قائما حتي الآن في مجتمعنا »وأذكر أنني ذهبت لإحسان واشتريت منه القصة بـ500 جنيه وكان مبلغا كبيرا ادخرته وجاملني إحسان.. لأني صغيرة.

وكانت أمي تساندني بعكس أبي وطلبت منها أن ترهن أرضها لكي تعطيني خمسة آلاف جنيها كسلفة، عشان ابتدي بيهم.. أعطيت منها 1500 جنيه لكاتب السيناريو علي الزرقاني.. وأخرجه لي أحمد ضياء الدين.

كان اسمي عفاف الصباحي فغيرته إلي ماجدة لكي لا يعرف أهلي في المنوفية والصعيد ذلك.. ولكن انكشف الموضوع بعد أن كتب إحسان في روزاليوسف أنني »چينفر جونز« المصرية.

والمعروف أن ماجدة شاركت بالتمثيل مع فاتن ومديحة يسري وفريد الأطرش في »لحن الخلود« كن »ڤيدتات« السينما.. ولأول مرة يكتب اسم ماجدة الوجه الجديد.


أطلق عليها إحسان عبدالقدوس اسم عذراء الشاشة لأنها أعطت حياتها وكفاحها وحبها للسينما
.

وسألت ماجدة مرة: كنت عذراء الشاشة.. لكنك تزوجت وأنجبت غادة فردت ضاحكة »ورجعت عذراء«.

توقفت ماجدة عن العمل بعد آخر فيلم لها »ونسيت أني امرأة« إنتاج التليفزيون وهذا ما انطبق عليها فعلا.. خاصة بعد أن مرت بظروف صعبة.. وفاة الأم التي ساندتها.. والأب.. وحدث الطلاق.. وكبرت المشاكل.

< < <

قدمت ماجدة مراحل هامة في الحياة عاشتها علي الشاشة.. »المراهقات« و»أين عمري«.. وأهم قضايا الشباب مثل »السراب« و»الحقيقة العارية«.. كما قدمت الأفلام الوطنية التي عبرت فيها عن كفاح الشعوب العربية ضد الاستعمار وكان لفيلم »جميلة« عن حرب الجزائر أثر علي الرأي العام العالمي وساهم في قضايا تحرير الشعوب.. كما قدمت »العمر لحظة« عن حرب أكتوبر.. فلم يعطوها أي مساعدات.. وهذا الفيلم هو الوحيد الذي يعرض في ذكري حرب أكتوبر، ولكنه أوقف إنتاجها »فقد كلفني ربع مليون جنيه وكان رقما قياسيا وأكثر البلاد العربية لم تشتره لأنه سرق فيديو ومن هنا جاءت الضربة القاضية التي أوقفت إنتاجي وجابت ضلف المكتب.

< < <

سافرت بصحبة ماجدة مرتين أو ثلاثا.. الأولي في أحد مهرجانات الجزائر وكنا نشترك بفيلم »الكداب« الذي حصل به محمود ياسين علي جائزة أحسن ممثل عام 1975.

وكنت أتصور أنهم سيستقبلون ماجدة ويحتفلون بها من أجل فيلمها »جميلة الجزائرية«.. الفيلم الذي أشعل الثورة في كل بلاد العالم العربي ضد الاستعمار.. لكني لاحظت أن الاستقبال كان فاترا.. وكان المفروض أن تلتقي »الجميلتان« معا البطلة الحقيقية وبطلة الفيلم.. لكن ذلك لم يحدث.. فلم تكن جميلة الحقيقية موجودة وسافرت ماجدة إلي مدينة الجزائر لتلتقي بها لكنها لم تكن موجودة واستقبلتها الابنة.
وفي المرة الثانية سافرنا معا إلي الصومال هي وممدوح عبدالعليم وأنا واثنان من وكلاء الوزارة طبقا للتبادل الثقافي بين البلدين.. ولم يكن لهذه السفرية أي صلة بالثقافة والفن
.. كما غضبت ماجدة لأنهم حجزوا لها في الطائرة تذكرة سياحية وليس في الدرجة الأولي.. ولها كل الحق في ذلك.. فالمفروض أنه أقل تقدير للفنان.. ولو كان أحد من الفنانين مكانها لنزل من الطائرة.. والحقيقة أنها كانت رحلة غير ممتعة.. كل ما حظينا به هو هدية من الملك عصايتان من سن الفيل للذكري.. وحتي هذه الذكري نسيتها لأن عصاتي سرقت مني.

آخر ساعة المصرية في

15/12/2009

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)