حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

نسيت أن أقول لك..!

نعمـة الله حسين

نسيت أن أقول لك رغم أنك أهم شخص في حياتي.. وقبل أن ترحل عن هذا العالم »إني أحبك«
أنت يا من كنت مصدر سعادتي..
وبهجتي.. وينبوع الفرح المتجدد والسعادة في حياتي.. »نسيت أن أقول لك إني أحبك« واهمة إذ اعتقدت أنك تدركها جيدا.. وتعلم مداها.. ولا تحتاج لسماعها.. تدركها.. وتلمسها من خوفي وقلقي عليك.. وشوقي واشتياقي.. واحتياجي إليك في كل الأفعال والتصرفات الصغيرة والكبيرة.. والتي لاتعني سوي شيء واحد »إنني أحبك«.

لكن مع ذلك نسيت أن أقول لك بصوت عال إني »أحبك« لكي تأمن وتطمئن.. فالحب يحتاج لأمان واطمئنان.. وقد أعطاني حبك الأمان.. والاطمئنان .. فهل تسامحني؟

نعم أريدك أن تسامحني.. ولا تنساني كما نسيت كل شيء.. ولم تعد تذكر شيئا بعدما أصابك هذا المرض اللعين »النسيان« أو »الألزهايمر« ليعود بك طفلا صغيرا لا يعي أو يعرف شيئا تضيع منه الخبرات .. وليس بقادر علي أن يكتسبها .. ومع النسيان والتوهان يبقي الإذلال النفسي والمرارة والحزن محفورين علي الوجه ونظرة العين البائسة لكل من وصل إلي هذه المرحلة من المرض اللعين.. وبات لايستطيع أن يعرف أو يتعرف علي أصغر وأدق وأتفه الأشياء.. فهو عاجز عن أن يرتشف نقطة ماء بنفسه.. أو مضغ لقمة ولو  صغيرة تظل عالقة بالفم لايدرك ماذا يفعل بها لتكون ذروة المأساة عند العجز عن قضاء حاجته الطبيعية.. في دورات المياه.

وباسم هذا الحب المعلن الذي نسيت أن أقوله لك.. قررت أن أساعدك علي أن ترحل بهدوء عن هذه الدنيا التي كنت ملء السمع والبصر فيها.. ترحل بدون عذاب أو ألم.. لأني لم أعد أتحمل أنا وكل من أحبوك وبت لاتعرفهم، نظرة الحزن والذل والإهانة المطلة  من عينيك دون أن تفهم أو تعي مايحدث لك.

هو .. »عمر الشريف« أو »جوم« في أحدث فيلم يقوم ببطولته »نسيت أن أقول لك«.. الذي يعد العمل الروائي الطويل الأول لمخرجه الفرنسي »لوران فيناس ريمون« أما هي »الممثلة الشابة« »إيميلي دوكين« أو »ماري« فتاة في العشرينات  من عمرها أمضت في الأحداث ستة شهور عقوبة علي حادث سرقة دفعتها الظروف الصحية السيئة إليه.. وبعد الإفراج عنها.. قررت أن تسافر إلي جنوب فرنسا وبالتحديد إلي منطقة »بربينيان« حيث مزارع العنب والفاكهة.. وذلك كي تتعافي وتعمل وتنسي ماحدث  لها، في هذه المنطقة الرائعة التي تبدو أقرب للريف منها إلي المدن، تلتقي »بجوم« فنان ورسام وعاشق للحياة والجمال.. في شبابه أيضا كان بطلا في سباق الدراجات.. تربط بينهما رغم فارق السن صداقة وعاطفة  صادقة.. فهي تري فيه صورة الأب.. والمعلم.. وهو يعتبرها بمثابة الابنة التي لم يرزق بها.. تتسلل إلي حياته ببطء.. يكتشف فيها مشروع فنانة.. يقرر أن يساعدها ويتبناها معنويا رغم عدم ترحيب شقيقته بذلك.. لكن أمام صدق مشاعر الفتاة تتقبلها.. المنزل والقرية كلها تعيش في حالة تجانس وتواؤم مع الطبيعة الساحرة رغم وصول »جوليان« شبح الماضي في حياة »ماري«.

»عمر الشريف« في واحد من أروع وأجمل أدواره علي الإطلاق، والذي أعتقد أنه سوف يحصل عنه علي جائزة أحسن ممثل من مهرجان »دبي« حيث يشارك في المسابقة الرسمية.. استطاع أن يسحرنا بأدائه الرائع  لشخصية »جوم« وبداية مرحلة »النسيان« أو »الألزهايمر« والذي بدأ بأشياء صغيرة قد لايلتفت إليها أحد لينتهي به الأمر بعدم تعرفه علي نفسه عندما ينظر  في المرآة.

خيوط جميلة مغزولة بإنسانية شديدة من خلال سيناريو رائع كتبه المخرج »لوران« اشتق الكثير من أحداثه من خلال واقع عاش البعض منه مع أناس أحبهم لكنهم في النهاية نسوا أنفسهم ونسوه. ورغم أن »ماري« في نهاية الفيلم وأمام الحالة الإنسانية المزرية التي وصل إليها »جوم« قررت أن تنهي حياته.. دون أن نلومها أو يدينها أحد بمن فيهم الطبيبة التي كانت صعبة المراس. لأنها أدركت أن »ماري« عندما تسللت وأعطت »جوم« جرعة زائدة من الدواء.. إنما كانت ترحمه.. ولا تقتله.

وهذه القضية قد تكون محسومة لدينا دينيا  لكنها في الخارج مثار حوار طويل وجدل شديد والكثيرون ينحازون ويطالبون بأحقية »الموت الرحيم« لمن هم في مرحلة العذاب والألم المرضي ولا أمل في شفائهم أو تحسن حالتهم علي الإطلاق.

والمؤلم جدا أنه في حالة مرض »الألزهايمر« قد لايكون مصحوبا بأي مرض عضوي مؤلم لكن ثبت أن المريض يشعر بنوع من »الألم النفسي« وإحساس كبير »بالذل« دون إدراك حقيقي للسبب.. وأن هذا الألم النفسي قد يفوق الألم الجسدي  بكثير.

وعودة مرة أخري للحديث عن »الحب والحياة« يقول لي »لوران« مخرج وكاتب السيناريو: إننا في الحياة كثيرا ما نخطيء عندما لا نصارح من نحبهم بأننا نحبهم معتقدين أن أفعالنا تترجم هذا الحب ولا تحتاج للمجاهرة به .. وكأنه حالة ضعف نخجل منها.

»لوران« إلتقيته في القاهرة أثناء مهرجانها السينمائي.. وإن لم يعرض الفيلم في إطار المهرجان لأنه كانت هناك قضية منظورة في المحاكم بين المخرج وأحد منتجي الفيلم، والحقيقة أن المهرجان لم يكن موفقا في عدم عرض الفيلم.. لأن »لوران« كسب القضية قبل وصوله إلي القاهرة.. وإن كانت »لطيفة فهمي« قد عرضته في المركز الثقافي الفرنسي في نقطة تحتسب لها بجدارة.. وهاهو اليوم في »دبي« ومهرجانات أخري.. ولذلك كان جميلا من »لوران« أن يقول لي »مصر وشها حلو علي«.

لوران من مواليد عام 66 في منطقة »بربينيان« التي تم تصوير الفيلم بها.. وربما لميلاده ونشأته بهذه المدينة هو ماجعله قادرا علي إبراز جمالها وجعلها خلفية جمالية للفيلم تبدو كلوحة لأحد الفنانين الشهيرين.

عمل لوران في مجال السينما كمساعد مخرج وكسيناريست في مجال الأفلام الروائية القصيرة.. ليقدم فيلما روائيا قصيرا بعنوان »الطفل الذي يعرف النساء«.. و»نسيت أن أقول لك« هو أول أفلامه الروائية الطويلة والتي تنبيء بميلاد مخرج موهوب، فاحفظوا اسمه جيدا ولاتنسوه.

أما عن علاقته بعمر الشريف فيقول إنه فنان عظيم.. متواضع.. شديد الالتزام عندما التقي به وترك له السيناريو.. أجابه بحماس شديد إنه موافق.. وكان العمل شديد الإقناع أثناء التصوير بسبب الود والحب  الشديد الذي يغمر به عمر كل العاملين معه.

ويبتسم »لوران« وهو ذو الطبيعة الخجولة.. وهو يقول لي : ليتنا جميعا لا ننسي أن نقول لمن نحبهم.. إننا نحبهم بصوت عال.

آخر ساعة المصرية في

08/12/2009

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)