حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

رأيت ملكة الضحك وهي تبكي

بقلم : إيريس نظمي

أحببت ماري منيب من خلال مسرحياتها وأفلامها.. وأحببتها أكثر حينما التقيت بها مرات في بيتها.. المنزل الذي عاشت فيه طوال حياتها بشبرا ولم ترض عنه بديلا.

حينما سألت عن بيتها الذي لا يحمل رقما معينا، قال لي المكوجي »هذا هو بيت الست ماري«. بيت قديم في أحد شوارع شبرا الضيقة.. دور واحد يتميز بأعمدته الطويلة ونوافذه العالية العريضة وأثاثه القديم.

استقبلتني الست ماري بالترحاب وكأنها تعرفني من قبل: »أهلا يا ألف مرحب.. اتفضلي ياروحي«. جلست في الصالون الذي لم يكن من الموبيليات الحديثة.. قدمت لي الشاي.. ولما بدأت أشربه، قالت »حطي شوية لبن تكسري سمه«. وبدأت أتابع حديثها الشيق الذي تحس فيه بالبساطة والصدق.. وحينما طال الحديث طلبت لي فنجان قهوة.. ومع تتبعي لحديثها نسيت القهوة..

»خدي شفطة يابت.. وكأنها صديقة تضحك معي«


وكانت ماري منيب وقتها تمر بأزمة
.. وسألتها يومئذ عما إذا كانت حالتها تسمح لها في أي وقت أن تضحك الناس؟ ورأيت دموعها تنهمر علي خديها بغزارة.. وكانت أول مرة أري فيها دموع ملكة الضحك ونجمة الكوميديا وهي تقول لي: »ماتت أمي في الخامسة مساء.. وفي التاسعة والنصف كنت واقفة علي المسرح ودمعتي علي خدي.. وزوجي - رحمه الله - جاءني خبره علي المسرح.. وأختي التي كانت مريضة بالسل واللي كانت روحي فيها، ظللت سنتين أمثل علي المسرح وفي كل ليلة كنت أتوقع خبر وفاتها إلي أن جاء خبر وفاتها وأنا علي المسرح.. والحب الكبير الذي ترك جرحا عميقا هو أستاذي نجيب الريحاني قضي عليّ وعلي صحتي.

كانت ماري تقف كل يوم علي خشبة المسرح تمثل وتضحك الجمهور وهي تبكي كل عزيز فقدته.. والجمهور يضحك دون أن يحس بدموعها.

تربعت علي عرش الكوميديا أكثر من أربعين عاما.. وماتت وهي تؤدي عملها حتي آخر دقيقة من حياتها..

أخذت من الريحاني خفة الظل وحضور البديهة وسرعة الخاطر.. قادرة علي الإضحاك في أي وقت.. بنت البلد سليطة اللسان.. الهانم التركية بتعاليها الكاذب.. الحماة التي طالما نكبت الأزواج.. العانس التي طالما لاحقت الشبان في عمر أولادها.. أحد معالم الكوميديا.. وألذ عجينة قدمها مطبخ الضحك الرفيع.. مسرح الريحاني كما كان يسميه.

كانت البطولة للكوميديان الرجال.. وأصبحت هي بريمادونة المسرح..

قالت لي الست ماري كما ينادونها »أنا ست فنانة وبس.. لا أبحث عن الشهرة.. الشهرة هي التي تجري ورايا.. لا اشتريت عربية وطول عمري أركب التاكسي وسأظل هكذا.. لسه ساكنة في شبرا ولن أفكر في الانتقال إلي الزمالك أو جاردن سيتي«.

< < <

أما بالنسبة للتليفزيون قالت لي ماري منيب حكايتها معه.. وهي حكاية تموت من الضحك والأسي: حينما افتتح التليفزيون وفي بداياته.. طلبوها لعمل مسلسل »الست نجفة« وبدأت البروفات.. وبدأ المخرج يقول لها طلبات غريبة.. منعها من ترديد الجمل التي اشتهرت بها علي المسرح.. وحتي ضحكتها التي تميزها.. »وتصورت أن الشيء الجديد الذي يسمونه التليفزيون يقتضي هذا.. حدد المخرج موعد التصوير الساعة السادسة.. فطلبت منه أن يؤجله ساعة واحدة أي الساعة السابعة. قال »دا تليفزيون ياست ماري« وذهبت في الموعد المحدد فوجدت الديكور غير موجود.. لايزالون يعدون الاستوديو »طلبت فنجان قهوة.. وفنجان قهوة ثاني وفنجان قهوة ثالث.. وقد غطت الأتربة وجهي ولم أحتج لأن التليفزيون شيء جديد في حياتي.. وفي التاسعة حضر بعض الممثلين.. ثم ظهر المخرج ووضع يده في جيبه وصاح في وجهي »ستاند باي«.. وسألت »ستاند باي« يعني إيه؟.. يعني الشغل سيبدأ.. قلت يافرحتي.

دارت الكاميرا وفوجئت ببعض الممثلين الذين سيقفون أمامي غير موجودين.. وهذا معناه إعادة تسجيل الحلقة من أولها.. وتصرفت قلت كلاما كثيرا من رأسي مش موجود في الرواية حتي لا يوقف التصوير. عاد الممثلون من المسرح بعد انتهاء أدوارهم في فرقهم المسرحية.

وصاح المخرج: »ستوب«

ـ لازم نسجل الحلقات من الأول بعد حضور الممثلين

ـ »ستاند باي«

كانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل.. وفقدت أعصابي وأنا أصرخ حرام عليكم حتموتوني.. أنا ست مريضة بقلبي.. مش شغالة تاني في التليفزيون حتي لو دفعوا لي مائة جنيه عن كل دقيقة.. وخرجت غاضبة من البلاتوه »لم أحس بالأسف لأني قد تسببت في وقف حلقات »الست نجفة« بل علي العكس فقد لقنت المخرج درسا لن ينساه مدي حياته.

< < <

قالت لي إنها استطاعت أن تعيش مستورة، فكانت تدخر من مصروفها ومن أكلها للغد بعد تربية الأولاد. تحقق لها ما أرادت من الأمان المادي الذي فشل عدد من فنانينا في تلك الفترة في توفيره والأمثلة كثيرة..

< < <

كانت تلميذة الريحاني الوفية.. تمرد الكثيرون علي مسرحه بعد أن توفي لكنها لم تتمرد.. وقد فصل لها بديع خيري بطولات علي مقاسها.. ورسم لها الأدوار التي تتألق بها.. وتغسل قلوب الناس من الهموم.. تضحك الناس حتي ولو لم تتكلم.. واختلفت مع عادل خيري عام 1963 لتكون مسرحا لها.. ثم عدلت بعد ذلك بعد أن أحست بالضياع كالسمكة التي خرجت من البحر.. ولم تجد المعالم التي تذكرها بأستاذها وبالكتاكيت الصغيرة التي تركتها تنمو.

< < <

أما بالنسبة لأدوارها فقد أدتها بخفة ظل دون أن تكرر نفسها بعد أن كانت البطولة للرجال.

< في »إلا خمسة« براعة في الأداء الكوميدي.. تسأل عادل سؤالا واحدا »إنتي بتشتغلي إيه؟« وتردده أكثر من 20 مرة.. وفي كل مر ة بشكل مختلف.. وفي كل مرة تثير الضحك.

< في »لو كنت حليوة« تمثل دور العانس المتصابية.

< في »استني بختك« صديقة ميمي شكيب التي تزودها بالنصائح لكي تنال رضا زوجها.. ولكن يحدث العكس.

< »ياما كان في نفسي« دور الريفية التي تلتقي بشاب (عادل خيري) الذي جاء يخطب عروسة له فإذا بها تبادله التدليل بشكل مثير للضحك.

أما في السينما فقد مثلت ثلاثة أفلام شهيرة أمام إسماعيل ياسين.

< حماتي قنبلة ذرية و»الحموات الفاتنات« و»خلف الحبايب«.

< < <

كانت عنصرا أساسيا لاستمرار مسرح الريحاني تثير الضحك وهي تؤدي دور الحماة. وهذا الدور بطبيعته يعتبر من الشخصيات المكروهة.. بينما هي صنعت منه أدوارا محبوبة.

< لم تدرس الأداء التمثيلي في المعهد العالي للفنون المسرحية ومع ذلك تستحق أن تدرس كفنانة صاحبة مدرسة.

فنانة صادقة مع نفسها ومع الناس.. الحب والود امتزجا معها الفرق بين الضحك والبكاء دقيق..

لا أذكر موقفا لم أتعاطف معها سواء شخصية مكروهة أو محبوبة.

< تجتذبها السينما فتصبح الأم المرحة والحماة الرهيبة والعانس التي تضحك الناس.. حتي ولو لم تتكلم.

آخر ساعة المصرية في

08/12/2009

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)