لقاء مع بسام الذواي

أجراه حسن حداد لمجلة هنا البحرين

بتاريخ 25 يونيو 1990

 
 
 
 

فيلم

الحاجز

 
 
 
 
 
 

بسام الذوادي:

لست ديكتاتوراً.. أنا مخرج..!!

حاوره: حسن حداد

 
 

·        يكفيني أنني حققت حلمي بصنع هذا الفيلم.

·        أحتاج إلى منتج جريء ويمتلك وعياً فنياً.

·        سواء نجح الفيلم أو فشل فحتماً سيكون هناك فيلم آخر.

·        المبالغة في الأداء اضرت كثيراً بالممثلين عندنا.

·        مع أمين صالح اكتشفت أنني أجد ذاتي.

·        نسعى لوجود متفرج إيجابي وليس بطل إيجابي.

 

هكذا تحقق ذلك الحلم القديم.. الحلم بوجود فيلم روائي بحريني. وها هي التسعينات تشهد بداية السينما الروائية في البحرين. وسوف يسجل التاريخ هذا الحدث الثقافي الهام.

أما بسام الذوادي، فهو فنان دخل تاريج الفن والثقافة في البحرين من أوسع أبوابه، وذلك بانتاجه وإخراجه لفيلم "الحاجز".

بسام الذوادي.. هذا الفنان المليء بالطموح والحماس الفني، والقادر دائماً على التحدي في ظل إمكانيات متواضعة إن لم نقل ضعيفة.

كان لقاؤنا مع بسام الذوادي، هذه المرة، يختلف كثيراً عما سبق، فتصريحاته وإجاباته في معظم المقابلات الصحفية السابقة، كانت تكشف عن ذلك الفنان المخذول، غير القادر على تحقيق الحلم/ الفعل. كان عشقه الأول السينما، وفي نفس الوقت كان يصطدم بحواجر كثيرة بمجرد التفكير في تحقيق حلمه هذا.

إذن ما العمل.. لابد من عمل شيء غير عادي، فكان التفكير بالانتاج. وكان قرار بسام هذا، بمثابة الفتيل الذي أشعل كل تلك الطاقات الفنية الكامنة، والتي كانت تنتظر، فقط، ذلك المغامر الجريء. عندها وجد بسام نفسه وسط نخبة من الفنانين والفنيين المهتمين بالسينما، والذين يحملون نفس الحلم، بتحقيق أول فيلم روائي بحريني.

من هنا، وبعد أن تحقق الحلم، ذهبنا إلى المخرج والمنتج البحريني بسام الذوادي، لكي تحتفل معه بالمولود الأول. وكان هذا الحوار السينمائي.

·         الأن، وقد أنجزت "الحاجز".. أول فيلم بحريني روائي طويل.. كيف تنظر إلى هذا الإنجاز؟

أشعر بأنني قد حققت حلماً راود عدد من محبي السينما، وبالأخص أولئك الذي بدأوا قبلي في تنفيذ محاولات أو تجارب سينمائية بامكانيات متواعة وبأشكال جنينية، حيث كانت محاولاتهم عبارة عن أفلام قصيرة أو تسجيلية. وتحقيقي لهذا الحلم أعتبره إنجازاً مهماً على هذا الصعيد. وأتمنى أن تكون هناك محاولات أخرى في مجال الفيلم الروائي الطويل.

·         كيف بدأ اهتمامك بالسينما، وكيف تحول هذا الاهتمام إلى رغبة في الاشتغال بها وتنفيذ أعمال سينمائية؟

كان لوالدي تأثير غير مباشر، فقد كان مهتماً بالتصوير الفوتوغرافي، وكان يملك كاميرا صغيرة. كانت لدي رغبة شديدة في استخدامها بنفسي، غير أنه لم يكن يسمح ل بذلك نظراً لولعه بها وخوفاً من أن أسيء استعمالها. كان ذلك في الستينات، وآنذاك كنت شغوفاً بالمجلات المصورة، وتقمص شخصياتها. كان من المفترض أن يوجهني ذلك إلى التمثيل، لكنني كنت مأخوذاً بفكرة صنع أو رسم هذه الشخصيات وتحريكها، بمعنى إخراجها. إشترى لي والدي فانوساً يعرض شرائح الصور. وبعد فترة اشتريت آلة عرض مع أفلام بالأسود والأبيض وبحجم 8 ملم. وفي عام 1973 حصلت على كاميرا سينمائية مع آلة عرض وشاشة صغيرة، بمبلغ 60 دينار، والذي يمثل راتب شهرين من العمل أثناء الإجازة الصيفية. وبهذه الكاميرا صورت فيلمي القصير الأول، الصامت طبعاً، وكان موضوعه عن المخدرات، مستخدماً العمال الآسيويين كممثلين. واصلت تصوير الأفلام القصيرة حتى ألحت عليّ الرغبة في دراسة السينما، فالتحقت بالمعهد العالي للسينما بالقاهرة في العام 1979.

·     إلى جانب دراستك في معهد السينما، هل استفدت عملياًمن تواجدك في مناخ سينمائي خصب، نعني السينما المصرية؟

بصراحة لم أستفد كثيراً. كطلبة، اشتغلنا مع بعض الخرجين مثل هشام أبو النصر في فيلمه "الأقمر"، ومذكور ثابت في أفلامه التسجيلية، وأحمد ياسين. إضافة إلى حضوري تصوير أفلام مصرية كثيرة. لقد كان لأستاذي في المعهد الفنان محمود مرسي فضل كبير في توجهي وتركيز اهتمامي بالاخراج السينمائي. مع ذلك، أشعر بأنني لم أتأثر بمخرج معين، فما كنت أشاهده هناك لم يرق إلى مستوى طموحنا كطلبة، نقرأ كتباً ونشاهد أفلاماً عالمية.

·     من المؤكد، عبر مشاهداتك لأفلام عربية وأجنبية، وتواجدك في ذلك المناخ السينمائي، في أنك شعرت باقتراب شديد من عوالم مخرجين معينين..!!

لاشك أن للمخرجين الكبار تأثير ما، وبخاصة على تكويننا كطلبة، من الناحيتين الفنية والفكرية. هكذا كان يوسف شاهين، الذي درسنا في السنة الأولى، يشكل حضوراً قوياً أمامنا، وكذلك فلليني وبازوليني. أمثال هؤلاء لابد وأن يتركو بصمات معينة في تشكيل رؤيتك للسينما. وإذا كان التأثر يعني تبني أو انتهاج نفس أسلوب ورؤية مخرج ما، فإنني لا أشعر بأن أحداً مثل هذا التأثير عليّ. بالنسبة للسينما المعاصرة، أهتم كثيراً بأفلام "آلان باركر"، و"كوبولا" الذي أعجبت بجرأته واستعداده للتضحية بأي شيء في سبيل تحقيق فيلم. كذلك "كيروساوا". إنني أهتم بالمخرجين الذين يتعاملون مع السينما كفن راق ويقدمون رؤى جديدة وأساليب مبتكرة.

·     حضرنا مؤخراً حفل الافتتاح لفيلمك "الحاجز".. وكان بالفعل عرساً ثقافيا في البحرين.. ما هو إنطباعك عن الحفل والعرض الأول؟

شعرت لحظتها بانفصال غريب عن الفيلم.. حضرت كأي متفرج آخر لا علاقة له بالفيلم. ربما لم يكن الأمر كذلك، ربما كنت في حالة غيبوبة، شاعراً بانفصال واتصال معاً، حضور وغياب معاً، فرح وخوف معاً.

وعندما انتهى العرض، أغمضت عينيّ وشعرت بالزمن يتوقف. اقترب مني شاب كان يحمل باقة ورد وقدمها لي قائلاً: (أجمل ما في الفيلم إنكم طرحتم أشياء تحدث في واقعنا لكنا لا نجرؤ على قولها). لقد أثر ذلك فيّ بعمق. شعرت بجدوى وأهمية ما أنجزناه، شعرت بأ،نا قد حققنا التواصل الذي ننشده، حتى لو مع متفرج واحد فقط. لقد محا هذا الشخص خوفاً رهيباً كان يملؤني أثناء العرض.

·         الفيلم طويل.. عبارة ترددت كثيراً من قبل الذين شاهدوا العرض الخاص كانطباع أولي.. ما هو تعليقك؟

المشكلة مع جمهورنا أنه اعتاد على أفلام ترفيهية تخاطب عواجفه وغرائزه أكثر مما تخاطب عقله ومشاعره معاً. وهذه الأفلام غالباً ما تحمل المقومات التجارية حيث تتسم بالحركة (الأكشن) والاثارة والتشويق وبقية عناصر الجذب الجماهيري. إنها تكرس مفهوم أن السينما سلعة تجارية غايتها التسلية والترفيه فحسب. وهذه الأفلام عادة ذات ايقاع سريع وتوظف كل ما من شأنه أن يبقي المتفرج مشدوداً ولاهثاً وراء أحداث الفيلم. فيلم "الحاجز" يمتلك إيقاعه الخاص والذي ربما لا يماثل ايقاع الافلام التي اعتاد عليها قطاع كبير من الجمهور، فرأى البعض بطأً في الايقاع وبالتالي تطويلاً غير ضروري. لكل فيلم، من وجهة نظري، ايقاعه الخاص والذي يفرضه الموضوع وطبيعة شخصياته ومجريات أحداثه وخاصية العلاقات بين الشخصيات. الايقاع البطيء ليس تهمة أو خاصية سلبية، والذين يرون ذلك لم يشاهدوا أفلاماً لغودار أو كيروساوا أو بيرتولوتشي. بالنسبة لطول الفيلم، وجدنا ـ أنا والكاتب أمين صالح والمونتير يوسف الملاخ ـ امكانية اختصار الفيلم وحذف بعض المشاهد واللقطات التي لا يؤثر خذفها على مسار الفيلم، وهذه اللقطات تبلغ حوالي 14 دقيقة.

·         وهل كان حضور المتفرج البحريني والعربي طاغياً أثناء تصويرك للفيلم؟

طبعاً.. ليس أثناء التصوير فحسب، بل قبله وبعد عرض الفيلم. العملية السينمائية ليست كتابة وإخراج وتصوير لعمل فني، وإنما هي بالأساس محاولة للاتصال بالمتفرج. التفكير في مدى تقبل واستيعاب المتفرج للفيلم مسألة نسبية بالطبع، وتعتمد على المستوى الثقافي للفرد، والتذوق السينمائي والفني لديه. كل ما أتمناه أن يتفاعل المتفرج مع الفيلم، ويثير في نفسه الرغبة في البحث والفهم لما يدور حواليه وداخل ذاته.

في السينما هناك متفرج واحد، وإن كان متعدد الجنسيات والثقافات. السينما فن عالمي، وفيلمنا لا يخاطب المتفرج البحريني فحسب، بل أيضاً المتفرج العربي والأجنبي. فالثيمات المطروحة تهم، في اعتقادي، كل شخص يعيش في عالمنا، وبامكان أي متفرج التفاعل والتواصل مع القضايا التي يتناولها الفيلم.. حتى تلك القضايا التي تخص المرأة.

·     شخصياً.. حضرت تصوير بعض مشاهد الفيلم، ورأيت بنفسي كيف تصنع السينما، وكيف تكون المعاناة الشديدة والجهد الكبير من أجل تصوير لقطة واحدة قد لا تتعدى الثواني.. وكانت بالنسبة لي تجربة جميلة وممتعة ومهمة جداً.. ولكن من السهل على المتفرج أن يرفض هذه اللقطة.. فما هو تعليقك؟

إنك تتوجه بفيلمك إلى الجمهور، وتتوقع أن يصدر حكمه على فيلمك كعمل فني منجز بصرف النظر عن درجة معاناتك في تحقيقه، أو مدى الجهد والمال الذي بذلته في سبيل ذلك. الجمهور ليس معنياً بالمسائل التي تتصل بالعمل من خارجه، أي كيفية تنفيذه والمدة التي استغرقها التصوير. بالتالي من حقه أن يرفض لقطة أو مشهد سيء من وجهة نظره حتى لو استغرق تصويره أياماً عديدة، ومن حقه أيضاً أن يعجب بلقطة أ, مشهد صورته في دقائق.

·     الفيلم لا يتعامل مع الحدوتة التقليدية في السينما، وإنما يقدم حالات ومشاعر وتفاصيل متراكمة، والتي بدورها تشكل عالماً خاصاً لكل شخصية.. كيف غامرت باخراج فيلم يبتعد عن الأسلوب التقليدي ويطرح الجديد في السينما، خصوصاً أنها أولى تجاربك الروائية الطويلة في الإخرج؟

في الواقع، الفيلم يعتمد على حكاية ما، لكنها مطروحة ومعالجة على نحو غير تقليدي. لو تأملنا شخصيات الفيلم نجد أن لكل شخصية عالمها الخاص، لكن هذه العوالم متصلة ببعضها ضمن نسيج فكري وفني واحد. إنها شخصيات متلاحمة ويصعب فصل إحداها ع الأخرى. هناك تقارب وتنافر فيما بينها عند نقاط معينة. الكثيرون قالوا بأن الفيلم عبارة عن مجموعة من الحكايات تتصل عبر نسيج درامي، وأنا أختلف مع هؤلاء. فالفيلم ـ كما أشرت ـ عبارة عن حكاية واحدة لكن بشخصيات متعددة تحمل كل منها أزماتها ورؤاها الخاصة. وعندما نأتي لنرسم الشخصيات بيانياً، نجد أن شخصية "حسن" تسير في خط مستقيم ثم ترتفع فليلاً عندما يوشك "حسن" أن يتخذ موقفاً إيجابياً بقراره الزواج من "هدى" وهو تحت المطر، ثم يستقيم الخط مرة أخرى إلى أن ينحدر تدريجياً. أما شخصية "مصطفى" فانها تتصاعد حتى تصل ذروتها. "فاطمة" شخصية سكونية من الخارج، الحركة الوحيدة التي قامت بها هي محاولة الإنتحار. ما كان يهمنا في طرحنالهذه الشخصيات هو النبش في هذه الذوات وإبراز تناقضاتها وردود أفعالها تجاه الواقع الخارجي. لم أبدأ بفيلم قصير أو تسجيلي لأنني أحسست إنني أمتلك القدرة على تحقيق فيلم روائي طويل، وقد غامرت بالخوض في تجربة من هذا النوع، ومع أمين صالح بالذات، ليقيني بأن علينا أن نبدأ من النقطة التي تجعلنا نواكب الرؤية المعاصرة للسينما، دون الإستسلام للشروط الموضوعية والفنية التي من شأنها أن تعطل حلمنا.

·         "الحاجز" صوت جريء ولّدته الطموحات الفنية الكبيرة في البحرين.. إلى أي مدى تعتقد سيصل صداه؟

لا أعرف.. أعتقد أن الفضول سيكون العامل الرئيسي في توجه الجمهور لمشاهدته، رغم أن هذا غير مرضٍ بالنسبة لي. لذلك أرجوا أن يلاقي اهتماماً نقدياً واقبالاً جماهيرياً بسبب قيمته الفنية في المقام الأول.

شخصياً.. يكفيني أنني حققت حلمي بصنع هذا الفيلم، والذي من خلاله أحاول الإتصال بالجمهور.

·     السينما صناعة وفن.. ما هو مفهوم الصناعة السينمائية عند بسام الذوادي؟ وأين تقع تجربة "الحاجز" في ظل هذه الصناعة؟

لا يمكن التحدث عن صناعة سينما في البحرين، وإنما محاولات لتحقيق أفلام. فالصناعة تحتاج إلى شركات إنتاج واستوديوهات ومعامل وشركات توزيع، وهذه العناصر غير متوفرة تماماً. بدون وجود منتج لا يمكن أن يتحقق فيلم سينمائي. ونظراً لعدم توفر هذا المنتج فقد اضطررت لانتاج فيلمي بنفسي عن طريق القروض من البنوك وبأشكال ذاتية أخرى.

أعترف بأنني فاشل في الإنتاج، لأنني أصرف من غير حساب ولا يوجد لدي مكتب وسكرتارية. أشعر بخوف من خوض تجربة الإنتاج مرة أخرى. لا أريد أن أمر بنفس الأزمات المالية والنفسية التي مررت بها. أحتاج إلى منتج جريء ويمتلك وعياً فنياً. ولأنني منتج فيلم "الحاجز"، فقد أهملت الجوانب التجارية وأردت التعبير فنياًعن طموحي وهمومي كفنان، أنا مخرج أولاً وأخيراً.

·         ماهي الصعوبات التي واجهتك في إنتاج الفيلم؟

إنها مغامرة أن تصع فيلماً بميزانية تتجاوز 50 ألف دينار، وأنت لا تضمن أن تسترجع حتى التكاليف. قبل أن أبدأ التصوير، كانت العديد من الإتفاقات، سواء داخل البحرين أو خارجها، لإنتاج الفيلم. غير أنها ألغيت من قبل الأطراف الأخرى التي خشيت من الخسارة. جازفت وحدي، وساعدتني وزارة الإعلام إلى حد كبير، حيث وفرت الفنيين والكاميرا وأجهزة الإضاءة والصوت. كذلك كانت هناك مساعدات من بعض المؤسسات والفنادق. الجزء الأكبر من الميزانية صرف على عملية التحميض والطبع والمونتاج والمكساج والموسيقى وأجور الفنيين المصريين وتكبير الفيلم من 16 ملم إلى 35 ملم، وهذه العملية أنجزت في معامل القاهرة. هناك تحسب التكاليف بالساعة، لذلك إضطررت إلى أخذ قروض أخرى من البنوك، إضافة إلى بيع سيارتي الخاصة وأشياء أخرى. إن مجرد تكبير الفيلم يتكلف 15 ألف جنيه استرليني في بريطانيا، بينما في القاهرة كلفني حوالي 30 ألف جنية مصري، أي ما يعادل 4 آلاف ونص دينار.

·         هل تشغلك قضية توزيع الفيلم؟ وما هي الخطوات التي تمت لتجسيد ذلك؟

بالتأكيد تشغلني عملية توزيع الفيلم، لأنني منتجه. من خلال شركة البحرين للسينما نحاول توزيعه في منطقة الخليج، وهي كشركة موزعة سوف تأخذ نسبة معينة، أما النسبة الكبرى فستذهب إلى دور العرض. ثم هناك مجال الفيديو، بالإضافة إلى تسويقه عبر عرضه في المهرجانات العربية والعالمية.

·         ما مدى إمكانية مشاركتك وفيلم "الجاجز" في المهرجانات السينمائية العربية والدولية؟

المجال مفتوح بشكل واسع أمام هذا الفيلم، نظراً لأنه التجربة السينمائية الأولى في البحرين. ومن المقرر أن نشترك بالفيلم في أربع مهرجانات هذا العام، وهي لوكارنو في سويسرا، قرطاج في تونس، ومهرجاني القاهرة وأسوان. لم توجه لنا دعوات، وسوف يتم ذلك رسمياً خلال هذا الشهر.

·         في حالة نجاح فيلم "الجاجز" أو فشله جماهيرياً، ما هو تصورك لمستقبل السينما في البحرين؟

سواء نجح الفيلم أو فشل، فحتماً سيكون هناك فيلم آخر. حتى مع عدم توفر المنتج أو الممول، فسوف أسعى إلى تحقيق فيلم آخر.

·         هل تؤمن بأن المخرج هو المسؤول الأول والأخير عن الفيلم؟

بلا شك.. المخرج هو صاحب الفيلم. عندما يخضع المخرج لشروط المنتج فانه يتحول إلى موظف. أذكر أن المخرج المصري محمد خان قال لي: (لا يمكن أن تؤسس سينما ناجحة وهادفة وتحمل فكراً إلا إذا كنت أنت المنتج والمخرج معاً).

·         كيف تم اختيارك للممثلين، هل تخيلتهم وأنت تقرأ السيناريو؟ أم أن ذلك جاء فيما بعد؟

وأنا أقرأ المعالجة الأولى للسيناريو، وضعت في ذهني صورة معينة للممثل الذي يتعين عليه أن يجسد شخصية حسن. إستعرضت المممثلين المسرحيين عندنا، ولم أجد ذلك الذي يتلاءم مع تصوراتي. وبعد ستة أشهر التقيت مصادفة بـ"راشد الحسن"، ومنذ اللحظة الأولى شعرت بأنه الشخص المناسب للدور. بالنسبة لشخصية "مصطفى" كان "إبراهيم بحر" حاضراً بقوة أمامنا، أنا وكاتب السيناريو. أما "مريم زيمان" فقد كانت مرشحة لدور "هدى"، لكن بعد إعتذار أحلام محمد عن دور "فاطمة"، أسندت الدرو لمريم. وكان علينا أن نبحث عن ممثلة لتقوم بدرو "هدى". أجرينا اختبارات لمجموعة من الفتيات لكن لم نقتنع بهن. كانت "سعاد علي" آنذاك في الكويت، وعندما عادت والتقيت بها عرضت عليها الدور فوراً.

بقيت شخصية الفتاة "طفول حداد" التي تشارك "راشد الحسن" مشاهده الأخيرة. رشحها لي أمين صالح، وقد فوجئت عندما أراني صورتها. كنت أعتقد بأنها ما تزال طفلة، حيث سبق لها أن عملت معي في أبريت "النخلة" المصور تلفزيونياً، وكانت آنذاك في العاشرة من عمرها تقريباً. وعندما التقيت بها وجدت أمامي قتاة جامعية ناضجة، جميلة وجريئة، وكانت مناسبة للدور تماماً.

·     من خلال مشاهدتي لفيلم "الجاجز"، لمست أن هناك نقلة نوعية في تجربة الأداء لدى الممثل البحريني.. كيف يتعامل المخرج بسام الذوادي مع الممثل؟ وكيف هي علاقته بالممثلين؟

الممثل، بالنسبة لي، عنصر أساسي، إنه الموصل لفكر المؤلف والمخرج إلى المتفرج عبر عدسة الكاميرا. شخصيا، لا أعتقد بأن أداء الممثلين في الفيلم يعد نقلة نوعية بالنسبة لهم. لدينا ممثلون يمتلكون القدرة على أداء أصعب الأدوار، غير أنهم يفتقدون المخرج والنص والقادران على استغلال طاقاتهم وتفجيرها. الممثل عجينة قابلة للتشكيل، لكن عندما يتوفر مخرج ضعيف ونص سيء، فالممثل بالضرورة يبدو في أسوأ حالاته.

"إبراهيم بحر" وقف بجدارة أمام كبار الممثلين العرب، لكنه لم يحصل على فرصته في الأعمال المحلية. "عبدالله ملك" طاقة لم تستغل حتى الآن. والمشكلة أن الجمهور يظلم الممثلين دون أن يعي بأن المخرج هو المسؤول المباشر.

إنني أحاول في تعاملي مع الممثل أن أجعله يبدو طبيعياً وتلقائياً. كلما كان كذلك كان أكثر صدقاً وإقناعاً. المبالغة في الأداء أضرت كثيراً بالممثلين عندنا.

·     لقد تعاملت مع ممثلين مسرحيين وآخرين لا يمتلكون خبرة طويلة في هذا المجال، أيهما أصعب في التعامل بالنسبة لك؟

المسرحييون طبعاً. "إبراهيم بحر"، كممثل مسرحي، كان أداؤه يتسم بالمبالغة في الإنفعال، لكنه مع مرور الوقت، ومن خلال التوجيه المركز، استطاع أن يتخلص من هذه العيوب. "إبراهيم" ممثل ملتزم، يسأل كثيراً، قلق دائماً بشأن لقطاته. وهذا الشيء ينطبق على "مريم زيمان" و"قحطان القحطاني".

·     صحيح بأن "إبراهيم" و"مريم" استطاعا أن يتخلصا من التقنيات المسرحية للأداء، لكنني وجدت إن أداء "قحطان" كان مسرحياً بعض الشيء.

هذا كان رأي "قحطان" نفسه. ربما يبدو في المشهد الأخير مبالغاً بعض الشيء، لكنني أعتبر نفسي المسؤول عن هذا. فهو الوحيد الذي ركزت علي يديه في لقطات قريبة. كان إخراجي للمشهد مسرحياً، وهذا اقتضى بالتالي أداء مسرحياً.

·     من الملاحظ أيضاً بأن 50% من مشاهد الفيلم خارجية، والـ50% الأخرى تدور في أماكن طبيعية بدون ديكورات.. كيف جاءتك فكرة المغامرة والخروج بالكاميرا إلى الشارع، خصوصاً وأنت في بداية جياتك السينمائية؟ وما هي فلسفتك في اختيار مواقع التصوير؟

ليست لدي فلسفة معينة في هذا الشأن. أعتقد أنه من الطبيعي جداً للكاميرا السينمائية بأن تخرج إلى الشارع. السينما تجد موقعها الطبيعي في الشارع، حيث الأماكن الطبيعية، والناس العاديين وهم يمارسون حياتهم. ذلك يعطي حيوية وانطباع بالصدق. وهذا ما فعلته الواقعية الجديدة في إيطاليا، والموجة الجديدة في فرنسا، في أواخر الأربعينات والخمسينات.

أنا لا أبني الديكور إلا عندما أجد صعوبة في التصوير في الموقع، فأضطر إلى تصميم ديكور الموقع وتنفيذه في مكان آخر. بالنسبة لفيلم "الحاجز"، المشهد الوحيد الذي لجأنا فيه إلى بناء ديكور هو مشهد الزنزانة، أما بقية المشاهد فهي مصورة في الأماكن الطبيعية. من جهة أخرى، لا أرى علاقة بين مواقع التصوير ونجاح أو فشل الفيلم.. النجاح أو الفشل يعتمد على مضمون الفيلم وأسلوبه.

·     بين الدكتاتورية والحرية المطلقة في الفن مساحة كبيرة، يختلف المخرجون السينمائيون في اختيار مواقعهم عليها.. ما هو موقع بسام الذوادي على هذه المساحة؟ وما هي طبيعة علاقته بفريقه الفني؟

يقال بأنني ديكتاتور في قراراتي الفنية، وهذا ما يعتقده بعض الذين عملوا معي. يون بأنني أصغي باهتمام إلى آرائهم، لكنني لا أضع لها إعتباراً وأنفذ ما أريده. أظن بأن هذا غير صحيح. فبالرغم من أنها التجربة الأولى للفرق الفني، إلا أن وجهات نظرهم كانت تنم عن وعي فني ورغبة أكيدة في تقديم عمل جدير بطموحاتهم. أحياناً أنفذ إقتراحاتهم عندما أقتنع بها كلياً، وأحياناً أفرض رأيي. ولكونها التجربة الأولى بالنسبة لجميع العاملين في الفيلم، من فنيين وممثلين، فكان يتعين عليّ في الكثير من الأحيان أن أكون حازماً، أن أمارس سلطتي في ضبط الأمور وتنظيمها، لأن أي انفلات أو خلل في ناحية ما، سوف يؤثر على مسار العمل ويسبب أضراراً يصعب إصلاحها فيما بعد. عموماً، أنا لست ديكتاتوراً، أنا مخرج.

·         كيف كنت تختار زوايا لقطاتك، وحجمها؟

السيناريو، بكل مشاهده ولقطاته، كان مرسوماً في ذهني قبل شهور من تصويره. كانت المنظورات بلقطاتها وأحجامها وزواياها محددة في عقلي ووجداني سلفاً. لم ألجاً إلى الديكوباج، أي التقطيع الفني للسيناريو على الورق، بكل تفاصيله من زوايا ومواقع ورسم بياني. كان كل شيء مرسوماً في مخيلتي، لأنني عايشت النص لحظة بلحظة. عندما أحظر إلى موقع التصوير، أبدأ في توجيه الممثلين والفنيين. وهذا الأمر أثار استغراب مساعدي "فتحي مطر"، لم يتصور أن ننفذ المشاهد بدون ديكوباج، لكنه استوعب العملية سريعاً وصار يفهم أسلوبي. لقد سبق أن تعاملت مع "فتحي" في الثلاثية التلفزيونية "العين"، وكانت تجربته الأولى في المجال الدرامي التلفزيوني، كما أن فيلم "الجاجز" هو تجربته الأولى سينمائياً. "فتحي" فنان يتميز بالهدوء وسرعة البديهة، يحسن التقاط الفكرة والكلمة، وهو دقيق جداً في عمله. إنه يمتلك تلك الحساسية التي تجعله يستوعب المشهد فنياً وفكرياً بدقة. لقد كان بمثابة اليد اليمنى سواء في الإخراج أو الإنتاج.

اللقطات كانت مدروسة ومرسومة وفق الحالات النفسية للشخصيات، وأعتقد بأنك لاحظت بأن اللقطات الكبيرة (كلوز أب) قليلة. فالكاميرا ـ كمثال ـ لا تقترب من وجه "راشد الحسن" إلا في الحالات المرتبطة بتخيل أو حلم، أو تلك التي تسبق أو تلي إنغماره في الوهم. فأنت تشعر بمخاوفه كلما اقتربت منه الكاميرا.

لمدير التصوير دور هام وأساسي في توصيل رؤية المخرج وكاتب السيناريو.. كيف كان تعاملك مع "حسن عبدالكريم"؟

"حسن" فنان حساس جداً، كان يحضر إلى موقع التصوير قبل الموعد بساعة كاملة، يناقشني في خاصية المشهد وكيفية تصويره. لكنه أيضاً مغامر، لا يتردد في تصوير المشهد مهما كانت صعوبة الزاوية أو حركة الكاميرا، علاقته بالكاميرا علاقة غريبة، فهو يتعامل معها كحبيبة، كزوجة، وهذا ما لاحظته ليس في لحظات التصوير فحسب، بل كذلك عندما ينتهي من التصوير، في طريقة اعتنائه بها، تنظيفها، تبديل شريط الفيلم. كان كمن يرى من خلال عدسة الكاميرا.. كانت هي عينيه، التي يرى بهما.

ثمة مشهد جميل صوره ببراعة دون أن ينظر من خلال عدسة الكاميرا، وذلك عندما تتحرك الكاميرا في شقة "مصطفى"، خارجة من المطبخ وحتى تصل إلى "حسن" وهو يصور في الشرفة. لقد جعل الكاميرا تتدلى مواجة الأرض وسار بها برشاقة.. كان يثق بكاميرته، يجعلها ترى نيابة عنه.

وهنا لا يجب أن نغفل دور المصور "عبدالنبي فردان"، الذي عمل مساعداً لـ"حسن"، وصرة الكثير من اللقطات منفرداً. "عبدالنبي" يشترك مع "حسن" في طريقة التعامل مع الكاميرا بحساسية وحب، لكنه يختلف عنه إلى حد ما في درجة القلق. "عبدالنبي" موسوس أكثر من اللازم. كان يطلب مني أن أشاهد المنظور من خلال العدسة قبل مباشرة التصوير، وهذا راجع إلى دقته المتناهية وحرصه على تلافي حدوث أي خطأ.

·     ما هي خصائص العلاقة بين المخرج وكاتب السيناريو؟ وما مدى أهمية الانسجام الفكري والفني للطرفين في إنضاج التجربة الفنية؟ وأين يلتقي "بسام الذوادي" والمخرج، مع "أمين صالح" السيناريست؟

من المهم أن تنشأ بين المخرج وكاتب السيناريو علاقة روحية تتسم بالحميمية والشفافية، دون أن يقدر طرف ثالث على اختراقها. مثل هذه العلاقة مهم جداً، ولابد من تأسيسها منذ اللقاء الأول بينهما. إنها نقطة الإنطلاق من أجل الفم المشترك والتعاون المثمر. وقد استطعنا، أنا و"أمين"، أن نحقق ذلك.

فيما يتصل بالانسجام الفكري والفني، فهذه خاصية ضرورية لكنها نسبية أدبياً، "أمين" يمتلك مخيلة خصبة، وهو قادر على رصد وإبراز أدق الأشياء في الحياة والتي قد لا تخطر على بال أحد. بالنسبة لي كان من الضروري أن أصل إليه، إلى فكره وأسلوبه. الكثيرون يعتبرون كتابات أمين صعبة وشائكة، وهي ليست كذلك، بل المؤكد إنهم لم يحاولوا الوصول إليه. والمحاولة ذاتها تقتضي جهداً مضاعفاً. مع أعمال "أمين صالح" يتعين عليك أن تتعب، لا للوصول إليه فحسب، وإنما أيضاً لتجد نفسك. ومع "أمين" اكتشفت إنني أجد ذاتي، ومن ثم نشأت بيننا علاقة روحية وفكرية غير عادية. صرنا نفهم بعضنا، ويفهم أحدنا ما يريده أو ما يعنيه الآخر بعبارات قليلة.

فنياً، ومن جهة التقنية السينمائية، كان "أمين" واعياً لضرورة الوصول إليّ، فكان يتابع تصوير المشاهد باستمرار، ويرصد ما أقدمه في محاولة منه لتحقيق التواصل فنياً، وهي عملية متعبة أيضاً، لكننا وفقنا بنسبة كبيرة.

·     لماذا يزدحم فيلم "الحاجز" بالشخصيات السلبية؟ وما هو رأيك في مقولة (أن الفيلم الناجح هو بطل سلبي ومتفرج إيجابي)؟

نحن لم نتعرض لكائنات غريبة، أو من كوكب آخر.. لقد تناولنا شخصيات يمكن التطابق معها، لأنها مستمدة من الواقع، ومشاكلها وأزماتها حقيقية ويعانيها قطاع واسع من الناس. النواحي السلبية موجودة في كل فرد منا، وإذا كنا نهتم بهذا العنصر، فلأننا نريد أن نكشف نقاط الضعف ومكامن الخلل فينا. أردنا أن نحرض الجمهور على استجواب النواحي السلبية في مجتمعنا وفي دواخل الأفراد. ومن هذه الزاوية، يصبح  المتفرج هو الشخصية الإيجابية.

·         هلا حدثتنا عن شخصية "حسن" (بطل الفيلم) الذي يواجه، في تصوري، كماً من الحواجز النفسية والاجتماعية؟

إنه الشخص الحالم لكن من منطلق سلبي. يحلم بأن يكون بطلاً، منقذاً، مغامراً. لكن في حياته اليومية يعجز عن تحديد خياراته واتخاذ قراراً بشأن علاقاته بالآخرين. لذلك يلجأ إلى التخيل وأحلام اليقظة. إنه ضحية المحيط العائلي والاجتماعي. لقد خلقوا منه إنساناً سلبياً، وضعوا حواجز بينه وبين الآخرين، بينه وبين ذاته. فهو إنسان ضائع، وحيد، لا يعرف هدفه، لا يستطيع مواجهة مشاكلة، ولا يفعل شيئاً تجاهها.

وأعتقد أن في داخل كل منا جانباً من هذه الشخصية، أو هذا النموذج الذي يمثل قطاعاً واسعاً من الشباب.

·     علاقة "حسن" بالفتاة في المشاهد الأخيرة، وبحثه عن حقيقتها أو حقيقة القتل.. أتصوره بحثاً عن الحقيقة في حياته بأكملها.. فما رأيك؟

لماذا حددتها بالمشاهد الأخيرة فقط؟! "حسن" كان، ومنذ البداية، يبحث عن حقيقته..  منذ المشهد الأول.. إنه يبحث طوال الوقت عن نفسه. فهو لا يعرف من يكون، لا يستطيع أن يحدد هويته، ويبحث عن ذاته، ولا يكف عن السؤال والارتياب. لكن لا أحد يجبه على تساؤلاته، أ, الإجابات غالباً ما تكون مبهمة بالنسبة إليه. كان يظن بأنه وجد الإجابة عند الكاميرا، وأنه من خلالها قد أمسك بالحقيقة، أو فهمها. لكن مع كل تجربة قاسية يمر بها، أو بالأحرى مع كل صدمة يتعرض لها، كان يشعر بأن الحقيقة تنزلق منه، وإنه ينحدر تدريجياً نحو هاوية الوهم. وفي إحدى مراحله، عندما أخذه صديقه إلى إحدى الأحياء الفقيرة، شعر بالخوف من الحقيقة، لأنها صارت تشوش منظوره ورغبته في رؤية واقع آخر، بديل، جميل ومريح وآمن، وهذا ما يفسر قول صديقه (لا تظن نفسك في أمان).

أخبرتني صحفية أمريكية عن الإنطباع الذي خرجت به من الفيلم، قائلة: (في هذا الفيلم، الجريمة ليست جريمة، والاغتصاب ليس اغتصاباً، والسرقة ليست سرقة).

أعتقد على هذا النحو ينبغي أن نشاهد الفيلم، بمعنى أن نفكر بشكل أعمق وأشمل، وأن نخترق السطح الخارجي، فما يبدو في الظاهر حقيقياً، هو في جوهره ليس حقيقياً.

·     وشخصية الصحفي "مصطفى".. هل ترى بأنها تملك مقومات الشخصية المتمردة، الرافضة، المتحركة والراصدة لحركة كل من حولها.. وهي تعتقد بأنها شخصية واقعية؟

إنها شخصية واقعية تماماً.. مشكلة "مصطفى" تكمن في افتقاده للحب، وهذا نابع من علاقته المعقدة مع والده. في المشهد الوحيد الذي يجمعهما، يقول لوالده: (حبني علشان آقدر آتخلص منك.. ما آقدر آحب لأنك ما منحتني الحب).

السيناريو يوضح شخصيته من خلال حواراته وعلاقاته بالآخرين، بـ"حسن"، بوالده، بالنساء. إنه يتوق للتحرر لكنه لا يعرف كيف. وهو يعي مأزقه وأزمته النفسية، ويعرف أن الانتحار نهايته، وهذا ما حدث بالفعل.

·     للمرأة دور كبير وهام في فيلمك، وهي تتمثل في وجوه متعددة: مريم زيمان، سعاد علي، طفول حداد... كيف ترى إلى المرأة من خلال فيلمك هذا؟

بالفعل، المرأة تتخذ أوجه متعددة، بكل شرائحها ونوعياتها وهمومها. المرأة شخصية أساسية وهامة. أحببت فاطمة، الزوجة الضعيفة، المستسلمة. أحببت هدى التي يطلب منها الرجل الكثير دون أن يفعل شيئاً لأجلها. أحببت الفتاة التي تلعب دوراً مزدوجاً: الشخصية الواقعية التي تمارس حياتها بشكل طبيعي، والأخرى التي تمثيل الوهم بالنسبة لـ"حسن". إن "حسن" هو الذي خلقها في الحالة الثانية بعد أن شاهدها تبكي في الشرفة. في المشهد الختامي تقول له: (إنت اخترتني). إختار الوهم الذي يمكن أن يقتله.

·         هل تعاطفت كثيراً مع شخصيات فيلمك؟ وكيف؟

عندما قرأت المعالجة الأخيرة للسيناريو شعرت بهزة عنيفة. عايشت الشخصيات كلها وتعاطفت معها. اكتشفت بأنها تشبهني. وشعرت بأنها تعرّيني فيما تقوم بتعرية نفسها.. فهي تعري المجتمع في نفس الوقت، وأي متفرج جريء لابد أن يعترف، بينه وبين نفسه على الأقل، بأنه يختبر نفس الأزمات والحالات النفسية والاجتماعية التي يراها مجسدة على الشاشة.. فكل متفرج يجد ذاته في شخصية ما أو أكثر.

إلى هنا.. بكون قد أشرفنا على نهاية حوارنا هذا. وبسام الذوادي عنده الكثير ليتحدث عنه، ويحتاج هذا إلى مساحة أكبر على صفحات هذه المجلة. لذلك اكتفينا بالأهم مما طرحناه من أسئلة. وكلنا أمل أن يكون هذا الحوار الطويل، والذي تجاوزت مدته الساعتين، قد فتح أبواباً وآفاقاً كثيرة وهامة للمتفرج، ولتكون له عوناً لمشاركة شخصيات فيلم "الحاجز" معاناتها وتفهم أزماتها. فإلى الملتقى بدار سينما أوال هذ الأسبوع.

 
 

 مجلة هنا البحرين في

 25 يونيو 1990

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004