ما كتبه حسن حداد

 
 
 
 

Raging Bull

1980

الثور الهائج

 
 
 

نشر هذا المقال في مجلة هنا البحرين في 18 أغسطس 1993

 
 
 

بطاقة الفيلم

 
 

تمثيل: روبرت دي نيرو + كاثي موريارتي + جو بيسي + ادمغ فنسينت + نيكولاس كولاسانتو + ثريسا سالدانا

إخراج: مارتن سكورسيزي ـ سيناريو وحوار: بول شرادر، مارديك مارتن ـ تصوير: مايكل تشابمان ـ مونتاج: ثيلما شونماكير ـ إنتاج: إروين وينكلير، روبرت تشارتوف

 
 
 

شاهد ألبوم صور كامل للفيلم

 
       

Raging Bull

مهرجان الصور
       
 
 
 
 

 
 
 
 

رؤية

 
 
 
 
 

يعتبر فيلم (الثور الهائج) واحداً من الافلام البارزة في تاريخ السينما العالمية. ففي هذا الفيلم، نحن أمام عملاق من عمالقة التمثيل في السينما العالمية، وواحد من بين أهم ما قدمته السينما الأمريكية لفن التمثيل.. إنه الممثل العبقري روبرت دي نيرو، صاحب الأدوار التي نالت تقديراً ونجاحاً كبيراً مثل: شوارع دنيئة، الأب الروحي، سائق التاكسي، نيويورك.. نيويورك، صائد الغزلان.

وفي فيلمه (الثور الهائج) يؤكد دي نيرو مواهبه الإستثنائية مرة أخرى، حيث يقوم بأداء دور الملاكم الأمريكي وبطل العالم في الملاكمة "جاك لاموتا".. إن دي نيرو عندما أدى هذه الشخصية حرص تماماً على الإنغماس في تفاصيلها، لذلك تدرب وتعلم لمدة سنة كاملة، وعلي يد لاموتا نفسه، أصول وطبيعة الملاكمة والحالة النفسية التي يعيشها الملاكم، داخل الحلبة وخارجها.

كما أن دي نيرو ـ وهذا هو المدهش حقاً ـ إستطاع أن يزيد من وزنه ثلاثين كيلوجراماً، في زمن قياسي وهو أربعة أشهر فقط، من أجل الوصول الى الصدق في أداء الشخصية، حتى أن لاموتا نفسه صرَّح، قائلاً: (دي نيرو قادر الآن على إمتهان لعبة الملاكمة بشكل جيد).. وقد عمل لاموتا كمستشار فني في هذا الفيلم وكان ملازماً لـروبرت دي نيرو.

يتحدث دي نيرو عن تجربته في هذا الفيلم، فيقول: (...تمرنت على الملاكمة فترة طويلة مع جاك لاموتا نفسه قبل تصوير الفيلم وأثناء التصوير ، وقرأت كتباً كثيرة عن الملاكمة ، وشاهدت أفلاماً كثيرة عن هذه الرياضة ، وذلك لكي أعبر عن هذه الشخصية بأصالة ، ولكي أفهمها وأتقمصها .. وقد أعطيت نفسي ستة أشهر قبل أن أبدأ التصوير ، تحدثت خلالها كثيرا مع لاموتا عن حياته وتجربته...).
ويواصل دي نيرو، فيقول: (...كان لاموتا معنا دائماً ، ولكننا لم نرغب في حضوره خلال اللحظات الدراماتيكية الصعبة ، لأننا لم نكن نريد أن يتدخل أو يتأذى . إنه من الصعب جداً علي ممثل أن يؤدي دور إنسان على قيد الحياة ، فبالنسبة لي كان يجب أن أكون حراً لأمثل دوري كما أفهمه ، ولو كان لاموتا معنا في تلك اللحظات الدراماتيكية ، ولو إنه لم يقل شيئاً ، لأحسسنا بثقل حضوره ، ولصعب عليَّ أن أمثل دوري بدون توتر وعصبية، لذلك السبب فضلنا أن لا يكون معنا...).

وللعلم، فإن روبرت دي نيرو هو الذي إقترح على المخرج تصوير (الثور الهائج)، حيث كان قد قرأ في بداية السبعينات كتاباً يحكي السيرة الذاتية لـ"جاك لاموتا"، وتأثر بها كثيراً.. يقول دي نيرو: (...لقد أحسست بأن لهذه القصة قوة خارقة بالنسبة للتحليل النفسي والإجتماعي للبطولة والمجد، ومنذ تلك الفترة شعرت بأن تمثيل هذا الدور سوف يطور مواهبي .. وفي أثناء عملي مع المخرج "سكورسيزي" في فيلم (سائق التاكسي ـ 1976) أعطيته هذا الكتاب، وتحدثنا في إمكانية تحويل قصته الى الشاشة...).

إن (الثور الهائج) فيلم يتحدث عن العنف.. العنف بصورته الأكثر بشاعة.. العنف القادم من "لاموتا"، والعنف الواقع عليه. فـ"جاك لاموتا" عاش سنوات صباه في حيّ فقير في مدينة نيويورك، من أب مهاجر من إيطاليا.. كانت دروسه الأولى في الحياة هي كيف يسرق ويقتل.. وتعلم منذ صغره على أنه إذا أراد البقاء فإن عليه أن يكون أقوى من الشخص المقابل ، لذلك كان عنيفاً ونشأ وحيداً لا يثق بأحد ، تتملكه أحاسيس مثل الخوف والغضب وكره الذات والإحساس بالذنب.

وبالرغم من أن الفيلم يستمد مصادره من سيرة حياة هذا الملاكم، إلا أنه لا يركز على الملاكمة في حياته.. فالفيلم يستفيد من عرضه لهذه الشخصية ليطرح من خلالها مجموعة من الأفكار.. إنه يقدم لنا عالماً يستوطنه العنف والعدوانية، ويقترب من هذه الشخصية ليكشف الضعف الكامن خلف هذا العنف.

نحن هنا أمام ملاكم يصارع العالم لوحده، ومصارع يرتكب كل شيء للفوز والوقوف وحيداً في القمة.. إنه يصارع ويتعثر ، ثم يفوز ويتخدر بتأثير ذلك الصراع النفسي الحاد مع الضعف والخوف الذي يتولَّد من الإنتصار .. تتحول الحلبة في هذه الحالة الى مكان داخل الجمجمة.

طريق هذا البطل هو طريق ذلك الصراع المفروض بالرغبة في التفوق على النفس أو إحتقارها أيضاً.. الى أن يتحول البطل تدريجياً الى أداة تنفيذية لعقاب نفسه وتدمير ذاته وجسده ، ويتحول كل هذا العنف الى وسيلة من وسائل تحطيم الشخصية.. يتحول "لاموتا" الى ثور هائج من الغيرة والوهم والعنف السادي الذي ينخر في عضلاته.

ومن الملاحظ ، بأن الفيلم يركز أكثر على العنف الموجه ضد النفس في معركة واحدة، للتخلص من شيء ملوَّث في الذهن، فمشاهد الملاكمة القصيرة، ما هي إلا علامات وإشارات لصيغة العنف التي تتميز بها حياة هذا البطل الشخصيح العائلية. فالملاكمة، في الفيلم، لا تحتل مساحة لإثارة الغرائض، هذا بالرغم من وحشية وعنف اللقطات التي تصوَر على الحلبة، والتي وُجدت لتكشف وحشية هذه اللعبة وكمية العنف الذي تحمله هذه الشخصية.

إن الملاكمة أو الصراع الذي يدور على الحلبة ليس هو ما يهتم به الفيلم، وإنما ذلك الصراع الداخلي المتباين داخل الشخصية.. فالبطل يواجه معارك أخرى خارج الحلبة، مع الزوجة ومع الأخ ومع الأصدقاء.. حيث أن العنف يسيطر على قلبه وحياته فتتحول علاقاته الى نوع من المشاجرات الدائمة مع كل محيطه الإجتماعي.

إن الوصول الى القمة قد أحاله الى نوع من الغرور والإنفجار في وجه الجميع، والبطولة أصبحت عبئأً لا يطاق، والنظام الرياضي الصارم يدفع به الى نوع من التصرفات الشاذة للحفاظ على متانة العضلات وقوتها.. فنحن نراه في مشهد يطلب فيه من زوجته أن تمارس معه الجنس قبل المباراة، وعندما تستثيره يدفعها بعيداً.. فهو هنا يريد أن يحتفظ برغباته ويحملها معه الى الحلبة لتغذي عدوانيته، والنتيجة أنه يتحول الى شعار عريض من الغيرة لإحساسه بالتقصير في حياته الزوجية الأمر الذي يتسبب في تحطيم سعادته العائلية والخصام مع أخيه، ثم كل الذين يحيطون به لمجرد أنهم سلَّموا على زوجته.

هكذا أصبح البطل، يقف وحده وسط الميدان، يعارك شكوكه وخوفه من الهزيمة، ويجد إن إنتصاره تحوَل الى ضغط كبير على النفس، فتفكيره يوجد في قبضة يده، وهو يستعمل يده محاولاً أن يجد طريقاً في وجه الآخرين.

ففي لحظة من لحظات الفيلم، إنتفت فيها الفروق، لم يعد يميز بين الأعداء وبين الأصدقاء، كان ينتابه نوع من كراهية النفس والرغبة في الإنتقام منها .. فنحن نراه في بداية الفيلم يطلب من أخيه أن يضربه على وجهه بكل ما يملك من قوة ليثبت لنفسه بأنه يستطيع تحمل الآلام التي يسببها له الآخرون.. هنا تظهر لنا صورة أخرى من العنف العائلي، فلا توجد هناك محاولة للتفاهم، إن أي حديث عائلي يعني البحث عن خصام وشجار ومحاولة تحطيم الأثاث.

والمأساة هي أن البطل قد سمح لتلك الأحداث الصغيرة أن تتحول الى عملية إنتقام شديدة لا حدود لها.. فبعد أن فاز بالبطولة، إنتهت به الأحداث الى نوع من الإنهزام المؤلم في حياته الخاصة..فقد هربت منه زوجته مع أطفاله، وقاطعه أخوه بعد شجارهما، ثم دخل هو السجن بتهمة إغراء فتاة قاصر، حيث نراه ينهار في السجن تماماً، ويبدأ في النحيب وضرب رأسه في الجدار إنتقاماً من جسده على الإهانة التي لحقت به.. وأخيراً ينتهي به الزمن بالعمل في أحد الملاهي الليلية، يسلي ويُضحِك الحاضرين في المقهى، والذين يبحثون مثله عن اللهو والمماطلة وتأجيل الواقع الى بعد حين.

هذا هو "جاك لاموتا" الذي نجح السيناريو في تقديم ملف حياته لنا، وإستطاع أيضاً أن يعطينا حبكة طبيعية لبورتريه "لاموتا"، بعد أن أوضح لنا ملامح تركيب الشخصية على المستوى الفسيولوجي (ملاكم قوي، أكول، غير وسيم... الخ)، وعلى المستوي النفسي (طَموح، قوي الإرادة، جِلّْف، يعاني من الفراغ العاطفي، غيور جداً... الخ).. بكل هذه التوصيفات والنعوت، إستطاع كاتب السيناريو "بول شرادر" النجاح في تقديم "جاك لاموتا" على الشاشة.

أما بالنسبة للإخراج، فقد بدت لغة "مارتن سكورسيزي"، في فيلم (الثور الهائج)، بسيطة في التراكيب واضحة في طريقة طرح الأفكار دون حذلقة أو تعقيد.. كما أنه نجح في إستخدام مفردات اللغة السينمائية، لإعطاء دلالات فكرية ونفسية لخدمة المعنى العام المراد إبرازه في الفيلم.

وأخيراً، فإن فيلم (الثور الهائج) سيظل علامة بارزة في تاريخ السينما، وعملاً فنياً مهماً لمخرجه.. هذا إضافة الى أنه (الفيلم) يكرس "روبرت دي نيرو" كواحد من أعظم الممثلين في السينما الأمريكية المعاصرة. حصل هذا الفيلم على جائزة أوسكار أفضل ممثل (دي نيرو)، وأفضل مونتاج.. إضافة الي جائزة أفضل ممثل (دي نيرو)، وأفضل ممثل مساعد (جوبسكي) في مهرجان نيويورك.

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004