ملفات خاصة

 
 
 

«صوت هند رجب»… هل يجب حقًا أن نتحدث عن الفن في هذه اللحظة؟

محمد طارق

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الثاني والثمانون

   
 
 
 
 
 
 

عادة ما أجد نفسي وسط قلّة في عروض الثامنة والنصف صباحًا في أي مهرجان. يغيب الجمهور والنقاد والصحفيون طلبًا لفنجان إضافي من القهوة أو إفطار متأخر، ومن يغالبون حاجتهم الملحة للكافيين، يبقون في القاعة نصف نائمين، ويردون على انتهاء الأفلام بتصفيق خافت قبل أن يغادروا سريعًا وقد أراحوا ضمائرهم بحثًا عن فنجان القهوة المنشود.

إلا من أفلام قليلة للغاية تستطيع أن تخلق لدى متابعي المهرجانات رغبة في مخالفة هذه القاعدة، ومنها فيلم «صوت هند رجب» الذي عُرض في الثامنة والنصف من صباح أمس الأربعاء بمهرجان فينيسيا في دورته الثانية والثمانين، وسط حضور حاشد، تبعه تصفيق هو الأطول في عمر المهرجان، حيث وقف الحضور، وبينهم بعض الأسماء الكبرى في هوليوود، يصفقون للفيلم نحو 22 دقيقة.

جاء التصفيق لـ «صوت هند رجب» ممتدًا وعميقًا، نابعًا من أهمية وتأثير هذا الفيلم. المخرجة التونسية كوثر بن هنية صنعت خلال اثني عشر شهرًا واحدًا من أكثر الأفلام المنتظرة في مسابقة مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي. وبن هنية معروفة بالفعل بتأثيرها الكبير في السنوات الماضية بأفلامها التي خلطت الروائي بالوثائقي أو كانت ذات أفكار سياسية واجتماعية مهمة.

فيلمها الأحدث ليس استثناءً لأفلامها السابقة، لا على مستوى الجودة والذكاء في توظيف العناصر والأدوات السينمائية، ولا على مستوى الإلحاح الطارئ لقضية تشغل العالم بأسره. هذه المرة تحكي بن هنية عن المقتلة الدائرة ضد قطاع غزة في فلسطين منذ قرابة عامين. ما يجعل فيلمها محل اهتمام الكثيرين، خاصة مع وجود أسماء منتجين مثل واكين فينيكس وجوناثان جليزر، ومع صعود شهرة بن هنية بعد فيلمها السابق المشارك في مسابقة مهرجان كان السينمائي عام 2023، والفائز بجائزة أفضل وثائقي في المهرجان ذاته والمرشح لجائزة أفضل وثائقي في سباق الأوسكار الشهير.

لكن عمّ تحكي بن هنية بالضبط؟ عن تلك الحرب المدمرة التي تركت عشرات الآلاف من الموتى والمصابين؟ ما هو مدخلها لحكاية تلك القصة؟ وماذا تختار تحديدًا لتجلب تلك الحكاية ليسمعها العالم بأسره؟

هل تختار قصص النزوح أم التدمير المتعمد بالقصف لقطاع مكون من أربع مدن حوت حكايات بشر وأشخاص عاشوا هناك لعقود؟ أم الإبادة الجماعية العقابية لمدنيين كل حلمهم أن يعيشوا في وطنهم؟ أم قسوة الاحتلال في فعل كل ذلك؟

تختار بن هنية مدخلًا رقيقًا للغاية لتلخيص كل ذلك: صوت طفلة في السادسة من عمرها، سمعها العالم بأكمله وهي تطلب النجدة لساعات طويلة دون أن يجيرها أحد! طفلة اسمها هند رجب، تُخلد قصتها بشاعات حرب طويلة تمادى فيها محتل ضد عُزل أبرياء.

تختار بن هنية مركز الهلال الأحمر كموقع تصوير وحيد تحبسنا به طوال الفيلم، موقع يضعنا محل هؤلاء الذين استمعوا للمكالمة الحقيقية لتلك الطفلة، وحاولوا جاهدين إنقاذها لكن جهودهم أعيقت بقوة غاشمة منعت وصول المساعدة إلى تلك المسكينة.

هذا الاختيار يضعنا في نفس موقع العجز والشعور به الذي شعر به موظفي مركز اتصال الهلال الأحمر، وهو موضع نعرفه جيدًا بمشاهدتنا الأخبار كل يوم دون قدرة على إيقاف ما يحدث. تجبرنا كمشاهدين على الاستماع إلى صوت تلك الطفلة دون رؤيتها، صوتها الحقيقي الموجود في المكالمات المسجلة وليس صوت ممثلة، ما يترك لخيالنا استنباط هول ما شعرت به وخاضته.

يمكننا أيضًا تعريف ذلك في السينما بـ «رعب الإخفاء»، فإذا ما اختار مخرج أو مخرجة أن يرينا شيئًا مرعبًا رأي العين، فهذا له وزن. أما إذا اختار إخفاءه مع التدليل عليه، فإن ذلك يترك لخيالنا مهمة تجسيد رعب اللحظة بنفس قدر تفكيرنا فيما يخيفنا نحن كأفراد. يمكن رؤية ذلك عند مخرجين كبار مثل ثيو أنجيلوبولوس في «صورة طبيعية في الضباب Landscape in the mist» حيث مشهد اغتصاب الطفلة لا يظهر، وإنما فقط صمت العالم من حوله.

تبدأ بن هنية الفيلم أيضًا بتعريف ربما هو موجه إلى مواطن غربي لا يعلم عن الحرب أو يتغاضى عن المعرفة، بشرح كيف تدور عملية الإنقاذ ذاتها، يحصل المركز على المعلومات ولكنه لا يستطيع تأمين سيارة إسعاف فورية، وإنما عليه التنسيق مع عدة جهات لتأمين طريق آمن لتلك السيارة ثم إبلاغ المستشفى فتتحرك سيارة الإسعاف، يرسم لنا أحد أبطال الفيلم على زجاج في المركز هذه الدائرة ولكنه يرسمها على شكل علامة (الما-لا نهاية) «إنفينيتي» وكأنها دورة في الفراغ دون الوصول إلى نتيجة حقيقية.

بعد ذلك التعريف، نتابع انخراط كل أعضاء المركز في محاولة إنقاذ الطفلة، مستغرقين في تلك الدورة المفرغة. أحدهم يكلمها على الهاتف ليطمئنها، والآخر ينسق، وطبيبة نفسية تمنع كل هؤلاء من الانهيار، كما نرى على الشاشة خريطة جوجل التي توضح أن الطريق -نظريًا- يتطلب 8 دقائق فقط للوصول إلى الطفلة، لكن في الحقيقة، فإن تلك الخرائط ما هي إلا تاريخ لبلد مدمرة كليًا، يقف على حطامها جيش غاشم، أطلق 335 رصاصة على سيارة تقل أسرة صغيرة مدنية، ما يجعل رحلة الثماني دقائق أوديسا سرمدية.

في النصف الثاني للفيلم، تبدأ كوثر في استخدام أدواتها السينمائية بشكل أكبر، فتمزج فيديوهات حقيقية لموظفي مركز الاتصال مع ممثلي الفيلم، إضافة إلى لقطات أرشيفية ترينا هول اللحظة التي سمعنا عنها طوال الفيلم. على مستوى القصة وما حدث، فإن التفاصيل معروفة للجميع، لكن الفيلم ينقل لنا إحساسها بشكل عميق: رعب، قلق، عجز، أمل، وغضب عارم من جراء كل ذلك.

فيلم «صوت هند رجب» هو وثيقة هامة، في زمن نرى فيه «بروباجندا» ودعايات الطرف الغاشم وهي تروج لروايات كاذبة عارية من الصحة. وثيقة تفضح وتكشف اعتداءات على أناس أبرياء، وتنقل كل ذلك إلى قلب العالم بصوت سينمائي متفرد وقصة إنسانية تتطلب قلبًا من حجر كي لا يتأثر بها.

هذه الأشياء هي قلب الفن: الشعور والإحساس والإخلاص للإنسانية في لحظات حرجة. ماذا يفيد الفن إذا كان هذا هو وضع العالم الذي نعيشه؟ وكيف نناقش أسلوب الإخراج والميزانسين (Mise-en-scène) وغيرها من التفاصيل الفنية، أمام صوت هند البريئة المغتالة وسط صمت عارم؟

فلنضع الفن جانبًا هذه المرة، ولنتمنى لفيلم بن هنية الوصول إلى أكبر جمهور ممكن، لعلنا نصل إلى عالم أكثر عدلًا وإنسانية نتحدث فيه جميعًا عن الفن.

 

####

 

«أب، أم، أخت، أخ»… موسيقى جيم جارموش العائلية

محمد طارق

غاب جيم جارموش عن صالات العرض ستة أعوام منذ فيلمه الأخير «الموتى لا يموتون The dead don’t die» الذي كان حتى أيام قليلة مضت أحث أفلامه المستقلة التي يواصل فيها تجريب أفكاره التي يسخر فيها أحيانًا من النماذج والقوالب المحفوظة في صناعة السينما.

لكنه عاد إلى الشاشات من جديد بأحدث أفلامه المعروضة في مهرجان فينيسيا في دورته الجديدة، الثانية والثمانين، الجارية فعالياتها الآن. ليقدم فيلمه الجديد «أب، أم، أخت، أخ Father Mother, Sister Brother» الذي يعود فيه بثلاث حكايات عن العائلة.

يشبه الفيلم أفلام جارموش القديمة المكونة من حكايات عدة يجمعها موضوع واحد وجمل حوارية متكررة سواء كانت نكات أو أسئلة وجودية، وهنا رغم أن جارموش لا يقدم جديدًا يختلف عن عالمه بشكل عام، إلا أن هذا الفيلم بالتأكيد يمحي بشكل ما الأثر السيء لفيلمه السابق، الذي حاول فيه استخدام تركيبة أفلام الموتى الأحياء «زومبي» ليسخر من نوعية أفلام الموتى الأحياء، لكن نتج فيلم لا يصل إلى أي مكان ولا يقول أي شيء متماسك.

«هل يمكن أن نشرب نخب الماء؟» هذا واحد من الأسئلة التي يستخدمها جارموش في فيلمه الأحدث في كل الحكايات التي تبدأ بأخ وأخته، يزوران والدهما بعد فترة من وفاة والدتهما. نبدأ بالأخ والأخت بينما يذهبان في عربية فارهة حديثة مزدوجة المحرك إلى الأب غريب الأطوار، الذي يستقبلهما بغرابة ويحاول أن يظهر لهما مدى فقره المدقع وسوء حياته، ويقدم لهما الماء كواجب ضيافة في إشارة إلى فقره أو كما نفهم من السياق بخله. يجلس ثلاثتهم لتبدأ حوارات تذكر بأفلام أخرى لجارموش مثل «ليلة على الأرض Night on Earth» و«قهوة وسجائر Coffee & Cigarettes» فالأب يدِّعي شيئًا، وتحاول الأخت دائمًا إثبات أنه يكذب بشكل ما، بينما يبدو الأخ متغافلًا عن حقيقة أن والده يخبئ شيئًا ما. وهو تغافل ربما يحدث في كل علاقة عائلية، لأن لا أحد يتحمل عواقب الحقيقة، ويفضل الناس ذلك التجاهل لتلك الصغائر من أجل إمضاء ولو لحظات سعيدة مع أب يبعد عنهم مئات الأميال.

لا أعلم لماذا أيضًا قفز إلى ذهني مثال هو ربما بعيد كل البعد عن ذلك الأب في الحكاية، وهو شخصية الأب المُلغزة في رواية «اختراع العزلة» لبول أوستر، إذ كان والده في تلك المذكرات شخصية لا يمكن معرفة ما يدور بداخلها، وشبهه أوستر بشخصية تعددت طبقاتها الخارجية حتى أخفت تمامًا كل ما يدور بداخله، وربما الأمر في فيلم جارموش مشابه لذلك، مع فارق أن الأب هنا تظهر ألغازه في إطار كوميدي خفيف، لا يجعلنا نشعر بمدى الثقل الذي ربما تعيشه شخصيتي الأخ والأخت، بسبب البعد العاطفي والعملي لذلك الأب.

ننتقل إلى الحكاية الثانية فنرى ثلاث سيدات، أم روائية مشهورة وابنتين واحدة تحاول أن تشبه والدتها تمام الشبه والأخرى تختلف عنها كليًا. يجتمع ثلاثتهم في موعد سنوي لشاي ما بعد الظهيرة مع أمهم المقيمة في دبلن – يغير جارموش المدينة مع كل حكاية وهو تغيير ربما يكون شكليًا- وخلال ذلك الموعد وما يسبقه في رحلت الابنتين في المدينة وصولًا إلى بيت الأم، يتكشف لنا مدى الاختلاف بينهما، ثم يظهر الاختلاف أكبر من خلال تناول الطعام والشراب وحتى طريقة خلع كل ابنة لمعطفها. كلها تفاصيل صغيرة يحكي من خلالها جارموش عن أشياء يمكننا كلنا فهمها ونراها دائمًا في كل عائلة، وهي رغم صغرها إلا أنها تخبرنا عن حقيقة تلك العلاقة، يجعلك تستدل وتتعقب كيف كانت نشأة هؤلاء الأبناء والبنات مع آبائهم وأمهاتهم.

الحكاية الأخيرة تدور في باريس، وهي ربما الحكاية الأكثر ديناميكية من حيث مواقع التصوير، إذ نتجول أكثر بكثير مع الأخ والأخت، التوأمان اللذان فقدا والديهما في حادث طيران، لكنهما لا يتكلمان عن الموضوع بأي حزن أو أسى، إذ تختلف تلك الحكاية، فلا يظهر فيها أي نوع من التحسر على علاقة الأبناء بالآباء، بل نرى العكس، نوع من الامتنان للأب والأم اللذين منحا تربية آمنة محبة لأبنائهما، حتى وإن لم يكونا شخصين مثاليين في الحقيقة. لكن ذلك الاختلاف في مواقع التصوير، ونوع علاقة العائلة في مقابل الحكايتين الأولى والثانية ربما يشعر بنوع ما من التغيير الغريب، لكن حسب كلام جارموش ذاته، فإن تلك الحكايات الثلاث هي عن علاقات عائلية مع آباء وأمهات بعيدين، سواء بالسكن أو بالعواطف أو حتى الموت، لكنها بالتأكيد الحكاية الأقل ترابطًا وتماسكًا في الفيلم.

لكن ما الذي يمنح تلك الحكايات متعتها في فيلم جارموش الأحدث؟ أعتقد أن الإجابة يمكن تحديدها في ثلاث نقاط. أولاها هو طريقة الحوار الغريبة بعض الشيء بين الشخصيات، والكلمات المتشابهة في كل حكاية ما يجعلها أشبه بـ «إيفيه» لفظي متكرر، إضافة إلى التفاصيل الصغيرة للشخصيات بينما يتصرفون أو يتحدثون.

ثانيها هي الألوان، إذ يستعمل جارموش – خاصة في الحكاية الثانية – نوعًا من الألوان المتكررة في ملابس الشخصيات الثلاثة – البنتين وأمهما- ولكن بدرجات وتنسيقات مختلفة، ما يمنح إحساسًا بتشابه وتواصل موجود مهما اختلفت الشخصيات. فنرى في الحكاية الثانية ثلاثة تدريجات للأحمر، تلبس الأم أحمر قاتم ذا ملمس واضح، ما يوحي بشخصيتها القوية الفخمة المتكلفة، وترتدي الابنة الصغرى لونا أحمر فاقع لتيشيرت لا يبدو عليه أنه ثمين، لكنه يوحي بشخصيتها المرحة، بينما ترتدي الابنة الكبرى المتشبهة بوالدتها بلوفر أحمر يختبئ خلف قميص أزرق فاتح وبنطلون رمادي، فيبدو أن حبها للحياة يختبئ وراء مظهر هادئ كما هي شخصيتها.

الشيء الثالث الذي يجعل الفيلم ممتعًا، يتوقف على المشاهد نفسه، ومدى مشاهدته لأفلام جارموش السابقة وإدراكه لعالمه المتكون من الشخصيات العادية ذات التصرفات الغريبة بعض الشيء، والدراما الخاصة به حيث لا يحدث شيء كبير أبدًا. وهذا الشيء تحديدًا ربما يكون هو الأكثر متعة بين نقاط تميز الفيلم الثلاثة، إذ أن محبي جارموش يعلمون جيدًا أنه ليس أعظم مخرج في العالم، ولا ينافس أبدًا على أي مساحة تفوق بصري، لكنه دائمًا يشغل مساحة مخرج مستقل يغرد خارج السرب بحريته المفرطة في حكيه لحكاياته العادية وحبه لشخصياته العادية المذهلة.

 

موقع "فاصلة" السعودي في

04.09.2025

 
 
 
 
 

لم يحصل الفيلم بعد على موزع أمريكي ..

بن هنية: الأهم وصول «صوت هند رجب»  إلى الجمهور في جميع أنحاء العالم

فينيسيا ـ «سينماتوغراف»

قالت المخرجة التونسية كوثر بن هنية اليوم الخميس إنها تأمل أن يُسهم الاستقبال الحافل الذي حظي به فيلمها الجديد "صوت هند رجب" في مهرجان فينيسيا السينمائي في نقل قصته المروعة إلى الجمهور في جميع أنحاء العالم.

يروي الفيلم، الذي يرصد الساعات الأخيرة لطفلة فلسطينية تبلغ من العمر ست سنوات من غزة توفيت عام 2024 بعد أن حوصرت في سيارة تحت نيران إسرائيلية، في لفتة وقوف لمدة 23 دقيقة في عرضه الأول يوم أمس الأربعاء، وهي الأطول على الإطلاق هذا العام.

وقالت بن هنية: "كان الأمر مؤثرًا للغاية لأنني لم أتوقع ذلك". أنا ممتنٌّة جدًا لمهرجان فينيسيا لاختياره الفيلم، ولمنحنا هذه البداية الرائعة لمسيرته الفنية.

ولم ينتهِ التصفيق إلا عندما اضطر المسؤولون إلى مطالبة الجمهور بالمغادرة لعرض فيلم آخر.

وقال عامر حليحل، الممثل الذي يلعب دور مُرسِل الهلال الأحمر الذي يحاول تنظيم عملية إنقاذ الفتاة، إنه انتابته مشاعر متضاربة إزاء هذا الاستقبال الحافل.

وتابع: "هناك شعور بالذنب لأننا نحتفل بينما لا يزال الناس يعانون من الجوع والقتل الجماعي"، مضيفًا أن طاقم العمل والممثلين شعروا بأنهم "في مهمة" لسرد قصة رجب للعالم.

كانت الفتاة تحاول الفرار من مدينة غزة في 29 يناير 2024، عندما تعرضت السيارة التي كانت تقلها لهجوم من قبل القوات الإسرائيلية. نجت من إطلاق النار الأولي، وتوسلت إلى موظفي الهلال الأحمر - بصوتٍ مفجعٍ استُخدم في الفيلم - لإنقاذها.

أخيرًا، أعطت إسرائيل الضوء الأخضر لعملية الإنقاذ بعد انتظار دام ثلاث ساعات، لكن الاتصال بطاقم الإسعاف انقطع بعد وقت قصير من وصولهم إلى مكان الحادث. وعُثر على جثث رجب وبعض أقاربها والمسعفين بعد أيام.

أنكر جيش الدفاع الإسرائيلي في البداية أن يكون جنوده ضمن مرمى نيران السيارة. ومع ذلك، ألقى تقرير لاحق للأمم المتحدة باللوم على إسرائيل.

لم يحصل فيلم "صوت هند رجب" على موزع أمريكي بعد، لكن بن هنية قالت إنها لا تزال متفائلة.

قد تواجه الأفلام التي تنتقد إسرائيل صعوبة في الحصول على عرض واسع النطاق في الولايات المتحدة. فاز فيلم "لا أرض أخرى"، وهو فيلم مؤثر يتناول الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي لهذا العام، ولكن على الرغم من نجاحه النقدي، لم يشترِ أي موزع أمريكي كبير المشروع.

ومع ذلك، استقطب فيلم بن هنية نخبة من نجوم هوليوود كمنتجين منفذين، مما منحه ثقلًا صناعيًا إضافيًا، بمن فيهم الممثلون براد بيت، وخواكين فينيكس، وروني مارا.

وقالت بن هنية: "آمل أن يُعرض في الولايات المتحدة"، مشيرةً إلى أن تونس قد اختارته بالفعل لجائزة أفضل فيلم روائي دولي في حفل توزيع جوائز الأوسكار لعام 2026.

وأضافت: "الأهم هو أن يصل فيلم "صوت هند رجب" إلى الجمهور في جميع أنحاء العالم، وجوائز الأوسكار ومهرجان فينيسيا هنا تُمثلان مدخلًا رائعًا".

 

####

 

مع ذروة المهرجانات السينمائية ما بين أغسطس وسبتمبر

تورنتو ينافس فينيسيا وتيلورايد في تقديم أفلامه للأوسكار

تورنتو ـ «سينماتوغراف»

في عالم السينما، لا شيء يضاهي إثارة مهرجان سينمائي. إنه منصة تُعرض فيها باقة واسعة من الأفلام الترفيهية عالية الجودة، وتتراوح الأفلام من أفلام مستقلة صغيرة الميزانية إلى أفلام ضخمة من إنتاج استوديوهات كبرى، وجميعها تتخذ من المهرجان منصة انطلاق لتحقيق نجاحات مستقبلية في شباك التذاكر والجوائز.

من بين الأفلام العشرة المرشحة لجائزة أفضل فيلم في حفل توزيع جوائز الأوسكار العام الماضي، عُرضت سبعة أفلام لأول مرة في مهرجانات سينمائية. من بينها الفيلم الفائز "أنورا"، الذي بدأ مسيرته الناجحة في مهرجان كان السينمائي المرموق.

تصل المهرجانات إلى ذروتها من أواخر أغسطس وحتى منتصف سبتمبر، عندما تتداخل مهرجانات فينيسيا وتيلورايد وتورنتو السينمائية الدولية.

هذا الجدول الزمني المكثف يُثير منافسة شرسة بين هذه المهرجانات الثلاثة لاستضافة عروض أفلام مختارة.

بعض الأفلام ستُعرض في المهرجانات الثلاثة، وبعضها في مهرجانين، وبعضها في مهرجان واحد فقط.

ويخطط صانعو الأفلام والموزعون لهذه الانطلاقات عن قصد، لأن لكل مهرجان مزاياه وعيوبه.

يُقبل مهرجان فينيسيا أكثر على الأفلام الفنية والدولية الصارمة، بينما يُعزز مهرجان تيلورايد بيئةً هادئةً وحصرية، بينما يُعدّ مهرجان تورنتو أحد أكبر المهرجانات حضورًا جماهيريًا في العالم ويدفع بأفلامه الي الأوسكار.

لطالما كان ولايزال مهرجان تورنتو السينمائي الدولي، يجمع مزيجًا من أفضل الأفلام من جميع المهرجانات الأخرى (صندانس، برلين، كان، فينيسيا، تيلورايد، وغيرها)، إلى جانب مجموعة من العروض العالمية الأولى المثيرة.

يضم برنامج هذا العام 209 أفلامًا روائية طويلة تُعرض على مدار 10 أيام في مختلف قاعات المهرجان الرائعة.

سيُعرض في اليوم الأول أربعة أفلام مميزة من مهرجان كان: "القيمة العاطفية"، و"الموجة الجديدة"، و"صوت السقوط"، والفائز بجائزة السعفة الذهبية، "حادث بسيط".

ويُقدم اليوم الثاني أعمالًا جديدة. الأول هو فيلم "ساحر الكرملين" للكاتب والمخرج الفرنسي أوليفييه أساياس. ويشارك في بطولته بول دانو بدور فاديم بارانوف، المخرج الذي أصبح مستشارًا لفلاديمير بوتين خلال صعوده إلى السلطة في روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي. ويؤدي جود لو دور بوتين، ويكمل طاقم التمثيل أليسيا فيكاندر وجيفري رايت وتوم ستوريدج.

والفيلم التالي هو فيلم "لا خيار آخر" للمخرج بارك تشان ووك، وهو كوميديا ساخرة سوداء تدور حول رجل عاطل عن العمل بشكل مزمن يقرر أن أفضل سبيل للحصول على وظيفة هو قتل جميع المتقدمين الآخرين.

يشهد مساء السبت المقبل الحدث الأبرز: العرض العالمي الأول لفيلم "استيقظ أيها الرجل الميت: لغز إطلاق السكاكين"، الجزء الثالث من سلسلة أفلام الجريمة من بطولة دانيال كريج بدور المحقق بينوا بلانك.

وفي وقت سابق من يوم السبت، سيُعرض فيلم "وصية آن لي" بمقاس 70 ملم، وهو فيلم موسيقي عن مؤسسة حركة "شاكر" من بطولة أماندا سيفريد بدور الشخصية الرئيسية. شارك في كتابة الفيلم كلٌ من مونا فاستفولد وبرادي كوربيت، الفريق الذي أخرج فيلم "الوحشي" العام الماضي، حيث تولت فاستفولد دور المخرجة.

وتشمل الأفلام الكبيرة الأخرى خلال عطلة نهاية الأسبوع فيلم "الحافلة المفقودة"، بطولة ماثيو ماكونهي بدور سائق حافلة خلال حرائق الغابات عام 2018 في كاليفورنيا؛ وفيلم "عائلة مستأجرة"، وهو فيلم درامي كوميدي من بطولة بريندان فريزر بدور بديل محترف لعائلة يابانية؛ وفيلم "حظ سعيد"، أول تجربة إخراجية لعزيز أنصاري؛ وفيلم "هامنت"، وهو اقتباس من الرواية الشهيرة للمخرجة كلوي تشاو، ويشارك في بطولته بول ميسكال في دور ويليام شكسبير وجيسي باكلي بدور زوجته الحزينة أغنيس؛ و"نورمبرغ"، دراما محكمة تدور حول محاكمات القيادة العليا النازية في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

وسيُبهر دواين جونسون الجمهور بتقديمه العرض الأول في أمريكا الشمالية لفيلم "آلة التحطيم"، الذي يروي قصة حياة مارك كير، مقاتل الفنون القتالية المختلطة (MMA) وUFC.

لكن المرح لا يتوقف مع دخول المهرجان نصفه الثاني. غييرمو ديل تورو، المخرج الأكثر عشقًا للوحوش، يحصل أخيرًا على فرصة اقتباس قصة أشهرها على الإطلاق.

سيُطلق هو ونتفليكس فيلم "فرانكشتاين" الملحمي، بطولة أوسكار إسحاق في دور العالم المجنون وجاكوب إلوردي في دور المخلوق المولود من جديد.

كما يُعرض فيلم "قصيدة لاعب صغير" من إخراج إدوارد بيرغر، مخرج فيلمي "كل شيء هادئ على الجبهة الغربية" و"كونكلاف". يلعب كولين فاريل دور مقامر متجول يخاطر بحياته، بينما تتعقبه المحققة تيلدا سوينتون إلى ماكاو.

ويمكن الاطلاع على القائمة الكاملة لعناوين الأفلام على موقع مهرجان تورنتو السينمائي الدولي.

 

####

 

كريستيان مونجيو في «ماستر كلاس فينيسيا الـ 82»

سقوط الشيوعية جعلني أسعى وراء حلم صناعة الأفلام

فينيسيا ـ «سينماتوغراف»

قدم اليوم المخرج الروماني كريستيان مونجيو (ماستر كلاس) في مهرجان فينيسيا السينمائي الـ 82، والذي افتتحه قائلاً: "لم أكن أنوي أن أصبح مخرجًا. عندما بدأتُ التفكير في ذلك، لم أكن أعرف شيئًا عن تاريخ السينما أو تقنياتها".

وتابع: "ومع ذلك، قررتُ في أحد الأيام محاولة الالتحاق بأكاديمية المسرح والسينما في بوخارست. أعتقد أنني كنتُ أكثر حظًا من زملائي، فعندما كنا نُطلب للعمل على مشروع، وبينما كان يواجه البعض صعوبة في الكتابة، كنتُ دائمًا ما أجهّز سبعة أو ثمانية سيناريوهات."

وأضاف: "ثم حدث أمر غير متوقع: سقوط الشيوعية. انقلبت حياة الجميع رأسًا على عقب. حينها، بدأ أصدقائي يسألونني لماذا لا أصنع أفلامًا. في النهاية، بدأتُ أسعى وراء حلمي.".

وعن عمله في صناعة الأفلام، قال كريستيان مونجيو: "في البداية، لم أكن أعلم أن السينما ستكون مهنتي المستقبلية. كنتُ شغوفًا برواية القصص فقط لأنني وجدتُ العالم مثيرًا للاهتمام. كما ارتبط حبي لرواية القصص بعائلتي، حيث كان الجميع يتحدثون دائمًا باستثنائي. وكان لديّ الكثير لأقوله".

فاز مونجيو بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي عام 2007 عن فيلمه "4 أشهر، 3 أسابيع، ويومان". وفي مهرجان كان السينمائي أيضًا، فاز بجائزة أفضل سيناريو عام 2012 عن فيلم "ما وراء التلال" - وهو فيلم حاز على جائزة أفضل ممثلة للبطلتين - وجائزة أفضل مخرج عام 2016 عن فيلم "التخرج"، وهي جائزة تقاسمها في ذلك العام مع أوليفييه أساياس. أُدرج فيلمه الروائي الطويل "ر.م.ن" في المسابقة الرئيسية للمهرجان عام 2022.

 

####

 

مراجعة فيلم | «فتاة» أول إخراج للممثلة «شو تشي»

عن آلام الأسر المُفككة وقمع النساء

فينيسيا ـ خاص «سينماتوغراف»

تُبدع الممثلة الصينية شو تشي، التي تحولت إلى مخرجة، قصةً مألوفةً عن مرحلةٍ من النضج شابها العنف الأسري، من خلال فيلمها (فتاة ـ Girl)، الذي عُرض اليوم لأول مرة في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي الثاني والثمانين.

تدور أحداث القصة في تايوان أواخر ثمانينيات القرن الماضي. شهدت هذه الفترة تحولاً جذرياً في هذه الدولة الآسيوية الصغيرة، بعد أن التزمت جمهورية الصين الشعبية بعدم التدخل، وبدأ الازدهار الاقتصادي.

لم يكن بمقدور الجميع جني ثمار التنمية الاجتماعية والاقتصادية فوراً. هسياو لي (باي شياو ينغ) مراهقة هادئة ومنطوية. تعيش في بيئة منزلية خالية من الحب. والدها تشيانغ (روي تشيو) مدمن كحول شرس، ويضرب زوجته بشدة، ووالدتها تشيان عاجزة عن منح ابنتها أي عاطفة.

في الواقع، لا تختلف المعاملة التي تُلقيها على ابنتها كثيراً عن المعاملة التي تتلقاها من زوجها.

تُسيء معاملتها لفظيًا ونفسيًا، لدرجة أنها تحضر فصلها الدراسي وتُهين المراهقة التعيسة أمام زملائها ومعلمتها المُرتبكين.

شقيقة هسايو لي الصغرى (لاي يو فاي) عاجزة أمام هذه المشاكل العائلية المُعقدة. تطلب هسياو لي من والدتها أن تُطلق والدها، لكن توسّلها لا يُلقى آذانًا صاغية.

في أحد الأيام، تلتقي هسياو لي بليلي (أودري لين)، المرحة والمُنطلقة، من نفس عمرها تقريبًا.

عاشت لي لي في الولايات المتحدة، وتتحدث الإنجليزية بطلاقة. تُجسّد هذه الشخصية التأثير الأمريكي على الدولة الآسيوية. لي لي ذكية للغاية في التعامل مع الشارع، ومُحصنة في الغالب ضد التنمر والإهانات.

تجد هسياو لي في معرفتها الجديدة مُلهمًا ومُحررًا. معًا، تتشاركان لحظات أنثوية داخل حجرة الحمام، وتواجهان المدرسة، وتلتقيان بالفتيان، وتسافران معًا على دراجتهما البخارية. لكن والدي هسياو لي لم يُعجبا كثيرًا بصداقة ابنتهما الجديدة وشعورها بالحرية. لا بد أن يحدث أمر مأساوي.

معظم الشخصيات أحادية البعد بشكل مؤلم. هذا ينطبق بشكل خاص على الأب، لدرجة الوعظ: "أنا رب الأسرة"، و"افعل ما أقول" من بين العبارات القليلة التي ينطق بها.

الأم أيضًا شريرة في الغالب، حتى وإن حاولت أحيانًا القيام بلفتة خجولة للتكفير. بعض التمثيل جامد وغير طبيعي. بالإضافة إلى ذلك، بعض المشاهد سيئة الإخراج للغاية، لا سيما مشهد اغتصاب وحادث دراجة نارية.

من ناحية أخرى، فإن مشاهد الأحلام مؤثرة وذات ذوق رفيع (مع ملاءة سرير كادت أن تسحق وجه هسياو لي).

هذه القصة تفتقر إلى الأصالة والحيوية والنشاط. وليس في الفيلم جديد يُقدمه عن الأسر المُفككة وقمع النساء.

على الأقل، يُلقي المشهد الأخير بعض الضوء على الأحداث، ويُبرز بعض الغموض، ويُبرز إمكانية المصالحة. لكن هذا قليلٌ جدًا ومتأخرٌ كثيراً.

يُعدّ تصوير يو جينغ بين السينمائي العنصر الأكثر إقناعًا في فيلم "فتاة"، وهو أيضًا أكبر مُنقذٍ له.

الألوان الداكنة والباردة والباهتة، إلى جانب التركيز الناعم، تُضفي على القصة شعورًا بالكآبة التي لا مفر منها، وهو ما يتناسب تمامًا مع نشأة هسياو لي. مشهدٌ واحدٌ من أعلى الشجرة يحمل رمزيةً عميقةً ونابضةً بالحياة.

تم تصوير المطر الغزير ببراعة. لا يُزيل هطول المطر المُستمر ألم هسياو لي، بل يسجن شخصيتها مع سؤال، هل يُمكن لشباب مُحطم أن يُصبح شخصًا بالغًا مُتوازنًا عاطفيًا؟.

 

####

 

مراجعة فيلم | «إليسا» لـ ليوناردو دي كوستانزو..

رحلةٌ إلى قلب وروح امرأةٍ معقدةٍ وغامضة

فينيسيا ـ خاص «سينماتوغراف»

عُرض لأول مرة مساء اليوم فيلم «إليسا ـ Elisa» من إخراج الإيطالي ليوناردو دي كوستانزو، في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الثاني والثمانين. عملٌ شيقٌ يرصد مريضة تعاني من اضطراب في مصحة نفسية.

تدور أحداث الفيلم في سويسرا. إليسا (باربرا رونشي)، الجميلة والجريئة، بنظرتها الحادة وتعابير وجهها العابسة التي تخفيها، نشأت في كانتون جبال الألب الناطق بالإيطالية.

كانت جزءًا من عائلة مستقرة ظاهريًا مكونة من خمسة أفراد، تضم أيضًا والدها المُحب (دييغو ريبون)، ووالدتها الحذرة، وشقيقها المتغطرس فرانك، وشقيقتها الغائبة والطيبة كاتيا.

تعيش المرأة البالغة من العمر 35 عامًا في مصحة عقلية في الجزء الناطق بالفرنسية من البلاد (على الأرجح في كانتون مجاور) منذ عقد. قبل عشر سنوات، قتلت أختها بوحشية.

تبدأ القصة بمحاضرة جامعية يلقيها عالم الإجرام علوي (رشدي زيم). يستخدم صورة بالأبيض والأسود لأمريكيين بيض يضحكون على إعدام رجلين أسودين شنقًا في ثلاثينيات القرن الماضي لتوضيح "عبثية" الشر.

ويوضح أن مرتكبي أبشع الجرائم غالبًا ما يسترشدون بشعورهم بالعدالة، وبالتالي مقتنعين بأنهم يفعلون الصواب (من منظورهم الأخلاقي الملتوي للغاية).

ويفسر أيضًا أن هذا لا يعني الرضا عن النفس. بل يعتقد أنه من الضروري التعمق في إنسانية مرتكبي الجرائم لفهم دوافعهم، والتصالح مع جرائمهم، ويجري أبحاثًا مع أشخاص مدانين بجرائم خطيرة للغاية لتحديد كيفية تحقيق ذلك.

وهكذا يلتقي علوي بإليسا، التي ربما تكون أفضل دراسة حالة له. تدعي أنها لا تتذكر الأحداث التي أدت إلى تخدير أختها وحرقها عمدًا وبشكل مميت، ومحاولة قتل والدتها بوسائل مماثلة جدًا.

إن فشل مشروع العائلة، واعتقاد معظم أفرادها أن اللوم يقع عليها، يشير إلى أن هذه الجريمة كانت مُدبّرة للغاية، وهو أمر تنفيه إليسا باستمرار.

جريمة قتل الأخوات ليست جريمة متكررة في الأفلام. عادةً، تسود الأخوة. ويبدو أن إليسا تحمل آثارًا لسلوكيات سيكوباتية.

نادرًا ما تتحدث عن أختها، ونادرًا ما تُعبّر عن ندمها على أفعالها، ومع ذلك، فهي ليست فارغة تمامًا من المشاعر.

إنها تُحب والدها كثيرًا - العضو الوحيد في العائلة الذي لا تزال على اتصال به. يزورها الرجل العجوز الحزين بانتظام في المؤسسة، مُحضرًا هداياه على أمل أن يُضفي بعضًا من "السكينة" على روحها المُضطربة.

أصبحت إليسا الآن مؤهلة للإفراج المشروط، في نظام شبه مفتوح، ومع ذلك لا تزال غير مبالية إلى حد كبير باحتمالية الحرية (الجزئية).

أكثر اللحظات حدةً وحسمًا في الفيلم هي المحادثات بين إليسا والدكتور علوي. يستجوبها الدكتور علوي عن دوافعها الحقيقية، ويتأكد من أنها مرتاحة بما يكفي للانفتاح.

تدريجيًا، تبدأ التفاصيل بالظهور. إليسا أيضًا فضولية بشأن دوافع الدكتور علوي، الذي يرفضها باعتبارها "سؤالًا مثيرًا للاهتمام" بشكل مفاجئ، قبل أن يُصرّ على التركيز بدلًا من ذلك على سلامتها النفسية.

فيلم إليسا، الذي يُزعم أنه مستوحى من قصة حقيقية، وشارك في كتابته المخرج ليوناردو دي كوستانزو مع اثنين آخرين من زملاء العمل (برونو أوليفييرو وفاليا سانتيلا)، مبني على دراسة شخصية تقليدية.

يستحق أداء (رونشي) القوي الثناء، فقد نجحت في تجسيد شخصية امرأة تبدو طبيعية، تعاني من صدمات عميقة، تظهر أحيانًا بشاعتها لنتائج كارثية.

يسعى الفيلم إلى تحديد ما إذا كانت إليسا تعاني من اضطرابٍ نفسيٍّ فطريٍّ لا أمل في الشفاء منه، أو ما إذا كانت شخصًا ماكرًا ومتلاعبًا، أو ما إذا كانت تعاني من أحد أشكال اضطراب الشخصية المنقسمة (الذي تسبب في فقدان الذاكرة).

هذا ليس فيلمًا مثاليًا. فالنص سطحيٌّ جدًا وخالٍ من الأحداث، وإيقاعه بطيءٌ جدًا، والمخرج يحرم المشاهدين من معرفة بعض أهم التطورات.

على سبيل المثال، بالكاد يُصوَّر علاقة إليسا بأختها، وكذلك والدتها، مما يترك المشاهدين في حيرةٍ من أمرهم حول السبب الجذري لمشاعر الرفض التي تشعر بها.

الحوارات مع الطبيب النفسي شيقة، لكن الجرائم والدوافع غامضةٌ جدًا، وتبقى نفسية إليسا كظلام سماء الليل. إنها رحلةٌ داخليةٌ إلى قلب وروح امرأةٍ معقدةٍ وغامضة. ولكن للأسف، تستمر هذه الرحلة في الدوران داخل حلقاتٍ مفرغة.

 

موقع "سينماتوغراف" في

04.09.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004