زياد الخزاعي

 
سيرة كتابة
 
 
 

كتابة

مهرجان كان السينمائي الدولي الـ77

(First Film Directors)

كان 77... بشارات البواكير

بقلم: زياد الخزاعي/ خاص بـ"سينماتك"

 
 

وفرة البواكير في البرنامج العام للدَّورة الـ77 (14 ـ 25 أيار 2024) لمهرجان كانّ السينمائي لها بشاراتها، رغم وحشية سنتي الـ"كوفيد" وتوابعها، وكثرة الحروب وسفالاتها التي تعمّم اليوم إحباطاً عاماً وشيطنة سياسيَّة لأطراف تتنازع على قوَّة غاشمة، أخرها فظاعات الإبادة في قطاع غزة التي جرى تفريغ هذا البرنامج، بطريقة تثير الرّيبة، من أيّ فيلم يقارب أو يندّد أو يشير الى جرائم إسرائيل، ولولا وجود الفلسطيني الدنماركي الموهوب مهدي فليفل وأول أعماله الروائية، بعد وفرة أشرطة وثائقية، بعنوانها الإيحائيّ "الى أرض مجهولة" (105 د)، ضمن عروض "أسبوعا السينمائيين" (بعد تغييرها من "المخرجين"، خضوعاً للمساواة الجندرية)، لكانت المشاركة الفلسطينية معدومة تماماً هذا العام.

ورغم أنَّ لا علاقة لحكايتها وأبطالها بالجحيم الذي يتعرض له القطاع، إلَّا أنَّ نصّ صاحب "عالم ليس لنا" (2012) لن يتخلى عن مصيبته الفلسطينية، ويذهب بمشاهده نحو مسابر أخرى معنية بدياسبورا تتناسل وتتكرَّس، وكأن السماء حكمت بتوارثها. حكاية إثنين من أبناء عمومة، رضا وشاتيلا، يتركان عائلتيهما في مخيم للاجئين في لبنان، بحثاً عن حياة أفضل في أوروبا. تقودهما رحلتهما إلى أثينا ـ في طريقهما الى ألمانيا ـ بيد أنَّ السبل تتقطع بهما، حين يصرف رضا المبلغ المالي المخصص في تأمين جوازات سفر مزورة ومغادرة اليونان في شراء مخدرات. يجد الإثنان نفسيهما في محنة معقدة ودوامة حياتية في بلد يعيش إنهياراً اقتصادياً واجتماعيَّاً. سعياً الى اِستعاد المبلغ المسروق، يضطرَّان إلى الانخراط في سلسلة غير متوقعة من المفارقات، ما يضع صداقتهما على المحك، ويجد شاتيلا نفسه مضطراً للاختيار بين حريته أو قريبه، قبل أن تأخذ الأحداث منحى مأساويَّاً. قال فليفل: " أمر مؤثر بالنسبة لي بشكل خاص، في هذه الأوقات العصيبة، أن أقدم فيلماً فلسطينياً في مهرجان كانّ. نحن كفلسطينيين نتحدَّى الصور النَّمطية الإعلامية، لكن الأهمَّ من ذلك أننا نتحدى الاختفاء، وهو صراع واجهناه منذ البداية. إنَّ قصصنا مطلوبة الآن أكثر من أي وقت مضى" (صحيفة "فارايتي" السينمائية الأميركية، 23 أبريل 2024).

*****

ضمن الخانة نفسها تعرض المصرية هالة القوصي عملها "شرق 12" الذي يدور في أرض صناعيَّة قاحلة ومتخيلة في مكان مجهول، وهي "قصة شعبية باروكيَّة ومحتشدة بالإبتكار، حيث تجد فيها مجموعة من الشباب اللامعيَّن طرقاً للنَّجاة من استبداد طاغية أرعن، عملته هي تذاكر يانصيب ومكعَّبات سُكَّر". تجدر الإشارة الى أن هناك مشاركات عربيَّة أخرى، اثنتان منها معروضة في "أسبوع النقَّاد" هما، الوثائقيّ الطويل "رفعت عيني الى السماء" (داخل المسابقة، 102 د) للمصريين ندى رياض (1987) وأيمن الأمير (1981) الذي يصوّر "تمرّد مجموعة من الفتيات في قرية نائية في جنوب مصر، وقرارهنَّ في تشكيل فرقة مسرحية نسائيَّة، تقدم عروضها في الشوارع. يافعات يحلمن بأن يصبحن ممثلات وراقصات ومغنّيات، يتحدين عائلاتهن وأهالي القرى الأخرى بعروض غير متوقعة. تمَّ تصوير الشريط على مدى أربع سنوات، وتتبع فتياته من الطفولة إلى مرحلة الأنوثة، ومواجهتهن الخيارات الأكثر أهمية في حياتهن". والعمل الروائي الثاني للمغربيّ الفرنسيّ سعيد حميش بن العربي "البحر البعيد" (117 د) الذي يسرد فيه حكاية مواطنه نور (27 عاماً) المهاجر بطريقة غير شرعية إلى مرسيليا، وصراعه اليومي مع أصدقائه في كسب عيشهم في العمل بمهن وضيعة، لكن لقاء عابراً له مع الشرطي سيرج وزوجته يقلب حياته رأساً على عقب.

نشير الى أنَّ المغربي نبيل عيوش يعود مرة أخرى الى الكروازيت بعد "علّي صوتك" (2021) مع آخر إبداعاته والمعروض ضمن فقرة "كانّ بروميير" وعنوانه "الكُل يحب توده"، كتبه مع زوجته المخرجة مريم التوزاني، عن شابة "تحلم بشيء واحد فقط: أن تكون شيخة، ايّ فنانة مغربية تقليدية متمكنة على خطى الشاعرات المجيدات اللاتي سبقنها، تؤدي توده أغاني المقاومة والحب والتَّحرر في مقاصف محلية تحت أنظار الرجال الشَّهوانيَّة، في وقت تخطّط لترك مدينتها الصغيرة صوب أضواء الدار البيضاء الساطعة حيث تأمل أن يتم الاعتراف بها كفنانة حقيقية، وتضمن مستقبلاً لها ولابنها المعاق". أخيرا، يتنافس البرازيلي من أصل جزائري كريم عينوز ضمن المسابقة الرسمية بـ"فندق ديستينو" المشار له في مقالتنا السابقة.

*****

 
 

احتشدت وفرة البواكير في خانة "نظرة ما" مع 8 أفلام مع غلبة فرنسية فيها، ما يجعلها شبابية بشكل غير مسبوق، وممهَّدة السبيل بما لا يقبل الشك الى أسماء موهوبة وواعدة في اختراق أسواق العروض والاِنتشار عالمياً، في وقت تؤكّد هذه الجمهرة على أنَّ قيامات السينما لن تنتهي ولا حدود لمفاجآتها. نخص بالذكر في هذه العجالة التعريفيَّة الآتي وجميع ما يُذكر هنا من عناوين هي أعمال أولى لمبدعيها:

تدور قصة باكورة السعودي توفيق الزايدي حول فتاة طموحة وحالمة يحمل الفيلم اسمها "نورة"، لها ولع بالحياة والفن، رغم عدم توفُّر الفرص الفنيَّة المتاحة أمامها في المملكة خلال ثمانينيَّات القرن الماضي، لكن تعرفها على مدرّس شابّ مديني، يكشف لها وأقرانها أنَّ الفن يمكن أن يكون وسيلة تواصل شديدة الفعالية والتغيير.

أمَّا الصومالي المقيم في النمسا مو هراوي، الحائز على الجائزة الكبرى في مهرجان كليرمون فيران الفرنسي عن فيلمه القصير "هل سيأتي أهلي لرؤيتي" (2022)، فيصنع ملحمة من 132 دقيقة عن قرية صوماليَّة تتعرض الى عواصف ترابيَّة لا تهدأ، يتوجَّب على قاطنيها، ومنهم عائلة صغيرة هي محور الفيلم باعتبارها كينونة اجتماعيَّة معرضة الى تهديد دائم، أن يجدوا حلَّاً دراماتيكيَّاً، يضمن وحدتهم وأمان أبنائهم في عالم معقَّد وخطر يحيط بهم بلا هوادة، سلاحهم الحب والثّقة والمرونة التي ستدعمهم خلال المسارات المختلفة لحيواتهم، ويضمن جماعيتهم الثَّمينة، ما يجعل شريط "القرية المحاذية للجنة" أحد العناوين الجديرة بالاهتمام.

في حين يجعل الفرنسي جوليان كولونا من مسقط رأسه كورسيكا بطبيعتها البحريَّة الأخاذة معقلاً مليئاً بالخطايا في "المملكة" الذي يتابع يوميَّات المراهقة ليسيا التي تتمتع بصيفها البكر في الجزيرة عام 1995، قبل أن يخطفها رجل غريب في أحد الأيام،  ويتوجه بها على دراجة نارية إلى فيلا معزولة حيث تجد والدها مختبئاً ومحاطاً برجاله. تندلع حرب انتقاميَّة، ويضيّق الخناق على عصابته، وتبدأ مطاردة مريرة تقرَّب بين الإثنين وتعزَّز تفاهمهما، ويتعمَّق حبهما كأب وابنة في عالم وحشي لن يرحم معارضيه.

على منواله، تعرض مواطنته لويز كورفوازيه "البقرة المقدَّسة"، عن توتون البالغ من العمر 18 عاماً الذي يقضي جلّ وقته في شرب البيرة، والتَّنقّل من حانة إلى أخرى في منطقة جورا الريفيَّة مع زمرة من أصدقائه. لكن الواقع سرعان ما يلقنه درساً حاسماً، إذ عليه أن يعتني بشقيقته البالغة من العمر سبع سنوات، ويجد سبيلاً لكسب عيشهما. تحين الفرصة في الإعلان عن مسابقة زراعية جائزتها 30 الف يورو، لتصبح هوساً لا فكاك منه. وكما هي حالة هذا الشاب، تعيش ليان (19 عاماً) بطلة باكورة الفرنسية أغاث ريدنير "الماس الخام"، المتنافس على السعفة الذهب، ذات الشَّخصيَّة الجريئة والنَّاريَّة الدَّوافع، "مع والدتها وأختها الصغيرة تحت شمس بلدة فريغوس المغبرَّة في جنوب فرنسا. صبية مهووسة بالجمال والحاجة إلى أن تصبح "شخصاً ما"، وترى في تلفزيون الواقع فرصتها الى أن تكون وسط اهتمام الجميع وإعجابهم، يبتسم لها القدر عندما تقوم باختبارات أداء في برنامج "جزيرة المعجزة"!".

فيما تحضر الإغريقيَّة الفرنسيَّة أريانا لابيد، وهي زوجة المخرج المعروف يورجوس لانثيموس صاحب "كائنات بائسة" (2024)، بحكاية الشَّقيقتين سبتمبر ويوليو في "إنَّ حكت سبتمبر". شخصيتان متناقضتان. الأولى حذرة ولا تثق بالآخرين، بينما يوليو منفتحة على العالم وفضوليَّة بشأنه. تشكَّل ديناميكيتهما مصدر قلق لأمهما العازبة، شيلا، التي لا تعرف ماذا تفعل بشأنهما. عندما تتعرض سبتمبر الى عقاب إداري يوقفها عن دراستها، تُترك يوليو الى تدبَّر أمرها بنفسها، وتشرع في تأكيد استقلاليَّتها. يتصاعد التوتر بين الشخصيات الثلاث عندما يستقرن في منزل عطلة قديم في أيرلندا، حيث تجد يوليو أن علاقتها مع شقيقتها تتحوّل بطرق لا يمكن فهمها أو السَّيطرة عليها، لتقع سلسلة من حوادث سوريالية الطابع.

في حين اختار النرويجي الشاب هالفدن أولمان تونديل الممثلة ريناته راينسفه، التي سحرت الكروازيت بأدائها الخاطف في شريط "أسوأ كائن في العالم" لجواكيم ترير (2021)، لتؤدي دور البطولة في باكورته الروائية "أرماند"، وهو اسم صبي يبلغ من العمر 6 سنوات "متهم بتجاوز الحدود ضد أفضل أصدقائه في المدرسة الابتدائيَّة. رغم إن لا أحد يعرف ما وقع بالفعل بين الإثنين، غير أنَّ الحادث يثير سلسلة من التَّداعيات، ما يجبر الآباء وطاقم المدرسة على خوض معركة فداء آسرة حيث تعم حالة غريبة هي خليط من جنون ورغبة وهوس".

*****

يفتتح الفرنسي جوناتان ميليه خانة "أسبوع النقَّاد" بباكورته "أشباح" (106 د)، وهي مأخوذة عن قصَّة حقيقية حول الشاب حميد (تمثيل التونسي آدم بيسا الحائز على جائزة أفضل ممثل في خانة "نظرة ما" عن "حرقة"،2022)، وهو "عضو في مجموعة سرّية مكلفة في ملاحقة أزلام وقادة النظام السوريّ الهاربين. تأخذه مهمته إلى فرنسا، مقتفياُ أثر جلاده السَّابق الذي يجب عليه مواجهته والقصاص منه". ويحضر ابن بلده أنتوان شيفروليه بعمله "لا بامبا" (103 د)، وهو اسم حلبة للدَّرَّاجات النَّاريَّة، تشهد اكتشاف اليافع ويلي سرّ صديقه منذ الطفولة جوجو. زميلتهما الأميركيَّة من أصل صيني كونستانس تسانغ تقارب في شريطها "قصر بلو صن" أوضاع غرباء الولايات المتحدة والحالمين برقي اجتماعيّ وأمان شخصي صعب المنال عبر تفاصيل حكاية طويلة، تمتد على نحو ساعتين، لتجربة عنيفة بين أثنين من المهاجرين في منطقة كوينز نيويورك، وسعيهما للفوز بحياة كريمة.

على طرف سياسيّ انتقاديّ، يصرف المخرج والموسيقي التايواني الأميركي كيف 128 دقيقة في "لوكوست"، ليصوغ فيها تفاصيل عالم العاصمة تايبيه السفلي الذي تنعكس عليه بشدَّة وقع احتجاجات هونغ كونغ في عام 2019. يعيش "الشاب الكتوم تونغ هان حياة مزدوجة. يعمل نهاراً في مطعم عائلي، وينخرط ليلاً في عالم الجريمة مع رجال عصابات محليّين، غير أنَّ تغيُّر ملكية المطعم، يفرض عليه خيارات حاسمة، ويدفع به نحو مواجهة ألاعيب سلطة فاسد وعنيفة جداً". من بين المتنافسين الآخرين في هذه الخانة، كلّ من البلجيكي ليوناردو فان ديل مع فيلمه "جولي تحافظ على هدوئها" (97 د) حول "لاعبة تنس شابَّة واعدة، تقع تحت ضغوط إدارة ناديها على التَّحدث علناً حين يخضع مدربها الى تحقيق مرير". ورفيقه المخرج الأرجنتيني فيديريكو لويس تاتشيلا ونصّه "سيمون ابن الجبل" (98 د) عن شاب (21 سنة) يحمل الشريط اسمه، ويعمل في مجال الخدمات الوضيعة، يواجه مشكلة عدم ثقة الآخرين به فقط لأنه بلا كفاءات أو مهارات، الأمر الذي يرغمه على الكذب باستمرار تحايلاً على عزلته.

سينماتك في ـ  16 مايو 2024

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004