دبي . سينما . كتاب
قيل لي أن إصدار الكتب السينمائية تحتوي على مخاطر كثيرة،
وأنها ليست مهنة يمكن بناء مستقبل عليها. قيل لي أن قراء
المادة السينمائية قلة وقراء النقد أقل، ثم سمعت أن المسألة لن
تكون مجزية تجارياً وأن المسألة في النهاية واضحة: كثير من
الكتب تصدر وقليل منها يباع.
لكن ما هو عندي من دوافع وجدته أقوى من كل تلك التحذيرات.
وبالمناسبة فإن المخاطر ليست كثيرة كما يقال، تحديداً هناك
شكلين لتلك المخاطر: أو لا أن لا ينجز الكتاب غايته التي وضع
من أجلها وثانياً أن لا يبيع ما يكفي لسداد كلفته. شخصياً، أحب
أن أنظر إلى المسألة على نحو مختلف: هل من المفترض أن يحقق
المرء التغيير المنشود بالتمني؟ هل إذا إمتنع كل منا عن إنتاج
الفيلم الجيد أو عن نشر الكتاب المفيد أو عن دعم أي إبداع
ثقافي أو أدبي أو فني يدرك أهميته وجدواه، سنحل أزماتنا
الحضارية والثقافية؟ ثم لماذا على الفرد أن ينتظر التغيير إذا
ما كان قادراً عليه؟
الواقع هو أننا في دولة الإمارات العربية المتحدة نسير على خطى
ثابتة مفادها أن على المواطن وحكومته الإشتراك معاً في الفعل
البناء والعمل الهادف لإعلاء شأن الحقول المختلفة التي تتألف
منها الحياة ثقافياً أو إقتصادياً أو رياضياً أو فنياً أو في
أي من المجالات الحيوية الأخرى.
والحقيقة أن دولة الإمارات، وأنا فخور بإنتمائي إليها، شهدت في
السنوات الخمسة عشر الأخيرة أو نحوها نهضة شاملة في كل هذه
المجالات وسواها، تحولت إلى دولة يقاس بها مستوى التقدم في
أكثر من مكان وفي أكثر من مجال، دولة يسهر على رعاية الثقافة
والفنون فيها مسؤولون يدركون أهمية هذين الحقلين ويدعمانهما
على نحو قل نظيره في العالم إذا ما كان له نظير فعلي.
تحديداً، بذل صاحب السمو مكتوم بن محمد بن راشد، رئيس مؤسسة
دبي للإعلام، وصاحب السمو ماجد بن محمد بن راشد، رئيس هيئة دبي
للثقافة والفنون، جهوداً رائعة في سبيل بناء الصرح الذي نعيشه
حالياً في هذين الحقلين الجوهريين في الحياة المعاصرة.
لقد أصبحت مدينة دبي، بقضلهما، منارة إعلامية وثقافية وعبر
تشجيعهما ورعايتهما إنطلقت نشاطات وفاعليات مهرجانات عديدة
وبنجاح ملحوظ سينمائياً، وهو مجال كتابنا هذا، دارت عجلة العمل
السينمائي بلا توقف، مهرجان عالمي رائد وكبير، ثم مهرجان
إماراتي/ خليجي ناجح، بالإضافة إلى دعم في هيئة صندوق واحد...
ثم صندوقان... فصناديق مختلفة.
ثقافياُ، لم يتأخر الركب عن مثيله الفني والإعلامي، فإذا بدبي
محطة ثقافية وأدبية أولى في المنطقة العربية. درست وخططت
واستوعبت وانتجت، والهدف كان نبيلاً ومثمراً تشجيع العمل
الثقافي في مختلف أنواعه وميادينه إدراكاً بأن هذا العمل هو
الواجهة الأولى لتقدم المجتمعات أينما كانت.
"دليل السينما العربية والعالمية" هو مشروع يصب في الخانتين
معاً: مشروع ثقافي ومشروع سينمائي. غايته تأريخ السينما
المعاصرة وتناول إنتاجاتها العربية والعالمية. توفير نظرة
بانورامية وموسوعية شاملة تتناول كل ما يشاهده الناقد من أفلام
من كل نوع ولون ومستوى. نظرة لا تريد أن تصنف الأفلام إلى
قليلة تستحق الكتابة عنها وكثيرة لا داعي لتقديمها، بل تضع
السينما في جوانبها ووجوهها المختلفة أمام القاريء سواء أكان
من أهل المهنة أو من الجمهور الشاسع من حولنا.
وعلى ذكر هذا الجمهور الشاسع، فإن صدور هذا الكتاب يأتي في
الوقت المناسب فالإقبال على صالات السينما هنا في دولة
الإمارات أو في الكويت والبحرين وقطر وصل إلى نسب لم تتحقق من
قبل، وعلى الرغم من مشاكل وأوضاع الدول الأخرى، إلا أن صالات
السينما لا زالت تعمل بنشاط لتأمين هذا الجانب من الحياة
اليومية. لذلك، يأتي هذا الكتاب كصديق للمشاهد وكشريك للحالة
الرائجة التي تعيشها الأسواق السينمائية اليوم.
نقطة أخيرة لابد من تسجيلها بخصوص هذه الأسواق: إنحيازها
لنوعية معينة من الأفلام هو دافع آخر لهذا الكتاب، كونه يحمل
بين دفتيه ما يشكل بديلاً للسينمات الأخرى من المكسيك وحتى
الدنمارك ومن المغرب وصولاً إلى البرازيل ومروراً بالهند
والصين وكل أوروبا. هذه الصناعات ضرورية وحتمية من دون أن تلغي
أهمية وحجم السينما السائدة ورواجها. وإذا ما كان لهذا الكتاب
عنواناً جامعاً ودوراً ثابتاً فهو في الجمع بين هذين النوعين
الأساسيين في السينما: الفن والترفيه.
يبقى القول أن واحداً من أهم دوافع قيامي بنشر هذا الكتاب
السينمائي الفريد هو مؤلفه محمد رضا، الناقد السينمائي الذي
يعلم الجميع تاريخه الحافل وموهبته وإخلاصه لما يقوم به وهذا
كان ضماناً شخصياً كبيراً وحافزاً أكبر، وفرصة للتعاون معاً
لنسدد ديوننا جيال حبنا للفن السابع.
الناشر
عبدالله الشاعر