ليس هذا كتاب عادي عن موضوع واحد لكي يسهل تقديمه في مثل هذا الإيجاز.
إنه الكتاب الأول من دليل سينمائي يهدف للصدور مرة كل عام ليقدم أحداث
وشؤون ونشاطات كل السينما في سنة.
دليل يؤرخ للأحداث، يقدم لوائح أفلام كاملة، يضع الحقائق والمعلومات
أمام القارىء حول الجوانب التي تهمه في عالم الصورة المتحركة في
السينما، التلفزيون والفيديو، ويقيم علاقات توثيقية مع الذين أنتجوا
خلال العام عملاً يستحق ذكره مهما كانت صفة العمل الذي مارسوه في ذلك
الإنتاج.
لكنه، أيضاً، ليس مجرد دليل لا يقرأ أو يستعان به إلا وقت الحاجة فقط،
أي حين محاولة البحث عن عنوان فيلم هنا، أو معلومات عن مخرج أو سينمائي
هناك. بل يقيني هو أني وضعت كتاباً يتضمن مزجاً متوازناً بين دليل يخرج
عن تقليد كل محاولة (عربية وغير عربية) سابقة في هذا المجال، وبين كتاب
في السينما يضيف إلى جانب ذلك المعلومات والدراسات والمقالات ونقد
الأفلام وتقديم السينمائيين، حاوياً عناصر الاستمتاع بمطالعته حتى لا
يكون ـ على الرغم من فائدته الإعلامية والثقافية ـ جافاً للقراءة، أو
مجرد مرجع يوضع على الرف لحين الحاجة.
في هذا الأسلوب توسيع لرقعة الذين ستوجه إليهم هذا العمل. إنهم في
جمهور هواة السينما والمثقفين عموماً، وفي القطاع الأوسع من الناس
الذين يتطلعون إلى كتاب سينمائي يثير لديهم جب الإطلاع ويضمن لهم
تواصلاً في المعلومات. وفي قطاع النقاد والصحافيين الذين يدركون تماماً
فقرنا بمثل هذه الكتب، والذين، كما أعتقد، سيرونه ملبياً لحاجة الوقوف
عند الحقائق التي فيه، وللمؤسسات السينمائية العامة وشركات الإنتاج
الخاصة التي بدورها تفتقر إلى مثل هذا العمل، كما إلى المؤسسات
الإعلامية، وإلى الموثقين في المكتبات العامة أو المراجعين والباحثين.
وما يجعل هذا العمل مطمئناً إلى نجاحه في كافة هذه الأوساط، ليس فقط
تغطيته للمجالات المتعددة التي يتألف منها العمل السينمائي،
والتلفزيوني أيضاً، بل أيضاً حقيقة أنه ـ ومثل كل دليل في أي مجال
حياتي أو ميدان ـ يبقى في متناول الأيدي حتى من بعد انقضاء السنة التي
صدر فيها.
وهنا لا بد لي من الإشارة إلى أن أحد المقترحات التي قدمت لي من بعض
الزملاء الذين سمعوا بالعمل وهو مازال بعد في طور الكتابة، هو أن أكتفي
بوضع لوائحه العامة بحيث أني في السنة التالية لا أفعل أكثر من إضافة
ما قد يطرأ من جديد، وفي ذلك إراحة لي وتوفيراً لجهدي ووقتي. لكني، كما
يوضح هذا الكتاب، رفضت الفكرة، ذلك لأن الميزة الأساسية التي يتوخاها
هذا العمل لنفسه هو أن يكون دليلاً مقروءاً في كل وقت، وأن يؤرخ لنشاط
كل سنة بسنتها بحيث لا يتحول إلى كتاب عناوين أو إلى ما يشبه دليل
الهاتف حيث تصطف الأسماء فيه إلى ما لا نهاية.
أما العلاقة الاستثنائية التي ينشد الكتاب اقامتها فهي مع السينمائيين
أنفسهم. أنه يريد، وبتواضع شديد، أن يكون حافزاً للعمل الأفضل الذي
نطمح إليه جميعاً. وهو ـ الكتاب ـ يعرف سلفاً أن الأمور قد تركت مهملة
طوال تاريخ السينما، وأن معظم الفنانين (إلى أي حقل انتموا) لا يحتفظون
بلوائح أعمالهم مسجلة وموثقة، بل وأحياناً ـ وهذا يطال حتى نجوم
السينما ـ لا يحاولون. وأحد محاولتي الكتاب هو دفعهم إلى توثيق
نشاطاتهم لمساعدتنا على محاربة الحاجة الشديدة التي تعيش فيها السينما
العربية على هذا الصعيد، ولبعث شيء من الجدية في سينما عربية عريقة
تعيش بلا ذاكرة.
المحاولة الثانية تنطلق من حقيقة أن البطولة في هذا الكتاب تعطي
للأعمال التي تستحق التوقف عندها على اختلاف درجات نجاحها على صعيدي
الجودة والاقبال. وأن الأدوار الرئيسية في هذا العمل توزع على معظم
الذين قدموا خلال سنة ما يستحق الوقوف عنده بالذكر. وكل هذا من خلال
هامش عريض غير مقيد يقبل كل ما من شأنه أن يزيد في توثيق واثراء
معلومات الكتاب وشموله. ولا يتوقف عند الأسماء اللامعة على الإطلاق. بل
يولي عناية أساسية لكل العاملين في هذا الميدان الكبير.
والهدف الذي آمل الوصول إليه الآن ولاحقاً، هو أن يكون هذا الكتاب أشبه
بمؤشر دقيق لكل الإنتاج العربي، السينمائي والتلفزيوني (وإن كان على
صعيد أصغر) في حقول الأفلام الروائية وغير الروائية.
لقد روعي في تقسيم الأبواب والفصول إلى أن يستوعب العمل منذ بدايته
كافة أقسام وأصعدة الفيلم، ومختلف ميادين النشاط السينمائي والتلفزيوني
وأشكال هذا الفن، وإذ لم أبخل عليه بأي جهد يحول دون إنجاح هذه الرغبة،
إلا أني أعرف أن هناك ما كان يمكن إضافته في بعض الأماكن في سبيل
شمولية متكاملة تخلو من أي نقص. والذي منع من ذلك، هو أن كاهل كل ذلك
قد رمي على كتف عدد قليل جداً من العاملين فيه وعلى كتفاي، بالذات،
بحيث كان المجال والوقت أضيق من أن ينتظر استكمال كل ما في البال
والنفس من طموحات نعلم أننا قادرون عليها، وأننا سنتلافاها في الكتاب
المقبل بإذن الله.
استطراداً، هذه الأجزاء الناقصة، وبكل موضوعية، لا تشوه لا غايات
الكتاب ولا شموليته أو منهجيته، وبالطبع لا المحاولة الهادفة إلى تقديم
عمل مميز وشاق وممتع في نفس الوقت.
إن هذا الكتاب يرد في وقت تمر فيه صناعة السينما العربية عندنا على
مفترقات طرق، فهي تشهد في العموم سعياً حثيثاً أكثر في سبيل إنتاج
أفضل، وتعيش أزمنة صعبة وظروفاً دقيقة ترفض الإذعان لها، وتعاند في
الوصول إلى غاياتها. كما أن التلفزيون، في دول دون أخرى، يشهد انطلاقات
واسعة؛ يصاحبه تطور هائل في تجهيز الاستديوهات ورفع مستوى البرامج. إنه
الوقت الذي تجد فيه الثقافة العربية بشتى تطلعاتها الجادة أنها بحاجة
إلى لغة تواصل جديدة تعيد فيه ترتيب ما أفسدته الأزمات المتوالية، وما
أفرزته الظروف الحاضرة من مشاكل على كل صعيد حياتي ممكن. وإذا كان هناك
ثمة دور يستطيع مثل هذا العمل أن يلعبه في هذا المجال المحدود، فهو، أن
يربط بين التيارات الجادة، وأن يسد فراغاً في الواجهتين الثقافية
والإعلامية، ويعمل لإعادة توثيق الصلات ما بين السينما وجمهورها، وما
بينها وبين كافة المستويات الثقافية الفاعلة الأخرى. ولا يمكن تحقيق
هذه الأهداف، بل ولا يمكن توفير مستواه، ضمناً وشكلاً وأحداث ردة الفعل
الإيجابية منه، إلا إذا تم هذا العمل مستقلاً عن أي توجيه، وفي نفس
الوقت قريباً من جميع المؤسسات العامة والخاصة ومتعاوناً معها في سبيل
نقلة حضارية جادة وهادفة، ومن خلال تفاهم تام، وثقة كاملة.
إنه في السنوات العشر الأخيرة، برهنت السينما على أنها ليست فن المفهوم
الواحد. أي أن مفهوماً واحداً للسينما لا يستطيع أن ينقلنا من مستوى
إلى آخر، ولا من سينما تقليدية مجانية تثير الأسى، إلى سينما مزدهرة،
إيجابية وجيدة الصنع. بل هي ليست نتاج يتم صنعه بمقاييس محددة دون
سواها، بل هي نتاج يمكن له أن يستوعب كافة المعايير لإطلاق ما يناسب
أهدافنا منها، وما يتلاءم مع ثقافتنا وتراثنا وواقعنا العام. برهنت،
بعد أن طال الحديث فيها وحولها، أنها كل شيء تم ذكره فيها وأكثر. انها
أي شيء نعتقد أن الحياة ذاتها تحويه، من الخيال إلى الواقع، من الأبيض
الناصع إلى الأسود الحالك، من بديهيات الفن إلى تقنياته التي لا تترجم.
ومن أقصى المفاهيم الساذجة إلى أقصاها الناضجة. إنها حياة مثات الألوف
من الذين مروا فيها وصنعوها وأضافوا إليها وأثروا فيها. وهي أيضاً حياة
الملايين التي أموها وتأثروا بها (وفيها كذلك).
إن هذا الكتاب يريد أن يلعب أدواره من خلال هذا المفهوم الشامل للسينما
كفن وثقافة وفكر وترفيه وصناعة وتجارة وأعلام. لكن القبول بهذا المفهوم
الشامل لا يعني خروج مادته المطروحة عن أي أسس في التقييم والتعامل.
إنه يريد أن يحيط بكل هذه العناصر وفي الوقت ذاته أن يكون اضافة مستقلة
في عقل اليوم وبرهاناً على نجاح إرادة جامعة تستقبل على صفحاتها كل من
يود المساهمة في نشر هذه المعرفة المتطورة، ويوافق على أن السينما
الجادة التي نطالب بها ونبحث عنها في كل مكان من العالم، ليست على أي
نقيض من باقي العناصر التي يتكون منها الفيلم الناجح.
والله الموفق.