فيلمه تناول الكبت الجنسي لدي الشباب العربي المهاجر لأوروبا زياد الدويري:
بيروت ـ من زهرة مرعي |
في شريطه السينمائي الثاني عالج المخرج السينمائي اللبناني زياد دويري مسألة الكبت الجنسي لدي الشباب العربي المهاجر الي اوروبا. اختار بيئته في احياء الناس المهمشين حول باريس حيث يعيش الشباب المهاجر سلسلة صراعات بين واقع جديد لم يتمكنوا من التكيف الكلي معه، وبين قيم ومعتقدات حملوها معهم من مجتمعاتهم الأم. Lila dit ca هو عنوان الفيلم الجريء الذي قدمه زياد دويري والذي يعرض في عشرات الصالات علي صعيد العالم اجمع، كما يعرض في الصالات اللبنانية من دون ان يتعرض لحذف اي من مشاهده. وقريبا سوف يعرض هذا الفيلم في كل من تونس والمغرب، لكنه ربما لن يحظي بفرصة العرض في اي دولة عربية أخري نظرا لتضمنه مشاهد لا تصلح لمن هم دون الـ 18 من العمر. مع زياد دويري كان هذا الحوار حول فيلمه: · اخترت بيئة الشباب العرب المهمش في فرنسا لتتحدث عنها في فيلمك الجديد. الي اي حد يعكس هذا الشريط الحياة التي يعيشها الشباب العربي بشكل عام من قضية الجنس؟ يتحدث الفيلم عن علاقة غرامية بين فتاة فرنسية وشاب من اصول عربية. ولدي كتابة السيناريو بالتعاون مع جويل توما شعرنا بضرورة ايجاد اطار للقصة الدرامية تظهر الديناميكية القائمة حاليا في المجتمع العربي المقيم في الخارج والذي يصح علي المجتمعات المهاجرة في كل انحاء اوروبا. اخترت هذه البيئة لأنها تصلح دراماتيكيا للسيناريو. ولنتمكن من ابراز هذه العلاقة الغرامية كان لا بد من ايجاد حواجز بوجه هذين الحبيبين. شعرنا وكأننا بمواجهة وردة تنمو علي كومة من النفايات. قلنا ان بطل الفيلم تشيمو هو من ضمن مجموعة من الشباب الذين يحاولون التكيف مع المجتمع الفرنسي، لكن الفيلم لا يظهر كثيرا من الامل في هذا الجانب. وعندما تظهر فجأة ليلا تختار تشيمو لكي تخبره قصصها الغرامية. ليلا تتحدث بلغة حرة مع تشيمو ولا نتمكن من معرفة اصلها وفصلها واهدافها. وفي الوقت نفسه يغرم كل افراد شلة تشيمو بالفتاة لكنها تختاره وحده. · الي اي حد حاولت ايجاد نوع من التماهي بين المجتمعات العربية المسلمة المقيمة في الغرب وبين المجتمعات المقيمة في وطنها والمكبوتات الجنسية التي تعيشها؟ الكبت الجنسي موجود في كل المجتمعات لكنه أكبر في مجتمعاتنا العربية. هاجر العرب وحملوا معهم معتقداتهم وتقاليدهم ونظرتهم الي المرأة والجنس. حدث بعض التبدل لكن ما لاحظته ان المجتمعات العربية الموجودة في اوروبا بعضها خطي نحو التحرر والبعض الآخر يعيش ردة سلبية علي الواقع الذي لمسه في اوروبا. · في فيلمك الاول غرب بيروت والآن حاولت الاقتراب من فئة الشباب والمراهقين وتحدثت بلغتهم. هل تركت مرحلة المراهقة آثارها في نفسك لتتمكن من التعبير عنها بهذه الشفافية؟ بنظرة خاصة وعامة لمرحلة المراهقة اري انها ديناميكية جدا في حياة الشباب. في تلك المرحلة تطرح التساؤلات ويبدأ التخبط النفسي، وفي الوقت نفسه هناك نوع من الانفتاح الجنسي اضافة الي الصراعات. في غرب بيروت كان الابطال في عمر الـ15 سنة، والآن عمر الابطال هو 16 و19 سنة. غرب بيروت كان سيرة ذاتية. في Lila dit ca اقتبست القصة عن كتاب يحمل نفس العنوان واسم مؤلفه تشيمو .. تفاعلت مع هذا الكتاب ووجدته مغريا جدا لسيناريو سينمائي يتيح لي ان اعود ايضا الي قصتي. صغت السيناريو من خلال افكاري وافكار جويل توما، انه اقتباس فعلي. مؤلف الكتاب يقول ان اصله عربي.. كما ان التعابير المستخدمة تسمح لي باعتقاد شبه راسخ ان مؤلفه امرأة. · بين الفيلم الاول والثاني وجدنا تبادلا في ادارة اللعبة بين الابطال. في الاول كانت الفتاة خاضعة للعبة الذكور. وفي الثاني كانت الفتاة هي التي تدير اللعبة بالكامل. لماذا؟ هناك اختلاف في السيناريو بين الفيلمين، وبعض من التشابه. التشابه بين عملي الاول والثاني هو الدور القوي الذي اعطيه للنساء حتي وان كان دورا صغيرا. وفي الهرجانات التي شاركت فيها في الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وفرنسا،لاحظت ان اكثرية من هنأني بعد المشاهدة هم من النساء والدموع تترقرق من عيونهن. ربما تكون الادوار النسائية التي تقدمها افلامي تعبر عن مشاعر مخفية لدي النساء تمكنت من تحريرها سينمائيا. اعتقد ان المخيلة الجنسية الموجودة لدي ليلا تعبر عن حالة الكثير من النساء ربما هن يمتنعن عن التعبير عنها في حياتهن. وهنا اسأل نفسي ان كنت اقدم افلاما تؤله النساء؟ · في متابعة الفيلم يشعر المشاهد كأنه في بحث عن خيط يهدف الي الامساك به. هل هو التشويق؟ انه خيار دراماتيكي مقصود. اردنا غموضا يلف وجود ليلا في حياة تشيمو . تركنا الغموض موجودا الي نهاية الفيلم. تبدأ العلاقة الجنسية بينهما ومن ثم يدخلان في علاقة فكرية. كل ما يرد في الفيلم يأخذ الشكل التصاعدي ويترافق مع ازدياد الغموض، ومع تساؤلات تشيمو عن ما تريده منه هذه الفتاة وهو الشاب العربي الذي لا يجد اي معني لحياته. · كمخرج وكاتب هل توحدت مع اي من شخصيات الفيلم؟ اثناء الكتابة وجدت ان دور تشيمو هو مرآة لما أشعر به،لذلك تعلقت به كثيرا. اعترف اني خجول الي حد ما، وثقتي بنفسي محدودة. وليس سلبيا بالنسبة لي ان يسأل احدنا نفسه عن علاقته بالحياة وما يدور فيها. اني متردد واطرح علي نفسي الكثير من التساؤلات لكني في الوقت نفسه اتابع عملي. هذا التردد موجود في تشيمو لكنه لا يحكم علي تلك الفتاة التي تقتحم حياته بجرأة كبيرة. في كل ما نكتبه هناك جزء من الكاتب. · الطرق المتواصل علي المحظور الجنسي في مجتمعاتنا هل يؤدي الي النتائج التي ترجوها، ام نتائجه سلبية كما يراها المحافظون؟ ليس من شأن الفن في كل ابوابه ان يبدل في مسار المجتمعات. لم اسمع اطلاقا ان فيلما سينمائيا اسقط حكومة او بدل عقول الناس. مهمة الفنان ان يعبر عن ارائه وطرحها علي المجتمع بصورة جمالية. وهدف المشاهد هو التمكن من نسيان ما يحيط به لفترة قصيرة من الزمن. برأيي ان وظيفة الفن هو الترفيه عن المجتمع وتخفيف الضغوطات عن الناس، وجعلهم يتناسون الي حد ما الحقيقة الصعبة التي يعيشونها. ما الاحظه ان المشاهدين يخرجون من الصالة متأثرين وبذلك ادرك ان حقي قد وصلني. · ما هو رد فعلك علي الرقابة اللبنانية التي لم تمس الفيلم؟ كان الوقع صاعقا بالنسبة لي. دخلت الي الرقابة وفي نيتي خوض حرب دفاعية عن الفيلم. ولما وصلت الي الكولونيل المسؤولة عن الرقابة وجدت لديها انفتاحا ذهنيا رهيبا. لقد اخرستني حين قالت لي ليس بامكاني اقتطاع اي مشهد من الفيلم في الوقت الذي تلتقط فيها كل منازل بيروت افلام البورنو عبر الاقمار الاصطناعية . حينها رفعت لها العشرة، وسلمت معها بمنع المشاهدين دون الـ18 من الدخول الي الصالات وهذا حق طبيعي لها. واذا كانت كل الرقابات العربية كما في لبنان فسوف اعود للاستقرار في لبنان. · واين سيعرض الفيلم عربيا؟ تم بيعه الي كل من المغرب وتونس خاصة بعد عرضه هناك كعرض اول وترك اثرا كبيرا. لكني متأكد انه لن يعرض في مصر او الخليج او سورية والاردن، انما من المرجح ان يعرض في فلسطين كما عرض فيلم غرب بيروت . فيلمي ليس مسموحا له ان يدخل الدول المتزمتة او المحافظة. · كنت بصدد مشروع سينمائي حالت دونه احداث 11 ايلول. ماذا عنه؟ بعد غرب بيروت كتبت سيناريو يحمل عنوان رجل في الوسط . وهو يحكي قصة موظف يعمل في وزارة الخارجية الامريكية ويختص بشؤون الشرق الاوسط. علاقته بالمنطقة قوية جدا لأن والديه وكذلك جديه كانا دبلوماسيين في المنطقة. بعد حرب الخليج الاولي اقترح علي رئيس الجمهورية الامريكية ان يسمح له بالقدوم الي الشرق الاوسط لاقناع الحكام العرب والاسرائيليين بالتفاوض. تخاف الادارة الامريكية من ذلك لأن الدبلوماسي يحمل وجهة نظر عربية. يحذره الرئيس الامريكي كثيرا ومن ثم يسمح له بالقدوم الي المنطقة مع خطوط حمراء بأن تكون مهمته سرية للغاية وان لا يتحاور مع منظمة التحرير الفلسطينية ومع حزب الله لأنها منظمات ارهابية. وعندما يصل الي المنطقة يتحدث فقط مع من وضعت عليهم الخطوط الحمراء، لأنه يعتبرهم اساس الحل. ينجح في جمع الاطراف ويصل الي مؤتمر مدريد. اجتمعت بممثل امريكي كبير وافق علي العمل، لكن بعد اسبوع كانت احداث 11 ايلول، فخاف المنتجون الامريكيون من الخطوة وقالوا اكلنا كفا من العرب وليس من الطبيعي ان نمول فيلما يبدي وجهة النظر العربية عن القضية القائمة في الشرق الاوسط. وانا بالانتظار لأري ماذا سيحل بهذا السيناريو، لكن املي ضئيل. والاوروبيون من الطبيعي ان لا يمولوا فيلما بـ15 مليون دولار ليس لهم صلة فعلية فيه. · وما هي خطوتك التالية؟ هذه المرة لن ادخل الي مسألة عربية، سوف اكون في المكسيك حيث ظهرت السيدة العذراء، وقد بدأت الكتابة بالتعاون مع جويل توما. · من الجنس الي الدين. دائما مع المحظورات؟ لقد ولدت في خضم التحديات وانا ابحث دوما عن الصعب. القدس العربي في 13 مارس 2005 |
|